الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحدها: أن عسى عاملة عمل كان أيضاً، وأن والفعل في موضع خبرها. قال ابن عصفور: وهو الصحيح، لأن العرب لما نطقوا به،
على
الأصل، نطقوا به اسم فاعل، كما تقدم في المثل، والبيت.
وثانيها: أن عسى، في ذلك، ليست عاملة عمل كان. بل المرفوع بها فاعل، وأن والفعل في موضع نصب على المفعولية، والفعل مضمن معنى: قارب. فإذا قلت: عسى زيد أن يقوم، فالتقدير: قارب زيد القيام. أو يكون أن والفعل منصوباً، على إسقاط الخافض. وهذا مذهب سيبويه، والمبرد. ووجهه أن أن والفعل مقدر بالمصدر، والمصدر لا يكون خبراً عن الجثة. وأجيب عنه بأن المصدر قد يخبر به، على سبيل المبالغة.
وثالثها: أن أن والفعل بدل اشتمال من فاعل عسى. وهو مذهب الكوفيين. قال صاحب البسيط: وأظم قولهم مبنياً
على أن هذه الأفعال ليست ناقصة. فيكون المعنى عندهم: قرب قيام زيد. ثم قدمت الاسم، وأخرت المصدر، فقلت: قرب
زيد قيامه. ثم جعلته بأن والفعل. ويحتج، على هذا، بقولهم: عسى أن يقوم زيد، وأن هذا هو الأصل، وهي تامة. ثم إن تقدم الأسم فهو على البدل، حملاً لها على طريقة واحدة.
ورد ما ذهب إليه الكوفيون، بوجهين: أحدهما أنه إبدال قبل تمام الكلام. والآخر أنه لازم، والبدل لا يكون لازماً.
واختار ابن مالك في شرح التسهيل أن عسى في ذلك ناقصة، والمرفوع اسمها، وأن والفعل بدل اشتمال سد مسد جزأي الإسناد. ونظره بقراءة حمزة " ولا تحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم " بالخطاب، على أن يكون أنما بدلاً من الذين، وسد مسد المفعلوين.
الثالث: أن يسند إلى أن والفعل، فلا يحتاج حينئذ إلى خبر. ومقتضى كلام بعض النحويين أنها تكون، إذ ذاك، تامة كما تكون كان تامة. وقال ابن مالك: الوجه عندي أن تجعل عسى ناقصة أبداً. فإذا أسندت إلى أن والفعل وجهت بما وجه به وقوع حسب عليهما، في نحو " أحسب الناس أن
يتركوا ". فكما لم تخرج حسب بهذا عن أصلها، لا تخرج عسى عن أصلها، بمثل " وعسى أن تكرهوا ". بل يقال في الموضعين: سدت أن والفعل مسد الجزين.
الرابع: أن يتصل بعسى الضمير الموضوع للنصب، نحو: عساني، وعساك، وعساه. ومنه قول الشاعر:
ولي نفس أقول لها، إذا ما
…
تنازعني: لعلي، أو عساني
وقول الآخر:
يا أبنا، علك، أو عساكا
وهذا من المواضع المشكلة، لأن حق الضمير المتصل بعسى أن يكون بصيغة المرفوع، كما ورد في القرآن، نحو " فهل عسيتهم "، لأنها ترفع الأسم. فإذا ورد بصيغة المنصوب احتاج إلى توجيه. وفي ذلك ثلاثة مذاهب: أحدها مذهب سيبويه. وهو أن عسى، في ذلك، محمولة على لعل في العمل. فالياء وأخواتها في موضع نصب اسماً لها، وأن والفعل في موضع رفع خبراً لها.
وثانيها مذهب المبرد: أن عسى باقية على أصلها، ولكن انعكس الإسناد، فجعل المخبر عنه خبراً. فالياء في موضع نصب خبراً لعسى تقدم، وأن والفعل في موضع رفع اسماً لها.
وثالثها مذهب الأخفش: أن عسى باقية على رفعها الأسم، ونصبها الخبر، ولكن ضمير النصب، الذي هو الياء وأخواتها، وضع موضع المرفوع. فهو نائب عنه، وأن والفعل في موضع نصب خبراً لها، كما كان.
ورابعها مذهب السيرافي: أن عسى في قولهم: عساك، وعساني، حرف عامل عمل لعل. وضعف بأن، فيه اشتراك فعل وحرف في لفظ واحد.
واختار ابن مالك. ورحمه الله، مذهب الأخفش، لسلامته من عدم النظير. إذ ليس فيه إلا نيابة ضمير، غير موضوع للرفع، عن موضوع له. وذلك موجود، كقول الراجز:
يا بن الزبير، طالما عصيكا
…
وطالما عنيتكما إليكا
ولأن نيابة المرفوع موجودة، في نحو: ما أنا كأنت. ولأن العرب قد تقتصر على عساك ونحوه. فلو كان في موضع نصب لزم الاستغناء بفعل ومنصوبه، ولا نظير لذلك. ولأن قول سيبويه يلزم منه حمل فعل
على حرف، في العمل، ولا نظير لذلك. انتهى ما ذكره ابن مالك مختصراً.
وقال غيره: مذهب سيبويه هو الصحيح. ويبطل مذهب الأخفش تصريحهم بالأسم، موضع أن والفعل، في مثل هذا التركيب مرفوعاً، كقوله:
فقلت: عساها نار كأس، وعلها
…
تشكى، فأتي نحوها، فأعودها
وأما ما ذكره ابن مالك، من نيابة الكاف عن التاء في عصيكا، فليس كذلك. بل الكاف فيه بدل من التاء، كما نص عليه أبو علي وغيره. وهو شاذ. ولو كان ضمير نصب لم يسكن آخر الفعل، لأجله، كما لم يسكن في عساكا. وأما النيابة في نحو ما أنا كأنت فذلك لعلة أن الكاف لا تدخل على الضمير المجرور، فاحتيج للنيابة. وأما علة الاقتصار على المنصوب فالحمل على لعل.
قلت: ذكر الفارسي في التذكرة أن قوله:
يا أبتا، علك، أو عساكا
على حد إني عسيت صائماً، في أن الفاعل مضمر في الفعل، والكاف هو الخبر، كما أن صائماً هو الخبر، وإن خالفه في أنه معرفة وصائماً نكرة. وهذا تخريح غريب. والكلام على هذه المسألة يستدعي بسطاً، لا يليق بهذا الكتاب. فليقتصر على هذا القدر. فإن فيه كفاية. والله سبحانه أعلم.
على
التي تجر ما بعدها فيها خلاف، فمشهور مذهب البصريين أنها حرف جر، إلا إذا دخل عليها حرف الجر كقول الشاعر:
غدت من عليه، بعد ما تم ظمؤها
…
تصل، وعن قيض، بزيزاء، مجهل
فعلى في هذا اسم بمعنى: فوق.
وزاد بعضهم أنها تكون اسماً في موضع آخر، وهو قول الشاعر:
هون عليك، فإن الأمور
…
بكف الإله سقاديرها
وما أشبهه، لأنها لو جعلت حرفاً في ذلك لأدى إلى تعدي فعل المخاطب إلى ضميره المتصل. وذلك لا يجوز في غير أفعال القلوب،
وما حمل عليها. ونقل بعضهم أن هذا مذهب الأخفش. فإنه قال باسميتها في نحو: سويت علي ثيابي.
قال الشيخ أبو حيان: ولا يلزم في نحو هون عليك ولا في سويت علي أن تكون اسماً. فإنه قد ورد مثل هذا التركيب في إلى نحو قوله تعالى " وهزي إليك "، " واضمم إليك جناحك ". ولا نعلم خلافاً في حرفية إلى، فيخرج هون عليك ونحوه على ما خرج عليه وهزي إليك.
قلت: تقدم مثل هذا في عن. وذكرت ثم ما يخرج عليه وهزي إليك. ولقائل أن يقول: إن عن وعلى قد ثبتت اسميتهما بدخول من، فلم يحتج فيهما إلى تأويل، يخالف الظاهر، بخلاف إلى. وتقدم ذكر مذهب الفراء، في أن عن وعلى حرفان، إذا دخلت من عليهما.
وذهب ابن طاهر، وابن خروف، وابن الطراوة، والزبيدي، وابن معزوز، والشلوبين في أحد قوليه، إلى أنها اسم، ولا تكون حرفاً. وزعموا أن ذلك مذهب سيبويه.
قلت: صرح سيبويه بهذا في باب عدة ما يكون عليه الكلام. قيل: ويحتمل التأويل على أن يريد: ولا تكون إلا ظرفاً، إذا كانت اسماً. لأنه نص، في أول الكتاب، على أن على حرف، لأنه ذكر فيما يتعدى إلى مفعولين، أحدهما بحرف الجر، قول الملتمس:
آليت حب العراق، الدهر، أطعمه
أي: على حب العراق.
وقد تحصل في على الجارة، مما ذكرته، أقوال أحدها: أنها
حرف، في كل موضع. وهو قول الفراء. والثاني: أنها اسم، في كل موضع. وهو قول ابن طاهر، ومن وافقه. والثالث: أنها حرف، إلا في موضع واحد. والرابع: أنها حرف إلا في موضعين. وبه جزم ابن عصفور، وهو قول الأخفش.
وقد استدل على حرفيتها بحذفها في الشعر، ونصب ما بعدها، كقول الشاعر:
تحن، فتبدي ما بها، من صبابة
…
وأخفي الذي، لولا الأسى لقضاني
أي: لقضي علي، وقد أجاز الأخفش ذلك، في قوله تعالى " لأقعدن لهم صراطك المستقيم "، أي: على صراطك. واستدل أيضاً، علي حرفيتها، بجواز حذفها مع الضمير في الصلة، كقول الشاعر:
وإن لساني شهدة، يشتفى بها
…
وهو، على من صبه الله، علقم
أي: صبه الله عليه. ولو كانت اسماً لم يجز فيها ذلك.
فإن قلت: إذا قلنا باسميتها فهل هي معربة أو مبنية؟ قلت: ذكر بعضهم أنها معربة، عند من قال إنها لا تكون إلا اسماً. وأما من جوز فيها، إذا كانت حرفاً، أن تنتقل إلى الأسمية، بدخول من، أو على مذهب الأخفش، في نحو: سويت علي ثيابي، فقال بعضهم: هي إذ ذاك معربة. وقال أبو محمد القاسم بن القاسم: هي مبنية، والألف فيها كألف هذا.
واعلم أن على قد تكون فعلاً، من العلو، ترفع الفاعل. كقوله تعالى " إن فرعون علا في الأرض "، وأمر هذا بين. وليست من الحرفية في شيء، إلا في الصورة.
وأما على الأسمية فقال ابن يعيش: مختلف فيها؛ فمذهب أبي العباس، وجماعة، أنها على الاشتراك اللفظي فقط، لأن الحرف لا يشتق ولا يشتق منه. فكل واحد من هذه الثلاثة مباين
لصاحبه إلا من جهة اللفظ. وقال قوم: الأصل أن تكون حرفاً. وإنما كثر استعمالها، فشبهت في بعض الأحوال بالأسم، فأجريت مجراه، وأدخل عليها حرف الجر، كما يشبه الأسم بالحرف، ويجري مجراه، نحو من وكم انتهى.
والغرض هنا إنما هو على الحرفية، وذكر معانيها. وذكر ابن مالك لها ثمانية معان: الأول: الاستعلاء حساً، كقوله تعالى " كل من عليها فان "، أو معنى كقوله " فضلنا بعضهم على بعض ". ولم يثبت، لها، أكثر البصريين غير هذا المعنى، وتأولوا ما أوهم خلافه.
الثاني: المصاحبة، كقوله تعالى " وآتى المال على حبه "، " وإن ربك لذو مغفرة للناس، على ظلمهم ".
الثالث: المجاوزة، كقول الشاعر:
إذا رضيت علي بنو قشير
…
لعمر أبيك، أعجبني رضاها
أي: عني. قال ابن مالك: وكذلك الواقعة بعد: خفي، وتعذر، واستحال، وغضب، وأشباهها.
الرابع: التعليل، كقوله تعالى " ولتكبروا الله على ما هداكم ".
الخامس: الظرفية، كقوله تعالى " واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان ". وتؤولت الآية على تضمين تتلو معنى: تتقول.
السادس: موافقة من، كقوله تعالى " إذا اكتالوا على الناس يستوفون ". قاله بعض النحويين. والبصريون يذهبون في هذا إلى التضمين، أي: إذا حكموا على الناس في الكيل.
السابع: موافقة الباء، كقوله تعالى " حقيق على ألا أقول "، أي بألا أقول. وقرأ أبي بأن، فكانت قراءته تفسيراً لقراءة الجماعة. وقالت العرب: اركب على اسم الله، أي: باسم الله.
الثامن: أن تكون زائدة للتعويض، كقول الراجز:
إن الكريم، وأبيك، يعتمل
…
إن لم يجد، يوماً، على من يتكل
قال ابن جني: أراد من يتكل عليه، فحذف عليه وزاد على قبل من عوضاً. انتهى. ويحتمل أن يكون الكلام تم عند
قوله إن لم يجد يوماً، ثم قال: على من يتكل، وتكون من استفهامية.
قال ابن مالك: وقد تزاد دون تعويض. واستدل، على ذلك، بقول حميد بن ثور:
أبى الله إلا أن سرحة ملك
…
على كل أفنان العضاه، تروق
زاد على لأن راق متعدية، مثل أعجب. تقول: راقني حسن الجارية. وفي الحديث: من حلف على يمين والأصل: حلف يميناً. قيل: ولا حجة في ذلك، لأنه يحتمل تضمين تروق