الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة
لام الابتداء مستحقة لصدر الكلام. ولذلك علقت أفعال القلوب، وندر زيادتها في الخبر، كقول الراجز: أم الحليس لعجوز، شهربه وأوله بعضهم على إضمار مبتدأ محذوف، تقديره: لهي عجوز. وضعف بأن حذف المبتدأ مناف للتوكيد الذي، جيء باللام لأجله.
تنبيه
من أصناف لام الابتداء لام التوكيد، الواقعة بعد إن المكسورة، خلافاً لمن قال: هي غيرها. والأول مذهب البصريين، قالوا: كان الأصل أن تقدم، وإنما تأخرت لئلا يجتمع حرفان لمعنى واحد، وهو التوكيد.
فإن قلت: فهل كان أصلها أن تكون قبل إن أو بعدها. ولم أخرت هي وتركت إن مقدمة؟ قلت: الجواب عن الأول أن أصلها كما ذكر ابن جني، وغيره، أن تكون قبل إن لوجهين: أحدهما أنها لو قدرت بعد إن تكون قبل إن لوجهين: أحدهما أنها لو قدرت بعد إن لزم الفصل بين إن ومعمولها، بحرف من أدوات الصدر. والثاني أنها جاءت مقدمة على إن لما أبدلوا همزتها هاء، في نحو قول الشاعر:
ألا، يا سنا برق، على قلل الحمى
…
لهنك، من برق، علي كريم
وإنما سهل الجمع بين حرفي التوكيد، في ذلك، تغير لفظ أحدهما. وفي هذا البيت أقوال أخر، ليس هذا موضع ذكرها.
والجواب عن الثاني أنهم بدؤوا ب إن لقوتها، لكونها عاملة. كذا قال الأخفش.
وفائدة هذه اللام توكيد مضمون الجملة. وكذلك إن. وإنما اجتمعا، لقصد المبالغة في التوكيد. وما قيل من أن اللام لتوكيد الخبر، وإن لتوكيد الاسم، فهو منقول عن الكسائي. وفيه تجوز، لأن التوكيد إنما هو للنسبة لا للاسم والخبر، وعن ثعلب وقوم من الكوفيين أن قولك: إن زيداً منطلق، جواب: ما زيد منطلق. وإن زيداً لمنطلق، جواب: ما زيد بمنطلق.
وقال أهل علم المعاني: إذا ألقيت الجملة إلى من هو خالي الذهن استغني عن مؤكدات الحكم. فيقال: زيد ذاهب. ويسمى هذا النوع من الخبر ابتدائياً. وإذا ألقيت إلى طالب لها، متردد في الحكم، حسن تقوية الحكم بمؤكد. وذلك بإدخال إن، نحو: إن زيداً ذاهب. أو اللام، نحو: لزيد ذاهب. ويسمى هذا النوع طلبياً. وإذا ألقيت إلى منكر للحكم وجب توكيدها، بحسب الإنكار. فتقول: إني صادق، لمن ينكر صدقك، ولا يبالغ فيه.
وإني لصادق لمن يبالغ في إنكاره. ويسمى هذا النوع إنكارياً. وعليه قوله تعالى " واضرب لهم مثلا أصحاب القرية، إذا جاءها المرسلون " إلى آخرها.
ويؤيد ذلك جواب أبي العباس، للكندي عن قوله: إني أجد في كلام العرب حشواً: يقولون: عبد الله قائم. ثم يقولون: إن عبد الله قائم. ثم يقولون: إن عبد الله لقائم. والمعنى واحد! فقال: بل المعاني مختلفة؛ فعبد الله قائم: إخبار عن قيامه. وإن عبد الله قائم: جواب عن سؤال سائل. وإن عبد الله لقائم: جواب عن إنكار منكر قيامه.
ولهذه اللام بعد إن أربعة مواضع: الأول: الخبر، بشرطين: أحدهما أن يكون مثبتاً. والثاني ألا يكون ماضياً، متصرفاً، عارياً من قد.
الثاني: الاسم، إذا تأخر، نحو: إن في الدار لزيداً.
الثالث: معمول الخبر، إذا توسط بينه وبين الاسم، نحو: إن زيداً لطعامك آكل. وشرطه أن يكون الخبر صالحاً للام، فلو كان ماضياً متصرفا، نحو: إن زيداً طعامك أكل، لم تدخل اللام على معموله، لأن دخولها عليه فرع دخولها على عامله.
الرابع: الفصل بين الاسم والخبر، نحو " إن هذا لهو القصص الحق ".
ويحكم على هذه اللام بالزيادة، فيما سوى هذه المواضع. ولا تدخل على خبر لكن خلافاً للكوفيين. وأما قول الشاعر: ولكنني، من حبها، لعميد فمتأول.
فإن قلت: قد تقدم أن لام الابتداء لها صدر الكلام، فلا يتقدم معمول ما بعدها عليها. وهذه اللام التي بعد إن يتقدم معمول ما بعدها عليها، كقوله تعالى " إنه على رجعه لقادر "، فهذا دليل على أن هذه غير تلك! قلت: الجواب عن ذلك أن هذه اللام لما تأخرت عن موضعها جاز تقديم المعمول عليها. نظير ذلك الفاء الواقعة جواب أما. وسيأتي بيان ذلك، إن شاء الله تعالى.
القسم الخامس: اللام الفارقة. وهي الواقعة بعد إن المخففة، في نحو " وإن كانت لكبيرة "، فارقة بين إن المذكورة وإن النافية، فإذا قلت: إن زيد لقائم، ف إن مخففة من الثقيلة، واللام بعدها فارقة. هذا مذهب البصريين. وذهب الكوفيون
إلى أن إن نافية، واللام بمعنى إلا.
قال الزمخشري وغيره: هذه اللام لازمة في خبر إن، إذا خففت. قلت: إنما تلزم إذا ألغيت إن ولم يكن في الكلام قرينة. فإن أعملت، نحو: إن زيداً قائم، أو دل دليل على المراد، لم تلزم لعدم الحاجة إليها. ومن ذلك قول الشاعر:
أنا ابن أباة الضيم من آل مالك
…
وإن مالك كانت كرام المعادن
واختلف في هذه اللام الفارقة. فذهب قوم إلى أنها قسم برأسه، غير لام الابتداء. منهم الفارسي. وذهب قوم إلى أنها هي لام الابتداء، الداخلة على خبر إن، لزمت للفرق. وهو مذهب سيبويه، واختاره ابن مالك. واستدل الشلوبين، على أنها لام أخرى، بعمل الفعل قبلها فيما بعدها. وقد بسطت الكلام على هذه المسألة في غير هذا الموضع.
القسم السادس: لام الجواب. وهي ثلاثة أنواع: جواب القسم، وجواب لو، وجواب لولا.
فأما اللام التي هي جواب القسم فتدخل على الجملة الاسمية والفعلية. نحو: والله لزيد قائم، " وتالله لأكيدن أصنامكم "، و " تالله لقد آثرك الله ".
والأكثر في الماضي المتصرف، إذا وقع جواباً، اقترانه ب قد مع اللام. وقد يستغنى عن قد كقول امرىء القيس:
حلفت لها بالله، حلفة فاجر
…
لناموا، فما إن حديث، ولا صالي
وذهب قوم إلى أنه لابد، في ذلك، من قد ظاهرة أو مقدرة. وقال ابن عصفور: إن كان الفعل قريباً من زمان الحال أدخلت عليه اللام وقد، لأن قد تقربه من الحال. وإن كان بعيداً منه أتيت باللام وحدها. ومنه قوله لناموا.
ولا إشكال في أن لام القسم مغايرة للام الابتداء. وقول صاحب رصف المباني وإذا تأملت هذه اللام فهي لام الابتداء، ولام التوطئة غير صحيح.
وأما اللام التي هي جواب لو وجواب لولا فيأتي ذكرها مع: لو، ولولا.
القسم السابع: اللام الموطئة. وهي الداخلة على أداة الشرط، في نحو: والله لئن أكرمتني لأكرمنك. فإن كان القسم مذكوراً لم تلزم. وإن كان محذوفاً غالباً، نحو " لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ". وقد تحذف، والقسم محذوف، نحو " وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن "، " وإن لم تغفر لنا، وترحمنا، لنكونن ". وقيل: هي منوية في نحو ذلك.
وإنما سميت هذه اللام موطئة، لأنها وطأت للجواب. وتسمى أيضاً: المؤذنة. وقولهم: إنها موطئة للقسم، فيه تجوز. وإنما هي موطئة لجواب القسم.
وأكثر ما تكون مع إن الشرطية، كما تقدم. وقد تدخل على غيرها، من أدوات الشرط. ومن ذلك قراءة غير حمزة " لما آتيتكم، من كتاب، وحكمة "، وقول الشاعر:
لمتى صلحت ليقضين لك صالح
…
ولتجزين، إذا جزيت، جميلا
وذكر ابن جني في سر الصناعة أن إذ قد شبهت ب إن فأدخلت عليها اللام الموطئة، في قول الشاعر:
غضبت علي، لأن شربت بجزة
…
فلإذ غضبت لأشربن بخروف
وقد يجاء ب لئن بعد ما يغني عن الجواب، فيحكم بزيادة اللام. كقول عمر بن أبي ربيعة:
ألمم بزينب، إن البين قد أفدا
…
قل الثواء، لئن كان الرحيل غدا
القسم الثامن: لام التعريف، عند من جعل حرف التعريف أحادياً. وهم المتأخرون، ونسبوه إلى سيبويه. وذهب الخليل إلى أن حرف التعريف ثتائي، وهمزته همزة قطع، وصلت لكثرة الاستعمال. وهو مذهب ابن كيسان. وكان الخليل يسميه أل. ولا يقول: الألف واللام. واختار هذا القول ابن مالك. ونقل ابن مالك عن سيبويه أن حرف التعريف عنده ثنائي، ولكن همزته همزة وصل، معتد بها في الوضع، كما يعتد بهمزة استمع ونحوه، فيقال: هو خماسي. قلت: وهو صريح كلام سيبويه، لأنه عد حرف التعريف في الحروف