المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الفصل الثالث في معرفة الأيمان التي ترفعها الكفارة والتي لا ترفعها] - بداية المجتهد ونهاية المقتصد - جـ ٢

[ابن رشد الحفيد]

فهرس الكتاب

- ‌[كِتَابُ الزَّكَاةِ] [

- ‌الْجُمْلَةُ الْأُولَى فِي مَعْرِفَةِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الزكاة]

- ‌[الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ فِي مَعْرِفَةِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزكاة مِنَ الْأَمْوَالِ]

- ‌[الْجُمْلَةُ الثَّالِثَةُ فِي مَعْرِفَةُ نصابِ الزكاة]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي نصاب الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي نِصَابِ الْإِبِلِ وَالْوَاجِبِ فِيهِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي نِصَابِ الْبَقَرِ وَقَدْرِ الْوَاجِبِ فِي ذَلِكَ]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي نِصَابِ الْغَنَمِ وَقَدْرِ الْوَاجِبِ مِنْ ذَلِكَ]

- ‌[الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي نِصَابِ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ وَالْقَدْرِ الْوَاجِبِ فِي ذَلِكَ]

- ‌[الْفَصْلُ السَّادِسُ فِي نِصَابِ الْعُرُوضِ]

- ‌[الْجُمْلَةُ الرَّابِعَةُ فِي وَقْتِ الزَّكَاةِ]

- ‌[الْجُمْلَةُ الْخَامِسَةُ فِيمَنْ تَجِبُ لَهُ الصَّدَقَةُ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي عَدَدِ الْأَصْنَافِ الَّذِينَ تَجِبُ لَهُمُ الزَّكَاةُ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي صِفَاتُ أهل الزكاة الَّتِي يَسْتَوْجِبُونَ بِهَا الصَّدَقَةَ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ قَدْرُ مَا يُعْطَى أهل الزكاة منها]

- ‌[كِتَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ] [

- ‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ حُكْم زكاة الفطر]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ زكاة الفطر وَعَنْ مَنْ تَجِبُ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ مِمَّاذَا تَجِبُ زكاة الفطر]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِعُ مَتَّى تَجِبُ زَكَاةُ الْفِطْرِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْخَامِسُ لِمَنْ تُصْرَفُ زكاة الفطر]

- ‌[كِتَابُ الصِّيَامِ] [

- ‌الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنَ الصَّوْمِ الْمَفْرُوضِ الْجُمْلَةُ الْأُولَى أَنْوَاعُ الصِّيَامِ الْوَاجِبِ]

- ‌[الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ فِي أَرْكَان الصيام]

- ‌[الرُّكْنُ الْأَوَّلُ في الصيام هو الزَّمَانُ]

- ‌[الرُّكْنُ الثَّانِي في الصيام وَهُوَ الْإِمْسَاكُ]

- ‌[الرُّكْنُ الثَّالِثُ في الصيام وَهُوَ النِّيَّةُ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّانِي مِنَ الصَّوْمِ الْمَفْرُوضِ وَهُوَ الْكَلَامُ فِي الْفِطْرِ وَأَحْكَامِهِ]

- ‌[قَضَاءُ الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ]

- ‌[أَحْكَامُ الْمُرْضِعِ وَالْحَامِلِ وَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ في الصيام]

- ‌[أَحْكَامُ مَنْ يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ إِذَا أَفْطَرَ]

- ‌[سُنَنُ الصَّوْمِ]

- ‌[كِتَابُ الصِّيَامِ الثَّانِي]

- ‌[الصيام الْمَنْدُوبُ إِلَيْهِ]

- ‌[الْأَيَّامُ الْمَنْهِيُّ عَنِ الصِّيَامِ فِيهَا]

- ‌[كِتَابُ الِاعْتِكَافِ]

- ‌[كِتَابُ الْحَجِّ] [

- ‌الْجِنْسُ الْأَوَّلُ مَعْرِفَةُ وُجُوبِ الحج وَشُرُوطِهِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي الْجِنْسِ الثَّانِي أَرْكَانُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي شُرُوطِ الْإِحْرَامِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي مِيقَاتِ الْمَكَانِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي مِيقَاتِ الزَّمَانِ]

- ‌[مَا يَمْنَعُ الْإِحْرَامَ مِنَ الْأُمُورِ الْمُبَاحَةِ لِلْحَلَالِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي أَنْوَاعِ هَذَا النُّسُكِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ]

- ‌[الْخُرُوجُ إِلَى عَرَفَةَ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي أَفْعَالِ الْمُزْدَلِفَةِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي رَمْيِ الْجِمَارِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي الْجِنْسِ الثَّالِثِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي الْإِحْصَارِ في الحج]

- ‌[الْقَوْلُ فِي أَحْكَامِ جَزَاءِ الصَّيْدِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي فِدْيَةِ الْأَذَى وَحُكْمُ الْحَالِقِ رَأْسَهُ قَبْلَ مَحَلِّ الْحَلْقِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي كَفَّارَةِ الْمُتَمَتِّعِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي كَفَّارَةِ الْجِمَاعِ فِي الْحَجِّ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي فَوَاتِ الْحَجِّ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي الْكَفَّارَاتِ الْمَسْكُوتِ عَنْهَا في الحج]

- ‌ الْقَوْلُ فِي الْهَدْيِ

- ‌[كِتَابُ الْجِهَادِ]

- ‌[الْجُمْلَةُ الْأُولَى فِي مَعْرِفَةِ أَرْكَانِ الْحَرْبِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ حُكْمِ الجهاد]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي مَعْرِفَةِ الَّذِينَ يُحَارَبُونَ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي مَعْرِفَةِ مَا يَجُوزُ مِنَ النِّكَايَةِ بِالْعَدُوِّ]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي شَرْطِ الْحَرْبِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي مَعْرِفَةِ الْعَدَدِ الَّذِينَ لَا يَجُوزُ الْفِرَارُ عَنْهُمْ]

- ‌[الْفَصْلُ السَّادِسُ فِي جَوَازِ الْمُهَادِنَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ السَّابِعُ لِمَاذَا يُحَارَبُونَ]

- ‌ الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي حُكْمِ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي حُكْمِ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي حُكْمِ الْأَنْفَالِ]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي حُكْمِ مَا وُجِدَ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ الْكُفَّارِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي حُكْمِ مَا افْتَتَحَ الْمُسْلِمُونَ مِنَ الْأَرْضِ عَنْوَةً]

- ‌[الْفَصْلُ السَّادِسُ فِي قِسْمَةِ الْفَيْءِ]

- ‌[الْفَصْلُ السَّابِعُ فِي الْجِزْيَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْأَيْمَانِ] [

- ‌الْجُمْلَةُ الْأُولَى فِي مَعْرِفَةِ ضُرُوبِ الْأَيْمَانِ وَأَحْكَامِهَا] [

- ‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ الْأَيْمَانِ الْمُبَاحَةِ وَتَمْيِيزِهَا مِنْ غَيْرِهَا]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي مَعْرِفَةِ الْأَيْمَانِ اللَّغْوِيَّةِ وَالْمُنْعَقِدَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي مَعْرِفَةِ الْأَيْمَانِ الَّتِي تَرْفَعُهَا الْكَفَّارَةُ وَالَّتِي لَا تَرْفَعُهَا]

- ‌[الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ فِي مَعْرِفَةِ الْأَشْيَاءِ الرَّافِعَةِ لِلْأَيْمَانِ اللَّازِمَةِ وَأَحْكَامِهَا]

- ‌[الْقِسْمُ الْأَوَّلُ النَّظَرُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي شُرُوطِ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُؤَثِّرِ فِي الْيَمِينِ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّانِي مِنَ الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ النَّظَرُ فِي الْكَفَّارَاتِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي مُوجِبِ الْحِنْثِ وَشُرُوطِهِ وَأَحْكَامِهِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي رَافِعِ الْحِنْثِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ مَتَى تَرْفَعُ الْكَفَّارَةُ الْحِنْثَ وَكَمْ تَرْفَعُ]

- ‌[كِتَابُ النُّذُورِ] [

- ‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي أَصْنَافِ النُّذُورِ]

- ‌الْفَصْلُ الثَّانِي: فِيمَا يَلْزَمُ مِنَ النُّذُورِ وَمَا لَا يَلْزَمُ

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ مَعْرِفَةِ الشَّيْءِ الَّذِي يَلْزَمُ عَنْ النذر وَأَحْكَام ذلك]

- ‌[المسألة الأولى الْوَاجِبُ فِي النَّذْرِ الْمُطْلَقِ]

- ‌[كِتَابُ الضَّحَايَا] [

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي حُكْمِ الضَّحَايَا وَمَنِ الْمُخَاطَبُ بِهَا]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي فِي أَنْوَاعِ الضَّحَايَا وَصِفَاتِهَا وَأَسْنَانِهَا وَعَدَدِهَا]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ فِي أَحْكَامِ الذَّبْحِ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي أَحْكَامِ لُحُومِ الضَّحَايَا]

- ‌[كِتَابُ الذَّبَائِحِ] [

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ مَحَلِّ الذَّبْحِ وَالنَّحْرِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي فِي الذَّكَاةِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ فِيمَا تَكُونُ بِهِ الذَّكَاةُ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي شُرُوطِ الذَّكَاةِ]

- ‌[الْبَابُ الْخَامِسُ فِيمَنْ تَجُوزُ تَذْكِيَتُهُ وَمَنْ لَا تَجُوزُ]

الفصل: ‌[الفصل الثالث في معرفة الأيمان التي ترفعها الكفارة والتي لا ترفعها]

بَيَّنَ الشَّرْعُ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ سُقُوطَ حُكْمِهَا مِثْلَ مَا رُوِيَ أَنَّهُ: «لَا طَلَاقَ فِي إِغْلَاقٍ» وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، لَكِنَّ الْأَظْهَرَ هُمَا الْقَوْلَانِ الْأَوَّلَانِ: أَعْنِي قَوْلَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ) .

[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي مَعْرِفَةِ الْأَيْمَانِ الَّتِي تَرْفَعُهَا الْكَفَّارَةُ وَالَّتِي لَا تَرْفَعُهَا]

وَهَذَا الْفَصْلُ أَرْبَعُ مَسَائِلَ:

الْمَسْأَلَةُ الأُولَى: اخْتَلَفُوا فِي الْأَيْمَانِ بِاللَّهِ الْمُنْعَقِدَةِ، هَلْ يَرْفَعُ جَمِيعَهَا الْكَفَّارَةُ، سَوَاءٌ أَكَانَ حَلِفًا عَلَى شَيْءٍ مَاضٍ أَنَّهُ كَانَ فَلَمْ يَكُنْ وَهِيَ الَّتِي تُعْرَفُ بِالْيَمِينِ الْغَمُوسِ، وَذَلِكَ إِذَا تَعَمَّدَ الْكَذِبَ ; أَوْ عَلَى شَيْءٍ مُسْتَقْبَلٍ أَنَّهُ يَكُونُ مِنْ قِبَلِ الْحَالِفِ أَوْ مِنْ قِبَلِ مَنْ هُوَ بِسَبَبِهِ فَلَمْ يَكُنْ. فَقَالَ الْجُمْهُورُ: لَيْسَ فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ كَفَّارَةٌ، وَإِنَّمَا الْكَفَّارَةُ فِي الْأَيْمَانِ الَّتِي تَكُونُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ إِذَا خَالَفَ الْيَمِينَ الْحَالِفُ، وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ: يَجِبُ فِيهَا الْكَفَّارَةُ، أَيْ تُسْقِطُ الْكَفَّارَةُ الْإِثْمَ فِيهَا كَمَا تُسْقِطُهُ فِي غَيْرِ الْغَمُوسِ.

وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ مُعَارَضَةُ عُمُومِ الْكِتَابِ لِلْأَثَرِ، وَذَلِكَ أَنَّ قَوْله تَعَالَى:{وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المائدة: 89] الْآيَةَ، تُوجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ كَفَارَّةٌ لِكَوْنِهَا مِنَ الْأَيْمَانِ الْمُنْعَقِدَةِ.

وَقَوْلَهُ عليه الصلاة والسلام: «مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ، وَأَوْجَبَ لَهُ النَّارَ» يُوجِبُ أَنَّ الْيَمِينَ الْغَمُوسَ لَيْسَ فِيهَا كَفَّارَةٌ.

وَلَكِنْ لِلشَّافِعِيِّ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنَ الْأَيْمَانِ الْغَمُوسِ مَا لَا يُقْتَطَعُ بِهَا حَقُّ الْغَيْرِ، وَهُوَ الَّذِي وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ، أَوْ يَقُولَ: إِنَّ الْأَيْمَانَ الَّتِي يُقْتَطَعُ بِهَا حَقُّ الْغَيْرِ قَدْ جَمَعَتِ الظُّلْمَ وَالْحِنْثَ، فَوَجَبَ أَلَّا تَكُونَ الْكَفَّارَةُ تَهْدِمُ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا، أَوْ لَيْسَ يُمْكِنُ فِيهَا أَنْ تَهْدِمَ الْحِنْثَ دُونَ الظُّلْمِ، لِأَنَّ رَفْعَ الْحِنْثِ بِالْكَفَّارَةِ إِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ التَّوْبَةِ، وَلَيْسَ تَتَبَعَّضُ التَّوْبَةُ فِي الذَّنْبِ الْوَاحِدِ بِعَيْنِهِ، فَإِنْ تَابَ وَرَدَّ الْمَظْلَمَةَ وَكَفَّرَ سَقَطَ عَنْهُ جَمِيعُ الْإِثْمِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيةُ: وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ قَالَ: أَنَا كَافِرٌ بِاللَّهِ، أَوْ مُشْرِكٌ بِاللَّهِ، أَوْ يَهُودِيٌّ، أَوْ نَصْرَانِيٌّ ; إِنْ فَعَلْتُ كَذَا، ثُمَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ ; هَلْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ أَمْ لَا؟ فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: لَيْسَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَلَا هَذِهِ يَمِينٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هِيَ يَمِينٌ وَعَلَيْهِ فِيهَا الْكَفَّارَةُ إِذَا خَالَفَ الْيَمِينَ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَيْضًا.

وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: هُوَ اخْتِلَافُهُمْ فِي هَلْ يَجُوزُ الْيَمِينُ بِكُلِّ مَا لَهُ حُرْمَةٌ أَمْ لَيْسَ يَجُوزُ إِلَّا بِاللَّهِ فَقَطْ؟ ثُمَّ إِنْ وَقَعَتْ فَهَلْ تَنْعَقِدُ أَمْ لَا؟ .

فَمَنْ رَأَى أَنَّ الْأَيْمَانَ الْمُنْعَقِدَةَ: أَعْنِي

ص: 172

الَّتِي هِيَ بِصِيَغِ الْقَسَمِ إِنَّمَا هِيَ الْأَيْمَانُ الْوَاقِعَةُ بِاللَّهِ عز وجل وَبِأَسْمَائِهِ قَالَ: لَا كَفَّارَةَ فِيهَا إِذْ لَيْسَتْ بِيَمِينٍ. وَمَنْ رَأَى أَنَّ الْأَيْمَانَ تَنْعَقِدُ بِكُلِّ مَا عَظَّمَ الشَّرْعُ حُرْمَتَهُ قَالَ: فِيهَا الْكَفَّارَةُ، لِأَنَّ الْحَلِفَ بِالتَّعْظِيمِ كَالْحَلِفِ بِتَرْكِ التَّعْظِيمِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَمَا يَجِبُ التَّعْظِيمُ يَجِبُ أَنْ لَا يُتْرَكَ التَّعْظِيمُ، فَكَمَا أَنَّ مَنْ حَلَفَ بِوُجُوبِ حَقِّ اللَّهِ عَلَيْهِ لَزِمَهُ، كَذَلِكَ مَنْ حَلَفَ بِتَرْكِ وُجُوبِهِ لَزِمَهُ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: وَاتَّفَقَ الْجُمْهُورُ فِي الْأَيْمَانِ الَّتِي لَيْسَتْ إِقْسَامًا بِشَيْءٍ، وَإِنَّمَا تَخْرُجُ مَخْرَجَ الْإِلْزَامِ الْوَاقِعِ بِشَرْطٍ مِنَ الشُّرُوطِ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُ: فَإِنْ فَعَلْتُ كَذَا فَعَلَيَّ مَشْيٌ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ، أَوْ إِنْ فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا فَغُلَامِي حُرٌّ أَوِ امْرَأَتِي طَالِقٌ أَنَّهَا تَلْزَمُ فِي الْقُرَبِ، وَفِيمَا إِذَا الْتَزَمَهُ الْإِنْسَانُ لَزِمَهُ بِالشَّرْعِ، مِثْلَ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ. وَاخْتَلَفُوا هَلْ فِيهَا كَفَّارَةٌ أَمْ لَا؟ فَذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى أَنْ لَا كَفَّارَةَ فِيهَا، وَأَنَّهُ إِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ أَثِمَ وَلَا بُدَّ. وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُمْ إِلَى أَنَّ هَذَا الْجِنْسَ مِنَ الْأَيْمَانِ فِيهَا الْكَفَّارَةُ إِلَّا الطَّلَاقَ وَالْعِتْقَ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: يُكَفِّرُ مَنْ حَلَفَ بِالْعِتْقِ. وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ مَرْوِيٌّ عَنْ عَائِشَةَ.

وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ هَلْ هِيَ يَمِينٌ أَوْ نَذْرٌ؟ فَمَنْ قَالَ: إِنَّهَا يَمِينٌ أَوْجَبَ فِيهَا الْكَفَّارَةَ، لِدُخُولِهَا تَحْتَ عُمُومِ قَوْله تَعَالَى:{فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المائدة: 89] الْآيَةَ.

وَمَنْ قَالَ: إِنَّهَا مَنْ جِنْسِ النَّذْرِ: أَيْ مِنْ جِنْسِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي نَصَّ الشَّرْعُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا الْتَزَمَهَا الْإِنْسَانُ لَزِمَتْهُ قَالَ: لَا كَفَّارَةَ فِيهَا، لَكِنْ يَعْسُرُ هَذَا عَلَى الْمَالِكِيَّةِ لِتَسْمِيَتِهِمْ إِيَّاهَا أَيْمَانًا، لَكِنْ لَعَلَّهُمْ إِنَّمَا سَمَّوْهَا أَيْمَانًا عَلَى طَرِيقِ التَّجَوُّزِ وَالتَّوَسُّعِ.

وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَيْسَ يَجِبُ أَنْ تُسَمَّى بِحَسَبِ الدَّلَالَةِ اللُّغَوِيَّةِ أَيْمَانًا، فَإِنَّ الْأَيْمَانَ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ لَهَا صِيَغٌ مَخْصُوصَةٌ، وَإِنَّمَا يَقَعُ الْيَمِينُ بِالْأَشْيَاءِ الَّتِي تُعَظَّمُ وَلَيْسَتْ صِيغَةُ الشَّرْطِ هِيَ صِيغَةَ الْيَمِينِ.

فَأَمَّا هَلْ تُسَمَّى أَيْمَانًا بِالْعُرْفِ الشَّرْعِيِّ؟ وَهَلْ حُكْمُهَا حُكْمُ الْأَيْمَانِ؟ فَفِيهِ نَظَرٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ:«كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» . وَقَالَ تَعَالَى: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] إِلَى قَوْلِهِ: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ قَدْ سُمِّيَ بِالشَّرْعِ الْقَوْلُ الَّذِي مَخْرَجُهُ مَخْرَجُ الشَّرْطِ أَوْ مَخْرَجُ الْإِلْزَامِ دُونَ شَرْطِ وَلَا يَمِينَ، فَيَجِبُ أَنْ تُحْمَلَ عَلَى ذَلِكَ جَمِيعُ الْأَقَاوِيلِ الَّتِي تَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى، لَا مَا خَصَّصَهُ الْإِجْمَاعُ مِنْ ذَلِكَ مِثْلَ الطَّلَاقِ، فَظَاهِرُ الْحَدِيثِ يُعْطِي أَنَّ النَّذْرَ لَيْسَ بِيَمِينٍ، وَأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْيَمِينِ.

وَذَهَبَ دَاوُدُ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ يَلْزَمُ مِنْ مِثْلِ هَذِهِ الْأَقَاوِيلِ أَعْنِي الْخَارِجَةَ مَخْرَجَ الشَّرْطِ إِلَّا مَا أَلْزَمَهُ الْإِجْمَاعُ مِنْ ذَلِكَ، وَذَلِكَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِنُذُورٍ فَيَلْزَمُ فِيهَا النَّذْرُ، وَلَا بِأَيْمَانٍ

ص: 173