المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌العدل، ونماذج من عدل النبي صلى الله عليه وسلم - الحديث الموضوعي - جامعة المدينة

[جامعة المدينة العالمية]

فهرس الكتاب

- ‌الدرس: 1 الحديث الموضوعي - إخلاص النية لله تعالى في سائر الأعمال

- ‌تعريف الحديث الموضوعي، وبيان فوائده

- ‌إخلاص النية لله تعالى في سائر الأعمال

- ‌الدرس: 2 تابع: إخلاص النية لله تعالى في سائر الأعمال

- ‌تتمة الحديث عن إخلاص النية لله تعالى في سائر الأعمال

- ‌كيف يخلص العبد نيته لله تعالى

- ‌الدرس: 3 تعريف الإيمان، وبيان متعلقاته

- ‌تعريف الإيمان، وبيان أنه قول وعمل

- ‌متعلقات الإيمان "الإيمان بالله وملائكته

- ‌الدرس: 4 تابع: تعريف الإيمان، وبيان متعلقاته

- ‌تتمة الحديث عن الإيمان بالملائكة

- ‌من متعلقات الإيمان: الإيمان بالكتب السماوية، والإيمان بالرسل

- ‌الدرس: 5 أثر الإيمان في حياة الأمة

- ‌من آثار الإيمان: ترابط المسلمين وتآخيهم، وصيانة الأعراض، والحياء

- ‌من آثار الإيمان: ترك أذى المسلمين، وهجرة الذنوب

- ‌ما كتبه الشيخ سيد سابق رحمه الله تحت عنوان "ثمار الإيمان

- ‌الدرس: 6 علامات الساعة، وحكم الإيمان بها

- ‌علامات الساعة في حديث جبريل عليه السلام

- ‌حكم الإيمان بعلامات الساعة

- ‌الدرس: 7 علامات الساعة الصغرى - علامات الساعة الكبرى

- ‌من علامات الساعة الصغرى

- ‌رفع العلم، وثبوت الجهل، وشرب الخمر، وظهور الزنا، وقلة الرجال وكثرة النساء

- ‌علامات الساعة الكبرى

- ‌الدرس: 8 تابع: علامات الساعة الكبرى

- ‌طلوع الشمس من المغرب، وخروج الدابة، وظهور المهدي

- ‌العلامات الكبرى

- ‌خروج المسيح الدجال، وما يتبعه من علامات

- ‌الدرس: 9 الفتن وتحذير النبي صلى الله عليه وسلم من الوقوع فيها

- ‌الفتن: تعريفها، والمراد منها

- ‌تحذير النبي صلى الله عليه وسلم من الوقوع في الفتن

- ‌الدرس: 10 كيف يتقي المسلم الفتن

- ‌المراد بالتقوى في كيفية اتقاء المسلم للفتن

- ‌كيف يتقي المسلم الفتن

- ‌الدرس: 11 تابع: كيف يتقي المسلم الفتن

- ‌التورع عن الشبهات، وأكل الطيب من الحلال، والتحذير من أكل الحرام

- ‌فضل الورع والزهد، وما جاء في الشهرة، وباب الصمت وحفظ اللسان

- ‌الدرس: 12 الآداب والأخلاق الإسلامية

- ‌تعريف: الآداب، والأخلاق

- ‌دعوة الإسلام إلى الأخلاق الكريمة الفاضلة

- ‌الدرس: 13 الحياء من الإيمان

- ‌نماذج من الآداب والأخلاق الإسلامية

- ‌الحياء من الإيمان

- ‌الدرس: 14 الوفاء بالعهد، وحفظ السر

- ‌(الوفاء بالعهد

- ‌حفظ السر

- ‌الدرس: 15 الأمانة

- ‌الأمانة: تعريفها، والنصوص التي وردت فيها

- ‌المجالات التي تراعى فيها الأمانة

- ‌الدرس: 16 تابع: الأمانة - العدل

- ‌تتمة الحديث عن الأمانة

- ‌العدل، ونماذج من عدل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الدرس: 17 الدعوة إلى الصدق، والتحذير من الكذب

- ‌تعريف الصدق، والدعوة إليه

- ‌تعريف الكذب، والتحذير منه

- ‌الدرس: 18 أدب الحديث في الإسلام، ولين الكلام واختيار الألفاظ

- ‌(أدب الحديث في الإسلام

- ‌لين الكلام واختيار الألفاظ

- ‌الدرس: 19 الدعوة إلى التواضع، والتحذير من الكبر

- ‌(الدعوة إلى التواضع

- ‌التحذير من الكبر

- ‌الدرس: 20 بر الوالدين، وصلة الرحم

- ‌(بر الوالدين

- ‌صلة الرحم

- ‌الدرس: 21 حق المسلم على المسلم، وجزاء من قام بهذه الحقوق

- ‌(حق المسلم على المسلم

- ‌جزاء من قام بهذه الحقوق

الفصل: ‌العدل، ونماذج من عدل النبي صلى الله عليه وسلم

يفرط في حقها؛ قال الله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} (الأحزاب: 72) والظلم والجهل آفتان عرضتا للفطرة الأولى وعني الإنسان بجهادهما فلن يخلص له إيمان إلا إذا نقاه من الظلم؛ قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ} (الأنعام: 82) ولن تخلص له تقوى إلا إذا نقاها من الجهالة؛ قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (فاطر: 28) ولذلك بعد أن تقرأ الآية التي حملت الإنسان الأمانة تجد أن الذين غلبهم الظلم والجهل خانوا ونافقوا وأشركوا فحق عليهم العقاب، ولم تكتب السلامة إلا لأهل الإيمان والأمانة؛ قال تعالى:{لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (الأحزاب: 73).

‌العدل، ونماذج من عدل النبي صلى الله عليه وسلم

العدل هو إيثار الحق، وإعطاء كل ذي حق حقه دون زيادة أو نقصان، وهو المساواة في كل أمر يشترك فيه الناس، والعدل مطلوب في كل شيء؛ فعلى المسلم أن يعدل مع نفسه، ومع أهله، ومع ربه، ومع بدنه، ومع جيرانه، وأن يعطي كل ذي حق حقه، وهذا ما جاء في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لسلمان الفارسي رضي الله عنه:((إن لربك عليك حق ًّ ا، وإن لزوجك عليك حق ًّ ا، وإن لبدنك عليك حق ًّ ا، وإن لزورك - أي زوارك - عليك حق ًّ ا؛ فأعط كل ذي حق حقه)).

والعدل خلق نبيل نادت به كل الرسل، وجاءت به كل الشرائع السماوية؛ فمثل ً االعدل في الكيل والميزان حث عليه الإسلام في القرآن الكريم، وعلى لسان النبي الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وجاء في القرآن الكريم ذكره على لسان كثير من النبيين؛

ص: 299

فهو من الأخلاق الكريمة الفاضلة؛ أي أن العدل في ال ميزان ومراعاة حق الله تعالى في الوزن والمكيال وعدم التطفيف؛ أي الزيادة أو النقصان في الميزان، الزيادة عندما يزن لنفسه، والنقصان عندما يزيد لغيره هذا لون من ألوان الظلم نهت عنه كل الشرائع، وجاء الإسلام فأكد على ذلك النهي؛ فمن أوائل سور القرآن نزول ً افي مكة سورة " الرحمن " وفيها أكد الحق سبحانه وتعالى على ذلك الأمر، ونادى على خلقه بأن يزنوا بالقسط والعدل ولا يخسروا الميزان، وأن الله تعالى وضع ميزانًا لخلقه حتى لا يظلم بعضهم بعضًا، ولا يأكلون أموالهم بينهم بالباطل؛ قال تعالى:{وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ * أَلَاّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} (الرحمن: 7 - 9).

ومن السور المكية أيضًا سورة " الأنعام " وقد جاء فيها التأكيد على أن يكون الكيل أو المكيال وكذلك الوزن بالقسط؛ أي بالعدل؛ قال تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَاّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (الأنعام: 152).

والناظر في كتاب الله تعالى سيجد لأهمية هذا الأمر أن الحق سبحانه وتعالى أنزل سورة من سور القرآن الكريم تحمل عنوان عدم القسط في الوزن والكيل تسمى سورة " المطففين " وبينت آيات السورة الكريمة شناعة هذا الأمر، وأن فاعله له الويل والثبور؛ قال تعالى:{وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} (المطففين: 1 - 6).

والتطفيف للكيل أن يكون للتاجر صاعان؛ صاع ي ُ عطي به وصاع يأخذ به؛ فالذي ي ُ عطي به ناقص والذي يأخذ به فيه زيادة.

ص: 300

ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القسط في الميزان؛ أي العدل، وإذا وزن المسلم للناس عليه أن يرجح الميزان، ولا يحيف على الناس في المكيال؛ روى الإمام أحمد وأصحاب السنن الأربعة والحاكم وابن حبان بإسناد صحيح عن سويد بن قيس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((زن وأرجح)).

وروى الطبراني بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما نقض قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدوهم، ولا طففوا الكيل إلا منعوا النبات وأخذوا بالسنين - أي بالفقر -)) ففي هذه الحديث أعلن الصادق صلى الله عليه وسلم أن التطفيف في الكيل والميزان عقابه وخيم وعذابه أليم، وأن عقابه في الدنيا يقع قبل الآخرة؛ فهو سبب من أسباب القحط ومنع الرزق وضياع البركة من الأرض.

والشرائع السابقة كما ذكرنا سابقًا دعت إلى ما دعا إليه الإسلام من القسط والعدل في الوزن وعدم التطفيف في الكيل، وهذا نبي الله شعيب عليه السلام ينادي على قومه بألا يخسروا الميزان؛ يأتي ذلك في القرآن الكريم في أكثر من موضع قال تعالى في سورة " الأعراف ":{وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ} (الأعراف: 85).

وفي سورة " الشعراء " يقول الحق سبحانه وتعالى على لسان شعيب عليه السلام {أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُخْسِرِينَ * وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ * وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} (الشعراء: 181 - 183).

وفي سورة " هود " قال تعالى: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ * وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ

ص: 301

بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ * بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ} (هود: 84 - 86).

وسيدنا يوسف عليه السلام كان من أوفى الناس في الكيل والميزان، وأعلن عن ذلك بنفسه ليبين قيمة هذا الخلق النبيل؛ فقال لإخوته وهم لا يعرفونه: إني أوف ي الكيل وأنا خير المنزلين؛ قال تعالى في ذلك في سورة يوسف عليه السلام: {وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ * وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنزِلِينَ} (يوسف: 58، 59).

فخلق العدل في الكيل والميزان والقسط وعدم التطفيف خلق نبيل وعدل كامل دعت إليه كل الشرائع السماوية، وجاء الإسلام فأكد عليه، ودعا إليه القرآن الكريم وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

أما عدل رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدث عنه ولا حرج؛ فلقد كان صلى الله عليه وسلم أعدل الناس، وكيف لا وهو الذي دعا إلى العدل وقضى بأنه خلق الصالحين، وبين صلى الله عليه وسلم أن الإمام العادل واحد من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، بل جعله أولهم، ويعلن صلى الله عليه وسلم أن فاطمة ابنته لو سرقت لقطع يدها؛ فأي عدل بعد هذا؛ جاء في الحديث الصحيح أن المخزومية لما سرقت أرسلوا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن حبه؛ ليشفع فيها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام:((أتشفع في حد من حدود الله يا أسامة؟! إنما أهلك من كان قبلكم؛ أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، والذي نفس محمد بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها)).

والآيات في العدل كثيرة؛ قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ} (الشورى: 17)، وقال تعالى {فَلِذَلِكَ فَادْعُ

ص: 302

وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمْ اللَّهُ رَبُّنَا} (الشورى: 15).

وقال صلى الله عليه وسلم: ((سبعة يظلهم في ظله يوم لا ظل إلا ظله؛ إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة ربه، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال؛ فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه)) وقال صلى الله عليه وسلم: ((إن المقسطين على منابر من نور يوم القيامة عن يمين الرحمن؛ وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في أهليهم وما ولوا)).

وكما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العدل حذر من الظلم وبين أن عاقبته وخيمة، وإليك ما جاء في (رياض الصالحين) في تحريم الظلم والأمر برد المظالم إلى أصحابها:

عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((اتقوا الظلم؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح؛ فإن الشح أهلك من كان قبلكم؛ حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم)) رواه مسلم في (صحيحه).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء))؛ أي الشاة التي ليس لها قرون يقاد لها من التي لها قرون. رواه مسلم وغيره.

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا نتحدث عن حجة الوداع والنبي صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا ولا ندري ما حجة الوداع حتى حمد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأثنى عليه، ثم ذكر المسيح الدجال فأطنب في ذكره - يعني أطال قال كلامًا كثيرًا - وقال: ((ما بعث الله من نبي إلا أنذره أمته؛ أنذره نوح والنبيون من بعده، وإ نه يخرج فيكم فما خفي عليكم من شأنه فليس يخفى عليكم إن ربكم ليس بأعور وإنه أعور عين اليمنى

ص: 303

كأن عينه عنبة طافئة، ألا إن الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا، ألا هل بلغت؟)) قالوا: نعم، قال:((اللهم اشهد اللهم اشهد اللهم اشهد، ويلكم - أو ويحكم - انظروا لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض)) رواه البخاري ومسلم.

وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه يوم القيامة من سبع أراضين)) حديث متفق عليه.

وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله ليملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته ثم قرأ)) {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} (هود: 102) والحديث متفق عليه.

وعن معاذ رضي الله عنه قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب فادعهم إلى شهادة ألا إله إلا الله وأني رسول الله؛ فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة؛ فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم؛ فإن هم أطاعوا لذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)) حديث متفق عليه؛ أي أخرجه البخاري ومسلم.

وعن أبي حميد عبد الرحمن بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: استعمل النبي صلى الله عليه وسلم رجل ً امن الأزد وهو ابن اللتبية، وقد مرت قصته قريبًا، نعيش مع الحديث الذي بعده.

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو من شيء فليتحلله منه اليوم قبل ألا يكون دينار ولا درهم؛ إن كان له

ص: 304

عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه)).

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه)).

وعن ابن عمرو رضي الله عنه قال: كان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم رجل يقال له: كركره فمات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((هو في النار)) فذهبوا ينظرون إليه فوجدوا عباءة قد غلها.

وعن أبي بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السم اوات والأرض، السنة اثن اعشر شهرًا منها أربعة حرم ثلاث متواليات؛ ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان، أي شهر هذا؟)) قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال:((أليس ذا الحجة؟)) قلنا: بلى، قال:((فأي بلد هذا؟)) قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال:((أليس البلدة؟)) قلنا: بلى - أي البلدة الحرام - قال: ((فأي يوم هذا؟)) قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال:((أليس يوم النحر؟)) قلنا: بلى، قال:((فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام؛ كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا، وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم؛ ألا فلا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا ليبلغ الشاهد الغائب؛ فلعل بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه)) ثم قال: ((ألا هل بلغت؟)) قلنا: نعم، قال:((اللهم اشهد))، حديث متفق عليه.

ص: 305

وعن أبي أمامة إياس بن ثعلبة الحارثي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه - يعني حلف على مال مسلم - فأخذه ظلمًا فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة)) فقال رجل: وإن كان شيئًا يسيرًا يا رسول الله، فقال عليه الصلاة والسلام:((وإن قضيبًا من أراك))؛ يعني ولو عود مثل السواك، حديث صحيح رواه الإمام مسلم.

وعن عدي بن عميرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من استعملناه منكم على عمل فكتمنا مخيطًا فما فوقه كان غلولًا يأتي به يوم القيامة))، فقام إليه رجل أسود من الأنصار كأني أنظر إليه فقال: يا رسول الله اقبل عني عملك، قال:((وما لك؟)) قال: سمعتك تقول كذا وكذا، قال عليه الصلاة والسلام:((وأنا أقوله الآن؛ من استعملناه على عمل فليجئ بقليله وكثيره، فما أوتي منه أخذ وما نهي عنه انتهى)) رواه مسلم وقد مر قريبًا.

وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لما كان يوم خيبر أقبل نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: فلان شهيد وفلان شهيد حتى مروا على رجل فقالوا: فلان شهيد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((كلا إني رأيته في النار في بردة - أي عباءة - غلها)) - أي أخذها قبل أن تقسم الغنائم؛ سرقة.

وعن أبي قتادة الحارث بن ربعي رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قام فيهم فذكر لهم أن الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل الأعمال، فقام رجل فقال: يا رسول الله أرأيت إن قتلت في سبيل الله تكفر عني خطايا؟، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:((نعم إن قتلت في سبيل الله وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر)) ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كيف قلت؟)) قال: أرأيت إن قتلت في سبيل الله أتكفر عني خطايا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نعم وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر إلا الدَّيْن فإن جبريل قال لي ذلك)) رواه مسلم.

ص: 306

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أتدرون ما المفلس؟)) قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال:((إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة؛ ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال، هذا وسفك دم هذا، وضرب هذا؛ فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته؛ فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار)).

وعن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض - يعني أبلغ - فأقضي له بنحو ما أسمع فمن قضيت له بحق أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار)).

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دمًا حرام)).

وعن خولة بنت عامر الأنصارية وهي امرأة حمزة رضي الله عنه وعنها - قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن رجالًا يتخوضون في مال الله بغير الحق فلهم النار يوم القيامة)) رواه البخاري.

هذا ما جاء في العدل وتحريم الظلم.

هذا وبالله التوفيق. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ص: 307