المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب الأول في معرفة محل الذبح والنحر] - بداية المجتهد ونهاية المقتصد - جـ ٢

[ابن رشد الحفيد]

فهرس الكتاب

- ‌[كِتَابُ الزَّكَاةِ] [

- ‌الْجُمْلَةُ الْأُولَى فِي مَعْرِفَةِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الزكاة]

- ‌[الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ فِي مَعْرِفَةِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزكاة مِنَ الْأَمْوَالِ]

- ‌[الْجُمْلَةُ الثَّالِثَةُ فِي مَعْرِفَةُ نصابِ الزكاة]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي نصاب الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي نِصَابِ الْإِبِلِ وَالْوَاجِبِ فِيهِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي نِصَابِ الْبَقَرِ وَقَدْرِ الْوَاجِبِ فِي ذَلِكَ]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي نِصَابِ الْغَنَمِ وَقَدْرِ الْوَاجِبِ مِنْ ذَلِكَ]

- ‌[الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي نِصَابِ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ وَالْقَدْرِ الْوَاجِبِ فِي ذَلِكَ]

- ‌[الْفَصْلُ السَّادِسُ فِي نِصَابِ الْعُرُوضِ]

- ‌[الْجُمْلَةُ الرَّابِعَةُ فِي وَقْتِ الزَّكَاةِ]

- ‌[الْجُمْلَةُ الْخَامِسَةُ فِيمَنْ تَجِبُ لَهُ الصَّدَقَةُ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي عَدَدِ الْأَصْنَافِ الَّذِينَ تَجِبُ لَهُمُ الزَّكَاةُ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي صِفَاتُ أهل الزكاة الَّتِي يَسْتَوْجِبُونَ بِهَا الصَّدَقَةَ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ قَدْرُ مَا يُعْطَى أهل الزكاة منها]

- ‌[كِتَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ] [

- ‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ حُكْم زكاة الفطر]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ زكاة الفطر وَعَنْ مَنْ تَجِبُ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ مِمَّاذَا تَجِبُ زكاة الفطر]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِعُ مَتَّى تَجِبُ زَكَاةُ الْفِطْرِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْخَامِسُ لِمَنْ تُصْرَفُ زكاة الفطر]

- ‌[كِتَابُ الصِّيَامِ] [

- ‌الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنَ الصَّوْمِ الْمَفْرُوضِ الْجُمْلَةُ الْأُولَى أَنْوَاعُ الصِّيَامِ الْوَاجِبِ]

- ‌[الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ فِي أَرْكَان الصيام]

- ‌[الرُّكْنُ الْأَوَّلُ في الصيام هو الزَّمَانُ]

- ‌[الرُّكْنُ الثَّانِي في الصيام وَهُوَ الْإِمْسَاكُ]

- ‌[الرُّكْنُ الثَّالِثُ في الصيام وَهُوَ النِّيَّةُ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّانِي مِنَ الصَّوْمِ الْمَفْرُوضِ وَهُوَ الْكَلَامُ فِي الْفِطْرِ وَأَحْكَامِهِ]

- ‌[قَضَاءُ الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ]

- ‌[أَحْكَامُ الْمُرْضِعِ وَالْحَامِلِ وَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ في الصيام]

- ‌[أَحْكَامُ مَنْ يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ إِذَا أَفْطَرَ]

- ‌[سُنَنُ الصَّوْمِ]

- ‌[كِتَابُ الصِّيَامِ الثَّانِي]

- ‌[الصيام الْمَنْدُوبُ إِلَيْهِ]

- ‌[الْأَيَّامُ الْمَنْهِيُّ عَنِ الصِّيَامِ فِيهَا]

- ‌[كِتَابُ الِاعْتِكَافِ]

- ‌[كِتَابُ الْحَجِّ] [

- ‌الْجِنْسُ الْأَوَّلُ مَعْرِفَةُ وُجُوبِ الحج وَشُرُوطِهِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي الْجِنْسِ الثَّانِي أَرْكَانُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي شُرُوطِ الْإِحْرَامِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي مِيقَاتِ الْمَكَانِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي مِيقَاتِ الزَّمَانِ]

- ‌[مَا يَمْنَعُ الْإِحْرَامَ مِنَ الْأُمُورِ الْمُبَاحَةِ لِلْحَلَالِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي أَنْوَاعِ هَذَا النُّسُكِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ]

- ‌[الْخُرُوجُ إِلَى عَرَفَةَ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي أَفْعَالِ الْمُزْدَلِفَةِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي رَمْيِ الْجِمَارِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي الْجِنْسِ الثَّالِثِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي الْإِحْصَارِ في الحج]

- ‌[الْقَوْلُ فِي أَحْكَامِ جَزَاءِ الصَّيْدِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي فِدْيَةِ الْأَذَى وَحُكْمُ الْحَالِقِ رَأْسَهُ قَبْلَ مَحَلِّ الْحَلْقِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي كَفَّارَةِ الْمُتَمَتِّعِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي كَفَّارَةِ الْجِمَاعِ فِي الْحَجِّ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي فَوَاتِ الْحَجِّ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي الْكَفَّارَاتِ الْمَسْكُوتِ عَنْهَا في الحج]

- ‌ الْقَوْلُ فِي الْهَدْيِ

- ‌[كِتَابُ الْجِهَادِ]

- ‌[الْجُمْلَةُ الْأُولَى فِي مَعْرِفَةِ أَرْكَانِ الْحَرْبِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ حُكْمِ الجهاد]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي مَعْرِفَةِ الَّذِينَ يُحَارَبُونَ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي مَعْرِفَةِ مَا يَجُوزُ مِنَ النِّكَايَةِ بِالْعَدُوِّ]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي شَرْطِ الْحَرْبِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي مَعْرِفَةِ الْعَدَدِ الَّذِينَ لَا يَجُوزُ الْفِرَارُ عَنْهُمْ]

- ‌[الْفَصْلُ السَّادِسُ فِي جَوَازِ الْمُهَادِنَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ السَّابِعُ لِمَاذَا يُحَارَبُونَ]

- ‌ الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي حُكْمِ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي حُكْمِ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي حُكْمِ الْأَنْفَالِ]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي حُكْمِ مَا وُجِدَ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ الْكُفَّارِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي حُكْمِ مَا افْتَتَحَ الْمُسْلِمُونَ مِنَ الْأَرْضِ عَنْوَةً]

- ‌[الْفَصْلُ السَّادِسُ فِي قِسْمَةِ الْفَيْءِ]

- ‌[الْفَصْلُ السَّابِعُ فِي الْجِزْيَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْأَيْمَانِ] [

- ‌الْجُمْلَةُ الْأُولَى فِي مَعْرِفَةِ ضُرُوبِ الْأَيْمَانِ وَأَحْكَامِهَا] [

- ‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ الْأَيْمَانِ الْمُبَاحَةِ وَتَمْيِيزِهَا مِنْ غَيْرِهَا]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي مَعْرِفَةِ الْأَيْمَانِ اللَّغْوِيَّةِ وَالْمُنْعَقِدَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي مَعْرِفَةِ الْأَيْمَانِ الَّتِي تَرْفَعُهَا الْكَفَّارَةُ وَالَّتِي لَا تَرْفَعُهَا]

- ‌[الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ فِي مَعْرِفَةِ الْأَشْيَاءِ الرَّافِعَةِ لِلْأَيْمَانِ اللَّازِمَةِ وَأَحْكَامِهَا]

- ‌[الْقِسْمُ الْأَوَّلُ النَّظَرُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي شُرُوطِ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُؤَثِّرِ فِي الْيَمِينِ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّانِي مِنَ الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ النَّظَرُ فِي الْكَفَّارَاتِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي مُوجِبِ الْحِنْثِ وَشُرُوطِهِ وَأَحْكَامِهِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي رَافِعِ الْحِنْثِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ مَتَى تَرْفَعُ الْكَفَّارَةُ الْحِنْثَ وَكَمْ تَرْفَعُ]

- ‌[كِتَابُ النُّذُورِ] [

- ‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي أَصْنَافِ النُّذُورِ]

- ‌الْفَصْلُ الثَّانِي: فِيمَا يَلْزَمُ مِنَ النُّذُورِ وَمَا لَا يَلْزَمُ

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ مَعْرِفَةِ الشَّيْءِ الَّذِي يَلْزَمُ عَنْ النذر وَأَحْكَام ذلك]

- ‌[المسألة الأولى الْوَاجِبُ فِي النَّذْرِ الْمُطْلَقِ]

- ‌[كِتَابُ الضَّحَايَا] [

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي حُكْمِ الضَّحَايَا وَمَنِ الْمُخَاطَبُ بِهَا]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي فِي أَنْوَاعِ الضَّحَايَا وَصِفَاتِهَا وَأَسْنَانِهَا وَعَدَدِهَا]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ فِي أَحْكَامِ الذَّبْحِ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي أَحْكَامِ لُحُومِ الضَّحَايَا]

- ‌[كِتَابُ الذَّبَائِحِ] [

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ مَحَلِّ الذَّبْحِ وَالنَّحْرِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي فِي الذَّكَاةِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ فِيمَا تَكُونُ بِهِ الذَّكَاةُ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي شُرُوطِ الذَّكَاةِ]

- ‌[الْبَابُ الْخَامِسُ فِيمَنْ تَجُوزُ تَذْكِيَتُهُ وَمَنْ لَا تَجُوزُ]

الفصل: ‌الباب الأول في معرفة محل الذبح والنحر]

[كِتَابُ الذَّبَائِحِ] [

‌الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ مَحَلِّ الذَّبْحِ وَالنَّحْرِ]

ِ وَالْقَوْلُ الْمُحِيطُ بِقَوَاعِدِ هَذَا الْكِتَابِ يَنْحَصِرُ فِي خَمْسَةِ أَبْوَابٍ:

الْبَابُ الْأَوَّلُ: فِي مَعْرِفَةِ مَحَلِّ الذَّبْحِ وَالنَّحْرِ، وَهُوَ الْمَذْبُوحُ أَوِ الْمَنْحُورُ.

الْبَابُ الثَّانِي: فِي مَعْرِفَةِ الذَّبْحِ وَالنَّحْرِ.

الْبَابُ الثَّالِثُ: فِي مَعْرِفَةِ الْآلَةِ الَّتِي بِهَا يَكُونُ الذَّبْحُ وَالنَّحْرُ.

الْبَابُ الرَّابِعُ: فِي مَعْرِفَةِ شُرُوطِ الذَّكَاةِ.

الْبَابُ الْخَامِسُ: فِي مَعْرِفَةِ الذَّابِحِ وَالنَّاحِرِ.

وَالْأُصُولُ هِيَ الْأَرْبَعَةُ، وَالشُّرُوطُ يُمْكِنُ أَنْ تَدْخُلَ فِي أَرْبَعَةِ الْأَبْوَابِ، وَالْأَسْهَلُ فِي التَّعْلِيمِ أَنْ يُجْعَلَ بَابًا عَلَى حِدَتِهِ.

الْبَابُ الْأَوَّلُ: فِي مَعْرِفَةِ مَحَلِّ الذَّبْحِ وَالنَّحْرِ وَالْحَيَوَانُ فِي اشْتِرَاطِ الذَّكَاةِ فِي أَكْلِهِ عَلَى قِسْمَيْنِ: حَيَوَانٌ لَا يَحِلُّ إِلَّا بِذَكَاةٍ، وَحَيَوَانٌ يَحِلُّ بِغَيْرِ ذَكَاةٍ. وَمِنْ هَذِهِ مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَمِنْهَا مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ.

وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْحَيَوَانَ الَّذِي يَعْمَلُ فِيهِ الذَّبْحُ هُوَ الْحَيَوَانُ الْبَرِّيُّ ذُو الدَّمِ الَّذِي لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ وَلَا مَنْفُوذِ الْمَقَاتِلِ وَلَا مَيْئُوسٍ مِنْهُ بِوَقْذٍ أَوْ نَطْحٍ أَوْ تَرَدٍّ أَوِ افْتِرَاسِ سَبُعٍ أَوْ مَرَضٍ، وَأَنَّ الْحَيَوَانَ الْبَحْرِيَّ لَيْسَ يَحْتَاجُ إِلَى ذَكَاةٍ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْحَيَوَانِ الَّذِي لَيْسَ يَدْمَى مِمَّا يَجُوزُ أَكْلُهُ مِثْلَ الْجَرَادِ وَغَيْرِهِ هَلْ لَهُ ذَكَاةٌ أَمْ لَا؟ وَفِي الْحَيَوَانِ الْمُدْمَى الَّذِي يَكُونُ تَارَةً فِي الْبَحْرِ، وَتَارَةً فِي الْبَرِّ مِثْلَ السُّلَحْفَاةِ وَغَيْرِهِ.

وَاخْتَلَفُوا فِي تَأْثِيرِ الذَّكَاةِ فِي الْأَصْنَافِ الَّتِي نُصَّ عَلَيْهَا فِي آيَةِ، التَّحْرِيمِ وَفِي تَأْثِيرِ الذَّكَاةِ فِيمَا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ أَعْنِي: فِي تَحْلِيلِ الِانْتِفَاعِ بِجُلُودِهَا وَسَلْبِ النَّجَاسَةِ عَنْهَا.

فَفِي هَذَا الْبَابِ إِذًا سِتُّ مَسَائِلَ أُصُولٌ:

الْمَسْأَلَةُ الأُولَى: فِي تَأْثِيرِ الذَّكَاةِ فِي الْأَصْنَافِ الْخَمْسَةِ الَّتِي نُصَّ عَلَيْهَا فِي الْآيَةِ إِذَا أُدْرِكَتْ حَيَّةً.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي تَأْثِيرِ الذَّكَاةِ فِي الْحَيَوَانِ الْمُحَرَّمِ الْأَكْلِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: فِي تَأْثِيرِ الذَّكَاةِ فِي الْمَرِيضَةِ.

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: فِي هَلْ ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ أَمْ لَا؟

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: هَلْ لِلْجَرَادِ ذَكَاةٌ أَمْ لَا؟

ص: 202

الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: هَلْ لِلْحَيَوَانِ الَّذِي يَأْوِي فِي الْبَرِّ تَارَةً وَفِي الْبَحْرِ تَارَةً ذَكَاةٌ أَمْ لَا؟ .

الْمَسْأَلَةُ الأُولَى: أَمَّا الْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ فَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا فِيمَا أَعْلَمُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَبْلُغِ الْخَنْقُ مِنْهَا أَوِ الْوَقْذُ مِنْهَا إِلَى حَالَةٍ لَا يُرْجَى فِيهِ أَنَّ الذَّكَاةَ عَامِلَةٌ فِيهَا أَعْنِي أَنَّهُ إِذَا غَلَبَ الظَّنُّ أَنَّهَا تَعِيشُ، وَذَلِكَ بِأَنْ لَا يُصَابَ لَهَا مَقْتَلٌ.

وَاخْتَلَفُوا إِذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهَا تَهْلِكُ مِنْ ذَلِكَ بِإِصَابَةِ مَقْتَلٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَقَالَ قَوْمٌ: تَعْمَلُ الذَّكَاةُ فِيهَا، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَالَ قَوْمٌ: لَا تَعْمَلُ الذَّكَاةُ فِيهَا. وَعَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ الْوَجْهَانِ، وَلَكِنَّ الْأَشْهَرَ أَنَّهَا لَا تَعْمَلُ فِي الْمَيْئُوسِ مِنْهَا.

وَبَعْضُهُمْ تَأَوَّلَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمَيْئُوسَ مِنْهَا عَلَى ضَرْبَيْنِ: مَيْئُوسَةٌ مَشْكُوكٌ فِيهَا، وَمَيْئُوسَةٌ مَقْطُوعٌ بِمَوْتِهَا وَهِيَ الْمَنْفُوذَةُ الْمَقَاتِلِ عَلَى اخْتِلَافٍ بَيْنَهُمْ أَيْضًا فِي الْمَقَاتِلِ قَالَ: فَأَمَّا الْمَيْئُوسَةُ الْمَشْكُوكُ فِيهَا فَفِي الْمَذْهَبِ فِيهَا رِوَايَتَانِ مَشْهُورَتَانِ.

وَأَمَّا الْمَنْفُوذَةُ الْمَقَاتِلِ فَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ الْمَنْقُولِ أَنَّ الذَّكَاةَ لَا تَعْمَلُ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ يَتَخَرَّجُ فِيهَا الْجَوَازُ عَلَى وَجْهٍ ضَعِيفٍ.

وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ اخْتِلَافُهُمْ فِي مَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى: {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] . هَلْ هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُتَّصِلٌ فَيَخْرُجُ مِنَ الْجِنْسِ بَعْضُ مَا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ وَهُوَ الْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ عَلَى عَادَةِ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَّصِلِ، أَمْ هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي الْجُمْلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، إِذْ كَانَ هَذَا أَيْضًا شَأْنَ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ.

فَمَنْ قَالَ: إِنَّهُ مُتَّصِلٌ قَالَ: الذَّكَاةُ تَعْمَلُ فِي هَذِهِ الْأَصْنَافِ الْخَمْسَةِ.

وَأَمَّا مَنْ قَالَ: الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ فَإِنَّهُ قَالَ: لَا تَعْمَلُ الذَّكَاةُ فِيهَا.

وَقَدِ احْتَجَّ مَنْ قَالَ: إِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُتَّصِلٌ بِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّ الذَّكَاةَ تَعْمَلُ فِي الْمَرْجُوِّ مِنْهَا قَالَ: فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَهُ تَأْثِيرٌ فِيهَا فَهُوَ مُتَّصِلٌ.

وَقَدِ احْتَجَّ أَيْضًا مَنْ رَأَى أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ بِأَنَّ التَّحْرِيمَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِأَعْيَانِ هَذِهِ الْأَصْنَافِ الْخَمْسَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ، وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَالِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ، وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] إِنَّمَا هُوَ لَحْمُ الْمَيْتَةِ، وَكَذَلِكَ لَحْمُ الْمَوْقُوذَةِ وَالْمُتَرَدِّيَةِ وَالنَّطِيحَةِ وَسَائِرِهَا أَيْ لَحْمُ الْمَيْتَةِ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ سِوَى الَّتِي تَمُوتُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهَا وَهِيَ الَّتِي تُسَمَّى مَيْتَةً أَكْثَرُ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَوْ بِالْحَقِيقَةِ.

قَالُوا: فَلَمَّا عُلِمَ أَنَّ الْمَقْصُودَ لَمْ يَكُنْ تَعْلِيقَ التَّحْرِيمِ بِأَعْيَانِ هَذِهِ وَهِيَ حَيَّةٌ، وَإِنَّمَا عُلِّقَ بِهَا بَعْدَ الْمَوْتِ، لِأَنَّ لَحْمَ الْحَيَوَانِ مُحَرَّمٌ فِي حَالِ الْحَيَاةِ بِدَلِيلِ اشْتِرَاطِ الذَّكَاةِ فِيهَا، وَبِدَلِيلِ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَا قُطِعَ مِنَ الْبَهِيمَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ فَهُوَ مَيْتَةٌ» وَجَبَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3]

ص: 203

اسْتِثْنَاءً مُنْقَطِعًا، لَكِنَّ الْحَقَّ فِي ذَلِكَ أَنَّ كَيْفَمَا كَانَ الْأَمْرُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ فَوَاجِبٌ أَنْ تَكُونَ الذَّكَاةُ تَعْمَلُ فِيهَا، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِنْ عَلَّقْنَا التَّحْرِيمَ بِهَذِهِ الْأَصْنَافِ فِي الْآيَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَجَبَ أَنْ تَدْخُلَ فِي التَّذْكِيَةِ مِنْ جِهَةِ مَا هِيَ حَيَّةٌ الْأَصْنَافُ الْخَمْسَةُ وَغَيْرُهَا، لِأَنَّهَا مَا دَامَتْ حَيَّةً مُسَاوِيَةً لِغَيْرِهَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْحَيَوَانِ أَعْنِي أَنَّهَا تَقْبَلُ الْحِلِّيَّةَ مِنْ قِبَلِ التَّذْكِيَةِ الَّتِي الْمَوْتُ مِنْهَا هُوَ سَبَبُ الْحِلِّيَّةِ.

وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُتَّصِلٌ فَلَا خَفَاءَ بِوُجُوبِ ذَلِكَ.

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ:

إِنَّ عُمُومَ التَّحْرِيمِ يُمْكِنُ أَنْ يُفْهَمَ مِنْهُ تَنَاوُلُ أَعْيَانِ هَذِهِ الْخَمْسَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَهُ كَالْحَالِ فِي الْخِنْزِيرِ الَّذِي لَا تَعْمَلُ فِيهِ الذَّكَاةُ، فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ عَلَى هَذَا رَافِعًا لِتَحْرِيمِ أَعْيَانِهَا بِالتَّنْصِيصِ عَلَى عَمَلِ الذَّكَاةِ فِيهَا، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْ مَا اعْتَرَضَ بِهِ ذَلِكَ الْمُعْتَرِضُ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى كَوْنِ الِاسْتِثْنَاءِ مُنْقَطِعًا.

وَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْمَنْفُوذَةِ الْمَقَاتِلِ وَالْمَشْكُوكِ فِيهَا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُنْقَطِعٌ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا جَازَ تَأْثِيرُ الذَّكَاةِ فِي الْمَرْجُوَّةِ بِالْإِجْمَاعِ، وَقَاسَ الْمَشْكُوكَةَ عَلَى الْمَرْجُوَّةِ.

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُتَّصِلٌ، وَلَكِنَّ اسْتِثْنَاءَ هَذَا الصِّنْفِ مِنَ الْمَوْقُوذَةِ بِالْقِيَاسِ، وَذَلِكَ أَنَّ الذَّكَاةَ إِنَّمَا يَجِبُ أَنْ تَعْمَلَ فِي حِينِ يُقْطَعُ أَنَّهَا سَبَبُ الْمَوْتِ.

فَأَمَّا إِذَا شُكَّ هَلْ كَانَ مُوجِبُ الْمَوْتِ الذَّكَاةَ أَوِ الْوَقْذَ أَوِ النَّطْحَ أَوْ سَائِرَهَا فَلَا يَجِبُ أَنْ تَعْمَلَ فِي ذَلِكَ وَهَذِهِ هِيَ حَالُ الْمَنْفُوذَةِ الْمَقَاتِلِ، وَلَهُ أَنْ يَقُولَ إِنَّ الْمَنْفُوذَةَ الْمَقَاتِلِ فِي حُكْمِ الْمَيْتَةِ، وَالذَّكَاةُ مِنْ شَرْطِهَا أَنْ تَرْفَعَ الْحَيَاةَ الثَّابِتَةَ لَا الْحَيَاةَ الذَّاهِبَةَ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: وَأَمَّا هَلْ تَعْمَلُ الذَّكَاةُ فِي الْحَيَوَانَاتِ الْمُحَرَّمَاتِ الْأَكْلِ حَتَّى تُطَهِّرَ بِذَلِكَ جُلُودَهُمْ؟ فَإِنَّهُمْ أَيْضًا اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ ; فَقَالَ مَالِكٌ: الذَّكَاةُ تَعْمَلُ فِي السِّبَاعِ وَغَيْرِهَا مَا عَدَا الْخِنْزِيرَ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، إِلَّا أَنَّهُ اخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ فِي كَوْنِ السِّبَاعِ فِيهِ مُحَرَّمَةً أَوْ مَكْرُوهَةً عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ وَالْأَشْرِبَةِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الذَّكَاةُ تَعْمَلُ فِي كُلِّ حَيَوَانٍ مُحَرَّمِ الْأَكْلِ، فَيَجُوزُ بَيْعُ جَمِيعِ أَجْزَائِهِ وَالِانْتِفَاعُ بِهَا مَا عَدَا اللَّحْمَ.

وَسَبَبُ الْخِلَافِ: هَلْ جَمِيعُ أَجْزَاءِ الْحَيَوَانِ تَابِعَةٌ لِلَّحْمِ فِي الْحِلِّيَّةِ وَالْحُرْمَةِ، أَمْ لَيْسَتْ بِتَابِعَةٍ لِلَّحْمِ؟ فَمَنْ قَالَ إِنَّهَا تَابِعَةٌ لِلَّحْمِ قَالَ: إِذَا لَمْ تَعْمَلِ الذَّكَاةُ فِي اللَّحْمِ لَمْ تَعْمَلْ فِيمَا سِوَاهُ. وَمَنْ رَأَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِتَابِعَةٍ قَالَ: وَإِنْ لَمْ تَعْمَلْ فِي اللَّحْمِ فَإِنَّهَا تَعْمَلُ فِي سَائِرِ أَجْزَاءِ الْحَيَوَانِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهَا تَعْمَلُ فِي جَمِيعِ الْأَجْزَاءِ، فَإِذَا ارْتَفَعَ بِالدَّلِيلِ الْمُحَرِّمِ لِلَّحْمِ عَمَلُهَا فِي اللَّحْمِ بَقِيَ عَمَلُهَا فِي سَائِرِ الْأَجْزَاءِ إِلَّا أَنْ يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى ارْتِفَاعِهِ.

ص: 204

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: وَاخْتَلَفُوا فِي تَأْثِيرِ الذَّكَاةِ فِي الْبَهِيمَةِ الَّتِي أَشْرَفَتْ عَلَى الْمَوْتِ مِنْ شِدَّةِ الْمَرَضِ بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى عَمَلِ الذَّكَاةِ فِي الَّتِي تُشْرِفُ عَلَى الْمَوْتِ؛ فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الذَّكَاةَ تَعْمَلُ فِيهَا، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّ الذَّكَاةَ لَا تَعْمَلُ فِيهَا.

وَسَبَبُ الْخِلَافِ مُعَارَضَةُ الْقِيَاسِ لِلْأَثَرِ. فَأَمَّا الْأَثَرُ: فَهُوَ مَا رُوِيَ: «أَنَّ أَمَةً لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ كَانَتْ تَرْعَى غَنَمًا بِسَلْعٍ فَأُصِيبَتْ شَاةٌ مِنْهَا، فَأَدْرَكَتْهَا فَذَكَّتْهَا بِحَجَرٍ، فَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: كُلُوهَا» أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ.

وَأَمَّا الْقِيَاسُ: فَلِأَنَّ الْمَعْلُومَ مِنَ الذَّكَاةِ أَنَّهَا إِنَّمَا تُفْعَلُ فِي الْحَيِّ وَهَذِهِ فِي حُكْمِ الْمَيِّتِ وَكُلُّ مَنْ أَجَازَ ذَبْحَهَا فَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا تَعْمَلُ الذَّكَاةُ فِيهَا إِلَّا إِذَا كَانَ فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى الْحَيَاةِ.

وَاخْتَلَفُوا فِيمَا هُوَ الدَّلِيلُ الْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ، فَبَعْضُهُمُ اعْتَبَرَ الْحَرَكَةَ وَبَعْضُهُمْ لَمْ يَعْتَبِرْهَا، وَالْأَوَّلُ مَذْهَبُ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالثَّانِي مَذْهَبُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ; وَبَعْضُهُمُ اعْتَبَرَ فِيهَا ثَلَاثَ حَرَكَاتٍ: طَرْفُ الْعَيْنِ وَتَحْرِيكُ الذَّنَبِ وَالرَّكْضُ بِالرِّجْلِ، وَهُوَ مَذْهَبُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ وَبَعْضُهُمْ شَرَطَ مَعَ هَذِهِ التَّنَفُّسَ، وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ حَبِيبٍ.

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: وَاخْتَلَفُوا هَلْ تَعْمَلُ ذَكَاةُ الْأُمِّ فِي جَنِينِهَا أَمْ لَيْسَ تَعْمَلُ فِيهِ ; وَإِنَّمَا هُوَ مَيْتَةٌ أَعْنِي: إِذَا خَرَجَ مِنْهَا بَعْدَ ذَبْحِ الْأُمِّ فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ ذَكَاةَ الْأُمِّ ذَكَاةٌ لِجَنِينِهَا، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ خَرَجَ حَيًّا ذُبِحَ وَأُكِلُ، وَإِنْ خَرَجَ مَيِّتًا فَهُوَ مَيْتَةٌ.

وَالَّذِينَ قَالُوا: إِنَّ ذَكَاةَ الْأُمِّ ذَكَاةٌ لَهُ، بَعْضُهُمُ اشْتَرَطَ فِي ذَلِكَ تَمَامَ خِلْقَتِهِ وَنَبَاتَ شَعْرِهِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ. وَبَعْضُهُمْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ.

وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ اخْتِلَافُهُمْ فِي صِحَّةِ الْأَثَرِ الْمَرْوِيِّ فِي ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِلْأُصُولِ، وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ هُوَ: قَالَ: «سَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْبَقَرَةِ أَوِ النَّاقَةِ أَوِ الشَّاةِ يَنْحَرُهَا أَحَدُنَا فَنَجِدُ فِي بَطْنِهَا جَنِينًا أَنَأْكُلُهُ أَوْ نُلْقِيهِ؟ فَقَالَ: كُلُوهُ إِنْ شِئْتُمْ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ» . وَخَرَّجَ مِثْلَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ جَابِرٍ. وَاخْتَلَفُوا فِي تَصْحِيحِ هَذَا الْأَثَرِ فَلَمْ يُصَحِّحْهُ بَعْضُهُمْ وَصَحَّحَهُ بَعْضُهُمْ، وَأَحَدُ مَنْ صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.

وَأَمَّا مُخَالَفَةُ الْأَصْلِ فِي هَذَا الْبَابِ لِلْأَثَرِ، فَهُوَ أَنَّ الْجَنِينَ إِذَا كَانَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ بِمَوْتِ أُمِّهِ فَإِنَّمَا يَمُوتُ خَنْقًا، فَهُوَ مِنَ الْمُنْخَنِقَةِ الَّتِي وَرَدَ النَّصُّ بِتَحْرِيمِهَا، وَإِلَى تَحْرِيمِهِ ذَهَبَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ، وَلَمْ يَرْضَ سَنَدَ الْحَدِيثِ.

وَأَمَّا اخْتِلَافُ الْقَائِلِينَ بِحِلِّيَّتِهِ فِي اشْتِرَاطِهِمْ نَبَاتَ الشَّعْرِ فِيهِ أَوْ لَا اشْتِرَاطِهِ فَالسَّبَبُ فِيهِ

ص: 205

مُعَارَضَةُ الْعُمُومِ لِلْقِيَاسِ، وَذَلِكَ أَنَّ عُمُومَ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ» يَقْتَضِي أَنْ لَا يَقَعَ هُنَالِكَ تَفْصِيلٌ، وَكَوْنُهُ مَحَلًّا لِلذَّكَاةِ يَقْتَضِي أَنْ يُشْتَرَطَ فِيهِ الْحَيَاةُ قِيَاسًا عَلَى الْأَشْيَاءِ الَّتِي تَعْمَلُ فِيهَا التَّذْكِيَةُ، وَالْحَيَاةُ لَا تُوجَدُ فِيهِ إِلَّا إِذَا نَبَتَ شَعْرُهُ وَتَمَّ خَلْقُهُ.

وَيُعَضِّدُ هَذَا الْقِيَاسَ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ.

وَرَوَى مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُونَ: إِذَا أَشْعَرَ الْجَنِينُ فَذَكَاتُهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ» .

وَرَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ:«قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ، أَشْعَرَ أَوْ لَمْ يُشْعِرْ» . إِلَّا أَنَّ ابْنَ أَبِي لَيْلَى سَيِّئُ الْحِفْظِ عِنْدَهُمْ، وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ ذَكَاتُهُ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ الْحَيَاةِ فِيهِ، فَيَضْعُفُ أَنْ يُخَصَّصَ الْعُمُومُ الْوَارِدُ فِي ذَلِكَ بِالْقِيَاسِ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ عَنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ.

الْمَسْأَلَةُ الخَامِسَةُ: وَاخْتَلَفُوا فِي الْجَرَادِ ; فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُؤْكَلُ مِنْ غَيْرِ ذَكَاةٍ، وَذَكَاتُهُ عِنْدَهُ هُوَ أَنْ يُقْتَلَ إِمَّا بِقَطْعِ رَأْسِهِ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ.

وَقَالَ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ: يَجُوزُ أَكْلُ مَيْتَتِهِ، وَبِهِ قَالَ مُطَرِّفٌ. وَذَكَاةُ مَا لَيْسَ بِذِي دَمٍ عِنْدَ مَالِكٍ كَذَكَاةِ الْجَرَادِ.

وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ فِي مَيْتَةِ الْجَرَادِ هُوَ: هَلْ يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الْمَيْتَةِ أَمْ لَا فِي قَوْله تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3]، وَلِلْخِلَافِ سَبَبٌ آخَرُ وَهُوَ: هَلْ هُوَ نَثْرَةُ حُوتٍ أَوْ حَيَوَانٌ بَرِّيٌّ.

الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: وَاخْتَلَفُوا فِي الَّذِي يَتَصَرَّفُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ هَلْ يَحْتَاجُ إِلَى ذَكَاةٍ أَمْ لَا؟ فَغَلَّبَ قَوْمٌ فِيهِ حُكْمَ الْبَرِّ، وَغَلَّبَ آخَرُونَ حُكْمَ الْبَحْرِ، وَاعْتَبَرَ آخَرُونَ حَيْثُ يَكُونُ عَيْشُهُ وَمُتَصَرَّفُهُ مِنْهُمَا غَالِبًا.

ص: 206