الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَكَذَلِكَ لَمْ يَخْتَلِفُ قَوْلُهُمَا إِنَّ الْوَاجِبَ فِيمَا يُخْرَجُ مِنْهُ هُوَ رُبُعُ الْعُشْرِ. وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَلَمْ يَرَ فِيهِ نِصَابًا وَلَا حَوْلًا، وَقَالَ: الْوَاجِبُ هُوَ الْخُمُسُ.
وَسَبَبُ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ: هَلِ اسْمُ الرِّكَازِ يَتَنَاوَلُ الْمَعْدِنَ أَمْ لَا يَتَنَاوَلُهُ؟ لِأَنَّهُ قَالَ عليه الصلاة والسلام: «وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» .
وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْمَعْدِنَ الَّذِي يُوجَدُ بِغَيْرِ عَمَلٍ أَنَّهُ رِكَازٌ وَفِيهِ الْخُمُسُ. فَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ فِي هَذَا هُوَ اخْتِلَافُهُمْ فِي دَلَالَةِ اللَّفْظِ، وَهُوَ أَحَدُ أَسْبَابِ الِاخْتِلَافَاتِ الْعَامَّةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا.
[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي نِصَابِ الْإِبِلِ وَالْوَاجِبِ فِيهِ]
وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ فِي كُلِّ خُمُسٍ مِنَ الْإِبِلِ شَاةً إِلَى أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ، فَإِذَا كَانَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ فَفِيهَا ابْنَةُ مَخَاضٍ إِلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ، فَإِنْ لَمْ تَكُنِ ابْنَةُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ، فَإِذَا كَانَتْ سِتًّا وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ إِلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ، فَإِذَا كَانَتْ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ إِلَى سِتِّينَ، فَإِذَا كَانَتْ وَاحِدًا وَسِتِّينَ فَفِيهَا جَذَعَةٌ إِلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ، فَإِذَا كَانَتْ سِتًّا وَسَبْعِينَ فَفِيهَا ابْنَتَا لَبُونٍ إِلَى تِسْعِينَ، فَإِذَا كَانَتْ وَاحِدًا وَتِسْعِينَ فَفِيهَا حِقَّتَانِ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، لِثُبُوتِ هَذَا كُلِّهِ فِي كِتَابِ الصَّدَقَةِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَمِلَ بِهِ بَعْدَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ.
وَاخْتَلَفُوا مِنْهَا فِي مَوَاضِعَ: مِنْهَا: فِيمَا زَادَ عَلَى الْعِشْرِينَ وَالْمِائَةِ. وَمِنْهَا: إِذَا عَدِمَ السِّنَّ
الْوَاجِبَةَ عَلَيْهِ، وَعِنْدَهُ السِّنُّ الَّذِي فَوْقَهُ أَوِ الَّذِي تَحْتَهُ مَا حُكْمُهُ؟ . وَمِنْهَا: هَلْ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي صِغَارِ الْإِبِلِ؟ وَإِنْ وَجَبَتْ فَمَا الْوَاجِبُ؟ .
فَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الأُولَى - وَهِيَ اخْتِلَافُهُمْ فِيمَا زَادَ عَلَى الْمِائَةِ وَعِشْرِينَ -: فَإِنَّ مَالِكًا قَالَ: إِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ وَاحِدَة، فَالْمُصَّدِّقُ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ أَخَذَ ثَلَاثَ بَنَاتِ لَبُونٍ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ حِقَّتَيْنِ إِلَى أَنْ تَبْلُغَ ثَلَاثِينَ وَمِائَةً فَيَكُونُ فِيهَا حِقَّةٌ وَابْنَتَا لَبُونٍ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مِنْ أَصْحَابِهِ: بَلْ يَأْخُذُ ثَلَاثَ بَنَاتِ لَبُونٍ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ إِلَى أَنْ تَبْلُغَ ثَمَانِينَ وَمِائَةً فَتَكُونُ فِيهَا حِقَّةٌ وَابْنَتَا لَبُونٍ، وَبِهَذَا الْقَوْلِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ: بَلْ يَأْخُذُ السَّاعِي حِقَّتَيْنِ فَقَطْ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ إِلَى أَنْ تَبْلُغَ مِائَةً وَثَلَاثِينَ. وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: - أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالثَّوْرِيُّ -: إِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ عَادَتِ الْفَرِيضَةُ عَلَى أَوَّلِهَا - وَمَعْنَى عَوْدهَا: أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُمْ فِي كُلِّ خَمْسِة ذود شَاةٌ -، فَإِذَا كَانَتِ الْإِبِلُ مِائَةً وَخَمْسا وَعِشْرِينَ كَانَ فِيهَا حِقَّتَانِ وَشَاةٌ: الْحِقَّتَانِ لِلْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ، وَالشَّاةُ: لِلْخَمْسِ -، فَإِذَا بَلَغَتْ ثَلَاثِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا حِقَّتَانِ وَشَاتَانِ، فَإِذَا كَانَتْ خَمْسًا وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا حِقَّتَانِ وَثَلَاثُ شِيَاهٍ إِلَى أَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ، فَفِيهَا حِقَّتَانِ وَأَرْبَعُ شِيَاهٍ إِلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ، فَإِذَا بَلَغَتْهَا فَفِيهَا حِقَّتَانِ وَابْنَةُ مَخَاضٍ - الْحِقَّتَانِ: لِلْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ، وَابْنَةُ الْمَخَاضِ: لِلْخَمْسِ وَعِشْرِينَ - كَمَا كَانَتْ فِي الْفَرْضِ الْأَوَّلِ إِلَى خَمْسِينَ وَمِائَةٍ، فَإِذَا بَلَغَتْهَا فَفِيهَا ثَلَاثُ حِقَاقٍ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى الْخَمْسِينَ وَمِائَةٍ اسْتُقْبِلَ بِهَا الْفَرِيضَةُ الْأُولَى إِلَى أَنْ تَبْلُغَ مِائَتَيْنِ، فَيَكُونُ فِيهَا أَرْبَعُ حِقَاقٍ، ثُمَّ يُسْتَقْبَلُ بِهَا الْفَرِيضَةُ.
وَأَمَّا مَا عَدَا الْكُوفِيِّينَ مِنَ الْفُقَهَاءِ: فَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْمِائَةِ وَالثَّلَاثِينَ، فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ.
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ فِي عَوْدَةِ الْفَرْضِ أَوْ لَا عَوْدَتِهِ: اخْتِلَافُ الْآثَارِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ ثَبَتَ فِي كِتَابِ الصَّدَقَةِ أَنَّهُ قَالَ عليه الصلاة والسلام:«فَمَا زَادَ عَلَى الْعِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ» . وَرُوِيَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ كَتَبَ كِتَابَ الصَّدَقَةِ وَفِيهِ: «إِذَا زَادَتِ الْإِبِلُ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ اسْتوفَتِ الْفَرِيضَةُ» .
فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى تَرْجِيحِ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ إِذْ هُوَ أَثْبَتَ، وَذَهَبَ الْكُوفِيُّونَ إِلَى تَرْجِيحِ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ لِأَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَهُمْ هَذَا مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ، قَالُوا: وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِثْلُ هَذَا إِلَّا تَوْقِيفًا إِذْ كَانَ مِثْلُ هَذَا لَا يُقَالُ بِالْقِيَاسِ.
وَأَمَّا سَبَبُ اخْتِلَافِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَالشَّافِعِيِّ فِيمَا زَادَ عَلَى الْمِائَةِ وَعِشْرِينَ إِلَى الثَلَاثِينَ ; فَلِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَقِمْ لَهُمْ حِسَابُ الْأَرْبَعِيناتِ وَلَا الْخَمْسِيناتِ، فَمَنْ رَأَى أَنَّ مَا بَيْنَ الْمِائَةِ وَعِشْرِينَ إِلَى أَنْ يَسْتَقِيمَ الْحِسَابُ وَقْصٌ قَالَ: لَيْسَ فِيمَا زَادَ عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ الثَّابِتِ شَيْءٌ ظَاهِرٌ حَتَّى يَبْلُغَ مِائَةً وَثَلَاثِينَ وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ.
وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ وَابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنَّمَا ذَهَبَا إِلَى أَنَّ فِيهَا ثَلَاثَ بَنَاتِ لَبُونٍ، لِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ فِي كِتَابِ الصَّدَقَةِ:«أَنَّهَا إِذَا بَلَغَتْ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ ثَلَاثِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ وَحِقَّةٌ» .
فَسَبَبُ اخْتِلَافِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ الْقَاسِمِ ; هُوَ مُعَارَضَةُ ظَاهِرِ الْأَثَرِ الثَّابِتِ لِلتَّفْسِيرِ الَّذِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ، فابْن الْمَاجِشُونِ رَجَّحَ ظَاهِرَ الْأَثَرِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى ثُبُوتِهِ، وَابْنُ الْقَاسِمِ وَالشَّافِعِيُّ حَمَلَا الْمُجْمَلَ عَلَى الْمُفَصَّلِ الْمُفَسِّرِ. وَأَمَّا تَخْيِيرُ مَالِكٍ السَّاعِي، فَكَأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْأَثَرَيْنِ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ - وَهُوَ إِذَا عَدِمَ السِّنَّ الْوَاجِبَ مِنَ الْإِبِلِ الْوَاجِبَةِ، وَعِنْدَهُ السِّنُّ الَّذِي فَوْقَ هَذَا السِّنِّ أَوْ تَحْتَهُ -: فَإِنَّ مَالِكًا قَالَ: يُكَلَّفُ شِرَاءَ ذَلِكَ السِّنِّ. وَقَالَ قَوْمٌ: بَلْ يُعْطِي السِّنَّ الَّذِي عِنْدَهُ وَزِيَادَةَ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، إِنْ كَانَ السِّنُّ الَّذِي عِنْدَهُ أَحَطَّ أَوْ شَاتَيْنِ، وَإِنْ كَانَ أَعْلَى دَفَعَ إِلَيْهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ، وَهَذَا ثَابِتٌ فِي كِتَابِ الصَّدَقَةِ، فَلَا مَعْنَى لِلْمُنَازَعَةِ فِيهِ، وَلَعَلَّ مَالِكًا لَمْ يَبْلُغْهُ هَذَا الْحَدِيثُ، وَبِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْوَاجِبُ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ؛ عَلَى أَصْلِهِ فِي إِخْرَاجِ الْقِيَمِ فِي الزَّكَاةِ. وَقَالَ قَوْمٌ: بَلْ يُعْطِي السِّنَّ الَّذِي عِنْدَهُ، وَمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْقِيمَةِ.