الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم.
كتاب التوحيد
الذي هو حق الله على العبيد
وقول الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} "1" وقوله: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ} "2" الآية. وقوله: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَاّ تَعْبُدُواْ إِلَاّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} "3" الآية. وقوله: {وَاعْبُدُواْ اللهَ وَلَا تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا} "4" الآية. وقوله: {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَاّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وَلا تَقْرَبُوا
مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} "5" الآيات.
قال ابن مسعود رضي الله عنه: من أراد أن ينظر إلى وصية محمد صلى الله عليه وسلم التي عليها خاتمة فليقرأ قوله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَاّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا} – إلى قوله – {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا..} "6" الآية.
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار فقال لي: "يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله؟ " فقلت: الله ورسوله أعلم. قال: "حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً" فقلت: يا رسول الله أفلا أبشر الناس؟ قال: "لا تبشرهم فيتكلوا" أخرجاه في الصحيحين.
فيه مسائل:
الأولى: الحكمة في خلق الجن والإنس.
الثانية: أن العبادة هي التوحيد؛ لأن الخصومة فيه.
الثالثة: أن من لم يأت به لم يعبد الله، ففيه معنى قول:{وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ}
الرابعة: الحكمة في إرسال الرسل.
الخامسة: أن الرسالة عمَّت كل أمة.
السادسة: أن دين الأنبياء واحد.
السابعة: المسألة الكبيرة أن عبادة الله لا تحصل إلا بالكفر بالطاغوت؛ ففيه معنى قوله: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} "8" الآية.
الثامنة: أن الطاغوت عام في كل ما عُبِد من دون الله.
التاسعة: عظم شأن ثلاث الآيات المحكمات في سورة الأنعام عند السلف. وفيها عشر مسائل، أولها النهي عن الشرك.
العاشرة: الآيات المحكمات في سورة الإسراء، وفيها ثماني عشرة مسألة، بدأها الله بقوله:{لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً} وختمها بقوله: {وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً} ونبهنا الله سبحانه على عظم شأن هذه المسائل بقوله: {ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ}
الحادية عشرة: آية سورة النساء التي تسمى آية الحقوق العشرة، بدأها الله تعالى بقوله:{وَاعْبُدُواْ اللهَ وَلَا تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا} الثانية عشرة: التنبيه على وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته.
الثالثة عشرة: معرفة حق الله تعالى علينا.
الرابعة عشرة: معرفة حق العباد عليه إذا أدوا حقه.
الخامسة عشرة: أن هذه المسألة لا يعرفها أكثر الصحابة.
السادسة عشرة: جواز كتمان العلم للمصلحة.
السابعة عشرة: استحباب بشارة المسلم بما يسره.
الثامنة عشرة: الخوف من الاتكال على سعة رحمة الله.
التاسعة عشرة: قول المسؤول عما لا يعلم: الله ورسوله أعلم.
العشرون: جواز تخصيص بعض الناس بالعلم دون بعض.
الحادية والعشرون: تواضعه صلى الله عليه وسلم لركوب الحمار مع الإرداف عليه.
الثانية والعشرون: جواز الإرداف على الدابة.
الثالثة والعشرون: فضيلة معاذ بن جبل.
الرابعة والعشرون: عظم شأن هذه المسألة.
فيه مسائل:
الأولى "الحكمة في خلق الجن والإنس" أي أن الله خلقهم لعبادته.
الثانية "أن العبادة هي التوحيد لأن الخصومة فيه" أي أن العبادة التي خلقوا لها هي توحيد الألوهية لأن كل رسول يقول لقومه اعبدوا الله ما لكم من إله غيره فيردون عليه وأما توحيد الربوبية فغالب الأمم مقرة به.
الثالثة "أن من لم يأت به لم يعبد الله. ففيه معنى قوله: {وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} " أي أن من لم يفرد الله بالعبادة لم يعبده حقيقة وإن عبده في بعض الأحيان
لكنه لما لم يثبت على ذلك نفى الله عنه لأنه لا يوصف بعبادة الله وحده ولا أنه عابد له حقيقة إلا من استمر على عبادته وحده وتبتل إليه تبتيلا كما أشار إلى ذلك العلامة ابن القيم في بدائع الفوائد لما تكلم على أسرار سورة قل يا أيها الكافرون.
الرابعة "الحكمة في إرسال الرسل" أي ليأمروا أممهم بعبادة الله وحده واجتناب الطاغوت.
الخامسة "أن الرسالة عمت كل أمة" أي لما أخبر الله أنه بعث في كل أمة رسولا أفاد ذلك أن الرسالة عمت جميع الأمم وقامت الحجة على الخلق كما قال تعالى: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} .
السادسة "أن دين الأنبياء واحد" أي لما أخبر الله أن كل رسول يقول لقومه {اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} أفاد ذلك أن دينهم واحد أما الشرائع فمختلفة كما قال تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً} .
السابعة "المسألة الكبيرة: أن عبادة الله لا تحصل إلا بالكفر بالطاغوت، ففيه معنى قوله: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} " أي لما أخبر الله أنه أرسل الرسل يدعون أممهم قائلين: {اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} دل
ذلك على أن عبادة الله لا تحصل إلا بالكفر بالطاغوت فمن لم يكفر بالطاغوت فليس عابدا لله حقيقة ولذلك جعله شرطا للاستمساك بالعروة الوثقى.
الثامنة "أن الطاغوت عام في كل ما عبد من دون الله" أي لما أمر الله بإفراده بالعبادة وحده واجتناب الطاغوت أفاد هذا أن الطاغوت عام في كل ما عبد من دون الله بمعنى أن العبادة لا تصلح له لا بمعنى الذم لكل من عبد من دون الله فإن منهم من لم يرض بذلك وأما الذم فمتوجه إلى من رضي، ومن لم يرض فالذم في حقه متوجه إلى الشيطان لكونه الآمر بذلك الداعي كما قال تعالى:{أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ} الآية.
التاسعة "عظم شأن ثلاث الآيات المحكمات في سورة الأنعام عند السلف وفيها عشر مسائل. أولها: النهي عن الشرك" أي لقول عبد الله بن مسعود: "من أراد أن ينظر إلى وصية محمد صلى الله عليه وسلم التي عليها خاتمه فليقرأ: قُلْ تَعَالَوْا.. إلخ. وقوله "فيها عشر مسائل" وهذا بيانها. الأولى: النهي عن الشرك، الثانية: الوصية بالوالدين، الثالثة: النهي عن قتل الأولاد، الرابعة: النهي عن قربان الفواحش، الخامسة: النهي عن قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، السادسة: النهي عن قربان مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن، السابعة: الوفاء بالكيل والميزان، الثامنة: الأمر بالعدل، التاسعة: الوفاء بالعهد، العاشرة: الأمر باتباع الصراط المستقيم وترك اتباع ما سواه من السبل وهذه مسألة واحدة خلافا لمن جعلها مسألتين واستدرك على الشيخ رحمه الله تعالى.
العاشرة "الآيات المحكمات في سورة الإسراء، وفيها ثماني عشرة مسألة، بدأها الله بقوله: {لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً} وختمها بقوله: {وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً} ونبهنا الله سبحانه على عظم شأن هذه المسائل بقوله: {ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ} ) . "قلت": وهذا سرد المسائل: الأولى: النهي عن جعل مع الله إلها آخر وهو الشرك الأكبر، الثانية: الأمر بعبادة الله وحده، الثالثة: الأمر بالإحسان إلى الوالدين، الرابعة: إيتاء ذي القربى حقه، الخامسة: إيتاء المسكين حقه، السادسة: إيتاء ابن السبيل حقه، السابعة: النهي عن التبذير، الثامنة: النهي عن الإمساك بدون إسراف، التاسعة: النهي عن قتل الأولاد، العاشرة: النهي عن الزنا، الحادية عشرة: النهي عن قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، الثانية عشرة: النهي عن قربان مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن، الثالثة عشرة: الوفاء بالعهد، الرابعة عشرة: الوفاء بالكيل، الخامسة عشرة: الوفاء بالوزن، السادسة عشرة: النهي عن القول بغير علم، السابعة عشرة: النهي عن المشي في الأرض مرحا، الثامنة عشرة: النهي عن الشرك. ويحتمل أن يعد النهي عن الإسراف مسألة ويحذف الأمر بالوفاء بالوزن لدخوله في التي قبله.
الحادية عشرة "آية سورة النساء التي تسمى آية الحقوق العشرة،
بدأها الله تعالى بقوله: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} الآية) . أي فيها عشرة حقوق: الأول: الأمر بعبادة الله، الثاني: الإحسان إلى الوالدين، الثالث: الإحسان إلى ذي القربى، الرابع: الإحسان إلى اليتامى، الخامس: الإحسان إلى المساكين، السادس: الإحسان إلى الجار ذي القربى، السابع: الإحسان إلى الجار الجنب، الثامن: الإحسان إلى الصاحب بالجنب، التاسع: الإحسان إلى ابن السبيل، العاشر: الإحسان إلى ملك اليمين.
الثانية عشرة "التنبيه على وصية النبي صلى الله عليه وسلم عند موته" أي لقول ابن مسعود: "من أراد أن ينظر إلى وصية محمد صلى الله عليه وسلم التي عليها خاتمه".
الثالثة عشرة "معرفة حق الله علينا" أي أن نعبده ولا نشرك به شيئا وهذا حق واجب.
الرابعة عشرة "معرفة حق العباد عليه إذا أدوا حقه" أي أن لا يعذبهم وهذا حق إنعام وتفضل وليس واجبا بالقياس على المخلوق كما تدعيه المعتزلة.
الخامسة عشرة "أن هذه المسألة لا يعرفها أكثر الصحابة" أي مادام أنها خفيت على معاذ مع علمه وقال: "أفلا أبشر الناس" فنهاه وأمره أن يكتمها عنهم مخافة الاتكال على سعة رحمة الله أفاد ذلك أنهم لا يعرفونها.
السادسة عشرة "جواز كتمان العلم للمصلحة" أي لقوله: "لا تخبرهم" والمصلحة أنهم يعملون ولا يتكلون بخلاف ما إذا سمعوا بمثل هذا فربما تركوا العمل فتفوت هذه المصلحة.
السابعة عشرة "استحباب بشارة المسلم بما يسره" أي لقوله: "ألا أبشر الناس".
الثامنة عشرة "الخوف من الاتكال على سعة رحمة الله" أي لقوله: " لا تخبرهم فيتكلوا" أي يعتمدوا على هذا الفضل فيتركوا التنافس في الأعمال الصالحة فيفوتهم خير كثير.
التاسعة عشرة "قول المسؤول عما لا يعلم: الله ورسوله أعلم" أي أنه لما سأل معاذا وهو لا يعلم قال ذلك وهذا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وأما بعد موته صلى الله عليه وسلم فإن المسؤول إذا سئل عما لا يعلم فإنه يقول: "الله أعلم" كما نبه على ذلك الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين.
العشرون "جواز تخصيص بعض الناس بالعلم دون بعض" أي حيث أخبر بذلك معاذا ونهاه أن يخبر الناس.
الحادية والعشرون "تواضعه صلى الله عليه وسلم لركوب الحمار مع الإرداف عليه" أي لما فعل ذلك دل على تواضعه لأن المتكبرين لا يفعلون ذلك.
الثانية والعشرون "جواز الإرداف على الدابة" أي حيث أردف معه معاذا وهذا إذا كانت مطيقة.
الثالثة والعشرون "فضيلة معاذ بن جبل" أي بحيث كان من النبي صلى الله عليه وسلم بهذه المنزلة فأردفه معه وخصه بهذا العلم.
الرابعة والعشرون "عظم شأن هذه المسألة" أي معرفة حق الله على العباد وحق العباد عليه إذا أدوا حقه.