الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس السابع
(علامات الساعة الصغرى - علامات الساعة الكبرى)
من علامات الساعة الصغرى
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين:
علامات الساعة الكبرى:
إن للساعة علامات صغرى وعلامات كبرى وقبل الحديث عن العلامات الكبرى نتحدث باختصار عن العلامات الصغرى: إن علامات الساعة الصغرى كثيرة، وظهر منها الكثير والكثير. وفي حديث جبريل عليه السلام السابق ذكر فيه علامتان.
العلامة الأولى: أن تلد الأمة ربها أو ربتها، العلامة الثانية: أن يتطاول الحفاة البهم رعاء الشاء في البنيان. والإمام العلامة ابن رجب الحنبلي تحدث عن هاتين العلامتين في كتابه القيم (جامع العلوم والحِكَم) عندما شرح حديث جبريل الذي يعرف بأم السنة. يقول ابن رجب -رحمه الله تعالى-: فقول جبريل عليه السلام: ((أخبرني عن الساعة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما المسئول عنها بأعلم من السائل)) يعني: أن علم الخلق كلهم في وقت الساعة سواء، وهذا إشارة إلى أن الله تعالى وحده استأثر بعلمها.
ولهذا في حديث أبي هريرة قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((في خمس لا يعلمهن إلا الله تعالى، ثم تلا: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ})) (لقمان: 34) وقال الله عز وجل: {يَسْأَلُونَكَ عَنْ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَاّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَاّ بَغْتَةً} (الأعراف: 187).
وفي (صحيح البخاري) عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مفاتيح الغيب خمسٌ لا يعلمها إلا الله، ثم قرأ هذه الآية: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَة})) الآية. وخرجه الإمام أحمد. ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أوتيت مفاتيح كل شيء إلا
الخمس: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} )) الآية. وخرج أيضًا بإسناده عن ابن مسعود قال: أوتي نبيكم صلى الله عليه وسلم مفاتيح كل شيء غير خمس: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} الآية.
قوله: ((فأخبرني عن أماراتها)) يعني: عن علاماتها التي تدل على اقترابها وفي حديث أبي هريرة: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سأحدثك عن أشراطها)) وهي علامات أيضًا، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم للساعة علامتين الأولى ((أن تلد الأمة ربتها)) والمراد بـ ((ربتها)) سيدتها ومالكتها. وفي حديث أبي هريرة ((ربها))، وهذا إشارة إلى فتح البلاد وكثرة جلب الرقيق حتى تكثر السراري، ويكثر أولادهن؛ فتكون الأمُّ رقيقةً لسيدها وأولاده منها بمنزلته؛ فإن ولد السيد بمنزلة السيد؛ فيصيرُ ولَدَ الأمَةِ بمنزلةِ رَبها وسيدها.
وذكر الخطابي: أنه استدلَّ بِذَلِكَ من يقول: إن أم الولد إنما تعتق على ولدها من نصيبه من ميراث والده، وإنها تنتقل إلى أولادها بالميراث، فتعتق عليهم، وإنها قبل موت سيدها تُبَاع، قال: وفي هذا الاستدلال نظر، قلت: أي ابن حجر: قد استدل به بعضهم على عكس ذلك، وعلى أن أم الولد لا تباع، وأنها تعتق بموت سيدها بكل حال؛ لأنه جعل ولد الأمة ربها، فكأن ولدها هو الذي أعتقها فصار عتقها منسوبًا إليه؛ لأنه سبب عتقها فصار كأنه مولاها، وهذا كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم:((أنه قال في أم ولده مارية لما ولدت إبراهيم عليه السلام أعتقها ولدها))، وقد استدل بهذا الإمام أحمد؛ فإنه قال في رواية محمد بن الحكم عنه:"تلد الأمة ربتها، تكثر أمهات الأولاد"، يقول: إذا ولدت فقد عتقت لولدها، وقال: فيه حجة أن أمهات الأولاد لا يبعن.
وقد فسر قوله: ((تلد الأمة ربتها)) بأنه يكثر جلب الرقيق حتى تجلب البنتُ فتعتق، ثم تجلب الأم فتشتريها البنت وتستخدمها جاهلة بأنها أمها وقد وقع هذا
في الإسلام. وقيل: معناه أن الإماء يلدن الملوك. وقال وكيع معناه: تلد العجم العرب، والعرب ملوك العجم، وأرباب لهم.
والعلامة الثانية ((أن ترى الحفاة العراة العالة)) والمراد بالعالة الفقراء كقوله تعالى: {وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى} (الضحى: 8). وقوله: ((رعاء الشاء يتطاولون في البنيان)) هكذا في حديث عمر، ووالمراد: أن أسفل الناس يصيرون رؤساءهم، وتكثر أموالهُم حتى يتباهُونَ بطولِ البنيانِ، وزخرفته وإتقانه، وفي حديث أبي هريرة ذكر ثلاث علامات، منها أن تكون الحفاة العراة رءوس الناس، ومنها:((أن يتطاول رعاءُ البُهْمِ في البنيان)). وروى هذا الحديث عبد الله بن عطاء عن عبد الله بن بريدة. فقال فيه: "وأن ترى الصم البكم العمي الحفاة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان ملوك الناس".
قال: فقام الرجل فانطلق، فقلنا: يا رسول الله من هؤلاء الذين نعت؟ قال: ((هم العريب)) وكذا روى هذه اللفظة الأخيرة علي بن زيد، عن يحيى بن معمر، عن ابن عمر. وأما الألفاظ الأول، فهي في الصحيح من حديث أبي هريرة بمعناها.
وقوله صلى الله عليه وسلم: ((الصم البكم العمي)) إشارة إلى جهلهم وعدم علمهم، وفهمهم. وفي هذا المعنى أحاديث كثيرة، ومتعددة، فخرج الإمام أحمد والترمذي من حديث حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس بالدنيا لكع بن لكع)) وفي (صحيح ابن حبان) عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تنقضي الدنيا حتى تكون عندَ لكعِ ابن لكع)).
وخرج الطبراني من حديث أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تقومُ الساعةُ حتى يغلب على الدنيا لُكَعٌ ابن لُكَع)) وخرَّجَ الإمام أحمد، والطبراني من
حديث أنسٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((بين يديْ الساعة سنون خدَّاعة، يُتَّهَمُ فيها الأمين، ويؤتمن فيها المتهم، وينطق فيها الرويبضة، قالوا: وما الرويبضة يا رسول الله؟ قال: السفيه ينطقُ في أمرِ العامة)) وفي رواية: ((الفاسق يتكلم في أمر العامة)) وفي رواية للإمام أحمد: ((إن بين يدي الدجال سنين خداعة، يُصَدَّقُ فيها الكاذبُ، ويكَذَّبُ فِيهَا الصادق، ويخَوُّنُ فيها الأمينُ ويؤتمَنُ فيهَا الخائن)) وذكر باقي الحديث.
ومضمون ما ذكر من أشراط الساعة في هذا الحديث يرجع إلى أن الأمور توسد إلى غير أهلها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن الساعة:((إذا وُسِّدَ الأمرُ إلى غير أهلِهِ؛ فانتظر الساعة)) فإنَّهُ إذا صار الحفاة العراة رعاء الشاء، وهم أهلُ الجهلِ، والجفاء رؤوس الناس، وأصحاب الثروة، والأموال حتى يتطاولوا في البنيان، فإنه يفسد بذلك نظامُ الدين والدنيا، فإنه إذا رأس الناس من كان فقيرًا عائلًا، فصار ملكًا على الناس سواء كان ملكه عامًّا أو خاصًّا في بعض الأشياء، فإنه لا يكاد يعطي الناس حقوقهم، بل يستأثر عليهم بما استولى عليه من المال.
فقد قال بعض السلف: لأن تمد يدك إلى فم التنين فيقضمها خيرٌ لك من أن تمدها إلى يد غنيٍّ قد عَالَجَ الفقْرَ، وإذا كان مع هذا جاهلًا جافيًا فسد بذلك الدين؛ لأنه لا يكون له همة في إصلاح دين الناس، ولا تعليمهم بل همته في جبايةِ المَالِ واكتنازه، ولا يبالي بما فسد من دين الناس، ولا بمن ضاع من أهل حاجاتهم.
وفي حديث آخر: ((لا تقوم الساعة حتى يسود كل قبيلة منافقوها))، وإذا صار ملوك الناس ورؤوسهم على هذه الحال انعكست سائر الأحوال فصدق الكاذب، وكذب الصادق، واؤتمن الخائن، وخون الأمين، وتكلم الجاهل، وسكتَ العَالِمُ، أو عدم بالكلية، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
((إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويظهر الجهل)) وأخبر أنه يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالمٌ اتخذ الناس رؤوسًا جُهَّالًا فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا.
وقال الشعبي: لا تقومُ الساعة حتى يصير العلمُ جهلًا والجهل علمًا، وهذا كله من انقلاب الحقائق، في آخر الزمان وانعكاس الأمور، وفي صحيح الحاكم عن عبد الله بن عمرو مرفوعًا:((إن من أشراط الساعة أن يوضع الأخيار، ويرفعَ الأشرار)) وفي قوله صلى الله عليه وسلم: ((يتطاولُونَ في البنيان)) دليل على ذمِّ التباهي والتفاخر؛ خصوصًا بالتطاول في البنيان، ولم يكن إطالةُ البناء معروفًا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بل كان بنيانهم قصيرًا بقدر الحاجة.
وروى أبو الزناد عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تقوم الساعة حتى يتطاول الناس في البنيان)) خرجه البخاري، وخرج أبو داود من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه:((أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج فرأى قبةً مشرفةً، فقال: ما هذه؟ قالوا: هذه لفلان رجل من الأنصار، فجاء صاحبُها، فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعرض عنه، فعل ذلك مرارًا، فهدمها الرجل)) وخرجه الطبراني من وجه آخر عن أنس أيضًا وعنده. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((كل بناء، وأشار بيده هكذا على رأسه أكثر من هذا فهو وبال)).
وقال حريث بن السائب عن الحسن: "كنت أدخل بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه فأتناول سقفها بيدي". وروي عن عمر أنه كتب: "لا تطيلوا بناءكم؛ فإنه شر أيامكم" وقال يزيد بن أبي زياد: قال حذيفة لسلمان -يعني: سلمان الفارسي رضي الله عنهم جميعًا- ألا نبني لك مسكنًا يا أبا عبد الله؟ قال: لم لتجعلني ملكًا؟ قال: لا، ولكن نبني لك بيتًا من قصب، ونسقفه بالبواري إذا
قمت كاد أن يصيب رأسك، وإذا نمت كاد أن يمس طرفيك، قال: كأنك كنت في نفسي.
وعن عمار بن أبي عمار، قال:"إذا رفع الرجل بناءه فوق سبعة أذرع، نودي يا أفسق الفاسقين إلى أين" خرجه كله ابن أبي الدنيا. وقال يعقوب بن شيبة في مسنده: بلغني عن ابن عائشة، حدثنا ابن أبي شميلة، قال: نزل المسلمون حول المسجد، يعني: بالبصرة في أخبية الشعر ففشا فيهم السَّرَق، يعني: السرقة، فكتبوا إلى عمر، فأذن لهم في اليراع، فبنوا بالقصب، ففشا فيهم الحريق، فكتبوا إلى عمر، فأذن لهم في المدر، يعني: يبنوا بالطين، ونهى أن يرفع الرجل سُمْكَهُ أكثرَ من سبعة أذرع. وقال:"إذا بنيتُم منه بيوتكم، فابنوا منه المسجد".
قال ابن عائشة: وكان عتبة بن غزوان بنى مسجد البصرة بالقصب، قال: من صلى فيه وهو من قصب أفضل ممن صلى فيه وهو من لبن، ومن صلى فيه وهو من لبن خير ممن صلى فيه، وهو من آجر، يعني: من حجارة، وخرج ابن ماجه من حديث أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد)).
ومن حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أراكم ستشرفون مساجدكم بعدي كما شرفت اليهود بِيَعَهَا، وكما شرفت النصارى كنائسها)) أي: جعلتها عالية وروى ابن أبي الدنيا بإسناده عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن رضي الله عنه قال: لما بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد قال: ((ابنوه عريشًا كعريش موسى)) قيل للحسن: وما عريش موسى؟ قال: إذا رفع يده بلغ العريش" يعني: السقف.
ولقد جاءت بعض العلامات الصغرى في حديثٍ آخر للإمام البخاري -رحمه الله تعالى- إذ روى حديثًا ذكر فيه: أن من علامات الساعة أن يُرفع العلم وأن ينتشر