الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفائدة الرابعة: حب الدنيا رأس كل خطيئة، وعلى المسلم أن يحذر منها قال تعالى:{إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} (لقمان: 33).
الفائدة الخامسة التحذير من فتنة النساء، وأنها فتنة شديد يجب البعد عنها والاحتراز منها ولهذا نبه عليها بعد الدنيا لشدة الافتتان بسببها.
كيف يخلص العبد نيته لله تعالى
؟
أما كيف يخلص العبد نيته لله تعالى؛ فإن ذلك الإخلاص يتحقق بأمور لابد أن يتخَلَّقَ بها العبد، وأن يلتزم بها الإنسان، هي أمور كثيرة أهمها:
أولًا: مراقبة الله تعالى في السر والعلن، والشعور بأن الله مطلع على أعمال العبد كلها سرها وجهرها، كبيرها وصغيرها، ولابد أن يشعر العبد بأن الله مراقب له مراقبةً تتعلق بكل أفعاله وأقواله؛ إذا خلا في مكان وحده يشعر بأن الله وحده ومطلع عليه، عندما يصل الإنسان إلى هذه المراقبة، وهذا الشعور حينئذ يعمل لله وحده ولا يهمه سواه، قال تعالى عن هذه المراقبة منه لكل خلقه ليبين لعباده مدى علمه بكل أمورهم قال:{اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ * عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ * سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ * لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَال} (الرعد: 8: 11)، وقال تعالى في سورة طه: {طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلَاّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى * تَنزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ الْعُلا * الرَّحْمَنُ عَلَى
الْعَرْشِ اسْتَوَى * لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى * وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} (طه: 1: 7). وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَاّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَاّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَاّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (المجادلة: 7)، وقال تعالى في سورة الأعلى:{سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى * وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى * فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى * سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنسَى * إِلَاّ مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى} (الأعلى: 1: 7).
وها هو الحديث النبوي الشريف يعلن عن هذه المراقبة، ويطالب المسلم أن يراقب ربه في كل وقت، وفي كل مكان عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالِقِ الناسَ بخلق حسن)) رواه أحمد والترمذي والحاكم والبيهقي. قال ذلك السيوطي في كتابه (الجامع الصغير) الجزء الأول ص8، وروى الطبراني وأبو نعيم في (الحلية) عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((أفضل الإيمان أن تعلم أن الله شاهدك أو أن الله معك حيثما كنت)) رواه السيوطي في (الجامع الصغير) في الجزء الأول ص49 وقال عنه: ضعيف إلا أن له الشاهد السابق. وهو قوله عليه الصلاة والسلام: ((اتق الله حيثما كنت)) الحديث.
وحديث سؤال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام والإيمان والإحسان والساعة وعلاماتها. هذا الحديث يعرف بأنه أم السنة في إجابة النبي صلى الله عليه وسلم لسيدنا جبريل عن سؤاله عن الإحسان أعلن صلى الله عليه وسلم عن هذه المراقبة المطلوبة، وهي الشعور بأن الله مع الإنسان، وأنه مطلع عليه وأنه يراه في أي مكان كأن العبد يرى الله تعالى، فإن لم يكن العبد يرى الحق؛ فإن الحقَّ يرى العبد قال عليه الصلاة والسلام:((لما سأله جبريل ما الإحسان يا محمد؟ قال له عليه الصلاة والسلام: أن تعبد الله كأنك تراه؛ فإن لم تكن تراه؛ فإنه يراك)) رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
ثانيًا: على العبد أن يعلم بعد أن يوقين يقينًا لا يعتريه أدنى شك بأن الله مطلع عليه، عليه أن يعلم أن لله ملائكة كرامًا يكتبون ما يفعل، وما يقول وأن هذا الذي يكتب عليه سيظهر سجلًا يوم القيامة، ويكلف العبد بأن يقرأه بنفسه، قال تعالى:{وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} (الانفطار: 10: 12)، وفي سورة ق بين الحق سبحانه وتعالى أن العبد يكتب عليه كل شيء حتى القول كل ما يتلفظ به قال تعالى:{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَاّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} (ق: 16: 18).
وبينت سورة الإسراء أن الإنسان تكتب عليه أعماله في كتاب سيقرؤه بنفسه قارئًا أو غير قارئ سيقرؤه يوم القيامة ليكون هو أول الشاهدين على نفسه بما فعله في الدنيا قال تعالى: {وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} (الإسراء: 13، 14).
ثالثًا: وبعد أن يعلم العبد بعلم الله بعمله، وتسجيله عليه عليه أن يوقن بأن الله تعالى سيحاسبه، وسيجازيه على عمله سيجازيه بالإحسان إحسانًا وبالإساءة سوءًا، وأنه بعد الحساب، إما الجنة، وإما النار، قال تعالى:{إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} (الانفطار: 13، 14).
وقال تعالى: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * كَلَاّ إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَاّ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ * كَلَاّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * كَلَاّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ
يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ * ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ * ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ * كَلَاّ إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ * إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ * يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسْ الْمُتَنَافِسُونَ * وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ} (المطففين: 1: 28).
وقال صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده لتموتن كما تنامون ولتبعثن كما تستيقظون، وإنها لجنة أبدًا، أو لنار أبدًا)) فإذا علم العبد أنه محاسب، وأنه مجازى على أعماله التي اطلع الله عليها، وسطرتها عليه الملائكة الكرام إذا أيقن من ذلك عمل لله وحده، وتخلص من الرياء والسمعة، وصار عمله خالصًا لله تعالى، خاصة عندما يتحلى بالصدق مع الله تعالى، وعدم الرياء.
من هنا كان الأمر الرابع البعد كل البعد عن الرياء والسمعة، وأن يعمل العبد لله وحده، وأن يعتقد اعتقادًا جازمًا يقينيًّا لا شائبة فيه؛ بأن الله تعالى لا يقبل إلا ما كان خالصًا لوجهه الكريم، ويعلم بأن قليل الرياء شرك فيحذره، ويبتعد عنه، ولقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرًا من الرياء، وبيَّنَ صلى الله عليه وسلم أنه مبطلٌ للأعمال. قال صلى الله عليه وسلم:((قليل الرياء شرك)) هذه الأمور التي ذكرتها هي أهم ما يجعل العبد مخلصًا لله تعالى فإذا تحقق العبد، وتخلق بهذه الأمور أخلص لله قوله وعمله؛ فإذا علم العبد أن الله مطلع عليه، ومراقب له، وأن كل عمل يعمله، أو يقوله مسطر عليه، وأن ذلك المكتوب سيحضره الله له يوم القيامة، ويقرؤه بنفسه، ثم يجازيه على هذه الأعمال إن خيرًا فخيرًا، وإن شرًّا فشرًّا؛ وأدت هذه الأمور إلى ترك الرياء الذي يبطل الأعمال، وأخلص العبد لله تعالى في كل أموره، وكان صادقًا مع الله تعالى.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.