الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس التاسع
(الفتن وتحذير النبي صلى الله عليه وسلم من الوقوع فيها)
الفتن: تعريفها، والمراد منها
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين:
يُراد بالفتن الاختبار والامتحان من الله سبحانه وتعالى لخلقه، ويُراد بالفتن أيضًا ما يقع في آخر الزمان من هرج ومرج وحروب وتطاحن بين الناس، وقد يُراد بالفتن أيضًا تحوُّل الناس عن الدين. كل هذه المعاني ذكرها الإمام ابن الأثير في كتابه العظيم (النهاية في غريب الحديث والأثر).
قال ابن الأثير تحت مادة فتن: "في حديث قيلة "المسلم أخو المسلم يتعاونان على الفُتَّان"، ويروى على الفَتَّان بضم الفاء وفتحها، فالضم جمع فاتن، أي: يعاون أحدهما الآخر على الذين يُضلّون الناس عن الحق ويفتنونهم، وبالفتح الفتان هو الشيطان؛ لأنه يفتن الناس عن الدين، وفتان من أبنية المبالغة في الفتنة، ومنه الحديث:((أفتَّان أنت يا معاذ))، وفي حديث الكسوف:((وإنكم تُفتنون في القبور)) يريد مسألة منكر ونكير، من الفتنة الامتحان والاختبار، وقد كثرت استعاذته صلى الله عليه وسلم من فتنة القبر، وفتنة الدجال، وفتنة المحيا والممات، وغير ذلك.
ومنه الحديث: ((فبي تفتنون، وعني تُسألون)) أي: تمتحنون بي في قبوركم، ويُتعرف إيمانكم بنبوَّتي، ومنه حديث الحسن:{إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} (البروج: 10) قال: فتنوهم بالنار أي: امتحنوهم وعذَّبوهم بالنار، ومنه الحديث ((المؤمن خُلِق مفتنًا)) أي: ممتحنًا، يمتحنه الله بالذنب ثم يتوب، ثم يعود، ثم يتوب، يقال: فتنته أفتنه فتنًا وفتونًا إذا امتحنته، ويقال فيها: افتتنته أيضًا، وهو قليل. وقد كَثُر استعمالها فيما أخرجه الاختبار للمكروه، ثم كثُر استعمل بمعنى الإثم والكفر، والقتال، والإحراق، والإزالة، والصرف عن الشيء.
وفي حديث عمر رضي الله عنه أنه سمع رجلًا يتعوَّذ من الفتن فقال: أتسأل ربك ألا يرزقك أهلًا ولا مالًا، تأوَّل قول الله تعالى:{أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} (الأنفال: 28) ولم يرد فتن القتال والاختلاف.
وإليك ما جاء بنصِّه في (فتح الباري بشرح صحيح البخاري) لابن حجر العسقلاني حول كلمة الفتن، تحت عنوان كتاب الفتن، يقول ابن حجر: "بسم الله الرحمن الرحيم، كتاب الفتن في رواية كريمة، والأصيلي تأخير البسملة، والفتن جمع فتنة، قال الراغب: أصل الفتن إدخال الذهب في النار لتظهر جودته من رداءته، ويُستعمل في إدخال الإنسان على العذاب كقوله تعالى:{ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ} (الذاريات: 14)، وعلى ما يحصل عند العذاب كقوله تعالى:{أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا} (التوبة: 49)، وعلى الاختبار كقوله تعالى:{وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا} (طه: 40)، وفيما يُدفع إليه الإنسان من شدَّة ورخاء، وفي الشدة أظهر وأكثر استعمالًا قال تعالى:{وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} (الأنبياء: 35)، ومنه قوله:{وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ} (الإسراء: 73) أي: يوقعونك ويصرفونك عن العمل بما أوحي إليك.
وقال أيضًا: الفتنة تكون من الأفعال الصادرة من الله، والمصيبة، والقتل، والعذاب، والمعصية، وغيرها من المكروهات أيضًا تُسمى فتن، فإن كانت من الله فهي على وجه الامتحان، وإن كانت من الإنسان بغير أمر الله فهي مذمومة، فقد ذمَّ الله الإنسان بإيقاع الفتنة كقوله تعالى:{وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} (البقرة: 191)، وقوله:{إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} (البروج: 10)، وقوله تعالى:{مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ} (الصافات: 162)، وقوله:{بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ} (القلم: 6)، وكقوله:{وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ} (المائدة: 49) ".