الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ مَعَ الْإِمَامِ، وَوَقَفَ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ إِلَى الْإِسْفَارِ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ - أَنَّ حَجَّهُ تَامٌّ، وَأَنَّ ذَلِكَ الصِّفَةُ الَّتِي فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
وَاخْتَلَفُوا هَلِ الْوُقُوفُ بِهَا بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَالْمَبِيتُ بِهَا مَنْ سُنَنِ الْحَجِّ؟ أَوْ مِنْ فُرُوضِهِ؟ فَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ: هُوَ مِنْ فُرُوضِ الْحَجِّ، وَمَنْ فَاتَهُ كَانَ عَلَيْهِ حَجٌّ قَابِلٌ وَالْهَدْيُ. وَفُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ يَرَوْنَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ فُرُوضِ الْحَجِّ، وَأَنَّ مَنْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَالْمَبِيتُ بِهَا فَعَلَيْهِ دَمٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنْ دَفَعَ مِنْهَا إِلَى بَعْدِ نِصْفِ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ، وَلَمْ يُصَلِّ بِهَا - فَعَلَيْهِ دَمٌ.
وَعُمْدَةُ الْجُمْهُورِ مَا صَحَّ عَنْهُ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَدَّمَ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ لَيْلًا، فَلَمْ يُشَاهِدُوا مَعَهُ صَلَاةَ الصُّبْحِ بِهَا» . وَعُمْدَةُ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ عُرْوَةَ بْنِ الْمُضَرِّسٍ، وَهُوَ حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ «مَنْ أَدْرَكَ مَعَنَا هَذِهِ الصَّلَاةَ (يَعْنِي صَلَاةَ الصُّبْحِ) بِجَمْعٍ -، وَكَانَ قَدْ أَتَى قَبْلَ ذَلِكَ عَرَفَاتٍ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا - فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ، وَقَضَى تَفَثَهُ» ". وقَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 198] .
وَمِنْ حُجَّةِ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِ الْأَخْذِ بِجَمِيعِ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَذَلِكَ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ عَلَى أَنَّ مَنْ وَقَفَ بِالْمُزْدَلِفَةِ لَيْلًا، وَدَفَعَ مِنْهَا إِلَى قَبْلِ الصُّبْحِ - أَنَّ حَجَّهُ تَامٌّ، وَكَذَلِكَ مَنْ بَاتَ فِيهَا وَنَامَ عَنِ الصَّلَاةِ. وَكَذَلِكَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ بِالْمُزْدَلِفَةِ، وَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ - أَنَّ حَجَّهُ تَامٌّ. وَفِي ذَلِكَ أَيْضًا مَا يُضْعِفُ احْتِجَاجَهُمْ بِظَاهِرِ الْآيَةِ.
وَالْمُزْدَلِفَةُ وَجَمْعٌ هُمَا اسْمَانِ لِهَذَا الْمَوْضِعِ. وَسُنَّةُ الْحَجِّ فِيهَا - كَمَا قُلْنَا - أَنْ يَبِيتَ النَّاسُ بِهَا، وَيَجْمَعُوا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي أَوَّلِ وَقْتِ الْعِشَاءِ، وَيُغَلِّسُوا بِالصُّبْحِ فِيهَا.
[الْقَوْلُ فِي رَمْيِ الْجِمَارِ]
ِ وَأَمَّا الْفِعْلُ الَّذِي بَعْدَهَا فَهُوَ رَمْيُ الْجِمَارِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ اتَّفَقُوا عَلَى «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَقَفَ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ (وَهِيَ الْمُزْدَلِفَةُ) بَعْدَ مَا صَلَّى الْفَجْرَ. ثُمَّ دَفَعَ مِنْهَا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إِلَى مِنًى، وَأَنَّهُ فِي هَذَا الْيَوْمِ (وَهُوَ يَوْمُ النَّحْرِ) رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ مِنْ بَعْدِ طُلُوعِ الشَّمْسِ» .
وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ مَنْ رَمَاهَا فِي هَذَا الْيَوْمِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ (أَعْنِي: بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إِلَى زَوَالِهَا) فَقَدْ رَمَاهَا فِي وَقْتِهَا. وَأَجْمَعُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَرْمِ يَوْمَ النَّحْرِ مِنَ الْجَمَرَاتِ غَيْرَهَا.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ رَمَى
جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، فَقَالَ مَالِكٌ: لَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ لِأَحَدٍ أَنْ يَرْمِيَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ، فَإِنْ رَمَاهَا قَبْلَ الْفَجْرِ أَعَادَهَا. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَسُفْيَانُ وَأَحْمَدُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحَبُّ هُوَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ.
فَحُجَّةُ مَنْ مَنَعَ ذَلِكَ فِعْلُهُ صلى الله عليه وسلم مَعَ قَوْلِهِ: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» ، وَمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدَّمَ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ، وَقَالَ: لَا تَرْمُوا الْجَمْرَةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ» .
وَعُمْدَةُ مَنْ جَوَّزَ رَمْيَهَا قَبْلَ الْفَجْرِ حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ «أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأُمِّ سَلَمَةَ يَوْمَ النَّحْرِ، فَرَمَتِ الْجَمْرَةَ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَمَضَتْ، فَأَفَاضَتْ. وَكَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي يَكُونُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَهَا» ". وَحَدِيثُ أَسْمَاءَ «أَنَّهَا رَمَتِ الْجَمْرَةَ بِلَيْلٍ، وَقَالَتْ: إِنَّا كُنَّا نَصْنَعُهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» .
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ الْوَقْتَ الْمُسْتَحَبَّ لِرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ هُوَ مِنْ لَدُنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إِلَى وَقْتِ الزَّوَالِ، وَأَنَّهُ إِنْ رَمَاهَا قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ أَجْزَأَ عَنْهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ قَالَ: أَسْتَحِبُّ لَهُ أَنْ يُرِيقَ دَمًا.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ لَمْ يَرْمِهَا حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ، فَرَمَاهَا مِنَ اللَّيْلِ أَوْ مِنَ الْغَدِ؛ فَقَالَ مَالِكٌ: عَلَيْهِ دَمٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ رَمَى مِنَ اللَّيْلِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَخَّرَهَا إِلَى الْغَدِ فَعَلَيْهِ دَمٌ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إِنْ أَخَّرَهَا إِلَى اللَّيْلِ أَوْ إِلَى الْغَدِ.
وَحُجَّتُهُمْ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ لِرُعَاةِ الْإِبِلِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ "، أَعْنِي: أَنْ يَرْمُوا لَيْلًا. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ السَّائِلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَمَيْتُ بَعْدَ مَا أَمْسَيْتُ! قَالَ لَهُ: لَا حَرَجَ» .
وَعُمْدَةُ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ التَّوْقِيتَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ الَّذِي رَمَى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هُوَ السُّنَّةُ، وَمَنْ خَالَفَ سُنَّةً مِنْ سُنَنِ الْحَجِّ فَعَلَيْهِ دَمٌ عَلَى مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَخَذَ بِهِ الْجُمْهُورُ.
وَقَالَ مَالِكٌ: وَمَعْنَى الرُّخْصَةِ لِلرُّعَاةِ إِنَّمَا ذَلِكَ إِذَا مَضَى يَوْمَ النَّحْرِ، وَرَمَوْا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، ثُمَّ كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ، وَهُوَ أَوَّلُ أَيَّامِ النَّفْرِ، فَرَخَّصَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَرْمُوا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لَهُ وَلِلْيَوْمِ الَّذِي بَعْدَهُ؛ فَإِنْ نَفَرُوا فَقَدْ فَرَغُوا، وَإِنْ أَقَامُوا إِلَى الْغَدِ رَمَوْا مَعَ النَّاسِ يَوْمَ النَّفْرِ الْأَخِيرِ وَنَفَرُوا.
وَمَعْنَى الرُّخْصَةِ لِلرُّعَاةِ عِنْدَ جَمَاعَةِ الْعُلَمَاءِ هُوَ جَمْعُ يَوْمَيْنِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، إِلَّا أَنَّ مَالِكًا إِنَّمَا يُجْمَعُ عِنْدَهُ مَا وَجَبَ مِثْلُ أَنْ يَجْمَعَ فِي الثَّالِثِ فَيَرْمِي عَنِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْضَى عِنْدَهُ إِلَّا مَا وَجَبَ. وَرَخَّصَ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ فِي جَمْعِ يَوْمَيْنِ فِي يَوْمٍ، سَوَاءٌ تَقَدَّمَ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي أُضِيفَ إِلَى غَيْرِهِ أَوْ تَأَخَّرَ، وَلَمْ يُشَبِّهُوهُ بِالْقَضَاءِ.
وَثَبَتَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَمَى فِي حِجَّتِهِ الْجَمْرَةَ يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ نَحَرَ بُدُنَهُ، ثُمَّ حَلَقَ رَأْسَهُ، ثُمَّ طَافَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ» . وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ هَذَا سُنَّةُ الْحَجِّ.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ قَدَّمَ مِنْ هَذِهِ مَا أَخَّرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، أَوْ بِالْعَكْسِ، فَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَدَاوُدُ وَأَبُو ثَوْرٍ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
وَعُمْدَتُهُمْ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: «وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلنَّاسِ بِمِنًى، وَالنَّاسُ يَسْأَلُونَهُ، فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ أَشْعُرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَنْحَرَ! فَقَالَ عليه الصلاة والسلام: انْحَرْ وَلَا حَرَجَ! ثُمَّ جَاءَهُ آخَرُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ أَشْعُرْ فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ! فَقَالَ عليه الصلاة والسلام: ارْمِ وَلَا حَرَجَ! قَالَ: فَمَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ أَوْ أُخِّرَ إِلَّا قَالَ: افْعَلْ وَلَا حَرَجَ» . وَرَوَى هَذَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وَعُمْدَةُ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَكَمَ عَلَى مَنْ حَلَقَ قَبْلَ مَحَلِّهِ مِنْ ضَرُورَةٍ بِالْفِدْيَةِ، فَكَيْفَ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ؟ مَعَ أَنَّ الْحَدِيثَ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ حَلْقُ الرَّأْسِ قَبْلَ رَمْيِ الْجِمَارِ. وَعِنْدَ مَالِكٍ أَنَّ مَنْ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ
حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَنْحَرَ أَوْ يَرْمِيَ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِنْ كَانَ قَارِنًا فَعَلَيْهِ دَمَانِ. وَقَالَ زُفَرُ: عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ دِمَاءٍ: دَمٌ الْقِرَانِ، وَدَمَانِ لِلْحَلْقِ قَبْلَ النَّحْرِ وَقَبْلَ الرَّمْيِ.
وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ نَحَرَ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ، إِلَّا مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَنْ قَدَّمَ مِنْ حَجِّهِ شَيْئًا أَوْ أَخَّرَ فَلْيُهْرِقْ دَمًا، وَأَنَّهُ مَنْ قَدَّمَ الْإِفَاضَةَ قَبْلَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إِعَادَةُ الطَّوَافِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَنْ تَابَعَهُ: لَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إِذَا طَافَ لِلْإِفَاضَةِ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، ثُمَّ وَاقَعَ أَهْلَهُ - أَرَاقَ دَمًا.
وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ جُمْلَةَ مَا يَرْمِيهِ الْحَاجُّ سَبْعُونَ حَصَاةً، مِنْهَا فِي يَوْمِ النَّحْرِ جَمْرَةُ الْعَقَبَةِ بِسَبْعٍ، وَأَنَّ رَمْيَ هَذِهِ الْجَمْرَةِ مِنْ حَيْثُ تَيَسَّرَ مِنَ الْعَقَبَةِ مِنْ أَسْفَلِهَا أَوْ مِنْ أَعْلَاهَا أَوْ مِنْ وَسَطِهَا، كُلُّ ذَلِكَ وَاسْعٌ. وَالْمَوْضِعُ الْمُخْتَارِ مِنْهَا بَطْنُ الْوَادِي ; لِمَا جَاءَ فِي «حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ " أَنَّهُ اسْتَبْطَنَ الْوَادِيَ، ثُمَّ قَالَ: مِنْ هَا هُنَا، وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ رَأَيْتُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ يَرْمِي» .
وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يُعِيدُ الرَّمْيَ إِذَا لَمْ تَقَعِ الْحَصَاةُ فِي الْعَقَبَةِ، وَأَنَّهُ يَرْمِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ثَلَاثَ جِمَارٍ بِوَاحِدٍ وَعِشْرِينَ حَصَاةً، كُلُّ جَمْرَةٍ مِنْهَا بِسَبْعٍ. وَأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَرْمِيَ مِنْهَا يَوْمَيْنِ وَيَنْفِرَ فِي الثَّالِثِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 203] .
وَقَدْرُهَا عِنْدَهُمْ أَنْ يَكُونَ فِي مِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ ; لِمَا رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمْ «أَنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام رَمَى الْجِمَارَ بِمِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ» .
وَالسُّنَّةُ عِنْدَهُمْ فِي رَمْيِ الْجَمَرَاتِ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يَرْمِيَ الْجَمْرَةَ الْأُولَى فَيَقِفَ عِنْدَهَا وَيَدْعُوَ، وَكَذَلِكَ الثَّانِيَةُ وَيُطِيلَ الْمَقَامَ. ثُمَّ يَرْمِيَ الثَّالِثَةَ، وَلَا يَقِفَ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي رَمْيِهِ ".
وَالتَّكْبِيرُ عِنْدَهُمْ عِنْدَ رَمْيِ كُلِّ جَمْرَةٍ حَسَنٌ ; لِأَنَّهُ يُرْوَى عَنْهُ عليه الصلاة والسلام.
وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مِنْ سُنَّةِ رَمْيِ الْجِمَارِ الثَّلَاثِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بَعْدَ الزَّوَالِ.