الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عُزْلَةُ النَّاس
مَشْرُوعِيَّةُ الْعُزْلَة
(خ)، وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ (1) وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ (2) يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنْ الْفِتَنِ "(3)
الشرح (4)
(1) شَعَف: جَمْعُ شَعَفَةٍ ، وَهِيَ رُءُوسُ الْجِبَالِ. (فتح الباري) ح19
(2)
أَيْ: الْمَوَاضِعُ الَّتِي يَسْتَقِرّ فِيهَا الْمَطَرُ كَالْأَوْدِيَةِ. شرح سنن النسائي (6/ 438)
وَخَصَّهُمَا - أي: شَعَف الجبال ومَواضِع القَطْر - بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُمَا مَظَانُّ الْمَرْعَى. (فتح الباري) ح19
(3)
(خ) 3124 ، (س) 5036
(4)
الْخَبَرُ دَالٌّ عَلَى فَضِيلَةِ الْعُزْلَةِ لِمَنْ خَافَ عَلَى دِينِهِ ، وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي أَصْلِ الْعُزْلَةِ.
فَقَالَ الْجُمْهُورُ: الِاخْتِلَاطُ أَوْلَى ، لِمَا فِيهِ مِنَ اكْتِسَابِ الْفَوَائِدِ الدِّينِيَّةِ ، لِلْقِيَامِ بِشَعَائِرِ الْإِسْلَامِ ، وَتَكْثِيرِ سَوَادِ الْمُسْلِمِينَ ، وَإِيصَالِ أَنْوَاعِ الْخَيْرِ إِلَيْهِمْ ، مِنْ إِعَانَةٍ وَإِغَاثَةٍ وَعِيَادَةٍ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَقَالَ قَوْمٌ: الْعُزْلَةُ أَوْلَى ، لِتَحَقُّقِ السَّلَامَةِ ، بِشَرْطِ مَعْرِفَةِ مَا يَتَعَيَّنُ ، وَقَدْ مَضَى طَرَفٌ مِنْ ذَلِكَ فِي بَابِ الْعُزْلَةِ مِنْ كِتَابِ الرِّقَاقِ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الْمُخْتَارُ تَفْضِيلُ الْمُخَالَطَةِ لِمَنْ لَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَقَعُ فِي مَعْصِيَةٍ ، فَإِنْ أَشْكَلَ الْأَمْرُ ، فَالْعُزْلَةُ أَوْلَى.
وَقَالَ غَيْرُهُ: يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَتَحَتَّمُ عَلَيْهِ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَرَجَّحُ ، ولَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ ، بَلْ إِذَا تَسَاوَيَا، فَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ فَإِنْ تَعَارَضَا ، اخْتَلَفَ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ.
فَمَنْ يَتَحَتَّمُ عَلَيْهِ الْمُخَالَطَةُ: مَنْ كَانَتْ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى إِزَالَةِ الْمُنْكَرِ ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ إِمَّا عَيْنًا وَإِمَّا كِفَايَةً ، بِحَسَبِ الْحَالِ وَالْإِمْكَانِ ، وَمِمَّنْ يَتَرَجَّحُ ، مَنْ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَسْلَمُ فِي نَفْسِهِ إِذَا قَامَ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ.
وَمِمَّنْ يَسْتَوِي: مَنْ يَأمَنُ عَلَى نَفْسِهِ ، وَلَكِنَّهُ يَتَحَقَّقُ أَنَّهُ لَا يُطَاعُ.
وَهَذَا حَيْثُ لَا يَكُونُ هُنَاكَ فِتْنَةٌ عَامَّةٌ ، فَإِنْ وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ ، تَرَجَّحَتِ الْعُزْلَةُ ، لِمَا يَنْشَأُ فِيهَا غَالِبًا مِنَ الْوُقُوعِ فِي الْمَحْذُورِ ، وَقَدْ تَقَعُ الْعُقُوبَةُ بِأَصْحَابِ الْفِتْنَةِ ، فَتَعُمُّ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهلهَا ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُم خَاصَّة} .
وَيُؤَيِّدُ التَّفْصِيلَ الْمَذْكُورَ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ أَيْضًا " خَيْرُ النَّاسِ رَجُلٌ جَاهَدَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ ، وَرَجُلٌ فِي شِعْبِ مِنَ الشِّعَابِ يَعْبُدُ رَبَّهُ وَيَدَعُ النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ " فتح الباري (13/ 43)
(خ م ت س حم)، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (" أَلَا أُحَدِّثُكُمْ بِخَيْرِ النَّاسِ مَنْزِلَةً؟ " ، قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ)(1)(قَالَ: " مُؤْمِنٌ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ)(2) وفي رواية: (رَجُلٌ مُمْسِكٌ بِعِنَانِ (3) فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ) (4)(كُلَّمَا سَمِعَ هَيْعَةً (5) أَوْ فَزْعَةً (6) طَارَ عَلَى مَتْنِهِ (7) يَبْتَغِي الْقَتْلَ وَالْمَوْتَ مَظَانَّهُ (8)) (9)(حَتَّى يَمُوتَ أَوْ يُقْتَلَ)(10)(أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ النَّاسِ مَنْزِلَةً بَعْدَهُ؟ ")(11)(قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ)(12)(قَالَ: " مُؤْمِنٌ)(13)(مُعْتَزِلٌ)(14)(شُرُورَ النَّاسِ)(15)(فِي غُنَيْمَةٍ (16) لَهُ) (17)(فِي رَأسِ شَعَفَةٍ (18) مِنْ هَذِهِ الشَّعَفِ ، أَوْ بَطْنِ وَادٍ مِنْ هَذِهِ الْأَوْدِيَةِ، يُقِيمُ الصَلَاةَ) (19)(وَيُؤَدِّي حَقَّ اللهِ فِيهَا)(20)(وَيَقْرِي (21) ضَيْفَهُ) (22)(لَيْسَ مِنْ النَّاسِ إِلَّا فِي خَيْرٍ ، يَعْبُدُ رَبَّهُ)(23)(لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا)(24)(وَيَدَعُ النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ)(25)(حَتَّى يَأتِيَهُ الْيَقِينُ (26) ") (27)
(1)(حم) 2116 ، 10789 ، (ت) 1652 ، (س) 2569
(2)
(خ) 2634 ، (م) 122 - (1888)
(3)
العِنان: هو اللجام الذي تقاد به الدابة.
(4)
(حم) 2116 ، 10789 ، (ت) 1652 ، (س) 2569
(5)
(الهَيْعَة): الصَّوْت عِنْد حُضُور الْعَدُوّ. (النووي - ج 6 / ص 366)
(6)
(الْفَزْعَة): النُّهُوض إِلَى الْعَدُوّ.
(7)
المتن: الظهر.
(8)
أَيْ: يَطْلُبُ الْقَتْل فِي مَوَاطِنه الَّتِي يُرْجَى فِيهَا ، لِشِدَّةِ رَغْبَته فِي الشَّهَادَة. شرح النووي على مسلم (ج 6 / ص 366)
(9)
(م) 125 - (1889) ، (جة) 3977 ، (حم) 10789
(10)
(حم) 2116 ، (س) 2569
(11)
(حم) 10789 ، (ت) 1652
(12)
(حم) 9131 ، (س) 2569
(13)
(خ) 2634 ، (م) 122 - (1888)
(14)
(ت) 1652 ، (حم) 10789
(15)
(س) 2569 ، (حم) 1987
(16)
(الْغُنَيْمَة): تَصْغِير الْغَنَم.
(17)
(ت) 1652
(18)
(الشَّعَفَة): أَعْلَى الْجَبَل.
(19)
(م) 125 - (1889) ، (جة) 3977 ، (حم) 10789
(20)
(ت) 1652 ، (حم) 1987 ، (م) 125 - (1889)
(21)
القِرَى: ما يُقَدَّم إلى الضيف.
(22)
(حم) 1987 ، (حم) 2838 ، وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح.
(23)
(م) 125 - (1889) ، (جة) 3977 ، (حم) 10776
(24)
(حم) 10789 ، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده حسن.
(25)
(خ) 2634 ، (م) 122 - (1888)
(26)
أَيْ: الموت.
(27)
(م) 125 - (1889) ، (جة) 3977 ، (حم) 10776
(م حم)، وَعَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ:(كَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه فِي إِبِلٍ)(1)(لَهُ خَارِجًا مِنْ الْمَدِينَةِ)(2)(فَجَاءَهُ ابْنُهُ عُمَرُ ، فَلَمَّا رَآهُ سَعْدٌ قَالَ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شَرِّ هَذَا الرَّاكِبِ فَنَزَلَ فَقَالَ لَهُ:)(3)(يَا أَبَتِ ، أَرَضِيتَ أَنْ تَكُونَ أَعْرَابِيًّا)(4)(فِي إِبِلِكَ وَغَنَمِكَ)(5)(وَالنَّاسُ يَتَنَازَعُونَ فِي الْمُلْكِ بِالْمَدِينَةِ؟ ، فَضَرَبَ سَعْدٌ صَدْرَ عُمَرَ وَقَالَ: اسْكُتْ ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ الْغَنِيَّ الْخَفِيَّ ")(6)
الشرح (7)
(1)(م) 11 - (2965)
(2)
(حم) 1441 ، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده قوي.
(3)
(م) 11 - (2965)
(4)
(حم) 1441
(5)
(م) 11 - (2965)
(6)
(حم) 1441 ، (م) 11 - (2965)
(7)
ذَكَرَ ابن جرير أن عمر بن سعد خرج إلى أبيه وهو على ماء لبني سليم بالبادية معتزل: فَقَالَ يَا أَبَهْ: قَدْ بَلَغَكَ مَا كَانَ مِنَ النَّاسِ بِصِفِّينَ، وَقَدْ حَكَّمَ النَّاسُ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ ، وَعَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، وَقَدْ شَهِدَهُمْ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فَاشْهَدْهُمْ فَإِنَّكَ صَاحِبَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَحَدُ أَصْحَابِ الشورى ، ولم تدخل في شيء كَرِهَتْهُ هَذِهِ الْأُمَّةُ ، فَاحْضُرْ ، إِنَّكَ أَحَقُّ النَّاسِ بِالْخِلَافَةِ.
فَقَالَ: لَا أَفْعَلُ! إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " إِنَّهُ ستكون فتنة ، خير الناس فيها الخفي التقي " ، وَاللهِ لَا أَشْهَدُ شَيْئًا مِنْ هَذَا الْأَمْرِ أَبَدًا.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ سَعْدٍ اسْتَعَانَ بِأَخِيهِ عَامِرٍ عَلَى أَبِيهِ لِيُشِيرَ عَلَيْهِ أَنْ يَحْضُرَ أَمْرَ التَّحْكِيمِ لَعَلَّهُمْ يَعْدِلُونَ عَنْ معاوية وعلي وَيُوَلُّونَهُ ، فَامْتَنَعَ سَعْدٌ مِنْ ذَلِكَ ، وَأَبَاهُ أَشَدَّ الْإِبَاءِ ، وَقَنِعَ بِمَا هُوَ فِيهِ مِنَ الْكِفَايَةِ وَالْخَفَاءِ ، كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: قَدْ " أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ وَرُزِقَ كَفَافًا وَقَنَّعَهُ اللهُ بِمَا آتَاهُ " ،
وَكَانَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ هذا يُحِبُّ الإمارة، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأبَهُ حَتَّى كَانَ هُوَ أميرَ السَّرِيَّةِ الَّتِي قَتَلَتِ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ رضي الله عنه ولو قنع بما كان أبوه عليه ، لم يكن شيء من ذلك.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ سَعْدًا لَمْ يَحْضُرْ أَمْرَ التَّحْكِيمِ ، وَلَا أَرَادَ ذَلِكَ ، وَلَا هَمَّ بِهِ. البداية والنهاية ط إحياء التراث (7/ 313)