الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال بعضهم: قد حرف إخبار. تكون مع الماضي للتحقيق، ومع المضارع للتوقع تارة، وهو الكثير فيها، وقد تكون معه للتحقيق، وهو قليل. وقد تكون تقليلاً، وهو أيضاً قليل. والإخبار، في جميع ذلك، لا يخالفها. فهو الخاص بها الذي تسمى به.
قلت: وجملة ما ذكره النحويون ل قد خمسة معان: الأول: التوقع. وقد ترد للدلالة على التوقع مع الماضي، والمضارع. وذلك مع المضارع واضح، نحو: قد يخرج زيد. ف قد هنا تدل على أن الخروج متوقع، أي: منتظر. وأما مع الماضي فتدل على أنه كان متوقعاً منتظراً. ولذلك يستعمل في الأشياء المترقبة. وقال الخليل: إن قول القائل قد فعل كلام لقوم ينتظرون الخبر. ومنه قول المؤذن: قد قامت الصلاة، لأن الجماعة منتظرون.
الثاني: التقريب. ولا ترد للدلالة عليه إلا مع الماضي. ولذبك تلزم غالباً مع الماضي، إذا وقع حالاً، نحو " وقد فصل ل
كم
". وإن ورد دون قد فقيل: هي معه مقدرة. وهو مذهب المبرد، والفراء، وقوم من النحويين. وقيل: لا حاجة إلى تقديرها. وهو الأظهر.
وكلام الزنخشري يدل على أن التقريب لا ينفك عن معنى التوقع. وكذلك قال ابن مالك في التسهيل: فتدخل على فعل ماض متوقع، لا يشبه الحرف، لتقريبه من الحال. وقال ابن الخباز: إذا دخل قد على الماضي أثر فيه معنيين: تقريبه من زمن الحال، وجعله خبراً منتظراً. فإذا قلت: قد ركب الأمير، فهو كلام لقوم ينتظرون حديثك. هذا تفسير الخليل.
الثالث: التقليل. وترد للدلالة عليه، مع المضارع. نحو: إن البخيل قد يجود. وقال ابن إياز: يفيد، مع المستقبل، التقليل في وقوعه، أو في متعلقه. فالأول كقولك: قد يفعل زيد كذا، أي: ليس ذلك منه بالكثير. والثاني كقوله تعالى " قد يعلم ما أنتم عليه "، والمعنى، والله عز اسمه أعلم: أقل معلوماته ما أنتم عليه. قلت: والظاهر أن قد في هذه الآية للتحقيق، كما ذكره غيره.
ونازع بعضهم في إفادة قد لمعنى التقليل، فقال: قد تدل على
توقع الفعل، ممن أسند إليه. وتقليل المعنى لم يستفد من قد. بل لو قيل: البخيل يجود، فهم منه التقليل، لأن الحكم، على من شأنه البخل، بالجود إن لم يحمل على صدور ذلك قليلاً كان كلام كذباً، لأن آخره يدفع أوله.
الرابع: التكثير. وهو معنى غريب. وقد ذكره جماعة، من النحويين، وأنشدوا عليه قول الشاعر:
قد أشهد الغارة، الشعواء، تحملني
…
جرداء، معروقة اللحيين، سرحوب
ونحو ذلك من الأبيات الواردة في الافتخار.
قلت: وجعل الزمخشري منه قوله تعالى " قد نرى تقلب وجهك في السماء ". ورام بعضهم استنباط هذا المعنى من كلام سيبويه. فإنه قال: وأما قد فجواب لقوله لما يقعل. ثم قال:
وتكون قد بمنزلة ربما. قال الهذلي:
قد أترك القرن مصفراً أنامله
…
كأن أثوابه مجت، بفرصاد
كأنه قال: ربما. هذا نصه. فتشبيهه ب ربما يدل على أنها للتكثير.
وعكس ذلك بعضهم، فقال: بل تدل على التقليل، لأن ربما للتقليل. وسيأتي تحقيق معنى رب في بابها.
الخامس: التحقيق. وترد، للدلالة عليه، مع الفعلين: الماضي والمضارع. فمع الماضي نحو " قد أفلح المؤمنون ". ومع المضارع نحو " قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون ".
والحاصل أنها تفيد، مع الماضي، أحد ثلاثة معان: التوقع، والتقريب، والتحقيق. ومع المضارع أحد أربعة معان: التوقع، والتقليل، والتحقيق، والتكثير.