المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثاني: فيما يلزم من النذور وما لا يلزم - بداية المجتهد ونهاية المقتصد - جـ ٢

[ابن رشد الحفيد]

فهرس الكتاب

- ‌[كِتَابُ الزَّكَاةِ] [

- ‌الْجُمْلَةُ الْأُولَى فِي مَعْرِفَةِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الزكاة]

- ‌[الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ فِي مَعْرِفَةِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزكاة مِنَ الْأَمْوَالِ]

- ‌[الْجُمْلَةُ الثَّالِثَةُ فِي مَعْرِفَةُ نصابِ الزكاة]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي نصاب الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي نِصَابِ الْإِبِلِ وَالْوَاجِبِ فِيهِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي نِصَابِ الْبَقَرِ وَقَدْرِ الْوَاجِبِ فِي ذَلِكَ]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي نِصَابِ الْغَنَمِ وَقَدْرِ الْوَاجِبِ مِنْ ذَلِكَ]

- ‌[الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي نِصَابِ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ وَالْقَدْرِ الْوَاجِبِ فِي ذَلِكَ]

- ‌[الْفَصْلُ السَّادِسُ فِي نِصَابِ الْعُرُوضِ]

- ‌[الْجُمْلَةُ الرَّابِعَةُ فِي وَقْتِ الزَّكَاةِ]

- ‌[الْجُمْلَةُ الْخَامِسَةُ فِيمَنْ تَجِبُ لَهُ الصَّدَقَةُ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي عَدَدِ الْأَصْنَافِ الَّذِينَ تَجِبُ لَهُمُ الزَّكَاةُ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي صِفَاتُ أهل الزكاة الَّتِي يَسْتَوْجِبُونَ بِهَا الصَّدَقَةَ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ قَدْرُ مَا يُعْطَى أهل الزكاة منها]

- ‌[كِتَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ] [

- ‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ حُكْم زكاة الفطر]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ زكاة الفطر وَعَنْ مَنْ تَجِبُ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ مِمَّاذَا تَجِبُ زكاة الفطر]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِعُ مَتَّى تَجِبُ زَكَاةُ الْفِطْرِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْخَامِسُ لِمَنْ تُصْرَفُ زكاة الفطر]

- ‌[كِتَابُ الصِّيَامِ] [

- ‌الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنَ الصَّوْمِ الْمَفْرُوضِ الْجُمْلَةُ الْأُولَى أَنْوَاعُ الصِّيَامِ الْوَاجِبِ]

- ‌[الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ فِي أَرْكَان الصيام]

- ‌[الرُّكْنُ الْأَوَّلُ في الصيام هو الزَّمَانُ]

- ‌[الرُّكْنُ الثَّانِي في الصيام وَهُوَ الْإِمْسَاكُ]

- ‌[الرُّكْنُ الثَّالِثُ في الصيام وَهُوَ النِّيَّةُ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّانِي مِنَ الصَّوْمِ الْمَفْرُوضِ وَهُوَ الْكَلَامُ فِي الْفِطْرِ وَأَحْكَامِهِ]

- ‌[قَضَاءُ الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ]

- ‌[أَحْكَامُ الْمُرْضِعِ وَالْحَامِلِ وَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ في الصيام]

- ‌[أَحْكَامُ مَنْ يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ إِذَا أَفْطَرَ]

- ‌[سُنَنُ الصَّوْمِ]

- ‌[كِتَابُ الصِّيَامِ الثَّانِي]

- ‌[الصيام الْمَنْدُوبُ إِلَيْهِ]

- ‌[الْأَيَّامُ الْمَنْهِيُّ عَنِ الصِّيَامِ فِيهَا]

- ‌[كِتَابُ الِاعْتِكَافِ]

- ‌[كِتَابُ الْحَجِّ] [

- ‌الْجِنْسُ الْأَوَّلُ مَعْرِفَةُ وُجُوبِ الحج وَشُرُوطِهِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي الْجِنْسِ الثَّانِي أَرْكَانُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي شُرُوطِ الْإِحْرَامِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي مِيقَاتِ الْمَكَانِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي مِيقَاتِ الزَّمَانِ]

- ‌[مَا يَمْنَعُ الْإِحْرَامَ مِنَ الْأُمُورِ الْمُبَاحَةِ لِلْحَلَالِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي أَنْوَاعِ هَذَا النُّسُكِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ]

- ‌[الْخُرُوجُ إِلَى عَرَفَةَ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي أَفْعَالِ الْمُزْدَلِفَةِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي رَمْيِ الْجِمَارِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي الْجِنْسِ الثَّالِثِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي الْإِحْصَارِ في الحج]

- ‌[الْقَوْلُ فِي أَحْكَامِ جَزَاءِ الصَّيْدِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي فِدْيَةِ الْأَذَى وَحُكْمُ الْحَالِقِ رَأْسَهُ قَبْلَ مَحَلِّ الْحَلْقِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي كَفَّارَةِ الْمُتَمَتِّعِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي كَفَّارَةِ الْجِمَاعِ فِي الْحَجِّ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي فَوَاتِ الْحَجِّ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي الْكَفَّارَاتِ الْمَسْكُوتِ عَنْهَا في الحج]

- ‌ الْقَوْلُ فِي الْهَدْيِ

- ‌[كِتَابُ الْجِهَادِ]

- ‌[الْجُمْلَةُ الْأُولَى فِي مَعْرِفَةِ أَرْكَانِ الْحَرْبِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ حُكْمِ الجهاد]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي مَعْرِفَةِ الَّذِينَ يُحَارَبُونَ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي مَعْرِفَةِ مَا يَجُوزُ مِنَ النِّكَايَةِ بِالْعَدُوِّ]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي شَرْطِ الْحَرْبِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي مَعْرِفَةِ الْعَدَدِ الَّذِينَ لَا يَجُوزُ الْفِرَارُ عَنْهُمْ]

- ‌[الْفَصْلُ السَّادِسُ فِي جَوَازِ الْمُهَادِنَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ السَّابِعُ لِمَاذَا يُحَارَبُونَ]

- ‌ الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي حُكْمِ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي حُكْمِ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي حُكْمِ الْأَنْفَالِ]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي حُكْمِ مَا وُجِدَ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ الْكُفَّارِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي حُكْمِ مَا افْتَتَحَ الْمُسْلِمُونَ مِنَ الْأَرْضِ عَنْوَةً]

- ‌[الْفَصْلُ السَّادِسُ فِي قِسْمَةِ الْفَيْءِ]

- ‌[الْفَصْلُ السَّابِعُ فِي الْجِزْيَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْأَيْمَانِ] [

- ‌الْجُمْلَةُ الْأُولَى فِي مَعْرِفَةِ ضُرُوبِ الْأَيْمَانِ وَأَحْكَامِهَا] [

- ‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ الْأَيْمَانِ الْمُبَاحَةِ وَتَمْيِيزِهَا مِنْ غَيْرِهَا]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي مَعْرِفَةِ الْأَيْمَانِ اللَّغْوِيَّةِ وَالْمُنْعَقِدَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي مَعْرِفَةِ الْأَيْمَانِ الَّتِي تَرْفَعُهَا الْكَفَّارَةُ وَالَّتِي لَا تَرْفَعُهَا]

- ‌[الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ فِي مَعْرِفَةِ الْأَشْيَاءِ الرَّافِعَةِ لِلْأَيْمَانِ اللَّازِمَةِ وَأَحْكَامِهَا]

- ‌[الْقِسْمُ الْأَوَّلُ النَّظَرُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي شُرُوطِ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُؤَثِّرِ فِي الْيَمِينِ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّانِي مِنَ الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ النَّظَرُ فِي الْكَفَّارَاتِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي مُوجِبِ الْحِنْثِ وَشُرُوطِهِ وَأَحْكَامِهِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي رَافِعِ الْحِنْثِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ مَتَى تَرْفَعُ الْكَفَّارَةُ الْحِنْثَ وَكَمْ تَرْفَعُ]

- ‌[كِتَابُ النُّذُورِ] [

- ‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي أَصْنَافِ النُّذُورِ]

- ‌الْفَصْلُ الثَّانِي: فِيمَا يَلْزَمُ مِنَ النُّذُورِ وَمَا لَا يَلْزَمُ

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ مَعْرِفَةِ الشَّيْءِ الَّذِي يَلْزَمُ عَنْ النذر وَأَحْكَام ذلك]

- ‌[المسألة الأولى الْوَاجِبُ فِي النَّذْرِ الْمُطْلَقِ]

- ‌[كِتَابُ الضَّحَايَا] [

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي حُكْمِ الضَّحَايَا وَمَنِ الْمُخَاطَبُ بِهَا]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي فِي أَنْوَاعِ الضَّحَايَا وَصِفَاتِهَا وَأَسْنَانِهَا وَعَدَدِهَا]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ فِي أَحْكَامِ الذَّبْحِ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي أَحْكَامِ لُحُومِ الضَّحَايَا]

- ‌[كِتَابُ الذَّبَائِحِ] [

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ مَحَلِّ الذَّبْحِ وَالنَّحْرِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي فِي الذَّكَاةِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ فِيمَا تَكُونُ بِهِ الذَّكَاةُ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي شُرُوطِ الذَّكَاةِ]

- ‌[الْبَابُ الْخَامِسُ فِيمَنْ تَجُوزُ تَذْكِيَتُهُ وَمَنْ لَا تَجُوزُ]

الفصل: ‌الفصل الثاني: فيما يلزم من النذور وما لا يلزم

[كِتَابُ النُّذُورِ] [

‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي أَصْنَافِ النُّذُورِ]

وَهَذَا الْكِتَابُ فِيهِ ثَلَاثَةُ فُصُولٍ:

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: فِي أَصْنَافِ النُّذُورِ.

‌الْفَصْلُ الثَّانِي: فِيمَا يَلْزَمُ مِنَ النُّذُورِ وَمَا لَا يَلْزَمُ

، وَجُمْلَةُ أَحْكَامِهَا.

الْفَصْلُ الثَّالِثُ: فِي مَعْرِفَةِ الشَّيْءِ الَّذِي يَلْزَمُ عَنْهَا وَأَحْكَامِهَا.

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: فِي أَصْنَافِ النُّذُورِ

وَالنُّذُورُ تَنْقَسِمُ أَوَّلًا قِسْمَيْنِ: قِسْمٌ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ، وَقِسْمٌ مِنْ جِهَةِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تُنْذَرُ. فَأَمَّا مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ فَإِنَّهُ ضَرْبَانِ: مُطْلَقٌ وَهُوَ الْمُخْرَجُ مَخْرَجَ الْخَبَرِ، وَمُقَيَّدٌ: وَهُوَ الْمُخْرَجُ مُخْرَجَ الشَّرْطِ. وَالْمُطْلَقُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: مُصَرَّحٌ فِيهِ بِالشَّيْءِ الْمَنْذُورِ بِهِ، وَغَيْرُ مُصَرَّحٍ، فَالْأَوَّلُ: مِثْلُ قَوْلِ الْقَائِلِ: لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ أَنْ أَحُجَّ، وَالثَّانِي: مِثْلُ قَوْلِهِ: لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ، دُونَ أَنْ يُصَرِّحَ بِمَخْرَجِ النَّذْرِ، وَالْأَوَّلُ رُبَّمَا صَرَّحَ فِيهِ بِلَفْظِ النُّذُورِ، وَرُبَّمَا لَمْ يُصَرِّحْ فِيهِ بِهِ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَحُجَّ.

وَأَمَّا الْمُقَيَّدُ الْمُخْرَجُ مَخْرَجَ الشَّرْطِ: فَكَقَوْلِ الْقَائِلِ: إِنْ كَانَ كَذَا فَعَلَيَّ لِلَّهِ نَذْرٌ كَذَا، وَأَنْ أَفْعَلَ كَذَا، وَهَذَا رُبَّمَا عَلَّقَهُ بِفِعْلٍ مِنْ أَفْعَالِ اللَّهِ تَعَالَى، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: إِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَعَلَيَّ نَذْرٌ كَذَا وَكَذَا، وَرُبَّمَا عَلَّقَهُ بِفِعْلِ نَفْسِهِ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: إِنْ فَعَلْتُ كَذَا فَعَلَيَّ نَذْرٌ كَذَا، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُسَمِّيهِ الْفُقَهَاءُ أَيْمَانًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِنَا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِأَيْمَانٍ، فَهَذِهِ هِيَ أَصْنَافُ النَّذْرِ مِنْ جِهَةِ الصِّيَغِ.

وَأَمَّا أَصْنَافُهُ مِنْ جِهَةِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي مِنْ جِنْسِ الْمَعَانِي الْمَنْذُورِ بِهَا: فَإِنَّهَا تَنْقَسِمُ إِلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: نَذْرٌ بِأَشْيَاءَ مِنْ جِنْسِ الْقُرَبِ، وَنَذْرٌ بِأَشْيَاءَ مِنْ جِنْسِ الْمَعَاصِي، وَنَذْرٌ بِأَشْيَاءَ مِنْ جِنْسِ الْمَكْرُوهَاتِ، وَنَذْرٌ بِأَشْيَاءَ مِنْ جِنْسِ الْمُبَاحَاتِ. وَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ تَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ: نَذْرٌ بِتَرْكِهَا، وَنَذْرٌ بِفِعْلِهَا.

[الْفَصْلُ الثَّانِي فِيمَا يَلْزَمُ مِنَ النُّذُورِ وَمَا لَا يَلْزَمُ]

وَأَمَّا مَا يَلْزَمُ مِنْ هَذِهِ النُّذُورِ وَمَا لَا يَلْزَمُ، فَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى لُزُومِ النَّذْرِ الْمُطْلَقِ فِي الْقُرَبِ إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ النَّذْرَ الْمُطْلَقَ لَا يَجُوزُ، وَإِنَّمَا اتَّفَقُوا عَلَى لُزُومِ النَّذْرِ الْمُطْلَقِ إِذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الرِّضَا لَا عَلَى وَجْهِ اللَّجَاجِ ; وَصُرِّحَ فِيهِ بِلَفْظِ النَّذْرِ لَا إِذَا لَمْ يُصَرَّحْ، وَسَوَاءٌ أكَانَ النَّذْرُ مُصَرَّحًا فِيهِ بِالشَّيْءِ الْمَنْذُورِ أَوْ كَانَ غَيْرَ مُصَرَّحٍ. وَكَذَلِكَ أَجْمَعُوا عَلَى لُزُومِ

ص: 184

النَّذْرِ الَّذِي مَخْرَجُهُ مَخْرَجُ الشَّرْطِ إِذَا كَانَ نَذْرًا بِقُرْبَةٍ، وَإِنَّمَا صَارُوا لِوُجُوبِ النَّذْرِ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] . وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ مَدَحَ بِهِ فَقَالَ: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} [الإنسان: 7] . وَأَخْبَرَ بِوُقُوعِ الْعِقَابِ بِنَقْضِهِ، فَقَالَ:{وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ} [التوبة: 75] الْآيَةَ، إِلَى قَوْلِهِ:{وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [التوبة: 77] .

وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ فِي التَّصْرِيحِ بِلَفْظِ النَّذْرِ فِي النَّذْرِ الْمُطْلَقِ: هُوَ اخْتِلَافُهُمْ فِي هَلْ يَجِبُ النَّذْرُ بِالنِّيَّةِ وَاللَّفْظِ مَعًا أَوْ بِالنِّيَّةِ فَقَطْ؟ فَمَنْ قَالَ بِهِمَا مَعًا إِذَا قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا وَكَذَا ; وَلَمْ يَقُلْ: نَذْرًا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، لِأَنَّهُ إِخْبَارٌ بِوُجُوبِ شَيْءٍ لَمْ يُوجِبْهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، إِلَّا أَنْ يُصَرِّحَ بِجِهَةِ الْوُجُوبِ، وَمَنْ قَالَ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ اللَّفْظُ قَالَ: يَنْعَقِدُ النَّذْرُ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِلَفْظِهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ أَعْنِي: أَنَّهُ إِذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِلَفْظِ النَّذْرِ أَنَّهُ يَلْزَمُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ النَّذْرَ لَا يَلْزَمُ إِلَّا بِالنِّيَّةِ وَاللَّفْظِ، لَكِنْ رَأَى أَنَّ حَذْفَ لَفْظِ النَّذْرِ مِنَ الْقَوْلِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، إِذْ كَانَ الْمَقْصُودُ بِالْأَقَاوِيلِ الَّتِي مَخْرَجُهَا مَخْرَجُ النَّذْرِ النَّذْرَ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ فِيهَا بِلَفْظِ النَّذْرِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ، وَالْأَوَّلُ مَذْهَبُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ.

وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَنْ لَمْ يَرَ لُزُومَ النَّذْرِ الْمُطْلَقِ إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ حَمَلَ الْأَمْرَ بِالْوَفَاءِ عَلَى النَّدْبِ، وَكَذَلِكَ مَنِ اشْتَرَطَ فِيهِ الرِّضَا ; فَإِنَّمَا اشْتَرَطَهُ لِأَنَّ الْقُرْبَةَ إِنَّمَا تَكُونُ عَلَى جِهَةِ الرِّضَا، لَا عَلَى جِهَةِ اللَّجَاجِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ.

وَأَمَّا مَالِكٌ فَالنَّذْرُ عِنْدَهُ لَازِمٌ عَلَى أَيِّ جِهَةٍ وَقَعَ، فَهَذَا مَا اخْتَلَفُوا فِي لُزُومِهِ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ.

وَأَمَّا مَا اخْتَلَفُوا فِي لُزُومِهِ مِنْ جِهَةِ الْأَشْيَاءِ الْمَنْذُورِ بِهَا، فَإِنَّ فِيهِ مِنَ الْمَسَائِلِ الْأُصُولِ اثْنَتَيْنِ:

الْمَسْأَلَةُ الأُولَى: اخْتَلَفُوا فِيمَنْ نَذَرَ مَعْصِيَةً: فَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ: لَيْسَ يَلْزَمُهُ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانُ، وَالْكُوفِيُّونَ: بَلْ هُوَ لَازِمٌ، وَاللَّازِمُ عِنْدَهُمْ فِيهِ هُوَ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، لَا فِعْلُ الْمَعْصِيَةِ.

وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: تَعَارُضُ ظَوَاهِرِ الْآثَارِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثَانِ أَحَدُهُمَا: حَدِيثُ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ» . فَظَاهِرٌ هَذَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ النَّذْرُ بِالْعِصْيَانِ.

وَالْحَدِيثُ الثَّانِي: حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الثَّابِتُ عَنِ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ قَالَ «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» . وَهَذَا نَصٌّ فِي مَعْنَى اللُّزُومِ.

فَمَنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي هَذَا، قَالَ: الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ تَضَمَّنَ الْإِعْلَامَ بِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ لَا تَلْزَمُ، وَهَذَا الثَّانِي تَضَمَّنَ لُزُومَ الْكَفَّارَةِ. فَمَنْ رَجَّحَ ظَاهِرَ حَدِيثِ عَائِشَةَ إِذْ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُ حَدِيثُ

ص: 185

عِمْرَانَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَيْسَ يَلْزَمُ فِي الْمَعْصِيَةِ شَيْءٌ. وَمَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ أَوْجَبَ فِي ذَلِكَ كَفَّارَةَ يَمِينٍ.

قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: ضَعَّفَ أَهْلُ الْحَدِيثِ حَدِيثَ عِمْرَانَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالُوا: لِأَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ يَدُورُ عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ، وَهُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَحَدِيثَ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ يَدُورُ عَلَى زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ، وَأَبُوهُ مَجْهُولٌ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُ ابْنِهِ، وَزُهَيْرٌ أَيْضًا عِنْدَهُ مَنَاكِيرُ، وَلَكِنَّهُ خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ.

وَقَدْ جَرَتْ عَادَةُ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ يَحْتَجُّوا لِمَالِكٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِمَا رُوِيَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلًا قَائِمًا فِي الشَّمْسِ، فَقَالَ: مَا بَالُ هَذَا؟ قَالُوا: نَذَرَ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ وَلَا يَسْتَظِلَّ وَلَا يَجْلِسَ، وَيَصُومُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مُرُوهُ فَلْيَتَكَلَّمْ وَلْيَجْلِسْ وَلْيُتِمَّ صِيَامَهُ» . قَالُوا: فَأَمَرَهُ أَنْ يُتِمَّ مَا كَانَ طَاعَةً لِلَّهِ، وَيَتْرُكَ مَا كَانَ مَعْصِيَةً، وَلَيْسَ بِالظَّاهِرِ أَنَّ تَرْكَ الْكَلَامِ مَعْصِيَةٌ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّهُ نَذْرُ مَرْيَمَ، وَكَذَلِكَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْقِيَامُ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ، إِلَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ مِنْ جِهَةِ إِتْعَابِ النَّفْسِ، فَإِنْ قِيلَ: فِيهِ مَعْصِيَةٌ، فَبِالْقِيَاسِ لَا بِالنَّصِّ، فَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُ مِنَ الْمُبَاحَاتِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ شَيْئًا مِنَ الْمُبَاحَاتِ، فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَلْزَمُ مَا عَدَا الزَّوْجَةَ. وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ: لَيْسَ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: فِي ذَلِكَ كَفَّارَةُ يَمِينٍ.

وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: مُعَارَضَةُ مَفْهُومِ النَّظَرِ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ} [التحريم: 1] . وَذَلِكَ أَنَّ النَّذْرَ لَيْسَ هُوَ اعْتِقَادُ خِلَافِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ أَعْنِي مِنْ تَحْرِيمِ مُحَلَّلٍ أَوْ تَحْلِيلِ مُحَرَّمٍ، وَذَلِكَ أَنَّ التَّصَرُّفَ فِي هَذَا إِنَّمَا هُوَ لِلشَّارِعِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لِمَكَانِ هَذَا الْمَفْهُومُ أَنَّ مَنْ حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ شَيْئًا أَبَاحَهُ اللَّهُ لَهُ بِالشَّرْعِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ، كَمَا لَا يَلْزَمُ إِنْ نَذَرَ تَحْلِيلَ شَيْءٍ حَرَّمَهُ الشَّرْعُ.

وَظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] أَثَرُ الْعَتَبِ عَلَى التَّحْرِيمِ يُوجِبُ أَنْ تَكُونَ الْكَفَّارَةُ تَحُلُّ هَذَا الْعَقْدَ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ، وَالْفِرْقَةُ الْأَوْلَى تَأَوَّلَتِ التَّحْرِيمَ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ أَنَّهُ كَانَ الْعَقْدُ بِيَمِينٍ.

وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي الشَّيْءِ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الْآيَةُ، وَفِي كِتَابِ مُسْلِمٍ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي شَرْبَةِ

ص: 186