الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب
وقول الله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} "14) . وقال: {وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ} "15) .
عن حصين بن عبد الرحمن قال: كنت عند سعيد بن جبير فقال: أيكم رأى الكوكب الذي انقض البارحة؟ فقلت: أنا، ثم قلت: أما إني لم أكن في صلاة، ولكني لُدِغت، قال: فما صنعت؟ قلت: ارتقيت قال: فما حملك على ذلك؟ قلت: حديث حدثناه الشعبي، قال وما حدثكم؟ قلت: حدثنا عن بريدة بن الحصيب أنه قال: لا رقية إلا من عين أو حمة. قال: قد أحسن من انتهى إلى ما سمع. ولكن حدثنا ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "عرضت علي الأمم، فرأيت النبي ومعه الرهط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد، إذ رفع لي سواد عظيم، فظننت أنهم أمتي، فقيل لي: هذا موسى وقومه، فنظرت فإذا سواد عظيم، فقيل لي: هذه أمتك ومعهم سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب" ثم نهض فدخل منزله. فخاض الناس في أولئك، فقال بعضهم: فلعلهم الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال بعضهم: فلعلهم الذين ولدوا في
الإسلام فلم يشركوا بالله شيئاً، وذكروا أشياء، فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه فأخبروه، فقال:"هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون" فقام عكاشة بن محصن فقال: ادع الله أن يجعلني منهم. قال: "أنت منهم" ثم قام رجل آخر فقال: ادع الله أن يجعلني منهم. فقال: "سبقك بها عكاشة".
فيه مسائل:
الأولى: معرفة مراتب الناس في التوحيد.
الثانية: ما معنى تحقيقه.
الثالثة: ثناؤه سبحانه على إبراهيم بكونه لم يكن من المشركين.
الرابعة: ثناؤه على سادات الأولياء بسلامتهم من الشرك.
الخامسة: كون ترك الرقية والكي من تحقيق التوحيد.
السادسة: كون الجامع لتلك الخصال هو التوكل.
السابعة: عمق علم الصحابة لمعرفتهم أنهم لم ينالوا ذلك إلا بعمل.
الثامنة: حرصهم على الخير.
التاسعة: فضيلة هذه الأمة بالكمية والكيفية.
العاشرة: فضيلة أصحاب موسى.
الحادية عشرة: عرض الأمم عليه، عليه الصلاة والسلام.
الثانية عشرة: أن كل أمة تحشر وحدها مع نبيها.
الثالثة عشرة: قلة من استجاب للأنبياء.
الرابعة عشرة: أن من لم يجبه أحد يأتي وحده.
الخامسة عشرة: ثمرة هذا العلم، وهو عدم الاغترار بالكثرة، وعدم الزهد في القلة.
السادسة عشرة: الرخصة في الرقية من العين والحمة.
السابعة عشرة: عمق علم السلف لقوله: قد أحسن من انتهى إلى ما سمع، ولكن كذا وكذا. فعلم أن الحديث الأول لا يخالف الثاني.
الثامنة عشرة: بعد السلف عن مدح الإنسان بما ليس فيه.
التاسعة عشرة: قوله: "أنت منهم" علم من أعلام النبوة.
العشرون: فضيلة عكاشة.
الحادية والعشرون: استعمال المعاريض.
الثانية والعشرون: حسن خلقه صلى الله عليه وسلم.
فيه مسائل:
الأولى "معرفة مراتب الناس في التوحيد" أي أنها مختلفة فمنهم من يدخل الجنة بغير حساب ومنهم من يدخل النار بذنوبه ثم يخرج منها ومنهم من هو بين ذلك.
الثانية "ما معنى تحقيقه" أي معناه تخليصه وتصفيته من شوائب الشرك والبدع والإصرار على المعاصي.
الثالثة "ثناؤه سبحانه على إبراهيم بكونه لم يك من المشركين" أي لقوله: {وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} فقد تبرأ منهم وكفر بهم وعاداهم وكسر أصنامهم وهذا هو الغاية في تحقيق التوحيد.
الرابعة "ثناؤه على سادات الأولياء بسلامتهم من الشرك" أي لقوله: {وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ} وهذا يتضمن إقبالهم على الله تعالى وسلامتهم من الشرك مطلقا وهذا هو تحقيق التوحيد.
الخامسة "كون ترك الرقية والكي من تحقيق التوحيد" أي لقوله: "هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون" وذلك لما فيه من التفات القلب إلى غير الله تعالى.
السادسة "كون الجامع لتلك الخصال هو التوكل" أي تركوا هذه الخصال توكلا على الله لقوله: " وعلى ربهم يتوكلون".
السابعة "عمق علم الصحابة لمعرفتهم أنهم لم ينالوا ذلك إلا بالعمل" أي لقول بعضهم: "فلعلهم الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم" وقول بعضهم: "لعلهم الذين ولدوا في الإسلام فلم يشركوا بالله شيئا" وذكروا أشياء.
الثامنة "حرصهم على الخير" أي لما حرصوا على معرفة أعمالهم ليعملوا بها
فيحصلوا ثواب الذين يدخلون الجنة بغير حساب دل ذلك على حرصهم على الخير.
التاسعة "فضيلة هذه الأمة بالكمية والكيفية" أي أنه يدخل الجنة منهم خلق كثير فهذا بالكمية وأما بالكيفية فدخول سبعين ألفا منهم الجنة بغير حساب ولا عذاب.
العاشرة "فضيلة أصحاب موسى" أي لقوله: "إذ رفع لي سواد عظيم فظننتهم أمتي فقيل هذا موسى وقومه" ثم ذكر ما يدل على أن هذه الأمة أفضل منهم.
الحادية عشرة "عرض الأمم عليه عليه الصلاة والسلام" أي لقوله: "عرضت علي الأمم" والمراد أن الله أراه مثالها إذا جاءت يوم القيامة.
الثانية عشرة "أن كل أمة تحشر وحدها مع نبيها" أي لقوله: " فرأيت النبي ومعه الرهط" الخ.
الثالثة عشرة "قلة من استجاب للأنبياء" أي لقوله: " والنبي ومعه الرجل والرجلان".
الرابعة عشرة "أن من لم يجبه أحد يأتي وحده" أي لقوله: "والنبي ليس معه أحد".
الخامسة عشرة "ثمرة هذا العلم وهو عدم الاغترار بالكثرة وعدم الزهد في القلة" أي أن هذا الحديث يفيد أن الأكثر لم يتبعوا الرسل فلا يغتر بهم وأن الأقل هم الذين اتبعوهم فلا يزهد بهم بل يتبع الحق الذي هم عليه ويترك الباطل الذي
عليه الأكثر ولا يغتر بهم كما قال تعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} .
السادسة عشرة "الرخصة في الرقية من العين والحمة" أي لقوله: "لا رقية إلا من عين أو حمة" والعين إصابة العائن غيره، والحمة قرصة العقرب وشبهها من ذوات السموم.
السابعة عشرة "عمق علم السلف لقوله: "قد أحسن من انتهى إلى ما سمع ولكن كذا وكذا" فعلم أن الحديث الأول يخالف الثاني" أي لما ذكر حصين أنه فعل الرقية لما بلغه من حديث بريدة صوبه سعيد ثم بين له ما هو أفضل من ذلك وأنه لا يخالفه بل يزيد عليه.
الثامنة عشرة "بعد السلف عن مدح الإنسان بما ليس فيه" أي لقول حصين: "أما إني لم أكن في صلاة" فخاف أن يظن الحاضرون أنه قام يصلي فدفع عن نفسه إيهام العبادة.
التاسعة عشرة "قوله أنت منهم" علم من أعلام النبوة أي لكونه قتل شهيدا في سبيل الله فوقع كما أخبر.
العشرون "فضيلة عكاشة" أي لقوله: " أنت منهم" أي الذين يدخلون الجنة بغير حساب.
الحادية والعشرون "استعمال المعاريض" أي لما خاف أن يقوم من ليس بأهل فيطلب ذلك سد الباب بقوله: "سبقك بها عكاشة".
الثانية والعشرون "حسن خلقه صلى الله عليه وسلم" أي لكونه لم يقل: "لست منهم" فيقع في نفسه شيء ولكنه قال: "سبقك بها عكاشة".