الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الحادي عشر
(تابع: كيف يتقي المسلم الفتن)
التورع عن الشبهات، وأكل الطيب من الحلال، والتحذير من أكل الحرام
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين:
فكل لحم نبت من حرام فالنار أولى به، ويتفرع عنه أيضًا، فضل الورع والزهد، ومن يترك شيئًا لله تعالى.
يتفرع عنه أيضًا: ما يحتقره الإنسان من الكلام والصمت، وحفظ اللسان، يتفرَّع عنه أيضًا: العُزلة والتوكل على الله، ويتفرع عنه أيضًا: الخوف والرجاء، وساعة وساعة، وذكر الموت، وما جاء في الحزن، كما يتفرع من هذه العناصر الخشية من الله، وأن يقشعر جسد العبد من خشيته لله، وأيضًا البراءة من النفاق. من تخلق بهذه الأخلاق التي ذكرتها؛ نجا من الفتن، ولقد جاء تحت كل عنصر من هذه العناصر أحاديث أوردها الإمام الحافظ الهيثمي في كتابه (مجمع الزوائد ومنبع الفوائد).
وإليكم بعض هذه الأحاديث كما رواه الإمام الهيثمي تحت كل عنوان من العناوين السابقة.
قال: باب: "في من نبت لحمه من الحرام": عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يدخل الجنة جسد غُذِّي بحرام)) رواه أبو يعلى، والبزار، والطبراني في (الأوسط)، ورجال أبي يعلى ثقات، وفي بعضهم خلاف. وعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت، النار أولى به)) رواه الطبراني في (الأوسط) لرواية أيوب بن سويد عن الثوري، وهي مستقيمة، وإبراهيم بن خلف الرملي لم أعرفه وبقيّة رجاله رجال الصحيح.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يدخل الجنة لحم نبت من سُحت)) رواه الطبراني، وفيه حسين بن قيس وهو متروك، إلا أن الأحاديث السابقة في هذا الموضوع كافية في هذا الباب.
ثم قال: "باب التورّع عن الشبهات" عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((اجعلوا بينكم وبين الحرام سُترة من الحلال)) فذكر الحديث، رواه الطبراني في حديث طويل، ورجاله رجال الصحيح غير شيخ الطبراني المقدم ابن داود، وقد وُثِّق على ضعف فيه.
وعن عمار بن ياسر، أنّ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال:((إن الحلال بيِّن والحرام بيِّن وبينهما شبهات، من توقاهنَّ كنَّ وقاء لدينه، ومن وقع فيهنَّ يوشك أن يواقع الكبائر، كالمرتع حول الحمى يوشك أن يواقعه لكل ملك حمى)) رواه أبو يعلى، وفيه موسى بن عبيدة، وهو متروك. وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((الحلال بيِّن والحرام بيِّن، وبين ذلك شبهات، فمن أوقع بهنَّ فهو قمنَ -أي: خليق وجدير- أن يأثم، ومن اجتنبهنَّ فهو أوفر لدينه كمرتعٍ إلى جنب حمى، وحمى الله الحرام)) رواه الطبراني، وفيه سابق الجزري، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات.
وعن وائلة بن الأسقع قال: ((تراءيتُ للنبي صلى الله عليه وسلم بمسجد الخيف، فقال لي أصحابه: يا وائلة -أي: تنحى عن وجه النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم فإنما جاء يسأل قال: فدنوت فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله لتفتنا بأمر نأخذ به عنك من بعدك، قال: لتُفتك نفسك، قال: قلت: وكيف لي بذلك، قال: دعْ ما يريبك إلى ما لا يريبك، وإن أفتاك المفتون، قلت: وكيف لي بعلم ذلك؟ قال: تضع يدك على فؤادك، فإن القلب يسكن للحلال ولا يسكن للحرام، وإن المسلم الورع يدع الصغير؛ مخافة أن يقع في الكبير. قلت: بأبي أنت ما المصيبة؟ قال: الذي يعينه قومه على الظلم، قلت: ما الحريص؟ قال: الذي يطلب المكسبة من غير حلّها، قلت: فمن الوَرِع؟ قال: الذي يقف عند الشبهة. قلت: فمن المؤمن؟
قال: من أمنه الناس على أموالهم ودمائهم. قلت: فمن المسلم؟ قال: من سلم المسلمون من لسانه ويده. قلت: فأيُّ الجهاد أفضل. قال: كلمة حقٍّ عند إمام جائر)) رواه أبو يعلى والطبراني.
وعن وائلة قال: ((قلت: يا نبي الله، نبئني. قال: إن شئت أنبأتك بما جئت تسأل عنه، وإن شئت فسل. قال: بل أنبئني يا رسول الله؛ فإنه أطيب لنفسي. قال: جئت تسأل عن اليقين والشك، قلت: هو ذاك، قال: فإن اليقين ما استقر في الصدر واطمأنَّ إليه القلب، وإن أفتاك المفتون، دعْ ما يريبك إلى ما لا يريبك، وإذا شككت فدَعْ)) فذكر نحوه رواه الطبراني، وفيه إسماعيل بن عبد الله الكندي، وهو ضعيف.
وعن وابصة بن معبد الأسدي قال: ((جئتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا لا أريد أن أدع من البر والإثم شيئًا إلا سألته عنه، فأتيته وهو في عصابة من المسلمين حوله، فجعلت أتخطَّاهم لأدنو منه، فانتهرني بعضهم، فقال: إليك يا وابصة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أي: ابتعد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إني أحبُّ أن أدنو منه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دَعُوا وابصة، ادن مني يا وابصة، فأدناني حيث كنت بين يديه، فقال: أتسألني، أم أخبرك، فقلت: لا، بل تخبرني، فقال: جئت تسأل عن البر والإثم، قلت: نعم. فجمع أنامله، فجعل ينكث بهنَّ في صدري، فقال: البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس، وتردَّد، وإن أفتاك المفتون وأفتوك)) رواه الطبراني، وأحمد باختصار عنه، ورجال أحد إسنادي الطبراني ثقات.
وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: ((قال رجل ما الإثم يا رسول الله؟ قال: ما حاك في صدرك فدعه، قال: فما الإيمان؟ قال: من ساءته سيئته وسرَّته حسنته فهو
مؤمن)) رواه الطبراني وأحمد باختصار عنه، ورجال الطبراني رجال الصحيح.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((دعْ ما يريبك إلى ما لا يريبك))، ثم ذكر بعد ذلك بابًا آخر، فقال عن رافع بن خُديج قال: دخلت يومًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندهم قِدر تفور لحمه، فعجبتني شحمة فأخذتها فأردتها، فاشتكيت عليها سنة، ثم إني ذكرته لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:((لو كان فيها نفس سبعة أناسي، ثم مسح بطني، فألقيتها خضراء، والذي بعثه بالحق ما اشتكيت حتى الساعة)) رواه الطبراني، وفيه أبو أمية الأنصاري، ولم أعرفه وبقية رجاله وُثِّقوا.
ثم قال: "باب فيمن أكل طيبًا حلالًا":
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((والذي نفسي بيده إن مثل المؤمن كمثل النحلة أكلت طيبًا، ووضعت طيبًا، ووقعت فلم تكسر ولم تفسد)) رواه أحمد في حديث طويل تقدم، ورجاله رجال الصحيح غير أبي سبرة، وقد وثَّقه ابن حبان.
وعن أبي رزين العقيلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مثل المؤمن مثل النحلة لا تأكل إلا طيبًا، ولا تضع إلا طيبًا)) رواه الطبراني في (الأوسط)، وفيه حجاج بن نصير، وقد وُثِّق على ضعفه وبقية رجاله ثقات قلت: وقد تقدَّم حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لسعد بن أبي وقاص: ((أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة))، وعن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((أربعٌ إذا كنَّ فيه فلا عليك ما فاتك من الدنيا: حفظ أمانة، وصدق حديث، وحسن خليقة، وعفّة في طُعمة)) رواه أحمد والطبراني وإسنادهما حسن.