المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[القول في فدية الأذى وحكم الحالق رأسه قبل محل الحلق] - بداية المجتهد ونهاية المقتصد - جـ ٢

[ابن رشد الحفيد]

فهرس الكتاب

- ‌[كِتَابُ الزَّكَاةِ] [

- ‌الْجُمْلَةُ الْأُولَى فِي مَعْرِفَةِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الزكاة]

- ‌[الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ فِي مَعْرِفَةِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزكاة مِنَ الْأَمْوَالِ]

- ‌[الْجُمْلَةُ الثَّالِثَةُ فِي مَعْرِفَةُ نصابِ الزكاة]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي نصاب الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي نِصَابِ الْإِبِلِ وَالْوَاجِبِ فِيهِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي نِصَابِ الْبَقَرِ وَقَدْرِ الْوَاجِبِ فِي ذَلِكَ]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي نِصَابِ الْغَنَمِ وَقَدْرِ الْوَاجِبِ مِنْ ذَلِكَ]

- ‌[الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي نِصَابِ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ وَالْقَدْرِ الْوَاجِبِ فِي ذَلِكَ]

- ‌[الْفَصْلُ السَّادِسُ فِي نِصَابِ الْعُرُوضِ]

- ‌[الْجُمْلَةُ الرَّابِعَةُ فِي وَقْتِ الزَّكَاةِ]

- ‌[الْجُمْلَةُ الْخَامِسَةُ فِيمَنْ تَجِبُ لَهُ الصَّدَقَةُ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي عَدَدِ الْأَصْنَافِ الَّذِينَ تَجِبُ لَهُمُ الزَّكَاةُ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي صِفَاتُ أهل الزكاة الَّتِي يَسْتَوْجِبُونَ بِهَا الصَّدَقَةَ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ قَدْرُ مَا يُعْطَى أهل الزكاة منها]

- ‌[كِتَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ] [

- ‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ حُكْم زكاة الفطر]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ زكاة الفطر وَعَنْ مَنْ تَجِبُ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ مِمَّاذَا تَجِبُ زكاة الفطر]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِعُ مَتَّى تَجِبُ زَكَاةُ الْفِطْرِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْخَامِسُ لِمَنْ تُصْرَفُ زكاة الفطر]

- ‌[كِتَابُ الصِّيَامِ] [

- ‌الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنَ الصَّوْمِ الْمَفْرُوضِ الْجُمْلَةُ الْأُولَى أَنْوَاعُ الصِّيَامِ الْوَاجِبِ]

- ‌[الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ فِي أَرْكَان الصيام]

- ‌[الرُّكْنُ الْأَوَّلُ في الصيام هو الزَّمَانُ]

- ‌[الرُّكْنُ الثَّانِي في الصيام وَهُوَ الْإِمْسَاكُ]

- ‌[الرُّكْنُ الثَّالِثُ في الصيام وَهُوَ النِّيَّةُ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّانِي مِنَ الصَّوْمِ الْمَفْرُوضِ وَهُوَ الْكَلَامُ فِي الْفِطْرِ وَأَحْكَامِهِ]

- ‌[قَضَاءُ الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ]

- ‌[أَحْكَامُ الْمُرْضِعِ وَالْحَامِلِ وَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ في الصيام]

- ‌[أَحْكَامُ مَنْ يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ إِذَا أَفْطَرَ]

- ‌[سُنَنُ الصَّوْمِ]

- ‌[كِتَابُ الصِّيَامِ الثَّانِي]

- ‌[الصيام الْمَنْدُوبُ إِلَيْهِ]

- ‌[الْأَيَّامُ الْمَنْهِيُّ عَنِ الصِّيَامِ فِيهَا]

- ‌[كِتَابُ الِاعْتِكَافِ]

- ‌[كِتَابُ الْحَجِّ] [

- ‌الْجِنْسُ الْأَوَّلُ مَعْرِفَةُ وُجُوبِ الحج وَشُرُوطِهِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي الْجِنْسِ الثَّانِي أَرْكَانُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي شُرُوطِ الْإِحْرَامِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي مِيقَاتِ الْمَكَانِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي مِيقَاتِ الزَّمَانِ]

- ‌[مَا يَمْنَعُ الْإِحْرَامَ مِنَ الْأُمُورِ الْمُبَاحَةِ لِلْحَلَالِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي أَنْوَاعِ هَذَا النُّسُكِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ]

- ‌[الْخُرُوجُ إِلَى عَرَفَةَ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي أَفْعَالِ الْمُزْدَلِفَةِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي رَمْيِ الْجِمَارِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي الْجِنْسِ الثَّالِثِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي الْإِحْصَارِ في الحج]

- ‌[الْقَوْلُ فِي أَحْكَامِ جَزَاءِ الصَّيْدِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي فِدْيَةِ الْأَذَى وَحُكْمُ الْحَالِقِ رَأْسَهُ قَبْلَ مَحَلِّ الْحَلْقِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي كَفَّارَةِ الْمُتَمَتِّعِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي كَفَّارَةِ الْجِمَاعِ فِي الْحَجِّ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي فَوَاتِ الْحَجِّ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي الْكَفَّارَاتِ الْمَسْكُوتِ عَنْهَا في الحج]

- ‌ الْقَوْلُ فِي الْهَدْيِ

- ‌[كِتَابُ الْجِهَادِ]

- ‌[الْجُمْلَةُ الْأُولَى فِي مَعْرِفَةِ أَرْكَانِ الْحَرْبِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ حُكْمِ الجهاد]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي مَعْرِفَةِ الَّذِينَ يُحَارَبُونَ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي مَعْرِفَةِ مَا يَجُوزُ مِنَ النِّكَايَةِ بِالْعَدُوِّ]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي شَرْطِ الْحَرْبِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي مَعْرِفَةِ الْعَدَدِ الَّذِينَ لَا يَجُوزُ الْفِرَارُ عَنْهُمْ]

- ‌[الْفَصْلُ السَّادِسُ فِي جَوَازِ الْمُهَادِنَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ السَّابِعُ لِمَاذَا يُحَارَبُونَ]

- ‌ الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي حُكْمِ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي حُكْمِ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي حُكْمِ الْأَنْفَالِ]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي حُكْمِ مَا وُجِدَ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ الْكُفَّارِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي حُكْمِ مَا افْتَتَحَ الْمُسْلِمُونَ مِنَ الْأَرْضِ عَنْوَةً]

- ‌[الْفَصْلُ السَّادِسُ فِي قِسْمَةِ الْفَيْءِ]

- ‌[الْفَصْلُ السَّابِعُ فِي الْجِزْيَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْأَيْمَانِ] [

- ‌الْجُمْلَةُ الْأُولَى فِي مَعْرِفَةِ ضُرُوبِ الْأَيْمَانِ وَأَحْكَامِهَا] [

- ‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ الْأَيْمَانِ الْمُبَاحَةِ وَتَمْيِيزِهَا مِنْ غَيْرِهَا]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي مَعْرِفَةِ الْأَيْمَانِ اللَّغْوِيَّةِ وَالْمُنْعَقِدَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي مَعْرِفَةِ الْأَيْمَانِ الَّتِي تَرْفَعُهَا الْكَفَّارَةُ وَالَّتِي لَا تَرْفَعُهَا]

- ‌[الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ فِي مَعْرِفَةِ الْأَشْيَاءِ الرَّافِعَةِ لِلْأَيْمَانِ اللَّازِمَةِ وَأَحْكَامِهَا]

- ‌[الْقِسْمُ الْأَوَّلُ النَّظَرُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي شُرُوطِ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُؤَثِّرِ فِي الْيَمِينِ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّانِي مِنَ الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ النَّظَرُ فِي الْكَفَّارَاتِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي مُوجِبِ الْحِنْثِ وَشُرُوطِهِ وَأَحْكَامِهِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي رَافِعِ الْحِنْثِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ مَتَى تَرْفَعُ الْكَفَّارَةُ الْحِنْثَ وَكَمْ تَرْفَعُ]

- ‌[كِتَابُ النُّذُورِ] [

- ‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي أَصْنَافِ النُّذُورِ]

- ‌الْفَصْلُ الثَّانِي: فِيمَا يَلْزَمُ مِنَ النُّذُورِ وَمَا لَا يَلْزَمُ

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ مَعْرِفَةِ الشَّيْءِ الَّذِي يَلْزَمُ عَنْ النذر وَأَحْكَام ذلك]

- ‌[المسألة الأولى الْوَاجِبُ فِي النَّذْرِ الْمُطْلَقِ]

- ‌[كِتَابُ الضَّحَايَا] [

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي حُكْمِ الضَّحَايَا وَمَنِ الْمُخَاطَبُ بِهَا]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي فِي أَنْوَاعِ الضَّحَايَا وَصِفَاتِهَا وَأَسْنَانِهَا وَعَدَدِهَا]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ فِي أَحْكَامِ الذَّبْحِ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي أَحْكَامِ لُحُومِ الضَّحَايَا]

- ‌[كِتَابُ الذَّبَائِحِ] [

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ مَحَلِّ الذَّبْحِ وَالنَّحْرِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي فِي الذَّكَاةِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ فِيمَا تَكُونُ بِهِ الذَّكَاةُ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي شُرُوطِ الذَّكَاةِ]

- ‌[الْبَابُ الْخَامِسُ فِيمَنْ تَجُوزُ تَذْكِيَتُهُ وَمَنْ لَا تَجُوزُ]

الفصل: ‌[القول في فدية الأذى وحكم الحالق رأسه قبل محل الحلق]

فِي الْحَدِيثِ الثَّابِتِ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ: «خَمْسٌ يُقْتَلْنَ فِي الْحَرَمِ، فَذَكَرَ فِيهِنَّ الْغُرَابَ الْأَبْقَعَ» . وَشَذَّ النَّخَعِيُّ فَمَنَعَ الْمُحْرِمَ قَتْلَ الصَّيْدِ إِلَّا الْفَأْرَةَ.

وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمْ فِيمَا هُوَ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ مِمَّا لَيْسَ هُوَ مِنْهُ فَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ السَّمَكَ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا عَدَا السَّمَكَ، وَذَلِكَ بِنَاءً مِنْهُمْ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ يَحْتَاجُ إِلَى ذَكَاةٍ فَلَيْسَ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ، وَأَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ مَا كَانَ مُحْرِمًا. وَلَا خِلَافَ بَيْنَ مَنْ يُحِلُّ جَمِيعَ مَا فِي الْبَحْرِ فِي أَنَّ صَيْدَهُ حَلَالٌ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فِيمَا كَانَ مِنَ الْحَيَوَانِ يَعِيشُ فِي الْبِرِّ وَفِي الْمَاءِ بِأَيِّ الْحُكْمَيْنِ يُلْحَقُ؟ وَقِيَاسُ قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ يُلْحَقُ بِالَّذِي عَيْشُهُ فِيهِ غَالِبًا، وَهُوَ حَيْثُ يُولَدُ.

وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ طَيْرَ الْمَاءِ مَحْكُومٌ لَهُ بِحُكْمِ حَيَوَانِ الْبَرِّ. وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ فِي طَيْرِ الْمَاءِ: حَيْثُ يَكُونُ أَغْلَبُ عَيْشِهِ يُحْكَمُ لَهُ بِحُكْمِهِ.

وَاخْتَلَفُوا فِي نَبَاتِ الْحَرَمِ هَلْ فِيهِ جَزَاءٌ؟ أَمْ لَا؟ فَقَالَ مَالِكٌ: لَا جَزَاءَ فِيهِ، وَإِنَّمَا فِيهِ الْإِثْمُ فَقَطْ؛ لِلنَّهْيِ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فِيهِ الْجَزَاءُ، فِي الدَّوْحَةِ بَقَرَةٌ، وَفِيمَا دُونَهَا شَاةٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: كُلُّ مَا كَانَ مِنْ غَرْسِ الْإِنْسَانِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ، وَكُلُّ مَا كَانَ نَابِتًا بِطَبْعِهِ فَفِيهِ قِيمَةٌ.

وَسَبَبُ الْخِلَافِ: هَلْ يُقَاسُ النَّبَاتُ فِي هَذَا عَلَى الْحَيَوَانِ؛ لِاجْتِمَاعِهِمَا فِي النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «لَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا» .

فَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ فِي مَشْهُورِ مَسَائِلِ هَذَا الْجِنْسِ، فَلْنَقُلْ فِي حُكْمِ الْحَالِقِ رَأْسَهُ قَبْلَ مَحَلِّ الْحَلْقِ.

[الْقَوْلُ فِي فِدْيَةِ الْأَذَى وَحُكْمُ الْحَالِقِ رَأْسَهُ قَبْلَ مَحَلِّ الْحَلْقِ]

ِ وَأَمَّا فِدْيَةُ الْأَذَى فَمُجْمَعٌ أَيْضًا عَلَيْهَا؛ لِوُرُودِ الْكِتَابِ بِذَلِكَ وَالسُّنَّةِ؛ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] . وَأَمَّا السُّنَّةُ فَحَدِيثُ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ الثَّابِتُ «أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُحْرِمًا، فَآذَاهُ الْقَمْلُ فِي رَأْسِهِ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ، وَقَالَ: صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ مُدَّيْنِ لِكُلِّ إِنْسَانٍ، أَوِ انْسُكْ بِشَاةٍ. أَيَّ ذَلِكَ فَعَلْتَ أَجْزَأَ عَنْكَ» .

وَالْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى مَنْ تَجِبُ الْفِدْيَةُ، وَعَلَى مَنْ لَا تَجِبُ. وَإِذَا وَجَبَتْ فَمَا هِيَ الْفِدْيَةُ الْوَاجِبَةُ؟ وَفِي أَيِّ شَيْءٍ تَجِبُ الْفِدْيَةُ؟ وَلِمَنْ تَجِبُ، وَمَتَى تَجِبُ، وَأَيْنَ تَجِبُ؟

فَأَمَّا عَلَى مَنْ تَجِبُ الْفِدْيَةُ فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مَنْ أَمَاطَ الْأَذَى مِنْ ضَرُورَةٍ لِوُرُودِ النَّصِّ بِذَلِكَ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ أَمَاطَهُ بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ - فَقَالَ مَالِكٌ: عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهَا.

ص: 129

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ حَلَقَ دُونَ ضَرُورَةٍ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ دَمٌ فَقَطْ.

وَاخْتَلَفُوا هَلْ مِنْ شَرْطِ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ بِإِمَاطَةِ الْأَذَى أَنْ يَكُونَ مُتَعَمِّدًا؟ أَوِ النَّاسِي فِي ذَلِكَ وَالْمُتَعَمَّدُ سَوَاءٌ؟ فَقَالَ مَالِكٌ: الْعَامِدُ فِي ذَلِكَ وَالنَّاسِي وَاحِدٌ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَاللَّيْثِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَأَهْلُ الظَّاهِرِ: لَا فِدْيَةَ عَلَى النَّاسِي.

فَمَنِ اشْتَرَطَ فِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ الضَّرُورَةَ فَدَلِيلُهُ النَّصُّ، وَمَنْ أَوْجَبَ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ الْمُضْطَرِّ فَحُجَّتُهُ أَنَّهُ إِذَا وَجَبَتْ عَلَى الْمُضْطَرِّ فَهِيَ عَلَى غَيْرِ الْمُضْطَرِّ أَوْجَبُ. وَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْعَامِدِ وَالنَّاسِي فَلِتَفْرِيقِ الشَّرْعِ فِي ذَلِكَ بَيْنَهُمَا فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ، وَلِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى:{وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5]، وَلِعُمُومِ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ» . وَمَنْ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا فَقِيَاسًا عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الْعِبَادَاتِ الَّتِي لَمْ يُفَرِّقِ الشَّرْعُ فِيهَا بَيْنَ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ.

وَأَمَّا مَا يَجِبُ فِيهِ فِدْيَةُ الْأَذَى فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا ثَلَاثُ خِصَالٍ عَلَى التَّخْيِيرِ: الصِّيَامُ، وَالْإِطْعَامُ، وَالنُّسُكُ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] . وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْإِطْعَامَ هُوَ لِسِتَّةِ مَسَاكِينَ، وَأَنَّ النُّسُكَ أَقَلَّهُ شَاةٌ. وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنُ، وَعِكْرِمَةَ وَنَافِعٍ - أَنَّهُمْ قَالُوا: الْإِطْعَامُ لِعَشَرَةِ مَسَاكِينَ، وَالصِّيَامُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ.

وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ الثَّابِتُ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: الصِّيَامُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ - فَقِيَاسًا عَلَى صِيَامِ التَّمَتُّعِ وَتَسْوِيَةِ الصِّيَامِ مَعَ الْإِطْعَامِ. وَلِمَا وَرَدَ أَيْضًا فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ فِي قَوْله تَعَالَى: {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} [المائدة: 95] .

وَأَمَّا كَمْ يُطْعِمُ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مِنَ الْمَسَاكِينِ السِّتَّةِ الَّتِي وَرَدَ فِيهَا النَّصُّ فَإِنَّ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ؛ لِاخْتِلَافِ الْآثَارِ فِي الْإِطْعَامِ فِي الْكَفَّارَاتِ، فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُمُ: الْإِطْعَامُ فِي ذَلِكَ مُدَّانِ بِمُدِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِكُلِّ مِسْكِينٍ.

وَرُوِيَ عَنِ الثَّوْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مِنَ الْبُرِّ نِصْفُ صَاعٍ، وَمِنَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَالشَّعِيرِ صَاعٌ. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلُهُ، وَهُوَ أَصْلُهُ فِي الْكَفَّارَاتِ.

وَأَمَّا مَا تَجِبُ فِيهِ الْفِدْيَةُ فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى مَنْ حَلَقَ رَأْسَهُ لِضَرُورَةِ مَرَضٍ أَوْ حَيَوَانٍ يُؤْذِيهِ فِي رَأْسِهِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْمَرَضُ أَنْ يَكُونَ بِرَأْسِهِ قُرُوحٌ، وَالْأَذَى: الْقَمْلُ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ عَطَاءٌ: الْمَرَضُ الصُّدَاعُ، وَالْأَذَى: الْقَمْلُ وَغَيْرُهُ.

وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا مُنِعَهُ الْمُحْرِمُ مِنْ لِبَاسِ الثِّيَابِ الْمَخِيطَةِ وَحَلْقِ الرَّأْسِ وَقَصِّ الْأَظْفَارِ، أَنَّهُ إِذَا اسْتَبَاحَهُ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، أَيْ: دَمٌ عَلَى اخْتِلَافٍ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ، أَوْ إِطْعَامٍ. وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الضَّرَرِ وَغَيْرِهِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ. وَكَذَلِكَ اسْتِعْمَالُ الطِّيبِ. وَقَالَ قَوْمٌ: لَيْسَ فِي قَصِّ الْأَظْفَارِ شَيْءٌ. وَقَالَ قَوْمٌ: فِيهِ دَمٌ. وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ أَنَّ مَنْعَ الْمُحْرِمِ قَصَّ الْأَظْفَارِ إِجْمَاعٌ.

ص: 130

وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ أَخَذَ بَعْضَ أَظْفَارِهِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ: إِنْ أَخَذَ وَاحِدًا أَطْعَمَ مِسْكِينًا وَاحِدًا، وَإِنْ أَخَذَ ظُفْرَيْنِ أَطْعَمَ مِسْكِينَيْنِ، وَإِنْ أَخَذَ ثَلَاثًا فَعَلَيْهِ دَمٌ فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي أَحَدِ أَقْوَالِهِ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ حَتَّى يَقُصَّهَا كُلَّهَا. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ: يَقُصُّ الْمُحْرِمُ أَظْفَارَهُ وَشَارِبَهُ. وَهُوَ شُذُوذٌ، وَعِنْدَهُ أَنْ لَا فِدْيَةَ إِلَّا مِنْ حَلْقِ الرَّأْسِ فَقَطْ لِلْعُذْرِ الَّذِي وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ.

وَأَجْمَعُوا عَلَى مَنْعِ حَلْقِ الرَّأْسِ، وَاخْتَلَفُوا فِي حَلْقِ الشَّعْرِ مِنْ سَائِرِ الْجَسَدِ، فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ فِيهِ الْفِدْيَةَ. وَقَالَ دَاوُدُ: لَا فِدْيَةَ فِيهِ.

وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ نَتَفَ مَنْ رَأَسَهُ الشَّعْرَةَ وَالشَّعْرَتَيْنِ أَوْ مِنْ لَحْمِهِ، فَقَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ عَلَى مَنْ نَتَفَ الشِّعْرَ الْيَسِيرَ شَيْءٌ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَمَاطَ بِهِ أَذًى فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: فِي الشَّعْرَةِ مُدٌّ، وَفِي الشَّعْرَتَيْنِ مُدَّانِ، وَفِي الثَّلَاثَةِ دَمٌ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ صَاحِبُ مَالِكٍ: فِيمَا قَلَّ مِنَ الشَّعْرِ إِطْعَامٌ، وَفِيمَا كَثُرَ فِدْيَةٌ.

فَمَنْ فَهِمَ مِنْ مَنْعِ الْمُحْرِمِ حَلْقَ الشَّعْرِ أَنَّهُ عِبَادَةٌ سَوَّى بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَمَنْ فَهِمَ مِنْ ذَلِكَ مَنْعَ النَّظَافَةِ وَالزَّيْنِ وَالِاسْتِرَاحَةِ الَّتِي فِي حَلْقِهِ فَرَّقَ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ ; لِأَنَّ الْقَلِيلَ لَيْسَ فِي إِزَالَتِهِ زَوَالُ أَذًى.

أَمَّا مَوْضِعُ الْفِدْيَةِ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَقَالَ مَالِكٌ: يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكَ مَا شَاءَ أَيْنَ شَاءَ، بِمَكَّةَ وَبِغَيْرِهَا، وَإِنْ شَاءَ بِبَلَدِهِ. وَسَوَاءٌ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ ذَبْحُ النُّسُكِ وَالْإِطْعَامُ وَالصِّيَامُ، وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ. وَالَّذِي عِنْدَ مَالِكٍ هَا هُنَا هُوَ نُسُكٌ وَلَيْسَ بِهَدْيٍ ; فَإِنَّ الْهَدْيَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِمَكَّةَ أَوْ بِمِنًى.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: الدَّمُ وَالْإِطْعَامُ لَا يُجْزِيَانِ إِلَّا بِمَكَّةَ، وَالصَّوْمُ حَيْثُ شَاءَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَا كَانَ مِنْ دَمِهِ فَبِمَكَّةَ، وَمَا كَانَ مِنْ إِطْعَامٍ وَصِيَامٍ فَحَيْثُ شَاءَ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلُهُ. وَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ دَمَ الْإِطْعَامِ لَا يُجْزِئُ إِلَّا لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ.

وَسَبَبُ الْخِلَافِ اسْتِعْمَالُ قِيَاسِ دَمِ النُّسُكِ عَلَى الْهَدْيِ؛ فَمَنْ قَاسَهُ عَلَى الْهَدْيِ أَوْجَبَ فِيهِ شُرُوطَ الْهَدْيِ مِنَ الذَّبْحِ فِي الْمَكَانِ الْمَخْصُوصِ بِهِ، وَفِي مَسَاكِينِ الْحَرَمِ. وَإِنْ كَانَ مَالِكٌ يَرَى أَنَّ الْهَدْيَ يَجُوزُ إِطْعَامُهُ لِغَيْرِ مَسَاكِينِ الْحَرَمِ. وَالَّذِي يَجْمَعُ النُّسُكَ وَالْهَدْيَ هُوَ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِمَا مَنْفَعَةُ الْمَسَاكِينِ الْمُجَاوِرِينَ لِبَيْتِ اللَّهِ. وَالْمُخَالِفُ يَقُولُ: إِنَّ الشَّرْعَ لَمَّا فَرَّقَ بَيْنَ اسْمِهِمَا؛ فَسَمَّى أَحَدَهُمَا نُسُكًا، وَسَمَّى الْآخَرَ هَدْيًا - وَجَبَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُمَا مُخْتَلِفًا.

وَأَمَّا الْوَقْتُ فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْكَفَّارَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا بَعْدَ إِمَاطَةِ الْأَذَى، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَدْخُلَهُ الْخِلَافُ قِيَاسًا عَلَى كَفَّارَةِ الْأَيْمَانِ. فَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ فِي كَفَّارَةِ إِمَاطَةِ الْأَذَى.

وَاخْتَلَفُوا فِي حَلْقِ الرَّأْسِ هَلْ هُوَ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ؟ أَوْ هُوَ مِمَّا يُتَحَلَّلُ بِهِ مِنْهُ؟ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْجُمْهُورِ فِي أَنَّهُ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ، وَأَنَّ الْحَلْقَ أَفْضَلُ مِنَ التَّقْصِيرِ؛ لِمَا ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اللَّهُمَّ، ارْحَمِ الْمُحَلِّقِينَ! قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: اللَّهُمَّ، ارْحَمِ الْمُحَلِّقِينَ!

ص: 131