الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجهل، وأن يُشْرَب الخمر، وأن يظهر الزنا -والعياذ بالله- وأن يقل الرجال، وأن تكثر النساء حتى يكون للرجل الواحد خمسون امرأة، وذلك بكثرة الحروب، والهرج، والقتل للرجال؛ وأيضًا بسبب كثرة ولادة الإناث عن ولادة الصبيان.
وأما رفع العلم: فقد جاءت كيفيته في حديث آخر للبخاري بين فيه صلى الله عليه وسلم "أن الله يقبض العلم بقبض العلماء؛ فإذا مات العلماء تولى أمور الناس رؤساءُ جهالٌ يسئلون؛ فيفتون بغير علم فيضلون ويضلون". فموت العلماء بكثرة، وعدم وجود من يخلفهم في رتبتهم علامة من علامات الساعة، وقد مر هذا الحديث سابقًا.
رفع العلم، وثبوت الجهل، وشرب الخمر، وظهور الزنا، وقلة الرجال وكثرة النساء
قال البخاري رحمه الله حدثنا عمران بن ميسرة، قال: حدثنا عبد الوارث، عن أبي التيَّاح، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن من أشراط الساعة أن يُرْفَعَ العلم، ويثبت الجهل، ويشرب الخمر، ويظهر الزنا)).
الرواية الأخرى لهذا الحديث: البخاري بسنده عن أنس قال: لأحدثنكم حديثًا لا يحدثكُم أحدٌ بعدي، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:((من أشراطِ الساعة أن يَقِلَّ العلمُ، ويظهر الجهلُ، ويظهر الزنا، وتكثر النساءُ، ويقل الرجال حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد)) تخريج الحديث: هذا الحديث أخرجه البُخاري في كتاب العلم، وفي كتاب المحاربين، وفي كتاب الفتن، وأخرجه الإمام أحمد بن حنبل في المجلد الثالث ص98، 151، 176، وأخرجه الإمام الترمذي في كتاب الفتن، في باب: ما جاء في أشراط الساعة. الرواية الثانية: رواها البخاري في كتاب النكاح ورواها في كتاب المحاربين، ورواها في كتاب الأشربة،
ورواها الإمام مسلم في كتاب العلم في باب رفع العلم. ورواها الترمذي أيضًا في كتاب الفتن، في باب: ما جاء في أشراط الساعة.
والمعنى العام لهذا الحديث: بين لنا صلى الله عليه وسلم شيئًا من أشراط الساعة؛ فإن الساعة غيبٌ لا يعلمها إلا الله ولكن من علاماتها أن يرفع العلم، أي: يذهب العلماء ويقضون نحبهم؛ فإن العلم لا يقبض انتزاعًا، وإنما يكون بموت العلماء. وما دامَ ذهب العلماء إلى مصيرهم المحتوم، فلا بد أن ينتشر الجهل، وأن يثبت، ويصبح الجهلُ له أركان، ويسير الناسُ وراء الجهلة فيفتونهم بما يعرفون، وما لا يعرفون؛ فينتشر الضلال في الأرض، فتستباح الحرمات بفتاوى ضالة من الجهال الذين يثبت أمرهُم، ويمكن لهم في الأرض والصدارة، وإذا بشرب الخمر يكثر وينتشر ويفشو؛ فإن الخمر كانت موجودة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولكن المراد منها في آخر الزمان عندما تكون علامة من علامات الساعة كثرتها عن المعتاد، وتسمى بغير اسمها تمويهًا، وتضليلًا من الشيطان وحزبه. وأيضًا يظهر الزنا أي ينتشر ويكثر عما كان عليه في عهده صلى الله عليه وسلم ثم زادت الرواية الثانية علامة وأنقصت علامة؛ فلم تذكر انتشار الخمر وزادت، وأن يكثر النساء، ويَقِلَّ الرجالُ حتى يكون للرجل الواحد خمسينَ امرأة يتولى شئونهن.
توضيح الحديث: في قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن من أشراط الساعة أن يرفع ويثبت الجهل، ويشرب الخمر، ويظهر الزنا)).
((أشراط الساعة)) أي علاماتها يرفع العلم أي: يرفع بموت حملته، وقبض نقلته لا بمحوه من الصدور يثبت الجهل عند مسلم يبث الجهل، وهو الظهور، والفشو والانتشار، يُشرب الخمر يكثر شرب الخمر، كما ورد مصرحًا به في طريق أخرى فحمل المطلق على المقيد؛ لأن سياق الحديث في الإخبار عن أشياء
لم تكن معهودة عند المقالة؛ فإذا ذكر عليه الصلاة والسلام شيئًا موجودًا في زمانه، وجعله علامة كان حمله على أن المراد أن يتصف ذلك بصفة زائدة على ما كان موجودًا كالكثرة، والفشو.
((وأن يظهر الزنا)) أي: يفشو الزنا بالقصر لغة أهل الحجاز يعني يقال الزنا في لغة، والزناء بالمد؛ ففي كلمة الزنا لغتين تأتي بالبدء الزناء، وتأتي بالقصر. فيقال: الزنا وهي لغة أهل الحجاز، وبها جاء القرآن الكريم والمد لغة نجد فوجود كل واحد من الأربعة علامة لوقوع الساعة. وقيل: مجموعها هو العلامة، وحينئذ يصح أن يراد بقوله صلى الله عليه وسلم:((ويُشرب الخمر)) أن شربه مطلقًا من الأشراط؛ لأن ذلك جزء علة لا علة مستقلة فقوله في الرواية الأخرى: ((ويكثر شرب الخمر)) لا يستلزم نفي كون مطلق الشرب من أشراطها أيضًا لكن مع غيره وهو الكثرة.
وقوله في الرواية الثانية: ((لا يحدثكم أحد بعدي)) جاء في رواية أخرى ((لا يحدثكم غيري)) حمل على أنه قاله لأهل البصرة وقد كان هو آخر من مات بها من الصحابة اللي هو سيدنا أنس قوله: "يقل" الرجال من القلة، وفي الرواية الأولى ((يقل العلم)) وفي الرواية الأخرى ((يرفع العلم)) لا تنافي بينهما؛ لأن المراد بالقلة العدم، أو أن ذلك باعتبار زمانين، مبدأ الأشراط وانتهاؤها فما هنا باعتبار المبدأ، وما تقدم باعتبار الانتهاء.
قوله: ((وتكثر النساء ويقل الرجال)) إشارة إلى كثرة القتل بسبب الفتن وقيل: إشارة إلى كثرة الفتوح؛ فتكثر السبايا، فيتخذ الرجل الواحد عدة موطوءات. وقيل: إشارة إلى أنه يكثر في آخر الزمان ولادة الإناث، ويقل ولادة الذكور، وبقلة الرجال مع كثرة الإناث يظهر الجهل والزنا، ويرفع العلم لأن النساء حبائل الشيطان. القيم هو من يقوم بأمر من تكفل به، والمراد به هنا من يقوم على النساء.
قال القرطبي: يُحتمل أن يُراد بالقيم من يقوم عليهن سواء كن موطوءات أم لا ويحتمل أن يكون ذلك في الزمان الذي لا يبقى فيه من يقول: الله الله، فيتزوج الواحد بغير حق؛ جهلًا بالحكم الشرعي، وعرف القيم يعني أضاف كلمة الـ للقيم؛ فصارت القيم بالتعريف عرفها إشعارًا بما هو معهود من كون الرجال قوامين على النساء، وهل المراد بقوله:((خمسين امرأة)) حقيقة العدد، أو المجاز عن الكثرة يؤيد الثاني هو المجاز عن الكثرة يعني، ليس المراد العدد فالعدد غير مقصود، يؤيد ذلك ما في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه الذي يقول فيه:((ويُرَى الرجلُ الواحدُ يتبعه أربعون امرأة)).
وخصت هذه الأمور الخمسة بالذكر؛ لأن تحققها مشعر باختلال الضروريات الخمس الواجب رعايتها في جميع الأديان وهي رعاية النفس ورعاية الدين ورعاية المال ورعاية العرض ورعاية العقل؛ إذ بحفظها صلاح المعاش والمعاد هذه الأشياء الخمسة كما قلت الدين والعقل والنفس والنسب يعني العرض والمال، فرفع العلم مخل بحفظ الدين، وشرب الخمر مخل بالعقل وبالمال أيضًا، وقلة الرجال بسبب القتل في الفتن مخل بالنفس وظهور الزنا مخل بالعرض وبالنسب، وكذلك مخل بالمال هذا الحديث الذي كنا بصدده يؤخذ منه:
1 -
أن الساعة لا يعلمها إلا الله تعالى.
2 -
أن للساعة علامات كثيرة منها رفع العلم. أي: ذهابه بموت العلماء. ومنها: أن ينتشر الجهل وأن يسود الجهلة فيفتوا الناس بغير علم فيضلونهم.
أن يكثر شرب الخمر، وينتشر أن يفشوا الزنا، وينتشر أيضًا.
ومن الرواية الثانية نأخذ من علامات الساعة أيضًا كثرة النساء، وقلة الرجال.
أهم ما يؤخذ من هذا الحديث: أن على الإنسان أن يجاهد نفسه وأن يستعد للساعة؛ فإنها تأتي بغتة وأخفيت حتى يجتهد الناس في العبادة ولقد سأل رجل
رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابي جليل قال: يا رسول الله، متى الساعة؟ قال له صلى الله عليه وسلم:((وماذا أعددت لها)) فالمراد أن يستعد الإنسان للساعة.
أما قبض العلماء: فهو قبض للعلم، وهو من علامات الساعة، جاء ذلك أيضًا في حديث صحيح رواه الإمام البخاري بسندِهِ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: "سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يُبْقِ عالمًا؛ اتخذ الناس رؤوسًا جهالًا؛ فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا))، هذا الحديث أخرجه الإمام البخاري في أكثر من موضع في صحيحه وأخرجه أيضًا الإمام مسلم في صحيحه وأخرجه أيضًا الإمام الترمذي وأخرجه الإمام ابن ماجه وأخرجه الإمام الدارمي في (سننه) وأخرجه الإمام أحمد بن حنبل.
الصحابي الجليل الذي روى هذا الحديث هو سيدنا عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال أبو هريرة: ما أجد أحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر حديثًا مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو بن العاص؛ فإنه كان يكتب ولا أكتب، أسلم قبل أبيه، وكان صوامًا قوامًا حتى نهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن المواظبة في قيام الليل، وصيام النهار، وأمره بقراءة القرآن في كل ثلاث، وكان يقول في كبره يا ليتني كنت قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم مات في سنة 65 هجرية بالشام رضي الله عنه وأرضاه.
المعنى العام لهذا الحديث:
هذا الحديث مبين لجزء من الحديث السابق؛ فقد بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق بعضًا من أشراط الساعة، أي من علاماتها التي تشير إلى قربها، وذكر أول شيء من تلك العلامات: أن يرفع العلم. أما كيف يرفع العلم فلم نعرفه في
الحديث السابق، فجاء هذا الحديث مبينًا وموضحًا لنا كيفية رفع العلم، فبين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله سبحانه وتعالى لا يقبض العلم، أي: يرفعه انتزاعًا ينزعه من صدور الرجال، أي: يمحوه من صدورهم، ولكن ارتفاع العلم وقبضه إنما يكون بقبض العلماء، أي: بموتهم فكلما مات عالم لم يظهر أو لم يخلفه في علمه عالم آخر، وهكذا حتى ينتهي العلماء وينتهي معهم علمهم ويقبر معهم، حتى إذا لم يبقِ الله تعالى عالمًا إذا بالناس يذهبون إلى الجهال فيولونهم أمور دينهم وتكون لهم الفتوى، فيفتون بما لا يعلمون، ويقلدونهم أعلى المناصب، وتكون لهم الكلمة، فإذا سئلوا أفتوا بغير علم.
وقوله صلى الله عليه وسلم ((اتخذ الناس رؤساء جهالا)) يشير إلى أن الجهل أصبح سمة الناس، فالكل في جهل مطبق، وبجهلم يولون جهالا اعتقادًا منهم بأن لهم علم، وأنهم يصلحون للإفتاء ولأمور الدين في دينهم ودنياهم، وإذا بهؤلاء الجهال بجهلم أيضًا يسارعون فيقبلون ويفتون ويسئلون، ولجهلم لا يتحرجون ولا يتورعون عن الإفتاء، فإذا صار الأمر كذلك وفعل الجهال ذلك؛ فأفتوا بغير علم، وأفتوا برأيهم غير مستندين إلى كتاب أو سنة، وإنما هي آراؤهم الباطلة يحملون الناس عليها؛ وعندئذ يكون وعندئذ يكونون قد ضلوا في أنفسهم وأضلوا غيرهم.
هذا الحديث فيه أمور تحتاج إلى توضيح: قول الراوي رضي الله عنه: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول"؛ "يقول" جملة حالية، أي: حال كونه. يقول عند الإمام أحمد والطبراني من حديث أبي أمامة في حجة الوداع، فبينت رواية الإمام أحمد، ورواية الإمام الطبراني أن هذا الحديث قيل في حجة فبينت تاريخه، ومن هنا الزيادات في الحديث تأتي بالفوائد.
قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء)) انتزاعًا بالنصب مفعول مطلق بقبض العلماء، أي: بموت
حملته، وعبر بالمظهر في قوله: بقبض العلم في موضع المضمر؛ لزيادة تعظيم العلم كقوله تعالى: {اللهُ الصَّمَدُ} (الإخلاص:2) بعد قوله: {اللهُ أَحَدٌ} ((حتى إذا لم يبقِ عالمًا اتخذ الناس رؤساء جهالًا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا)) لم يُبقِ بضم الياء من الإبقاء أي: لم يبقِ الله تعالى أحدًا من العلماء، عالمًا بالنصب على المفعولية، وفي رواية "يبقى" بفتح الياء، وعالِمٌ بالرفع على الفاعلية، أي: ولمسلم في روايته في حديثه "حتى إذا لم يترك عالمًا".
"رؤساء" جمع رئيس، "جهالًا" منصوب صفة لرؤساء، "فأفتوا بغير علم"، وفي رواية:((فيفتون برأيهم)) فضلوا من الضلال، أي: أنفسهم، وأضلوا من الإضلال، أي: أضلوا السائلين.
شبهة وردها: إن قيل: الواقع بعد حتى هنا جملة شرطية؛ فكيف وقعت غاية، أجيب بأن الغاية في الحقيقة ما ينسبك من الجواب مرتبًا على فعل الشرط والتقدير، والتقدير، أي: ولكن يقبض العلم بقبض العلماء إلى أن يتخذ الناس رؤساء جهالًا وقت انقراض أهل العلم.
يؤخذ من هذا الحديث:
أن موت العلماء أمرٌ خطيرٌ يجب أن يتنبه له المسلمون خاصة إذا لم يتركوا وراءهم من يخلفهم في علمهم فإنه من علامات الساعة.
الشيء الثاني: أن تولي الجهال أمور الناس شيء خطير ونذير باقتراب الساعة. الشيء
الثالث: إنه من الخطأ أن تقبل فتاوى الجهلاء، فإنهم ضالين ومضلين.
4 -
إذا لم يكن المرء محيطًا علمًا بالمسألة التي سئل فيها لا يقدم على الإفتاء فيها، فيفتي بغير علم، فيصير من الجهال الذين إذا سئلوا أفتوا بغير علم فيضلون ويضلون.