الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولقد جاء من الأحاديث النبوية الكثير والكثير في الدعوة إلى الوفاء بالعهد، وأن ذلك الخلق الجميل من أخلاق الشرائع كلها من هذه الأحاديث قال صلى الله عليه وسلم:((اضمنوا لي ستًّا من أنفسكم أضمن لكم الجنة، اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدوا إذا اؤتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم)) رواه أحمد، وابن حبان، والحاكم، والبيهقي عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه وأرضاه.
حفظ السر
إن حفظ السر نوع من الوفاء بالعهد؛ فمن عهد لك بشيء أو أسر لك شيئًا فقد أودعك سره، وسار بينك وبينه عهد يجب أن تحفظه، قال تعالى:{وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} (الإسراء: 34) ولقد ذكر الإمام النووي بابًا في حفظ السر في كتابه القيم (رياض الصالحين) وأتبعه بباب في الوفاء بالعهد يحسن بنا أن نذكر هنا ما ذكره -رحمه الله تعالى- قال النووي: باب حفظ السر، قال الله تعالى:{وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} . (الإسراء: 34) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن من أشر الناس منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى المرأة، وتفضي إليه، ثم ينشر سرها)) رواه مسلم في صحيحه.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "أن عمر رضي الله عنه حين تأيمت بنته حفصة، يعني: سارت أرملة، قال: لقيتُ عثمان بن عفان رضي الله عنه فعرضت عليه حفصة فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر قال: سأنظر في أمري، فلبثت ليالي ثم لقيني، فقال: قد بدا لي ألا أتزوج يومي هذا، فلقيت أبا بكر الصديق رضي الله عنه فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر؛ فَصَمَتَ أبو بكر رضي الله عنه فلم يرجع إلي شيئًا فقلت عليه أوجد مني على عثمان، يعني: كره منهما هذا الأمر فلبثت
ليالي، ثم خطبها النبي صلى الله عليه وسلم فأنكحتها إياه فلقيني أبو بكر، فقال: لعلك وجدت علي حين عرضت علي حفصة، فلم أرجع إليك شيئًا فقلت: نعم، قال: فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت علي إلا أني كنت علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكرها فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو تركها النبي صلى الله عليه وسلم لقبلتها" رواه البخاري.
ومعنى تأيمت، أي: سارت بلا زوج، وكان زوجها توفي رضي الله عنه وعن عائشة رضي الله عنها قالت:((كنا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عنده فأقبلت فاطمة رضي الله عنها تمشي ما تخطئ مشيتها من مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا فلم رآها رحب بها وقال: مرحبًا بابنتي ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله ثم سارها فبكت بكاء شديدًا فلم رأى جزعها سارها الثانية فضحكت فقلت لها خصك رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين نسائه بالسرار -يعني: بالأسرار- ثم أنت تبكين، فلم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم سألتها ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: ما كنت أفشي على رسول الله صلى الله عليه وسلم سرًّا، فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: عزمت عليك بما لي عليك من الحق لما حدثتني، ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم أما الآن فنعم -لأن الرسول صلى الله عليه وسلم توفي، وأصبح الأمر لا يكون سرًّا- أما حين سارني في المرة الأولى؛ فأخبرني أن جبريل كان يعارضه القرآن في كل سنة مرة أو مرتين وأنه عارضه الآن مرتين، وإني لا أرى الأجل إلا قد اقترب؛ فاتقي الله واصبري فإنه نعم السلف أنا لك فبكيت بكائي الذي رأيت، ولما رأى جزعي سارني الثانية وقال: يا فاطمة، أما ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين، أو سيدة نساء هذه الأمة؟ فضحكت ضحكي الذي رأيت)). متفق عليه وهذا لفظ مسلم.
وعن ثابت عن أنس رضي الله عنه قال: ((أتى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ألعب مع الغلمان، فسلم علينا، فبعثني في حاجة فأبطأت على أمي، فلما جئت قالت: ما حبسك؟ فقلت: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجة قالت: ما حاجته قلت: إنها سر -
نعم الغلمان، ونعم التربية تربية غلمان الصحابة هذا غلام يقول لأمه: إنها سر- قالت: لا تخبرن بسر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدًا قال أنس: والله لو حدثت به أحدًا لحدثتك به يا ثابت)) رواه مسلم، وروى البخاري بعضه مختصرًا.
ثم قال النووي باب الوفاء بالعهد وإنجاز الوعد: قال الله تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} وقال تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} (النحل: 91) وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} (المائدة: 1) وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} (الصف: 2، 3).
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((آية المنافق ثلاث إذا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذا وَعَدَ أَخْلَفَ، وإذا اؤتمن خان، زاد مسلم: ((وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم)).
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر)).
هذا وبالله التوفيق والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.