المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الركن الثالث في الصيام وهو النية] - بداية المجتهد ونهاية المقتصد - جـ ٢

[ابن رشد الحفيد]

فهرس الكتاب

- ‌[كِتَابُ الزَّكَاةِ] [

- ‌الْجُمْلَةُ الْأُولَى فِي مَعْرِفَةِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الزكاة]

- ‌[الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ فِي مَعْرِفَةِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزكاة مِنَ الْأَمْوَالِ]

- ‌[الْجُمْلَةُ الثَّالِثَةُ فِي مَعْرِفَةُ نصابِ الزكاة]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي نصاب الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي نِصَابِ الْإِبِلِ وَالْوَاجِبِ فِيهِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي نِصَابِ الْبَقَرِ وَقَدْرِ الْوَاجِبِ فِي ذَلِكَ]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي نِصَابِ الْغَنَمِ وَقَدْرِ الْوَاجِبِ مِنْ ذَلِكَ]

- ‌[الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي نِصَابِ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ وَالْقَدْرِ الْوَاجِبِ فِي ذَلِكَ]

- ‌[الْفَصْلُ السَّادِسُ فِي نِصَابِ الْعُرُوضِ]

- ‌[الْجُمْلَةُ الرَّابِعَةُ فِي وَقْتِ الزَّكَاةِ]

- ‌[الْجُمْلَةُ الْخَامِسَةُ فِيمَنْ تَجِبُ لَهُ الصَّدَقَةُ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي عَدَدِ الْأَصْنَافِ الَّذِينَ تَجِبُ لَهُمُ الزَّكَاةُ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي صِفَاتُ أهل الزكاة الَّتِي يَسْتَوْجِبُونَ بِهَا الصَّدَقَةَ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ قَدْرُ مَا يُعْطَى أهل الزكاة منها]

- ‌[كِتَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ] [

- ‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ حُكْم زكاة الفطر]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ زكاة الفطر وَعَنْ مَنْ تَجِبُ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ مِمَّاذَا تَجِبُ زكاة الفطر]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِعُ مَتَّى تَجِبُ زَكَاةُ الْفِطْرِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْخَامِسُ لِمَنْ تُصْرَفُ زكاة الفطر]

- ‌[كِتَابُ الصِّيَامِ] [

- ‌الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنَ الصَّوْمِ الْمَفْرُوضِ الْجُمْلَةُ الْأُولَى أَنْوَاعُ الصِّيَامِ الْوَاجِبِ]

- ‌[الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ فِي أَرْكَان الصيام]

- ‌[الرُّكْنُ الْأَوَّلُ في الصيام هو الزَّمَانُ]

- ‌[الرُّكْنُ الثَّانِي في الصيام وَهُوَ الْإِمْسَاكُ]

- ‌[الرُّكْنُ الثَّالِثُ في الصيام وَهُوَ النِّيَّةُ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّانِي مِنَ الصَّوْمِ الْمَفْرُوضِ وَهُوَ الْكَلَامُ فِي الْفِطْرِ وَأَحْكَامِهِ]

- ‌[قَضَاءُ الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ]

- ‌[أَحْكَامُ الْمُرْضِعِ وَالْحَامِلِ وَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ في الصيام]

- ‌[أَحْكَامُ مَنْ يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ إِذَا أَفْطَرَ]

- ‌[سُنَنُ الصَّوْمِ]

- ‌[كِتَابُ الصِّيَامِ الثَّانِي]

- ‌[الصيام الْمَنْدُوبُ إِلَيْهِ]

- ‌[الْأَيَّامُ الْمَنْهِيُّ عَنِ الصِّيَامِ فِيهَا]

- ‌[كِتَابُ الِاعْتِكَافِ]

- ‌[كِتَابُ الْحَجِّ] [

- ‌الْجِنْسُ الْأَوَّلُ مَعْرِفَةُ وُجُوبِ الحج وَشُرُوطِهِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي الْجِنْسِ الثَّانِي أَرْكَانُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي شُرُوطِ الْإِحْرَامِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي مِيقَاتِ الْمَكَانِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي مِيقَاتِ الزَّمَانِ]

- ‌[مَا يَمْنَعُ الْإِحْرَامَ مِنَ الْأُمُورِ الْمُبَاحَةِ لِلْحَلَالِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي أَنْوَاعِ هَذَا النُّسُكِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ]

- ‌[الْخُرُوجُ إِلَى عَرَفَةَ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي أَفْعَالِ الْمُزْدَلِفَةِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي رَمْيِ الْجِمَارِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي الْجِنْسِ الثَّالِثِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي الْإِحْصَارِ في الحج]

- ‌[الْقَوْلُ فِي أَحْكَامِ جَزَاءِ الصَّيْدِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي فِدْيَةِ الْأَذَى وَحُكْمُ الْحَالِقِ رَأْسَهُ قَبْلَ مَحَلِّ الْحَلْقِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي كَفَّارَةِ الْمُتَمَتِّعِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي كَفَّارَةِ الْجِمَاعِ فِي الْحَجِّ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي فَوَاتِ الْحَجِّ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي الْكَفَّارَاتِ الْمَسْكُوتِ عَنْهَا في الحج]

- ‌ الْقَوْلُ فِي الْهَدْيِ

- ‌[كِتَابُ الْجِهَادِ]

- ‌[الْجُمْلَةُ الْأُولَى فِي مَعْرِفَةِ أَرْكَانِ الْحَرْبِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ حُكْمِ الجهاد]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي مَعْرِفَةِ الَّذِينَ يُحَارَبُونَ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي مَعْرِفَةِ مَا يَجُوزُ مِنَ النِّكَايَةِ بِالْعَدُوِّ]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي شَرْطِ الْحَرْبِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي مَعْرِفَةِ الْعَدَدِ الَّذِينَ لَا يَجُوزُ الْفِرَارُ عَنْهُمْ]

- ‌[الْفَصْلُ السَّادِسُ فِي جَوَازِ الْمُهَادِنَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ السَّابِعُ لِمَاذَا يُحَارَبُونَ]

- ‌ الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي حُكْمِ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي حُكْمِ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي حُكْمِ الْأَنْفَالِ]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي حُكْمِ مَا وُجِدَ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ الْكُفَّارِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي حُكْمِ مَا افْتَتَحَ الْمُسْلِمُونَ مِنَ الْأَرْضِ عَنْوَةً]

- ‌[الْفَصْلُ السَّادِسُ فِي قِسْمَةِ الْفَيْءِ]

- ‌[الْفَصْلُ السَّابِعُ فِي الْجِزْيَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْأَيْمَانِ] [

- ‌الْجُمْلَةُ الْأُولَى فِي مَعْرِفَةِ ضُرُوبِ الْأَيْمَانِ وَأَحْكَامِهَا] [

- ‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ الْأَيْمَانِ الْمُبَاحَةِ وَتَمْيِيزِهَا مِنْ غَيْرِهَا]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي مَعْرِفَةِ الْأَيْمَانِ اللَّغْوِيَّةِ وَالْمُنْعَقِدَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي مَعْرِفَةِ الْأَيْمَانِ الَّتِي تَرْفَعُهَا الْكَفَّارَةُ وَالَّتِي لَا تَرْفَعُهَا]

- ‌[الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ فِي مَعْرِفَةِ الْأَشْيَاءِ الرَّافِعَةِ لِلْأَيْمَانِ اللَّازِمَةِ وَأَحْكَامِهَا]

- ‌[الْقِسْمُ الْأَوَّلُ النَّظَرُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي شُرُوطِ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُؤَثِّرِ فِي الْيَمِينِ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّانِي مِنَ الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ النَّظَرُ فِي الْكَفَّارَاتِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي مُوجِبِ الْحِنْثِ وَشُرُوطِهِ وَأَحْكَامِهِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي رَافِعِ الْحِنْثِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ مَتَى تَرْفَعُ الْكَفَّارَةُ الْحِنْثَ وَكَمْ تَرْفَعُ]

- ‌[كِتَابُ النُّذُورِ] [

- ‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي أَصْنَافِ النُّذُورِ]

- ‌الْفَصْلُ الثَّانِي: فِيمَا يَلْزَمُ مِنَ النُّذُورِ وَمَا لَا يَلْزَمُ

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ مَعْرِفَةِ الشَّيْءِ الَّذِي يَلْزَمُ عَنْ النذر وَأَحْكَام ذلك]

- ‌[المسألة الأولى الْوَاجِبُ فِي النَّذْرِ الْمُطْلَقِ]

- ‌[كِتَابُ الضَّحَايَا] [

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي حُكْمِ الضَّحَايَا وَمَنِ الْمُخَاطَبُ بِهَا]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي فِي أَنْوَاعِ الضَّحَايَا وَصِفَاتِهَا وَأَسْنَانِهَا وَعَدَدِهَا]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ فِي أَحْكَامِ الذَّبْحِ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي أَحْكَامِ لُحُومِ الضَّحَايَا]

- ‌[كِتَابُ الذَّبَائِحِ] [

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ مَحَلِّ الذَّبْحِ وَالنَّحْرِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي فِي الذَّكَاةِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ فِيمَا تَكُونُ بِهِ الذَّكَاةُ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي شُرُوطِ الذَّكَاةِ]

- ‌[الْبَابُ الْخَامِسُ فِيمَنْ تَجُوزُ تَذْكِيَتُهُ وَمَنْ لَا تَجُوزُ]

الفصل: ‌[الركن الثالث في الصيام وهو النية]

الْحُكْمَ إِذَا ثَبَتَ بِطَرِيقٍ يُوجِبُ الْعَمَلَ لَمْ يَرْتَفِعْ إِلَّا بِطَرِيقٍ يُوجِبُ الْعَمَلَ بِرَفْعِهِ، وَحَدِيثُ ثَوْبَانَ قَدْ وَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ، وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نَاسِخًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَنْسُوخًا، وَذَلِكَ شَكٌّ، وَالشَّكُّ لَا يُوجِبُ عَمَلًا وَلَا يَرْفَعُ الْعِلْمَ الْمُوجِبَ لِلْعَمَلِ، وَهَذَا عَلَى طَرِيقَةِ مَنْ لَا يَرَى الشَّكَّ مُؤَثِّرًا فِي الْعِلْمِ.

وَمَنْ رَامَ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا حَمَلَ حَدِيثَ النَّهْيِ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ وَحَدِيثَ الِاحْتِجَامِ عَلَى رَفْعِ الْحَظْرِ.

وَمَنْ أَسْقَطَهُمَا لِلتَّعَارُضِ قَالَ بِإِبَاحَةِ الِاحْتِجَامِ لِلصَّائِمِ.

وَأَمَّا الْقَيْءُ: فَإِنَّ جُمْهُورَ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلَيْسَ بِمُفْطِرٍ، إِلَّا رَبِيعَةَ فَإِنَّهُ قَالَ: مُفْطِرٌ، وَجُمْهُورُهُمْ أَيْضًا عَلَى أَنَّ مَنِ اسْتَقَاءَ فَقَاءَ فَإِنَّهُ مُفْطِرٌ إِلَّا طَاوُسًا.

وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: مَا يُتَوَهَّمُ مِنَ التَّعَارُضِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَاخْتِلَافُهُمْ أَيْضًا فِي تَصْحِيحِهَا، وَذَلِكَ أَنَّهُ وَرَدَ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثَانِ:

أَحَدُهُمَا: حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَاءَ فَأَفْطَرَ " قَالَ مَعْدَانُ: فَلَقِيتُ ثَوْبَانَ فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ حَدَّثَنِي " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَاءَ فَأَفْطَرَ، قَالَ: صَدَقَ أَنَا صَبَبْتُ لَهُ وَضَوْءَهُ» وَحَدِيثُ ثَوْبَانَ هَذَا صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.

وَالْآخَرُ: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام قَالَ: «مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ وَهُوَ صَائِمٌ فَلَيْسَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ» . وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَنِ ابْنِ عُمَرَ.

فَمَنْ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُ الْأَثَرَانِ كِلَاهُمَا قَالَ: لَيْسَ فِيهِ فِطْرٌ أَصْلًا. وَمَنْ أَخَذَ بِظَاهِرِ حَدِيثِ ثَوْبَانَ وَرَجَّحَهُ عَلَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْجَبَ الْفِطْرَ مِنَ الْقَيْءِ بِإِطْلَاقٍ. وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أَنْ يَسْتَقِيءَ أَوْ لَا يَسْتَقِيءَ. وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ وَقَالَ حَدِيثُ ثَوْبَانَ مُجْمَلٌ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مُفَسَّرٌ، وَالْوَاجِبُ حَمْلُ الْمُجْمَلِ عَلَى الْمُفَسَّرِ فَرَّقَ بَيْنَ الْقَيْءِ وَالِاسْتِقَاءِ، وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ.

[الرُّكْنُ الثَّالِثُ في الصيام وَهُوَ النِّيَّةُ]

الرُّكْنُ الثَّالِثُ

وَهُوَ النِّيَّةُ

وَالنَّظَرُ فِي النِّيَّةِ فِي مَوَاضِعَ:

مِنْهَا: هَلْ هِيَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ هَذِهِ الْعِبَادَةِ أَمْ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ؟ وَإِنْ كَانَتْ شَرْطًا فَمَا الَّذِي يُجْزِئُ مِنْ تَعْيِينِهَا؟ وَهَلْ يَجِبُ تَجْدِيدُهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ رَمَضَانَ أَمْ يَكْفِي فِي ذَلِكَ النِّيَّةُ الْوَاقِعَةُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ؟ وَإِذَا أَوْقَعَهَا الْمُكَلَّفُ فَأَيُّ وَقْتٍ إِذَا

ص: 54

وَقَعَتْ فِيهِ صَحَّ الصَّوْمُ؟ وَإِذَا لَمْ تَقَعْ فِيهِ بَطَلَ الصَّوْمُ؟ وَهَلْ رَفْضُ النِّيَّةِ يُوجِبُ الْفِطْرَ وَإِنْ لَمْ يُفْطِرْ؟ وَكُلُّ هَذِهِ الْمَطَالِبِ قَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهَا.

أَمَّا كَوْنُ النِّيَّةِ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الصِّيَامِ: فَإِنَّهُ قَوْلُ الْجُمْهُورِ; وَشَذَّ زُفَرُ فَقَالَ: لَا يَحْتَاجُ رَمَضَانُ إِلَى نِّيَّةٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الَّذِي يُدْرِكُهُ صِيَامُ رَمَضَانَ مَرِيضًا أَوْ مُسَافِرًا فَيُرِيدُ الصَّوْمَ.

وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمُ: الِاحْتِمَالُ الْمُتَطَرِّقُ إِلَى الصَّوْمِ؛ هَلْ هُوَ عِبَادَةٌ مَعْقُولَةُ الْمَعْنَى أَوْ غَيْرُ مَعْقُولَةِ الْمَعْنَى؟ فَمَنْ رَأَى أَنَّهَا غَيْرُ مَعْقُولَةِ الْمَعْنَى أَوْجَبَ النِّيَّةَ، وَمَنْ رَأَى أَنَّهَا مَعْقُولَةُ الْمَعْنَى قَالَ: قَدْ حَصَلَ الْمَعْنَى إِذَا صَامَ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ، لَكِنَّ تَخْصِيصَ زُفَرَ رَمَضَانَ بِذَلِكَ مِنْ بَيْنِ أَنْوَاعِ الصَّوْمِ فِيهِ ضَعْفٌ، وَكَأَنَّهُ لَمَّا رَأَى أَنَّ أَيَّامَ رَمَضَانَ لَا يَجُوزُ فِيهَا الْفِطْرُ، رَأَى أَنَّ كُلَّ صَوْمٍ يَقَعُ فِيهَا يَنْقَلِبُ صَوْمًا شَرْعِيًّا، وَأَنَّ هَذَا شَيْءٌ يَخُصُّ هَذِهِ الْأَيَّامَ.

وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمْ فِي تَعْيِينِ النِّيَّةِ الْمُجْزِيَةِ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ مَالِكًا قَالَ: لَا بُدَّ فِي ذَلِكَ مِنْ تَعْيِينِ صَوْمِ رَمَضَانَ، وَلَا يَكْفِيهِ اعْتِقَادُ الصَّوْمِ مُطْلَقًا وَلَا اعْتِقَادُ صَوْمٍ مُعَيَّنٍ غَيْرِ صَوْمِ رَمَضَانَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنِ اعْتَقَدَ مُطْلَقَ الصَّوْمِ أَجْزَأَهُ، وَكَذَلِكَ إِنْ نَوَى فِيهِ صِيَامَ غَيْرِ رَمَضَانَ أَجْزَأَهُ، وَانْقَلَبَ إِلَى صِيَامِ رَمَضَانَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُسَافِرًا، فَإِنَّهُ إِذَا نَوَى الْمُسَافِرُ عِنْدَهُ فِي رَمَضَانَ صِيَامَ غَيْرِ رَمَضَانَ كَانَ مَا نَوَى، لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ صَوْمُ رَمَضَانَ وُجُوبًا مُعَيَّنًا، وَلَمْ يُفَرِّقْ صَاحِبَاهُ بَيْنَ الْمُسَافِرِ وَالْحَاضِرِ، وَقَالَا: كُلُّ صَوْمٍ نُوِيَ فِي رَمَضَانَ انْقَلَبَ إِلَى رَمَضَانَ.

وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: هَلِ الْكَافِي فِي تَعْيِينِ النِّيَّةِ فِي هَذِهِ الْعِبَادَةِ هُوَ تَعْيِينُ جِنْسِ الْعِبَادَةِ أَوْ تَعْيِينُ شَخْصِهَا؟ وَذَلِكَ أَنَّ كِلَا الْأَمْرَيْنِ مَوْجُودٌ فِي الشَّرْعِ، مِثَالُ ذَلِكَ: أَنَّ النِّيَّةَ فِي الْوُضُوءِ يَكْفِي مِنْهَا اعْتِقَادُ رَفْعِ الْحَدَثِ لِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ مِنَ الْعِبَادَةِ الَّتِي الْوُضُوءُ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهَا، وَلَيْسَ يَخْتَصُّ عِبَادَةً عِبَادَةً بِوُضُوءٍ وُضُوءٍ. وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ تَعْيِينِ شَخْصٍ الْعِبَادَةَ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ الصَّلَاةِ إِنْ عَصْرًا فَعَصْرًا، وَإِنْ ظُهْرًا فَظُهْرًا، وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ، فَتَرَدَّدَ الصَّوْمُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ بَيْنَ هَذَيْنِ الْجِنْسَيْنِ، فَمَنْ أَلْحَقَهُ بِالْجِنْسِ الْوَاحِدِ قَالَ: يَكْفِي فِي ذَلِكَ اعْتِقَادُ الصَّوْمِ فَقَطْ، وَمَنْ أَلْحَقَهُ بِالْجِنْسِ الثَّانِي اشْتَرَطَ تَعْيِينَ الصَّوْمِ.

وَاخْتِلَافُهُمْ أَيْضًا فِي إِذَا نَوَى فِي أَيَّامِ رَمَضَانَ صَوْمًا آخَرَ هَلْ يَنْقَلِبُ أَوْ لَا يَنْقَلِبُ؟ سَبَبُهُ أَيْضًا: أَنَّ مِنَ الْعِبَادَةِ عِنْدَهُمْ مَنْ يَنْقَلِبُ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْوَقْتَ الَّذِي تُوقَعُ فِيهِ مُخْتَصٌّ بِالْعِبَادَةِ الَّتِي تَنْقَلِبُ إِلَيْهِ، وَمِنْهَا مَا لَيْسَ يَنْقَلِبُ: أَمَّا الَّتِي لَا تَنْقَلِبُ فَأَكْثَرُهَا، وَأَمَّا الَّتِي تَنْقَلِبُ بِاتِّفَاقٍ فَالْحَجُّ. وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا: إِذَا ابْتَدَأَ الْحَجَّ تَطَوُّعًا مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ انْقَلَبَ التَّطَوُّعُ إِلَى الْفَرْضِ، وَلَمْ يَقُولُوا ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ وَلَا فِي غَيْرِهَا.

ص: 55

فَمَنْ شَبَّهَ الصَّوْمَ بِالْحَجِّ قَالَ: يَنْقَلِبُ، وَمَنْ شَبَّهَهُ بِغَيْرِهِ مِنَ الْعِبَادَاتِ قَالَ: لَا يَنْقَلِبُ.

وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمْ فِي وَقْتِ النِّيَّةِ: فَإِنَّ مَالِكًا رَأَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ الصِّيَامُ إِلَّا بِنْيَةٍ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَذَلِكَ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الصَّوْمِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تُجْزِئُ النِّيَّةُ بَعْدَ الْفَجْرِ فِي النَّافِلَةِ وَلَا تُجْزِئُ فِي الْفُرُوضِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تُجْزِئُ النِّيَّةُ بَعْدَ الْفَجْرِ فِي الصِّيَامِ الْمُتَعَلِّقِ وُجُوبُهُ بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ مِثْلِ رَمَضَانَ وَنَذْرِ أَيَّامٍ مَحْدُودَةٍ، وَكَذَلِكَ فِي النَّافِلَةِ، وَلَا يُجْزِئُ فِي الْوَاجِبِ فِي الذِّمَّةِ.

وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ: تَعَارُضُ الْآثَارِ فِي ذَلِكَ; أَمَّا الْآثَارُ الْمُتَعَارِضَةُ فِي ذَلِكَ:

فَأَحَدُهَا: مَا خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ حَفْصَةَ أَنَّهُ قَالَ عليه الصلاة والسلام: «مَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَلَا صِيَامَ لَهُ» . وَرَوَاهُ مَالِكٌ مَوْقُوفًا. قَالَ أَبُو عُمَرَ: حَدِيثُ حَفْصَةَ فِي إِسْنَادِهِ اضْطِرَابٌ.

وَالثَّانِي: مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ: هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا عِنْدَنَا شَيْءٌ، قَالَ: فَإِنِّي صَائِمٌ» .

وَلِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ قَالَ عَلَى الْمِنْبَرِ: يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «الْيَوْمُ هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ وَلَمْ يُكْتَبْ عَلَيْنَا صِيَامُهُ وَأَنَا صَائِمٌ فَمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ فَلْيَصُمْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْ» .

فَمَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ التَّرْجِيحِ أَخَذَ بِحَدِيثِ حَفْصَةَ، وَمَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ الْجَمْعِ فَرَّقَ بَيْنَ النَّفْلِ وَالْفَرْضِ - أَعْنِي: حَمَلَ حَدِيثَ حَفْصَةَ عَلَى الْفَرْضِ، وَحَدِيثَ عَائِشَةَ وَمُعَاوِيَةَ عَلَى النَّفْلِ - وَإِنَّمَا فَرَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ بَيْنَ الْوَاجِبِ الْمُعَيَّنِ وَالْوَاجِبِ فِي الذِّمَّةِ، لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْمُعَيَّنَ لَهُ وَقْتٌ مَخْصُوصٌ يَقُومُ مَقَامَ النِّيَّةِ فِي التَّعْيِينِ، وَالَّذِي فِي الذِّمَّةِ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مَخْصُوصٌ، فَأَوْجَبَ إِذَنِ التَّعْيِينَ بِالنِّيَّةِ.

وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَتِ الطَّهَارَةُ مِنَ الْجَنَابَةِ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الصَّوْمِ؛ لِمَا ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ زَوْجَيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُمَا قَالَتَا: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ غَيْرِ احْتِلَامٍ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ يَصُومُ» وَمِنَ الْحُجَّةِ لَهُمَا الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الِاحْتِلَامَ بِالنَّهَارِ لَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ. وَرُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَطَاوُسٍ أَنَّهُ إِنْ تَعَمَّدَ

ص: 56