الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والحديث يحث على هجر الفسق والعصيان، وفيه أيضًا: أن عدم الإيذاء علامة ظاهرة من علامات المسلم، وليس معنى ذلك أن من سلم المسلمون من لسانه ويده يكون كامل الإسلام، وإن قصر في الواجبات الأخرى؛ فظهور علامة قد تكون غير معبرة عن باطن حقيقي لا تثبت بها الحقيقة الكاملة، نعم من لم يسلم المسلمون من أذاه لا يكون مسلمًا كامل الإسلام، وإن كان مسلمًا في الجملة.
ما كتبه الشيخ سيد سابق رحمه الله تحت عنوان "ثمار الإيمان
"
ولقد كتب الشيخ سيد سابق -رحمه الله تعالى- كلامًا طيبًا مفيدًا تحت عنوان "ثمار الإيمان" في كتابه القيم (العقائد الإسلامية) من ص74 إلى 78 يحسن بنا أن أقرأها عليكم، يقول تحت عنوان "ثمار الإيمان":
وإذا عرف الإنسان ربه من طريق العقل والقلب؛ أثمرت له هذه المعرفة ثمارًا يانعة وتركت في نفسه آثارًا طيبة ووجهت سلوكه وجهة الخير والحق والسمو والجمال وهذه الثمار نجمل بعضها في ما يلي:
1 -
تحرر النفس من سيطرة الغير؛ وذلك أن الإيمان يقتضي الإقرار بأن الله هو المحيي المميت الخافض الرافع الضار النافع، قال تعالى:{قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلَاّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِي السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَاّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (الأعراف: 188) إن الذي عوق البشرية عن النهوض حال بينها وبين الرقي والخضوع للاستبداد سواء أكان هذا الاستبداد استبدادًا سياسيًّا للحكام، والرؤساء أم استبدادًا كهنوتيًّا لرجال الدين والكهنوت، وبتقرير الإسلام لهذه الحقيقة قضى على هذا الأسر، وأطلق حرية الإنسان من سيطرة هؤلاء المستبدين التي لازمته قرونًا طويلة.
2 -
والإيمان يبعث في النفس احتقار الموت، والرغبة في الاستشهاد من أجل الحق إن الإيمان يوحي بأن واهب العمر هو الله وأنه لا ينقص بالإقدام ولا يزيد بالإحجام فكم من إنسان يموت، وهو على فراشه الوثير وكم من إنسان ينجو وهو يخوض غمرات المعارك والحروب، قال تعالى:{وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَاّ بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا} (آل عمران: 145).
وقال تعالى: {وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنْ الأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنْ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور} (آل عمران: 154) وقال تعالى: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمْ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} (النساء: 78).
الثمرة الثالثة من ثمار الإيمان يقول: والإيمان يقتضي الاعتقاد بأن الله هو الرزاق، وأن الرزق لا يسوقه حرص حريص، ولا يرده كراهية كاره، قال تعالى:{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَاّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} (هود: 6) وقال تعالى: {وَكَأَيِّن مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (العنكبوت: 60).
وقال تعالى: {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (العنكبوت: 62)، وإذا سيطرت هذه العقيدة على النفس تخلص الإنسان من رذيلة البخل والحرص، والشره والطمع، واتصف بفضيلة الجود والبذل، والعطاء، والأنفة، والعفة، وكان إنسانًا مأمول الخير، مأمونَ الشر.
والطمأنينة أيضًا أثر من آثار الإيمان: طمأنينة القلب، وسكينة النفس قال تعالى:{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (الرعد: 28) وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} (الفتح: 4).
وإذا اطمأن القلب، وسكنت النفس شعر الإنسان ببرد الراحة وحلاوة اليقين، ودخل الأهوال بشجاعة، وثبت إزاء الخطوب مهما اشتدت، ورأى أن يد الله ممدودة إليه، وأنه القادر على فتح الأبواب المغلقة، فلا يتسرب إليه الجزع، ولا يعرف اليأس إلى قلبه سبيلا قال تعالى:{اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمْ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنْ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (البقرة: 257).
والإيمان يرفع من قوى الإنسان المعنوية ويربطه بمثل أعلى وهو الله مصدر الخير والبر والكمال وبهذا يسمو الإنسان عن الماديات ويرتفع عن الشهوات ويستكبر على لذائذ الدنيا ويرى أن الخير والسعادة في النزاهة والشرف وتحقيق القيم الصالحة ومن ثم يتجه المرء اتجاهًا تلقائيًا لخير نفسه ولخير أمته ولخير الناس جميعًا وهذا هو السر في اقتران العمل الصالح بجميع شعبه وفروعه بالإيمان إذ أنه الأصل الذي تصدر عنه وتتفرع منه، قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ} (يونس: 9) وقال تعالى: {وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (الحج: 54) وقال تعالى: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} (التغابن: 11).
وإذا اهتدى القلب فأي شيء من الخير يفوته، والحياة الطيبة يعجل الله بها للمؤمنين في الدنيا قبل الآخرة وتتمثل هذه الحياة في ولاية الله للمؤمن وهدايته
له، ونصره على أعدائه وحفظه مما يبيت له وأخذه بيده كل ما عثر أو زلت به قدم؛ فضلًا عما يفيضه عليه من متاع مادي يكون عونًا له على قطع مرحلة الحياة في يسر، قال تعالى:{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (النحل: 97).
وقال تعالى: {وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ} (النحل: 30) وقال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا} (النور: 55) وقال تعالى: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} (غافر: 51) وقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} (الأعراف: 96) وقال تعالى: {فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَاّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} (يونس: 98).
وقد انتهى العالم إلى هذه الحقائق الإيمانية، ولا يتسع المجال لإثبات شهادات كبار العلماء، وتسجيل ما شاهدوه، ونكتفي هنا بتسجيل ما نشر بجريدة الجمهورية يوم السبت 29/ 11/ 1962 قالت الصحيفة تحت عنوان العلماء يلجئون إلى الدين لعلاج مرضى الأمراض العقلية، عزاء وسلوان لأولئك الذين تشبثوا بدينهم، ولم يتزعزع إيمانهم في أحلك لحظات المدنية وأنصعها -أقصد تلك اللحظات التي يتشدق فيها دعاة النظريات العتيدة، وفي مقدمتها نظرية النشوء والارتقاء لدارون، ويتشدقون فيها بأن الدين بدعة، وبأن الإنسان يقف وحده في هذا الكون كما زعم "جوليان هكسلي" جد الكاتب الفيلسوف البريطاني الكبير "الدوسي هكسلي".
إن علماء الأمراض العقلية لا يجدون اليوم سلاحًا أمضى، وأبعد فاعلية لعلاج مرضاهم من الدين والإيمان بالله، والتطلع إلى رحمة السماء والتشبث بالرعاية الإلهية، والالتجاء إلى قوة الخالق الهائلة، عندما يتضح عجز كل قوةٍ سواه، لقد بدأت التجربة في مستشفى بولاية نيويورك، وهو مستشفى خاص بمرتكبي الجرائم من المصابين بالأمراض العقلية، بدأت التجربة بإدخال الدين كوسيلة جديدة للعلاج بجانب الصدمات الكهربائية لخلايا المخ، والعقاقير المسكنة، والمهدئة للأعصاب؛ فكانت النتيجة رائعة.
إن أولئك الذين تعذر شفاؤهم، بل فقدوا الأمل فيه انتقلوا من عالم المجانين إلى عالم العقلاء، أولئك الذين ارتكبوا أفظع الجرائم، وهم مسلوبو الإرادة، باتوا يسيطرون على إرادتهم، وتفكيرهم، وتصرفاتهم ويذرفون الدمع ندمًا، وكلهم أمل في رحمة السماء، ومغفرة الله، واستسلم العلماء، ورفعوا أيديهم إلى السماء يعترفون بضعهم، ويعلنون للدنيا.
أن العلم يدعو إلى الإيمان، وليس أبدًا يدعو إلى الإلحاد.
هذا وبالله التوفيق، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.