المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ القول في الهدي - بداية المجتهد ونهاية المقتصد - جـ ٢

[ابن رشد الحفيد]

فهرس الكتاب

- ‌[كِتَابُ الزَّكَاةِ] [

- ‌الْجُمْلَةُ الْأُولَى فِي مَعْرِفَةِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الزكاة]

- ‌[الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ فِي مَعْرِفَةِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزكاة مِنَ الْأَمْوَالِ]

- ‌[الْجُمْلَةُ الثَّالِثَةُ فِي مَعْرِفَةُ نصابِ الزكاة]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي نصاب الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي نِصَابِ الْإِبِلِ وَالْوَاجِبِ فِيهِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي نِصَابِ الْبَقَرِ وَقَدْرِ الْوَاجِبِ فِي ذَلِكَ]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي نِصَابِ الْغَنَمِ وَقَدْرِ الْوَاجِبِ مِنْ ذَلِكَ]

- ‌[الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي نِصَابِ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ وَالْقَدْرِ الْوَاجِبِ فِي ذَلِكَ]

- ‌[الْفَصْلُ السَّادِسُ فِي نِصَابِ الْعُرُوضِ]

- ‌[الْجُمْلَةُ الرَّابِعَةُ فِي وَقْتِ الزَّكَاةِ]

- ‌[الْجُمْلَةُ الْخَامِسَةُ فِيمَنْ تَجِبُ لَهُ الصَّدَقَةُ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي عَدَدِ الْأَصْنَافِ الَّذِينَ تَجِبُ لَهُمُ الزَّكَاةُ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي صِفَاتُ أهل الزكاة الَّتِي يَسْتَوْجِبُونَ بِهَا الصَّدَقَةَ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ قَدْرُ مَا يُعْطَى أهل الزكاة منها]

- ‌[كِتَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ] [

- ‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ حُكْم زكاة الفطر]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ زكاة الفطر وَعَنْ مَنْ تَجِبُ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ مِمَّاذَا تَجِبُ زكاة الفطر]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِعُ مَتَّى تَجِبُ زَكَاةُ الْفِطْرِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْخَامِسُ لِمَنْ تُصْرَفُ زكاة الفطر]

- ‌[كِتَابُ الصِّيَامِ] [

- ‌الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنَ الصَّوْمِ الْمَفْرُوضِ الْجُمْلَةُ الْأُولَى أَنْوَاعُ الصِّيَامِ الْوَاجِبِ]

- ‌[الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ فِي أَرْكَان الصيام]

- ‌[الرُّكْنُ الْأَوَّلُ في الصيام هو الزَّمَانُ]

- ‌[الرُّكْنُ الثَّانِي في الصيام وَهُوَ الْإِمْسَاكُ]

- ‌[الرُّكْنُ الثَّالِثُ في الصيام وَهُوَ النِّيَّةُ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّانِي مِنَ الصَّوْمِ الْمَفْرُوضِ وَهُوَ الْكَلَامُ فِي الْفِطْرِ وَأَحْكَامِهِ]

- ‌[قَضَاءُ الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ]

- ‌[أَحْكَامُ الْمُرْضِعِ وَالْحَامِلِ وَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ في الصيام]

- ‌[أَحْكَامُ مَنْ يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ إِذَا أَفْطَرَ]

- ‌[سُنَنُ الصَّوْمِ]

- ‌[كِتَابُ الصِّيَامِ الثَّانِي]

- ‌[الصيام الْمَنْدُوبُ إِلَيْهِ]

- ‌[الْأَيَّامُ الْمَنْهِيُّ عَنِ الصِّيَامِ فِيهَا]

- ‌[كِتَابُ الِاعْتِكَافِ]

- ‌[كِتَابُ الْحَجِّ] [

- ‌الْجِنْسُ الْأَوَّلُ مَعْرِفَةُ وُجُوبِ الحج وَشُرُوطِهِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي الْجِنْسِ الثَّانِي أَرْكَانُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي شُرُوطِ الْإِحْرَامِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي مِيقَاتِ الْمَكَانِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي مِيقَاتِ الزَّمَانِ]

- ‌[مَا يَمْنَعُ الْإِحْرَامَ مِنَ الْأُمُورِ الْمُبَاحَةِ لِلْحَلَالِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي أَنْوَاعِ هَذَا النُّسُكِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ]

- ‌[الْخُرُوجُ إِلَى عَرَفَةَ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي أَفْعَالِ الْمُزْدَلِفَةِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي رَمْيِ الْجِمَارِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي الْجِنْسِ الثَّالِثِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي الْإِحْصَارِ في الحج]

- ‌[الْقَوْلُ فِي أَحْكَامِ جَزَاءِ الصَّيْدِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي فِدْيَةِ الْأَذَى وَحُكْمُ الْحَالِقِ رَأْسَهُ قَبْلَ مَحَلِّ الْحَلْقِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي كَفَّارَةِ الْمُتَمَتِّعِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي كَفَّارَةِ الْجِمَاعِ فِي الْحَجِّ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي فَوَاتِ الْحَجِّ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي الْكَفَّارَاتِ الْمَسْكُوتِ عَنْهَا في الحج]

- ‌ الْقَوْلُ فِي الْهَدْيِ

- ‌[كِتَابُ الْجِهَادِ]

- ‌[الْجُمْلَةُ الْأُولَى فِي مَعْرِفَةِ أَرْكَانِ الْحَرْبِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ حُكْمِ الجهاد]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي مَعْرِفَةِ الَّذِينَ يُحَارَبُونَ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي مَعْرِفَةِ مَا يَجُوزُ مِنَ النِّكَايَةِ بِالْعَدُوِّ]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي شَرْطِ الْحَرْبِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي مَعْرِفَةِ الْعَدَدِ الَّذِينَ لَا يَجُوزُ الْفِرَارُ عَنْهُمْ]

- ‌[الْفَصْلُ السَّادِسُ فِي جَوَازِ الْمُهَادِنَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ السَّابِعُ لِمَاذَا يُحَارَبُونَ]

- ‌ الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي حُكْمِ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي حُكْمِ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي حُكْمِ الْأَنْفَالِ]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي حُكْمِ مَا وُجِدَ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ الْكُفَّارِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي حُكْمِ مَا افْتَتَحَ الْمُسْلِمُونَ مِنَ الْأَرْضِ عَنْوَةً]

- ‌[الْفَصْلُ السَّادِسُ فِي قِسْمَةِ الْفَيْءِ]

- ‌[الْفَصْلُ السَّابِعُ فِي الْجِزْيَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْأَيْمَانِ] [

- ‌الْجُمْلَةُ الْأُولَى فِي مَعْرِفَةِ ضُرُوبِ الْأَيْمَانِ وَأَحْكَامِهَا] [

- ‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ الْأَيْمَانِ الْمُبَاحَةِ وَتَمْيِيزِهَا مِنْ غَيْرِهَا]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي مَعْرِفَةِ الْأَيْمَانِ اللَّغْوِيَّةِ وَالْمُنْعَقِدَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي مَعْرِفَةِ الْأَيْمَانِ الَّتِي تَرْفَعُهَا الْكَفَّارَةُ وَالَّتِي لَا تَرْفَعُهَا]

- ‌[الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ فِي مَعْرِفَةِ الْأَشْيَاءِ الرَّافِعَةِ لِلْأَيْمَانِ اللَّازِمَةِ وَأَحْكَامِهَا]

- ‌[الْقِسْمُ الْأَوَّلُ النَّظَرُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي شُرُوطِ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُؤَثِّرِ فِي الْيَمِينِ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّانِي مِنَ الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ النَّظَرُ فِي الْكَفَّارَاتِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي مُوجِبِ الْحِنْثِ وَشُرُوطِهِ وَأَحْكَامِهِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي رَافِعِ الْحِنْثِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ مَتَى تَرْفَعُ الْكَفَّارَةُ الْحِنْثَ وَكَمْ تَرْفَعُ]

- ‌[كِتَابُ النُّذُورِ] [

- ‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي أَصْنَافِ النُّذُورِ]

- ‌الْفَصْلُ الثَّانِي: فِيمَا يَلْزَمُ مِنَ النُّذُورِ وَمَا لَا يَلْزَمُ

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ مَعْرِفَةِ الشَّيْءِ الَّذِي يَلْزَمُ عَنْ النذر وَأَحْكَام ذلك]

- ‌[المسألة الأولى الْوَاجِبُ فِي النَّذْرِ الْمُطْلَقِ]

- ‌[كِتَابُ الضَّحَايَا] [

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي حُكْمِ الضَّحَايَا وَمَنِ الْمُخَاطَبُ بِهَا]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي فِي أَنْوَاعِ الضَّحَايَا وَصِفَاتِهَا وَأَسْنَانِهَا وَعَدَدِهَا]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ فِي أَحْكَامِ الذَّبْحِ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي أَحْكَامِ لُحُومِ الضَّحَايَا]

- ‌[كِتَابُ الذَّبَائِحِ] [

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ مَحَلِّ الذَّبْحِ وَالنَّحْرِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي فِي الذَّكَاةِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ فِيمَا تَكُونُ بِهِ الذَّكَاةُ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي شُرُوطِ الذَّكَاةِ]

- ‌[الْبَابُ الْخَامِسُ فِيمَنْ تَجُوزُ تَذْكِيَتُهُ وَمَنْ لَا تَجُوزُ]

الفصل: ‌ القول في الهدي

السَّعْيَ عَلَى الطَّوَافِ هَلْ فِيهِ دَمٌ إِذَا لَمْ يَعُدْ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ مَكَّةَ؟ أَمْ لَيْسَ فِيهِ دَمٌ؟ وَاخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الدَّمِ عَلَى مَنْ دَفَعَ مِنْ عَرَفَةَ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: إِنْ عَادَ، فَدَفَعَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ - فَلَا دَمَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ وَجَبَ عَلَيْهِ الدَّمُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ: عَلَيْهِ الدَّمُ رَجَعَ أَوْ لَمْ يَرْجِعْ. وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا.

وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ وَقَفَ مِنْ عَرَفَةَ بِعُرَنَةَ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا حَجَّ لَهُ، وَقَالَ مَالِكٌ: عَلَيْهِ دَمٌ. وَسَبَبُ الِاخْتِلَافِ: هَلِ النَّهْيُ عَنِ الْوُقُوفِ بِهَا مِنْ بَابِ الْحَظْرِ؟ أَوْ مِنْ بَابِ الْكَرَاهِيَةِ؟ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي بَابِ أَفْعَالِ الْحَجِّ إِلَى انْقِضَائِهَا كَثِيرًا مِنِ اخْتِلَافِهِمْ فِيمَا فِي تَرْكِهِ دَمٌ، وَمَا لَيْسَ فِيهِ دَمٌ، وَإِنْ كَانَ التَّرْتِيبُ يَقْتَضِي ذِكْرَهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَالْأَسْهَلُ ذِكْرُهُ هُنَالِكَ.

قَالَ الْقَاضِي: فَقَدْ قُلْنَا فِي وُجُوبِ هَذِهِ الْعِبَادَةِ، وَعَلَى مَنْ تَجِبُ؟ وَشُرُوطِ وُجُوبِهَا، وَمَتَى تَجِبُ؟ وَهِيَ الَّتِي تَجْرِي مَجْرَى الْمُقَدِّمَاتِ لِمَعْرِفَةِ هَذِهِ الْعِبَادَةِ. وَقُلْنَا بَعْدَ ذَلِكَ فِي زَمَانِ هَذِهِ الْعِبَادَةِ، وَمَكَانِهَا، وَمَحْظُورَاتِهَا، وَمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَيْضًا مِنَ الْأَفْعَالِ فِي مَكَانٍ مَكَانٍ مِنْ أَمَاكِنِهَا، وَزَمَانٍ زَمَانٍ مِنْ أَزْمِنَتِهَا الْجُزْئِيَّةِ إِلَى انْقِضَاءِ زَمَانِهَا. ثُمَّ قُلْنَا فِي أَحْكَامِ التَّحَلُّلِ الْوَاقِعِ فِي هَذِهِ الْعِبَادَةِ، وَمَا يَقْبَلُ مِنْ ذَلِكَ الْإِصْلَاحَ بِالْكَفَّارَاتِ، وَمَا لَا يَقْبَلُ الْإِصْلَاحَ بَلْ يُوجِبُ الْإِعَادَةَ. وَقُلْنَا أَيْضًا فِي حُكْمِ الْإِعَادَةِ بِحَسَبِ مُوجِبَاتِهَا.

وَفِي هَذَا الْبَابِ يَدْخُلُ مَنْ شَرَعَ فِيهَا، فَأُحْصِرَ بِمَرَضٍ أَوْ عَدُوٍّ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. وَالَّذِي بَقِيَ مِنْ أَفْعَالِ هَذِهِ الْعِبَادَةِ هُوَ‌

‌ الْقَوْلُ فِي الْهَدْيِ

، وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنَ الْعِبَادَاتِ هُوَ جُزْءٌ مِنْ هَذِهِ الْعِبَادَةِ، وَهُوَ مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُفْرَدَ بِالنَّظَرِ فَلْنَقُلْ فِيهِ.

[الْقَوْلُ فِي الْهَدْيِ]

فَنَقُولُ: إِنَّ النَّظَرَ فِي الْهَدْيِ يَشْتَمِلُ عَلَى مَعْرِفَةِ وُجُوبِهِ، وَعَلَى مَعْرِفَةِ جِنْسِهِ، وَعَلَى مَعْرِفَةِ سِنِّهِ، وَكَيْفِيَّةِ سَوْقِهِ، وَمِنْ أَيْنَ يُسَاقُ؟ وَإِلَى أَيْنَ يَنْتَهِي بِسَوْقِهِ؟ وَهُوَ مَوْضِعُ نَحْرِهِ، وَحُكْمُ لَحْمِهِ بَعْدَ النَّحْرِ.

فَنَقُولُ: إِنَّهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْهَدْيَ الْمَسُوقَ فِي هَذِهِ الْعِبَادَةِ مِنْهُ وَاجِبٌ، وَمِنْهُ تَطَوُّعٌ؛ فَالْوَاجِبُ مِنْهُ مَا هُوَ وَاجِبٌ بِالنَّذْرِ، وَمِنْهُ مَا هُوَ وَاجِبٌ فِي بَعْضِ أَنْوَاعِ هَذِهِ الْعِبَادَةِ، وَمِنْهُ مَا هُوَ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّهُ كَفَّارَةٌ.

فَأَمَّا مَا هُوَ وَاجِبٌ فِي بَعْضِ أَنْوَاعِ هَذِهِ الْعِبَادَةِ فَهُوَ هَدْيُ الْمُتَمَتِّعِ بِاتِّفَاقٍ، وَهَدْيُ الْقَارِنِ بِاخْتِلَافٍ. وَأَمَّا الَّذِي هُوَ كَفَّارَةٌ فَهَدْيُ الْقَضَاءِ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَشْتَرِطُ فِيهِ الْهَدْيَ، وَهَدْيُ كَفَّارَةِ الصَّيْدِ، وَهَدْيُ إِلْقَاءِ الْأَذَى وَالتَّفَثِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْهَدْيِ الَّذِي قَاسَهُ الْفُقَهَاءُ فِي الْإِخْلَالِ بِنُسُكٍ نُسُكٍ مِنْهَا عَلَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ.

فَأَمَّا جِنْسُ الْهَدْيِ فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ الْهَدْيُ إِلَّا مِنَ الْأَزْوَاجِ الثَّمَانِيَةِ الَّتِي نَصَّ اللَّهُ عَلَيْهَا، وَأَنَّ الْأَفْضَلَ فِي الْهَدَايَا هِيَ الْإِبِلُ، ثُمَّ الْبَقَرُ، ثُمَّ الْغَنَمُ، ثُمَّ الْمَعْزُ. وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الضَّحَايَا.

وَأَمَّا الْأَسْنَانُ فَإِنَّهُمْ أَجْمَعُوا أَنَّ الثَّنِيَّ فَمَا فَوْقَهُ يُجْزِي مِنْهَا، وَأَنَّهُ لَا يُجْزِي الْجَذَعُ مِنَ

ص: 138

الْمَعْزِ فِي الضَّحَايَا وَالْهَدَايَا؛ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام لِأَبِي بُرْدَةَ: «تُجْزِي عَنْكَ، وَلَا تُجْزِي عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ» .

وَاخْتَلَفُوا فِي الْجَذَعِ مِنَ الضَّأْنِ، فَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ بِجَوَازِهِ فِي الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: لَا يُجْزِي فِي الْهَدَايَا إِلَّا الثَّنِيُّ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْأَغْلَى ثَمَنًا مِنَ الْهَدَايَا أَفْضَلُ. وَكَانَ الزُّبَيْرُ يَقُولُ لِبَنِيهِ: يَا بَنِيَّ، لَا يُهْدِيَنَّ أَحَدُكُمْ لِلَّهِ مِنَ الْهَدْيِ شَيْئًا يَسْتَحْيِي أَنْ يُهْدِيَهُ لِكَرِيمِهِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ أَكْرَمُ الْكُرَمَاءِ وَأَحَقُّ مَنِ اخْتِيرَ لَهُ.

«وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فِي الرِّقَابِ، وَقَدْ قِيلَ لَهُ أَيُّهَا أَفْضَلُ فَقَالَ: " أَغْلَاهَا ثَمَنًا، وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا» . وَلَيْسَ فِي عَدَدِ الْهَدْيِ حَدٌّ مَعْلُومٌ، وَكَانَ هَدْيُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِائَةً.

وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ سَوْقِ الْهَدْيِ فَهُوَ التَّقْلِيدُ وَالْإِشْعَارُ بِأَنَّهُ هَدْيٌ؛ «لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَلَمَّا كَانَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ قَلَّدَ الْهَدْيَ، وَأَشْعَرَهُ، وَأَحْرَمَ» . وَإِذَا كَانَ الْهَدْيُ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يُقَلَّدُ نَعْلًا أَوْ نَعْلَيْنِ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَجِدِ النِّعَالَ.

وَاخْتَلَفُوا فِي تَقْلِيدِ الْغَنَمِ، فَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ: لَا تُقَلَّدُ الْغَنَمُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ: تُقَلَّدُ ; لِحَدِيثِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَهْدَى إِلَى الْبَيْتِ مَرَّةً غَنَمًا، فَقَلَّدَهُ» .

وَاسْتَحَبُّوا تَوْجِيهَهُ إِلَى الْقِبْلَةِ فِي حِينِ تَقْلِيدِهِ، وَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ الْإِشْعَارَ مِنَ الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ؛ لِمَا رَوَاهُ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَهْدَى هَدْيًا مِنَ الْمَدِينَةِ قَلَّدَهُ وَأَشْعَرَهُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، قَلَّدَهُ قَبْلَ أَنْ يُشْعِرَهُ، وَذَلِكَ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ مُوَجَّهٌ لِلْقِبْلَةِ. يُقَلِّدُهُ بِنَعْلَيْنِ، وَيُشْعِرُهُ مِنَ الشِّقِّ الْأَيْسَرِ، ثُمَّ يُسَاقُ مَعَهُ حَتَّى يُوقِفَ بِهِ مَعَ النَّاسِ بِعَرَفَةَ، ثُمَّ يَدْفَعُ بِهِ مَعَهُمْ إِذَا دَفَعُوا. وَإِذَا قَدِمَ مِنًى غَدَاةَ النَّحْرِ نَحَرَهُ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ، وَكَانَ هُوَ يَنْحَرُ هَدْيَهُ بِيَدِهِ يَصُفُّهُنَّ قِيَامًا، وَيُوَجِّهُهُنَّ لِلْقِبْلَةِ، ثُمَّ يَأْكُلُ وَيُطْعِمُ.

وَاسْتَحَبَّ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ الْإِشْعَارَ مِنَ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى الظُّهْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، ثُمَّ دَعَا بِبُدُنِهِ فَأَشْعَرَهَا مِنْ صَفْحَةِ سَنَامِهَا الْأَيْمَنِ، ثُمَّ سَلَتَ الدَّمَ عَنْهَا، وَقَلَّدَهَا بِنَعْلَيْنِ،

ص: 139

ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ. فَلَمَّا اسْتَوَتْ عَلَى الْبَيْدَاءِ أَهَّلَ بِالْحَجِّ» .

وَأَمَّا مِنْ أَيْنَ يُسَاقُ الْهَدْيُ؟ فَإِنَّ مَالِكًا يَرَى أَنَّ مِنْ سُنَّتِهِ أَنْ يُسَاقَ مِنَ الْحِلِّ، وَلِذَلِكَ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ مَنِ اشْتَرَى الْهَدْيَ بِمَكَّةَ، وَلَمْ يُدْخِلْهُ مِنَ الْحِلِّ - أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَقِفَهُ بِعَرَفَةَ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَعَلَيْهِ الْبَدَلُ.

وَأَمَّا إِنْ كَانَ أَدْخَلَهُ مِنَ الْحِلِّ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَقِفَهُ بِعَرَفَةَ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ، وَبِهِ قَالَ اللَّيْثُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ: وُقُوفُ الْهَدْيِ بِعَرَفَةَ سُنَّةٌ، وَلَا حَرَجَ عَلَى مَنْ لَمْ يَقِفْهُ، كَانَ دَاخِلًا مِنَ الْحِلِّ أَوْ لَمْ يَكُنْ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَيْسَ تَوْقِيفُ الْهَدْيِ بِعَرَفَةَ مِنَ السُّنَّةِ.

وَحُجَّةُ مَالِكٍ فِي إِدْخَالِ الْهَدْيِ مِنَ الْحِلِّ إِلَى الْحَرَمِ أَنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام كَذَلِكَ فَعَلَ، وَقَالَ:«خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: التَّعْرِيفُ سُنَّةٌ مِثْلُ التَّقْلِيدِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَيْسَ التَّعْرِيفُ بِسُنَّةٍ، وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ لِأَنَّ مَسْكَنَهُ كَانَ خَارِجَ الْحَرَمِ. وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ التَّخْيِيرُ فِي تَعْرِيفِ الْهَدْيِ أَوْ لَا تَعْرِيفِهِ.

وَأَمَّا مَحِلُّهُ فَهُوَ الْبَيْتُ الْعَتِيقُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 33]، وَقَالَ:{هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] . وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْكَعْبَةَ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ فِيهَا ذَبْحٌ، وَكَذَلِكَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ، وَأَنَّ الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ:{هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95]- أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ بِهِ النَّحْرَ بِمَكَّةَ إِحْسَانًا مِنْهُ لِمَسَاكِينِهِمْ وَفُقَرَائِهِمْ. وَكَانَ مَالِكٌ يَقُولُ: إِنَّمَا الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95]- مَكَّةُ، وَكَانَ لَا يُجِيزُ لِمَنْ نَحَرَ هَدْيَهُ فِي الْحَرَمِ إِلَّا أَنْ يَنْحَرَهُ بِمَكَّةَ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ نَحَرَهُ فِي غَيْرِ مَكَّةَ مِنَ الْحَرَمِ أَجْزَأَهُ. وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: يَجُوزُ نَحْرُ الْهَدْيِ حَيْثُ شَاءَ الْمُهْدِي إِلَّا هَدْيَ الْقِرَانِ وَجَزَاءَ الصَّيْدِ فَإِنَّهُمَا لَا يُنْحَرَانِ إِلَّا بِالْحَرَمِ. وَبِالْجُمْلَةِ فَالنَّحْرُ بِمِنًى إِجْمَاعٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَفِي الْعُمْرَةِ بِمَكَّةَ، إِلَّا مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ نَحْرِ الْمُحْصَرِ. وَعِنْدَ مَالِكٍ: إِنْ نَحَرَ لِلْحَجِّ بِمَكَّةَ، وَالْعُمْرَةِ بِمِنًى - أَجْزَأَهُ.

وَحُجَّةُ مَالِكٍ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ النَّحْرُ بِالْحَرَمِ إِلَّا بِمَكَّةَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «وَكُلُّ فِجَاجِ مَكَّةَ وَطُرُقِهَا مَنْحَرٌ» . وَاسْتَثْنَى مَالِكٌ مِنْ ذَلِكَ هَدْيَ الْفِدْيَةِ، فَأَجَازَ ذَبْحَهُ بِغَيْرِ مَكَّةَ.

وَأَمَّا مَتَى يَنْحَرُ فَإِنَّ مَالِكًا قَالَ: إِنْ ذَبَحَ هَدْيَ التَّمَتُّعِ أَوِ التَّطَوُّعِ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ لَمْ يُجْزِهِ. وَجَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي التَّطَوُّعِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ فِي كِلَيْهِمَا قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ.

وَلَا خِلَافَ عِنْدِ الْجُمْهُورِ أَنَّ مَا عُدِلَ مِنَ الْهَدْيِ بِالصِّيَامِ أَنَّهُ يَجُوزُ حَيْثُ شَاءَ؛ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ فِي ذَلِكَ لَا لِأَهْلِ الْحَرَمِ، وَلَا لِأَهْلِ مَكَّةَ. وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الصَّدَقَةِ الْمَعْدُولَةِ عَنِ الْهَدْيِ، فَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهَا لِمَسَاكِينِ مَكَّةَ وَالْحَرَمِ؛ لِأَنَّهَا بَدَلٌ مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ الَّذِي هُوَ لَهُمْ. وَقَالَ مَالِكٌ: الْإِطْعَامُ

ص: 140

كَالصِّيَامِ يَجُوزُ بِغَيْرِ مَكَّةَ.

وَأَمَّا صِفَةُ النَّحْرِ فَالْجُمْهُورُ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ التَّسْمِيَةَ مُسْتَحَبَّةٌ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا زَكَاةٌ، وَمِنْهُمْ مَنِ اسْتَحَبَّ مَعَ التَّسْمِيَةِ التَّكْبِيرَ.

وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُهْدِي أَنْ يَلِيَ نَحْرَ هَدْيِهِ بِيَدِهِ، وَإِنِ اسْتَخْلَفَ جَازَ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي هَدْيِهِ. وَمِنْ سُنَّتِهَا أَنْ تُنْحَرَ قِيَامًا؛ لِقَوْلِهِ سبحانه وتعالى:{فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج: 36] . وَقَدْ تُكُلِّمَ فِي صِفَةِ النَّحْرِ فِي كِتَابِ الذَّبَائِحِ.

وَأَمَّا مَا يَجُوزُ لِصَاحِبِ الْهَدْيِ مِنَ الِانْتِفَاعِ بِهِ وَبِلَحْمِهِ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ مَسَائِلَ مَشْهُورَةً، أَحَدُهَا هَلْ يَجُوزُ لَهُ رُكُوبُ الْهَدْيِ الْوَاجِبِ أَوِ التَّطَوُّعِ؟ فَذَهَبَ أَهْلُ الظَّاهِرِ إِلَى أَنَّ رُكُوبَهُ جَائِزٌ مِنْ ضَرُورَةٍ وَمِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَبَعْضُهُمْ أَوْجَبَ ذَلِكَ، وَكَرِهَ جُمْهُورُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ رُكُوبَهَا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ.

وَالْحُجَّةُ لِلْجُمْهُورِ مَا خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ جَابِرٍ، وَقَدْ سُئِلَ عَنْ رُكُوبِ الْهَدْيِ - فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «ارْكَبْهَا بِالْمَعْرُوفِ إِذَا أُلْجِئْتَ إِلَيْهَا حَتَّى تَجِدَ ظَهْرًا» ". وَمِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى أَنَّ الِانْتِفَاعَ بِمَا قُصِدَ بِهِ الْقِرْبَةُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مَنْعُهُ مَفْهُومٌ مِنَ الشَّرِيعَةِ.

وَحُجَّةُ أَهْلِ الظَّاهِرِ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً، فَقَالَ: ارْكَبْهَا! فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهَا هَدْيٌ! فَقَالَ: ارْكَبْهَا

وَيْلَكَ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ فِي الثَّالِثَةِ» .

وَأَجْمَعُوا أَنَّ هَدْيَ التَّطَوُّعِ إِذَا بَلَغَ مَحِلَّهُ أَنَّهُ يَأْكُلُ مِنْهُ صَاحِبُهُ كَسَائِرِ النَّاسِ، وَأَنَّهُ إِذَا عَطِبَ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ. وَزَادَ دَاوُدُ: وَلَا يُطْعِمُ مِنْهُ شَيْئًا أَهْلَ رُفْقَتِهِ؛ " لِمَا ثَبَتَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ بِالْهَدْيِ مَعَ نَاجِيَةَ الْأَسْلَمِيِّ وَقَالَ لَهُ: إِنْ عَطِبَ مِنْهَا شَيْءٌ فَانْحَرْهُ، ثُمَّ اصْبُغْ نَعْلَيْهِ فِي دَمِهِ، وَخَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ» . وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا الْحَدِيثُ، فَزَادَ فِيهِ «وَلَا تَأْكُلْ مِنْهُ أَنْتَ، وَلَا أَهْلُ رُفْقَتِكَ» . وَقَالَ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ دَاوُدُ وَأَبُو ثَوْرٍ.

وَاخْتَلَفُوا فِي ما يَجِبُ عَلَى مَنْ أَكَلَ مِنْهُ، فَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ أَكَلَ مِنْهُ وَجَبَ عَلَيْهِ بَدَلُهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَابْنُ حَبِيبٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ: عَلَيْهِ قِيمَةُ مَا أَكَلَ، أَوْ أَمَرَ بِأَكْلِهِ طَعَامًا يَتَصَدَّقُ بِهِ.

ص: 141

وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ.

وَمَا عَطِبَ فِي الْحَرَمِ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ مَكَّةَ فَهَلْ بَلَغَ مَحِلَّهُ؟ أَمْ لَا؟ فِيهِ الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ هَلِ الْمَحِلُّ هُوَ مَكَّةُ أَوِ الْحَرَمُ؟ وَأَمَّا الْهَدْيُ الْوَاجِبُ إِذَا عَطِبَ قَبْلَ مَحِلِّهِ فَإِنَّ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ بَدَلَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَ لَهُ بَيْعَ لَحْمِهِ، وَأَنْ يَسْتَعِينَ بِهِ فِي الْبَدَلِ، وَكَرِهَ ذَلِكَ مَالِكٌ.

وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَكْلِ مِنَ الْهَدْيِ الْوَاجِبِ إِذَا بَلَغَ مَحِلَّهُ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُؤْكَلُ مِنَ الْهَدْيِ الْوَاجِبِ كُلِّهِ، وَلَحْمُهُ كُلُّهُ لِلْمَسَاكِينِ، وَكَذَلِكَ جِلُّهُ إِنْ كَانَ مُجَلَّلًا، وَالنَّعْلُ الَّذِي قُلِّدَ بِهِ. وَقَالَ مَالِكٌ: يُؤْكَلُ مِنْ كُلِّ الْهَدْيِ الْوَاجِبِ إِلَّا جَزَاءَ الصَّيْدِ، وَنَذْرَ الْمَسَاكِينِ، وَفِدْيَةَ الْأَذَى. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُؤْكَلُ مِنَ الْهَدْيِ الْوَاجِبِ إِلَّا هَدْيَ الْمُتْعَةِ، وَهَدْيَ الْقِرَانِ.

وَعُمْدَةُ الشَّافِعِيِّ تَشْبِيهُ جَمِيعِ أَصْنَافِ الْهَدْيِ الْوَاجِبِ بِالْكَفَّارَةِ، وَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ فَلِأَنَّهُ يَظْهَرُ فِي الْهَدْيِ مَعْنَيَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ عِبَادَةٌ مُبْتَدَأَةٌ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ كَفَّارَةٌ.

وَأَحَدُ الْمَعْنَيَيْنِ فِي بَعْضِهَا أَظْهَرُ؛ فَمَنْ غَلَّبَ شَبَهَهُ بِالْعِبَادَةِ عَلَى شَبَهِهِ بِالْكَفَّارَةِ فِي نَوْعٍ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْهَدْيِ كَهَدْيِ الْقِرَانِ وَهَدْيِ التَّمَتُّعِ، وَبِخَاصَّةٍ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ التَّمَتُّعَ وَالْقِرَانَ أَفْضَلُ - لَمْ يَشْتَرِطْ أَنْ لَا يَأْكُلَ؛ لِأَنَّ هَذَا الْهَدْيَ عِنْدَهُ هُوَ فَضِيلَةٌ لَا كَفَّارَةٌ تَدْفَعُ الْعُقُوبَةَ. وَمَنْ غَلَّبَ شَبَهَهُ بِالْكَفَّارَةِ قَالَ: لَا يَأْكُلُهُ؛ لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَأْكُلُ صَاحِبُ الْكَفَّارَةِ مِنَ الْكَفَّارَةِ. وَلَمَّا كَانَ هَدْيُ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَفِدْيَةُ الْأَذَى ظَاهِرٌ مِنْ أَمْرِهِمَا أَنَّهُمَا كَفَّارَةٌ لَمْ يَخْتَلِفْ هَؤُلَاءِ الْفُقَهَاءُ فِي أَنَّهُ لَا يَأْكُلُ مِنْهَا.

قَالَ الْقَاضِي: فَقَدْ قُلْنَا فِي حُكْمِ الْهَدْيِ، وَفِي جِنْسِهِ، وَفِي سِنِّهِ، وَكَيْفِيَّةِ سَوْقِهِ، وَشُرُوطِ صِحَّتِهِ مِنَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، وَصِفَةِ نَحْرِهِ، وَحُكْمِ الِانْتِفَاعِ بِهِ. وَذَلِكَ مَا قَصَدْنَاهُ وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ.

وَبِتَمَامِ الْقَوْلِ فِي هَذَا بِحَسَبِ تَرْتِيبنَا تَمَّ الْقَوْلُ فِي هَذَا الْكِتَابِ بِحَسَبِ غَرَضِنَا، وَلِلَّهِ الشُّكْرُ وَالْحَمْدُ كَثِيرًا عَلَى مَا وَفَّقَ وَهَدَى وَمَنَّ بِهِ مِنَ التَّمَامِ وَالْكَمَالِ.

وَكَانَ الْفَرَاغُ مِنْهُ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ التَّاسِعَ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى الَّذِي هُوَ عَامُ أَرْبَعَةٍ وَثَمَانِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ كِتَابِ الْمُجْتَهِدِ الَّذِي وَضَعْتُهُ مُنْذُ أَزْيَدَ مِنْ عِشْرِينَ عَامًا أَوْ نَحْوِهَا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

كَانَ رضي الله عنه عَزَمَ حِينَ تَأْلِيفِ الْكِتَابِ أَوَّلًا أَلَّا يُثْبِتَ كِتَابَ الْحَجِّ، ثُمَّ بَدَا لَهُ بَعْدُ فَأَثْبَتَهُ.

ص: 142