الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَمَّا حُجَّةُ الْفَرِيقِ الثَّانِي - وَهُمُ الَّذِينَ يَرَوْنَ أَنَّهَا لَيْسَتْ وَاجِبَةً - فَالْأَحَادِيثُ الْمَشْهُورَةُ الثَّابِتَةُ الْوَارِدَةُ فِي تَعْدِيدِ فَرَائِضِ الْإِسْلَامِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَذْكُرَ مَعَهَا الْعُمْرَةَ، مِثْلُ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ:«بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» ذَكَرَ الْحَجَّ مُفْرَدًا. وَمِثْلُ حَدِيثِ السَّائِلِ عَنِ الْإِسْلَامِ، فَإِنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ:«وَأَنْ يَحُجَّ الْبَيْتَ» . وَرُبَّمَا قَالُوا: إِنَّ الْأَمْرَ بِالْإِتْمَامِ لَيْسَ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ، لِأَنَّ هَذَا يَخُصُّ السُّنَنَ وَالْفَرَائِضَ - أَعْنِي: إِذَا شَرَعَ فِيهَا أَنْ تَتِمَّ وَلَا تُقْطَعَ -.
وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ أَيْضًا - أَعْنِي: مَنْ قَالَ إِنَّهَا سُنَّةٌ - بِآثَارٍ، مِنْهَا حَدِيثُ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:«سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْعُمْرَةِ أَوَاجِبَةٌ هِيَ؟ قَالَ: لَا، وَلَأَنْ تَعْتَمِرَ خَيْرٌ لَكَ» . قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَلَيْسَ هُوَ حُجَّةً فِيمَا انْفَرَدَ بِهِ، وَرُبَّمَا احْتَجَّ مَنْ قَالَ: إِنَّهَا تَطَوَّعٌ بِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ الْحَنَفِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الْحَجُّ وَاجِبٌ وَالْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ» . وَهُوَ حَدِيثٌ مُنْقَطِعٌ.
فَسَبَبُ الْخِلَافِ فِي هَذَا تَعَارُضُ الْآثَارِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَتَرَدُّدُ الْأَمْرِ بِالتَّمَامِ بَيْنَ أَنْ يَقْتَضِيَ الْوُجُوبَ أَمْ لَا يَقْتَضِيهِ.
[الْقَوْلُ فِي الْجِنْسِ الثَّانِي أَرْكَانُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ]
[الْقَوْلُ فِي شُرُوطِ الْإِحْرَامِ]
[الْقَوْلُ فِي مِيقَاتِ الْمَكَانِ]
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ فِي الْجِنْسِ الثَّانِي وَهُوَ تَعْرِيفُ أَفْعَالِ هَذِهِ الْعِبَادَةِ فِي نَوْعٍ مِنْهَا، وَالتُّرُوكُ الْمُشْتَرَطَةُ فِيهَا، وَهَذِهِ الْعِبَادَةُ كَمَا قُلْنَا صِنْفَانِ: حَجٌّ وَعُمْرَةٌ. وَالْحَجُّ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ: إِفْرَادٍ وَتَمَتُّعٍ وَقِرَانٍ. وَهِيَ كُلُّهَا تَشْتَمِلُ عَلَى أَفْعَالٍ مَحْدُودَةٍ فِي أَمْكِنَةٍ مَحْدُودَةٍ وَأَوْقَاتٍ مَحْدُودَةٍ. وَمِنْهَا فَرْضٌ، وَمِنْهَا غَيْرُ فَرْضٍ، وَعَلَى تُرُوكٍ تُشْتَرَطُ فِي تِلْكَ الْأَفْعَالِ، وَلِكُلٍّ مِنْ هَذِهِ أَحْكَامٌ مَحْدُودَةٌ إِمَّا عِنْدَ الْإِحْلَالِ بِهَا، وَإِمَّا عِنْدَ الطَّوَارِئِ الْمَانِعَةِ مِنْهَا، فَهَذَا الْجِنْسُ يَنْقَسِمُ أَوَّلًا إِلَى الْقَوْلِ فِي الْأَفْعَالِ، وَإِلَى الْقَوْلِ فِي التُّرُوكِ. وَأَمَّا الْجِنْسُ الثَّالِثُ فَهُوَ الَّذِي يَتَضَمَّنُ الْقَوْلَ فِي الْأَحْكَامِ فَلْنَبْدَأْ بِالْأَفْعَالِ، وَهَذِهِ مِنْهَا مَا تَشْتَرِكُ فِيهِ هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ الْأَنْوَاعُ مِنَ النُّسُكِ - أَعْنِي: أَصْنَافَ الْحَجِّ الثَّلَاثَ، وَالْعُمْرَةَ -، وَمِنْهَا مَا يَخْتَصُّ بِوَاحِدٍ وَاحِدٍ مِنْهَا، فَلْنَبْدَأْ مِنَ الْقَوْلِ فِيهَا بِالْمُشْتَرَكِ، ثُمَّ نَصِيرُ إِلَى مَا يَخُصُّ وَاحِدًا مِنْهَا، فَنَقُولُ:
إِنَّ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ أَوَّلُ أَفْعَالِهِمَا الْفِعْلُ الَّذِي يُسَمَّى الْإِحْرَامَ.
الْقَوْلُ فِي شُرُوطِ الْإِحْرَامِ وَالْإِحْرَامُ شُرُوطُهُ الْأُوَلُ: الْمَكَانُ، وَالزَّمَانُ. أَمَّا الْمَكَانُ: فَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى مَوَاقِيتُ الْحَجِّ، فَلْنَبْدَأْ بِهَذَا فَنَقُولُ:
إِنَّ الْعُلَمَاءَ بِالْجُمْلَةِ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ الْمَوَاقِيتَ الَّتِي مِنْهَا يَكُونُ الْإِحْرَامُ: أَمَّا لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ: فَذُو الْحُلَيْفَةِ، وَأَمَّا لِأَهْلِ الشَّامِ: فَالْجُحْفَةُ، وَلِأَهْلِ نَجْدٍ: قَرْنٌ، وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ: يَلَمْلَمُ، لِثُبُوتِ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي مِيقَاتِ أَهْلِ الْعِرَاقِ: فَقَالَ جُمْهُورُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ مِيقَاتُهُمْ مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ: إِنْ أَهَّلُوا مِنَ الْعَقِيقِ كَانَ أَحَبَّ.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ أَقَّتَهُ لَهُمْ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: بَلْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هُوَ الَّذِي أَقَّتَ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ وَالْعَقِيقَ، وَرُوِيَ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ.
وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ مَنْ يُخْطِئُ هَذِهِ وَقَصْدُهُ الْإِحْرَامُ فَلَمْ يُحْرِمْ إِلَّا بَعْدَهَا أَنَّ عَلَيْهِ دَمًا، وَهَؤُلَاءِ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنْ رَجَعَ إِلَى الْمِيقَاتِ فَأَحْرَمَ مِنْهُ سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ وَمِنْهُمُ الشَّافِعِيُّ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ وَإِنْ رَجَعَ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ. وَقَالَ قَوْمٌ: لَيْسَ عَلَيْهِ دَمٌ. وَقَالَ آخَرُونَ: إِنْ لَمْ يَرْجِعْ إِلَى الْمِيقَاتِ فَسَدَ حَجُّهُ، وَأَنَّهُ يَرْجِعُ إِلَى الْمِيقَاتِ فَيُهِلُّ مِنْهُ بِعُمْرَةٍ، وَهَذَا يُذْكَرُ فِي الْأَحْكَامِ.
وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ مَنْ كَانَ مَنْزِلُهُ دُونَهُنَّ فَمِيقَاتُ إِحْرَامِهِ مِنْ مَنْزِلِهِ.
وَاخْتَلَفُوا هَلِ الْأَفْضَلُ إِحْرَامُ الْحَاجِّ مِنْهُنَّ أَوْ مِنْ مَنْزِلِهِ إِذَا كَانَ مَنْزِلُهُ خَارِجًا مِنْهُنَّ؟ فَقَالَ قَوْمٌ: الْأَفْضَلُ لَهُ مِنْ مَنْزِلِهِ، وَالْإِحْرَامُ مِنْهَا رُخْصَةٌ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَجَمَاعَةٌ. وَقَالَ مَالِكٌ وَإِسْحَاقُ وَأَحْمَدُ: إِحْرَامُهُ مِنَ الْمَوَاقِيتِ أَفْضَلُ، وَعُمْدَةُ هَؤُلَاءِ الْأَحَادِيثُ الْمُتَقَدِّمَةُ، وَأَنَّهَا السُّنَّةُ الَّتِي سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَهِيَ أَفْضَلُ.
وَعُمْدَةُ الطَّائِفَةِ الْأُخْرَى: أَنَّ الصَّحَابَةَ قَدْ أَحْرَمَتْ مِنْ قَبْلِ الْمِيقَاتِ ابْنَ عَبَّاسٍ وَابْنَ عُمَرَ وَابْنَ مَسْعُودٍ وَغَيْرَهُمْ قَالُوا: وَهُمْ أَعْرَفُ بِالسُّنَّةِ.
وَأُصُولُ أَهْلِ الظَّاهِرِ تَقْتَضِي أَنْ لَا يَجُوزَ الْإِحْرَامُ إِلَّا مِنَ الْمِيقَاتِ إِلَّا أَنْ يَصِحَّ إِجْمَاعٌ عَلَى خِلَافِهِ.