الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يفرط فيه، أو على بضاعة لا يتنزه عن الغش فيها، فإذا فقد الشخص حياءه، وفقد أمانته أصبح وحشًا كاسرًا ينطلق معربدًا وراء شهواته، ويدوس في سبيلها أزكى العواطف؛ فهو يغتال أموال الفقراء غير شاعر نحوهم برقة، وينظر إلى آلام المنكوبين، والمستضعفين فلا يهتز فؤاده بشفقة إن أثرته الجامحة، وضعت على عينيه غشاوة مظلمة، فهو لا يعرف إلا ما يغويه ويعريه بالمزيد، ويوم يبلغ امرؤ هذا الحضيض، فقد أفلت من قيود الدين وانخلع من ربقة الإسلام.
وللحياء مواضع يستحب فيها فالحياء في الكلام يتطلب من المسلم أن يطهر فمه من الفحش، وأن ينزه لسانه عن العيب وأن يخجل من ذكر العورات فإن من سوء الأدب أن تفلت الألفاظ البذيئة من المرء غير عابئ بمواقعها وآثارها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحياء من الإيمان والإيمان من الجنة والبذاء من الجفاء والجفاء في النار.
ومن الحياء في الكلام: أن يقتصد المسلم في تحدثه بالمجالس؛ فإن بعض الناس لا يستحيون من امتلاك ناصية الحديث في المحافل الجامعة فيملئون الأفئدة بالضجر من طول ما يتحدثون، وقد كره الإسلام هذا الصنف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((من تعلم صرف الكلام ليستبي به قلوب الرجال لم يقبل الله منه يوم القيامة صرفًا ولا عدلًا)).
من آثار الإيمان: ترك أذى المسلمين، وهجرة الذنوب
ومن آثار الإيمان في الأمة أو في حياة الأمة أن المؤمن والمسلم سلم للمسلمين يسلم المسلمون من لسانه ويده، فلا يقع منه إلا ما يفيد من حوله، وما ينفع إخوانه، فيده عفيفة عن الإساءة لأحد، وكذلك لسانه عف طاهر فلا هو بالبذيء، ولا الشتام، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا المتفحش كما أنه يهجر، ويترك كل ما نهى الله عنه.
روى الإمام البخاري بسنده عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هاجر ما نهى الله عنه)) يقول الشيخ الدكتور موسى شاهين لاشين في شرح هذا الحديث: يعتمد صرح الإسلام ومجتمعه الكامل على قاعدتين قاعدة إيجابية، وهي فعل الخير من إفشاء السلام، وإطعام الطعام، وكل عمل بناء.
والقاعدة السلبية -أي: قاعدة الترك، والكف هذه القاعدة الثانية هي المقدمة يعني قاعدة الكف والترك، وهي الأهم؛ لأن التخلية مقدمة على التحلية من هنا اهتم الشرع بتهذيب أبنائه، وإبعادهم عن المساوئ والرذائل، وإيذاء بعضهم بعضًا؛ فجعل المسلم الحق هو الذي يسلم الناس من لسانه ويده، وبقية جوارحه.
المراد بالمسلم في الحديث المسلم والمسلمة فالتعبير بالمسلم للتغليب والنساء شقائق الرجال يسري عليهن حكمهم إلا ما خص بنص من الشرع الحكيم، من سلم المسلمون فيه جناس الاشتقاق وهو أن يرجع اللفظان في الاشتقاق إلى أصل واحد.
والتعبير أيضًا بلفظ المسلمون من قبيل التغليب أيضًا والمسلمات من لسانه ويده أراد من اليد ما هو أعم من العضو المعروف فيراد بقية الأعضاء كما يراد اليد المعنوية كالاستيلاء على حق الغير بغير حق، فالمراد من سلم المسلمون من شره مطلقًا والمهاجر أي الهاجر فالمفاعلة ليست من الجانبين كلفظ المسافر وقيل إن من هجر شيئًا؛ فقد هجره ذلك الشيء وإن كان جامدًا وهي هجرة بالقوة وبغير إرادة.
فقه الحديث: من علامة المسلم التي يستدل بها على حسن إسلامه سلامة المسلمين من شره وأذاه، بل إحسان المعاملة مطلوب مع غير المسلمين بل مع غير
الإنسان من الطير والحيوان، فذكر المسلمين في الحديث خرج مخرج الغالب؛ لأن محافظة المسلم على كف الأذى عن أخيه المسلم أشد تأكيدًا، ولأن الكفار بصدد أن يقاتلوا، وإن كان فيهم من يجب الكف عنه، ولأن الأغلب أن سبب الإذاية المخالطة، وغالب ما يخالطهم المسلم عادة هم المسلمون؛ فنَبَّهَ على التحرز من إيذائهم التي قربت أسبابها، وخص اللسان، واليد بالذكر من بين سائر الجوارح؛ لأن اللسان هو المعبر عما في النفس واليد هي التي بها البطش والقطع والوصل، والأخذ، والمنع، والإعطاء، وقدم اللسان على اليد؛ لأن إيذاءه أكثر وقوعًا من إيذائها، وأسهل مباشرة، وأشد نكاية منها، ولهذا قال الشاعر:
جراحاتُ السنانِ بها التئامُ
…
ولا يلتامُ ما جرح اللسانُ
ثم إيذاء اللسان يعم، ويلحق عددًا أكثر مما يلحقه إيذاء اليد، فقد يؤذي البعيد والقريب، والحاضر والغائب، والميت والحي، وأسرة، أو قبيلة، أو دولة بلفظ واحد بخلاف اليد؛ فذكر اللسان واليد مع غلبة مباشرتهما الأذى كالعنوان لكل ما يباشر الأذى من الأعضاء حتى القلب فإنه منهي عن الحسد والحقد والبغض والغيبة وإضمار الشر ونحو ذلك ولا يدخل في إيذاء المسلم إقامة الحدود؛ إذ هي إصلاح لا إيذاء وكل مأذون فيه شرعًا مهما آلم ليس من قبيل الإيذاء المحرم.
ويؤخذ من هذا الحديث: الحث على ترك أذى المسلمين بكل ما يؤذي وجماع ذلك حسن الخلق وهو درجات أعلاها درجة الأبرار، وهم الذين لا يؤذون الذر ولا يضمرون الشر، وفي الحديث رد على المرجئة الذين يقولون: لا يضر مع الإيمان معصية، كما أن في الحديث الدعوة إلى العفو والصفح وترك المؤاخذة أولى من المطالبة والمعاقبة قال تعالى:{وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} (الشورى: 43).