الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قسم مقدر. وقيل: هو مبني. وهذه كلمة كثرت لغاتها، لكثرة استعمال العرب لها. والله أعلم.
حتى
حرف، له عند البصريين ثلاثة أقسام: يكون حرف جر، وحرف عطف، وحرف ابتداء. وزاد الكوفيون قسماً رابعاً، وهو أن يكون حرف نصب، ينصب الفعل المضارع. وزاد بعض النحويين قسماً خامساً، وهو أن يكون بمعنى الفاء. ولا بد من بيان هذه الأقسام واحداً واحداً.
الأول: حتى الجارة. ومعناها انتهاء الغاية. ومذهب البصريين أنها جارة بنفسها. وقال الفراء: تخفض، لنيابتها عن إلى. وربما أظهروا إلى بعدها. قالوا: جاء الخبر حتى إلينا. جمعوا بينهما على تقدير إلغاء أحدهما. ومجرورها إما اسم صريح، نحو " حتى حين "، أو مصدر مؤول من أن والفعل المضارع، نحو
" حتى يقول الرسول "، لأن التقدير: حتى أن يقول.
هذا مذهب البصريين. وزاد ابن مالك، في أقسام مجرورها، أن يكون مصدراً مؤولا من أن وفعل ماض، نحو " حتى عفوا وقالوا ". قال الشيخ أبو حيان: ووهم في هذا، لأن حتى ههنا ابتدائية، وأن غير مضمرة بعدها.
ولمجرورها شرطان: الأول: أن يكون ظاهراً، فلا تجر الضمير هذا مذهب سيبويه، وجمهور البصريين. وأجازه الكوفيون، والمبرد، كقول الشاعر:
فلا، والله، لا يلفي أناس
…
فتى، حتاك، يابن أبي يزيد
وهذا عند البصريين ضرورة.
والثاني: أن يكون آخر جزء، أو ملاقي آخر جزء. فمثال كونه آخر جزء: أكلت السمكة حتى رأسها. ومثال كونه ملاقي آخر جزء: سرت النهار حتى الليل. ولو قلت أكلت السمكة حتى نصفها، أو ثلثها لم يجز. قال الزمخشري: لأن الفعل المتعدي بها الغرض فيه أن ينقضي شيئاً فشيئاً، حتى يأتي عليه.
وقال ابن مالك: هذا لا يلزم. واستدل بقول الشاعر:
عينت ليلة، فما زلت حتى
…
نصفها راجياً، فعدت يؤوسا
قال الشيخ أبو حيان: ولا حجة في هذا البيت، لأنه لم يتقدم حتى
ما يكون ما بعدها جزءاً منه، ولا ملاقياً لآخر جزء منه. فلو صرح، في الجملة، بذكر الليل، فقال فما زلت راجياً وصلها تلك الليلة حتى نصفها كان حجة.
واختلف في المجرور بحتى هل يدخل فيما قبلها أو لا؟ فذهب المبرد، وابن السراج، وأبو علي، وأكثر المتأخرين، إلى أنه داخل. وقال ابن مالك: حتى لانتهاء العمل بمجرورها، أو عنده. يعني أنه يحتمل أن يكون داخلاً فيما قلبها، أو غير داخل، فإذا انتهى الضرب به. ويجوز أن يكون غير مضروب، انتهى الضرب عنده. وذكر أن سيبويه والفراء أشارا إلى ذلك. وحكى عن ثعلب أن حتى للغاية، والغاية تدخل وتخرج. يقال: ضربت القوم حتى زيد فيكون مرة مضروباً، ومرة غير مضروب. وحكى في الإفصاح عن الفراء، والرماني، أنهما قالا: يدخل ما لم يكن
غير جزء، نحو: إنه لينام الليل حتى الصباح. قال: وصرح سيبويه بأن ما بعدها داخل فيما قبلها، ولا بد. لكنه مثل بما هو بعض.
فإن قلت: حتى وإلى كلاهما لانتهاء الغاية، فهل بينهما فرق؟ قلت: بينهما فروق: الأول: أن مجرور إلى يكون ظاهراً وضميراً، بخلاف حتى فإن مجرورها لا يكون ضميراً. الثاني: أن مجرور إلى لا يلزم كونه آخر جزء أو ملاقي آخر جزء. تقول: أكلت السمكة إلى نصفها. بخلاف حتى. الثالث: أن أكثر المحققين على أن إلى لا يدخل ما بعدها فيما قبلها بخلاف حتى.
القسم الثاني: حتى العاطفة، نحو: قدم الحجاج حتى المشاة، ورأيت الحجاج حتى المشاة، ومررت بالحجاج حتى المشاة. فهذه حرف عطف، تشرك في الإعراب والحكم. وقد روى سيبويه، وغيره من أئمة البصريين، والعطف بها. وخالف الكوفيون، فقالوا: حتى ليست بعاطفة. ويعربون ما بعدها، على إضمار عامل.
وللمعطوف بحتى شرطان: الأول: أن يكون بعض ما قبلها، أو كبعضه. فمثال كونه بعضاً: قدم الحجاج حتى المشاة. ومثال كونه كبعض: قدم الصيادون حتى كلابهم. وقد يكون مبايناً، فتقدر بعضيته بالتأويل، كقول الشاعر:
ألقى الصحيفة، كي يخفف رحله
…
والزاد، حتى نعله ألقاها
لأن المعنى: ألقى ما يثقله حتى نعله. ولا يكون إلا واحداً من جمع، نحو: أكلت السمكة حتى رأسها. فلو قلت ضربت الرجلين حتى أفضلهما لم يجزم لأنه ليس جزءاً من أجزاء المعطوف، ولا واحداً من جمع.
قلت: هذا الشرط ذكره النحويون، في باب العطف، ولم أرهم ذكروه في باب الجر، إلا ابن مالك فإنه قال: ومجرورها، يعني حتى، إما بعض لما قبلها، من مفهم جمع إفهاماً صريحاً، أو غير صريح، وإما كبعض. قال: عنيت بالصريح كونه بلفظ موضوع للجمعية، فيدخل في ذلك الجمع الاصطلاحي واللغوي، كرجال وقوم. وعنيت بغير الصريح ما دل على الجمعية، بلفظ غير لها، كقوله تعالى " ليسجننه حتى حين ". فإن مجرور حتى فيه منتهى لأحيان، مفهومة، غير مصرح بذكرها. انتهى ما ذكره. وعندي فيه نظر. فإن المجرور بحتى قد يكون ملاقياً لآخر جزء. نحو: سرت النهار حتى الليل.
الثاني: أ، يكون غاية لما قبلها، في زيادة، أو نقص. والزيادة تشمل القوة والتعظيم. والنقص يشمل الضعف والتحقير. وقد اجتمعت الزيادة والنقص، في قول الشاعر:
قهرناكم، حتى الكماة، فإنكم
…
لتخشوننا، حتى بنينا، الأصاغرا
فإن قلت: ما الفرق بين حتى الجارة وحتى العاطفة؟ قلت: الفرق بينهما من أوجه: الأول: أن العاطفة يدخل ما بعدها في حكم ما قبلها. وأما الجارة فقد يدخل وقد لا يدخل، كما سبق. فالذي بعد العاطفة يكون الانتهاء به. والذي بعد الجارة قد يكون الانتهاء به، وقد يكون الانتهاء عنده.
الثاني: أن العاطفة يلزم أن يكون ما بعدها غاية لما قبلها، في زيادة، أو نقص. وأما الجارة ففيها تفصيل؛ وهو أن مجرورها إن كان بعض ما قبله من مصرح به، وكان منتهى به، فهو كالمعطوف، في اعتبار الزيادة والنقص. وإن كان بعضاً لشيء لم يصرح به، نحو " ليسجننه حتى حين "، أو كان منتهى عنده، لم يعتبر فيه ذلك.