الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الْفَصْلُ السَّادِسُ فِي قِسْمَةِ الْفَيْءِ]
وَأَمَّا الْفَيْءُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ: فَهُوَ كُلُّ مَا صَارَ لِلْمُسْلِمِينَ مِنَ الْكُفَّارِ مِنْ قِبَلِ الرُّعْبِ وَالْخَوْفِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُوجَفَ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ أَوْ رَجْلٍ.
وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْجِهَةِ الَّتِي يُصْرَفُ إِلَيْهَا، فَقَالَ قَوْمٌ: إِنَّ الْفَيْءَ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ الْفَقِيرِ وَالْغَنِيِّ، وَإِنَّ الْإِمَامَ يُعْطِي مِنْهُ لِلْمُقَاتِلَةِ وَلِلْحُكَّامِ وَلِلْوُلَاةِ، وَيُنْفِقُ مِنْهُ فِي النَّوَائِبِ الَّتِي تَنُوبُ الْمُسْلِمِينَ كَبِنَاءِ الْقَنَاطِرِ وَإِصْلَاحِ الْمَسَاجِدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَا خُمُسَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ، وَهُوَ الثَّابِتُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: بَلْ فِيهِ الْخُمُسُ، وَالْخُمُسُ مَقْسُومٌ عَلَى الْأَصْنَافِ الَّذِينَ ذُكِرُوا فِي آيَةِ الْغَنَائِمِ، وَهُمُ الْأَصْنَافُ الَّذِينَ ذُكِرُوا فِي الْخُمُسِ بِعَيْنِهِ مِنَ الْغَنِيمَةِ، وَإِنَّ الْبَاقِيَ هُوَ مَصْرُوفٌ إِلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ، يُنْفِقُ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى عِيَالِهِ وَمَنْ رَأَى. وَأَحْسَبُ أَنَّ قَوْمًا قَالُوا: إِنَّ الْفَيْءَ غَيْرُ مُخَمَّسٍ، وَلَكِنْ يُقَسَّمُ عَلَى الْأَصْنَافِ الْخَمْسَةِ الَّذِينَ يُقَسَّمُ عَلَيْهِمُ الْخُمُسُ، وَهُوَ أَحَدُ أَقْوَالِ الشَّافِعِيِّ فِيمَا أَحْسَبُ.
وَسَبَبُ اخْتِلَافِ مَنْ رَأَى أَنَّهُ يُقَسَّمُ جَمِيعُهُ عَلَى الْأَصْنَافِ الْخَمْسَةِ ; أَوْ هُوَ مَصْرُوفٌ إِلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ هُوَ سَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ فِي قِسْمَةِ الْخُمُسِ مِنَ الْغَنِيمَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ أَعْنِي مَنْ جَعَلَ ذِكْرَ الْأَصْنَافِ فِي الْآيَةِ تَنْبِيهًا عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ لَهُ قَالَ: هُوَ لِهَذِهِ الْأَصْنَافِ الْمَذْكُورِينَ وَمَنْ فَوْقَهُمْ. وَمَنْ جَعَلَ ذِكْرَ الْأَصْنَافِ تَعْدِيدًا لِلَّذِينِ يَسْتَوْجِبُونَ هَذَا الْمَالَ قَالَ: لَا يَتَعَدَّى بِهِ هَؤُلَاءِ الْأَصْنَافَ، أَعْنِي أَنَّهُ جَعَلَهُ مِنْ بَابِ الْخُصُوصِ لَا مِنْ بَابِ التَّنْبِيهِ.
وَأَمَّا تَخْمِيسُ الْفَيْءِ: فَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ قَبْلَ الشَّافِعِيِّ، وَإِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ رَأَى الْفَيْءَ قَدْ قُسِّمَ فِي الْآيَةِ عَلَى عَدَدِ الْأَصْنَافِ الَّذِينَ قُسِّمَ عَلَيْهِمُ الْخُمُسُ، فَاعْتَقَدَ لِذَلِكَ أَنَّ فِيهِ الْخُمُسَ، لِأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ مُخْتَصَّةٌ بِالْخُمُسِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِظَاهِرٍ، بَلِ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ تَخُصُّ جَمِيعَ الْفَيْءِ لَا جُزْءًا مِنْهُ، وَهُوَ الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ فِيمَا أَحْسَبُ قَوْمٌ.
وَخَرَّجَ مُسْلِمٌ عَنْ عُمَرَ قَالَ: «كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِمَّا لَمْ يُوجِفْ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، فَكَانَتْ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَالِصَةً، فَكَانَ يُنْفِقُ مِنْهَا عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَةٍ، وَمَا بَقِيَ يَجْعَلُهُ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ» ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ.