الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: التعريف الاصطلاحي
.
قبل الشروع بسرد تعريفات اصطلاحية للسحر؛ لابد من تبيان الخلاف الحاصل في أمر السحر؛ وجوده وماهيته وأثره، وهل له حقيقة كغيره من الأشياء، أو هو مجرد تخييل وتمويه، [ومذهب أهل السنة وجمهور العلماء من الأمة على إثبات السحر، وأن له حقيقةً كحقائق غيره من الأشياء الثابتة، لأن الله تعالى قد ذكره في كتابه، وذكر أنه مما يُتعلم، وذكر إشارةً إلى أنه مما يُكفَّر بتعليمه والعمل به، وأنه يفرَّق به بين المرء وزوجه، وهذا كله مما لا يمكن أن يكون فيما لا حقيقة له، وكيف يُتعلّم ما لا حقيقة له، وفي «حديث السحر» تصريح بإثباته، وأنه أشياء دُفِنت وأُخْرِجت، والذي يُعرَف بالعقل من هذا: أن إحالة كونه من الحقائق مُحالٌ، وغير مستنكر في العقل أن يكون الباري سبحانه يخرق العادات عند النطق بكلام مُلفّقٍ أو تركيبِ أجسامٍ؛ منها قتّالة كالسموم، ومنها مُسقِمة كالأدوية الحادّة، ومنها مُصِحّة كالأدوية المضادّة للمرض، فلم يبعد في العقل عندها أن ينفرد الساحر بعلمِ قوىً قتّالة أو كلامٍ مهلك، أو مؤدٍ إلى التفرقة](1) .
[وقيل: هو تخييل فقط ولا حقيقة له، وهذا اختيار أبي جعفر الأستراباذي من الشافعية، وأبي بكر الرازي من الحنفية، وابن حزم الظاهري وطائفة (2) ؛ قال النووي: والصحيح أن له حقيقة وبه قطع الجمهور وعليه عامّة العلماء، ويدل عليه الكتاب والسنة الصحيحة المشهورة. انتهى](3) . تأسيسًا على ما ذكر آنفًا فإنك ستلحظ تباينًا فيما يأتي من عبارات العلماء في تعريفهم للسحر؛ وذلك تبعًا
(1) انظر: المُعلم بفوائد مسلم، للإمام المازري (3/93) . وقد نقل ذلك عنه كلٌّ من الإمامين ابن حجر في الفتح (10/233) ، والنووي في المنهاج شرح مسلم (14/396) .
(2)
المقصود بالطائفة: المعتزلة، فقد ذهب عامتهم إلى أن السحر لا حقيقة له، وإنما هو تمويه وتخييل وإيهام لكون الشيء على غير ما هو به. كما ذكر ذلك القرطبي في تفسيره (2/45) .
(3)
انظر: فتح الباري لابن حجر (10/233) .
لما تقرر عند صاحب التعريف من كون السحر له حقيقة مؤثرة أم أنه مجرد خُدَع وتخييلات لا أثر لها (1) . وسأشرع بذكر تلك التعريفات، مستعينًا بالله تعالى:
1-
…
[السحر: عبارة عن عُقَد ورقًى وكلامٍ يتكلّم به الساحر، أو يكتبه، أو يعمل شيئًا يؤثر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة له (2) ، وله حقيقة، فمنه ما يقتل، وما يُمرِض، وما يأخذ الرجلَ عن امرأته فيمنعه وَطْأَها، ومنه ما يفرِّق بين المرء وزوجه، وما يُبغِّض أحدهما إلى الآخر، أو يحبّب بين اثنين](3) .
2-
…
[السحر: نوعٌ يستفاد من العلم بخواصّ الجواهر (4) ، وبأمور حسابية في مطالع النجوم (5) ، فيُتخَذ من تلك الجواهر هيكل مخصوص على صورة
(1) قد يستغرب المرء ابتداء ذهاب بعض أهل العلم لإنكار حقيقة السحر مع كونه ثابتًا في الكتاب والسنة الصحيحة - كما سبق -[لكن محلّ النزاع في المسألة: أنه هل يقع بالسحر انقلاب عينٍ - جسم محسوس - أم لا؟ فمن قال إنه تخييل فقط منع ذلك، ومن قال إن له حقيقة منهم قَصَر تأثيره على تغيير المزاج فيكون نوعًا من الأمراض - لأن النظر إلى واقع الحال ينفي إقامة البرهان على قدرة الساحر على تصيير الجماد حيوانًا مثلاً وعكسه - وهو الذي عليه جمهورهم - وذهبت طائفة قليلة إلى الثاني] . انظر: فتح الباري (10/233) . والمقصود بالقول الثاني: أن السحر قد يقلب الأعيان فيُحيلها من صورة إلى أخرى.
(2)
معنى: (من غير مباشرة له)، أي: أنه لا يشترط مماسة الساحر لبدن المسحور، أو لأثر منه، بل يمكن للسحر أن يعمل بمجرد العَقْد مثلاً مع النفث أو التكلم، أو الكتابة، ونحو ذلك.
(3)
التعريف للإمام ابن قدامة المقدسي رحمه الله. انظر: المغني له (10/104) .
(4)
[الجواهر، ج/ جوهر، وهو لفظ يطلقه المتكلمون والفلاسفة، يقصدون به كل متحيز بذاته، وقد يتركب منه غيره، وهو خلاف العَرَض، وهو جزء من غيره ليس له حقيقة بذاته] . انظر: موسوعة الكشاف للتهانوي، (1/602) [الجوهر] . والمقصود هنا بخواص الجوهر: ما جُعِل في المواد التي يستعملها السحرة من نحو زئبق وبخور وحلتيتٍ وزعفران وغير ذلك، من صفات يدّعون تناسبها مع مزاج الأفلاك والكواكب السبع السيارة، وكذلك مع ما تحبه الموكلون بها - بزعمهم - من ملائكة، حاش لهم ذلك عليهم السلام.
(5)
مطالع النجوم، جـ/ مطلع بمعنى زمان طلوعها من جهة الأفق الشرقي. انظر: موسوعة الكشاف أيضًا. (2/1566)[المطلِع] .
الشخص المسحور، ويُترصَّد له وقت مخصوص في المطالع، وتُقرَن به كلمات يُتلفَّظ بها من الكفر والفحش المخالف للشرع، ويُتوصَّل في تسميتها إلى الاستعانة بالشياطين، وتَحصُل من مجموع ذلك - بحُكْم إجراء الله العادة - أحوال غريبة في الشخص المسحور] (1) .
3-
…
[السحر: خارق للعادة يظهر من نفس شريرة بمباشرة أعمال مخصوصة](2) .
4-
…
[السحر: أصله طِلَّسْمٌ يُبنى على تأثير خصائص الكواكب، كتأثير الشمس في زئبق عصيّ فرعون، أو تعظيم الشياطين ليسهّلوا للساحر ما عَسُر عليه](3) .
5-
…
[السحر: هو خُدَعٌ ومخاريقُ ومعانٍ يفعلها الساحر، حتى يُخيّّل إلى المسحور الشيءُ أنه بخلاف ما هو به، نظير الذي يرى السراب من بعيد فيخيل إليه أنه ماء، ويرى الشيء من بعيد فيُثبته بخلاف ما هو على حقيقته](4) .
6-
…
السحر: أصله التمويه بالحيل والتخاييل، وهو أن يفعل الساحر أشياء ومعاني، فيُخيّل للمسحور أنها بخلاف ما هي به] (5) .
7-
…
[السحر: هو ما يفعله الساحر من الحيل والتخييلات التي يحصل بسببها للمسحور ما يحصل من الخواطر الفاسدة الشبيهة بما يقع لمن يرى السراب فيظنه ماءً، وما يظنه راكب السفينة أو الدابة من أن الجبال تسير](6) .
(1) المرجع السابق كذلك (1/936) ، ينقله عن الفتاوى الحمّادية.
(2)
التعريف ذكره الألوسي في «روح المعاني» له، ونسبه إلى الجمهور (1/534) .
(3)
التعريف ذكره القرطبي في تفسيره (2/44) ، ونسبه إلى الغَزْنَوي الحنفي في مؤلَّفه «عيون المعاني» .
(4)
ذكر التعريف الإمام الطبري في تفسيره (1/508) ، ودلّل على هذا المعنى، ثم قال: وبنحو الذي قلنا في ذلك قاله عدد من أهل التأويل. اهـ.
(5)
التعريف ذكره الإمام القرطبي في تفسيره (2/43)، وعقّب بقوله: وعندنا أنه حق وله حقيقة يخلق الله عنده ما شاء. اهـ.
(6)
التعريف للإمام الشوكاني في فتح القدير (1/119) ، وبمثله عرّف العلاّمة صديق خان كما في نيل المرام له (1/57) .
8-
…
[السحر: كل أمر خَفِيَ سببُه وتُخُيِّل على غير حقيقته، ويجري مجرى التمويه والخداع](1) .
9-
…
[السحر: علم يستفاد منه حصول مَلَكةٍ نفسانية، يُقتدر بها على أفعال غريبة، لأسباب خفيّة](2) .
10-
…
[السحر والطلّسمات: علوم بكيفية استعدادات تقتدر النفوس البشرية بها على التأثيرات في عالم العناصر (3) ، إما بغير مُعين (4) أو بمعين من الأمور السماوية، والأول - أي الذي هو بغير معين - هو: السحر، والثاني: هو: الطلسمات](5) .
نظرة تدبّر في هذه التعريفات العشرة:
لو تأملت أخي القارئ فيما سبق من تعريفات متعلقة بالسحر - والحال أن ثنايا كتب التوحيد والتفسير والفروع حافلة بأكثر من ذلك -، أقول: لو تدبّرت هذه التعريفات لظهر لديك جليًا أنها - على كثرتها - لم تفِ بمعنى جامع مانع للسحر، حيث إن بعضها أثبت حقيقة أثر السحر، ونفى بعضها ذلك، وفرق أحدها بين السحر والطلسم بينا سوّى آخرُ بينهما، وطابق
(1) التعريف للإمام الجصّاص. انظر: أحكام القرآن له (1/50) ، وبمثل هذا التعريف عرّف الفخر الرازي، ونصه:(لفظ السحر في عرف الشرع مختص بكل أمر يخفى سببُه، ويُتخيَّل على غير حقيقته، ويجري مجرى التمويه والخداع) . انظر: تفسير الرازي (3/187) .
(2)
التعريف للإمام ابن عابدين - الحنفي - انظر: حاشيته المسماة: ردّ المحتار على الدرّ المختار (1/31) .
(3)
عالم العناصر: اصطلاح يقصد به ما هو خلاف عالم الأفلاك أو العالم العلوي، فهو العالم الأرضي المادي، وفيه - عند الفلاسفة - أربع طبائع: التراب، النار، الهواء والماء.
(4)
المقصود بمعين: مزاج الأفلاك أو العناصر، أو خواص الأعداد، وطبائع الحروف، وغير ذلك مما يستعين به أهل العمل بالطّلسمات..
(5)
التعريف لابن خلدون. انظر: مقدمته ص 496.
البعض تعريفَ السحر لغةً، ومايَزَ آخرُ بينهما، واقتصر أحدها على بيان نوع من أنواعه كالتنجيم، واختصر آخر أعماله المخصوصة فلم يُمثِّل لها، كما لم يُبيِّن أثرها.
التعريف المختار:
إن هذا التباين بين هذه التعريفات هو ما حدا بالعلاّمة التهانوي في كشّافه - على كثرة بحثه وسعة اطلاعه - إلى القول: [لم يصل إليّ تعريف يعوّل عليه في كتب الفقه] ، ثم إنه عرّف السحر بما يجمع غالبًا بين جميع ما سبق من تعريفات، فقال:[والأقرب أنه الإتيان بخارق عند مزاولةِ قولٍ أو فعل محرّمٍ في الشرع، أجرى الله سبحانه سنته عنده ابتلاءً](1) . ولو جاز لنا - توضيحًا - تعديل طفيف على تعريفه هذا، لقلنا إن التعريف المختار للسحر هو: إتيان نفس شريرة أمرًا خارقًا - ضارًا غير نافع - عند مزاولتها قولاً أو فعلاً محرّمًا في الشرع، أجرى الله سبحانه سُنّته - الكونية - عنده ابتلاءً.
شرح وجيز للتعريف، مع بيان محترزاته:
(إتيان) : دلت على مباشرة الساحر السحرَ، لا مجرّد تعلّمه، أو تعليمه.
(نفس شريرة) : دلت على أن من شرط إعمال السحر أن يقوم بمزاولته [نفس خبيثة، ينفصل عنها نَفَس ممازج للشر والأذى مقترن بالريق الممازج لذلك، والحال أن تلك النّفْس قد تساعدت والروح الشيطانية على أذى المسحور. قال تعالى: [الفَلَق: 4]{وَمِنْ شَرِّ النَفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ *} ، فإن النفاثات هنا: هن الأرواح والأنفس الخبيثة، لا النساء النفاثات وحسب، لأن تأثير السحر إنما هو من جهة تلك الأنفس الخبيثة والأرواح الشريرة، وسلطانه إنما يظهر منها، فلهذا ذكرت النفاثات هنا بلفظ التأنيث
(1) انظر: موسوعة كشّاف اصطلاحات الفنون والعلوم للعلاّمة، محمد علي التهانوي (1/935) .
دون التذكير، والله أعلم] (1) .
(أمرًا) : المقصود شأن ذو بال، فإن من السحر ما يؤثر في القلوب والعقول والأبدان؛ فيُمرِض ويقتل ويُذهِل فيُذهِب باللبّ، ويفرّق بين المرء وزوجه، ويحبّب بين اثنين أو يأخذ أحدهما عن الآخر.
(خارقًا) : المعنى حصول أمر بخلاف ما عُهِد حصولُه، وفيه إثبات حقيقة تأثير السحر، لا أنه مجرد تمويه وتخييلات، [ولا يُستنكر في العقل أن الله سبحانه وتعالى يخرق العادة عند النطق بكلام ملفّق، أو تركيب أجسام، أو المزج بين قوى على ترتيبٍ لا يعرفه إلا الساحر، وإذا شاهد الإنسان بعض الأجسام منها قاتلة كالسُّموم، ومنا مُسقِمة كالأدوية الحادّة، ومنها مُضِرّة كالأدوية المضادّة للمرض، لم يستبعد عقله عندئذٍ أن ينفرد الساحر بتعلّم قُوىً قتالةٍ أو كلام مُهلِك أو مؤدٍ إلى التفرقة](2) .
وهنا مسألتان:
الأولى: إذا جاز خرق العادة على يدي الساحر، فبمَ يقع الفرق بينه وبين النبيِّ الصادق؟ والجواب: أن العادة تنخرق على يد النبيِّ والساحر، والفرق أن النبيَّ عليه السلام يتحدى بها ويُعجز بها الخلقَ فتدلّ على صدقه؛ والساحر لا يتحدى بها ولا يستعجز بها الخلق، ولو تحدى بها لم تنخرق له] (3) .
والثانية: هل إن خرق العادة بإتيان الساحر سحره، لازم الحصول؟
[الحق أن السحر مع كونه أمرًا خارقًا للعادة إلا أنه مسبَّبٌ عن سبب معتادٍ كونُه عنه](4)، والمعنى: أن السحر هو علم بأمر عادي يتوصل إليه
(1) هذا ما ذهب إليه ابن القيم رحمه الله. انظر: التفسير القيم له ص 563.
(2)
انظر: معارج القبول للعلاّمة حافظ الحَكَمي (2/687) .
(3)
انظر: زاد المسلم للعلاّمة محمد بن أحمد الشنقيطي (4/228) .
(4)
انظر: زاد المسلم أيضًا (2/226) .
بطلبه في الغالب، أي أنه لا يؤثر ضرًا إلا إذا خلّى الله تعالى بين الساحر وبين ما أراد، وقد لا يكون ذلك، قال تعالى:[البَقَرَة: 102]{وَمَا هُمْ بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَاّ بِإِذْنِ اللَّهِ} . إذًا فالسحر يؤثر بعلة عادية، وليس سببًا مولِّدًا مُوجبًا للحدوث، لذا فإنه يمكن إبطال وصوله ابتداءً بوجود مانع من تحصّنٍ بذكر الله، كما يمكن إبطال أثره بعد وقوعه برقية شرعية، أو دعاء مشروع، ونحوه، والله أعلم.
(ضارًّا غير نافع) : قال تعالى: [البَقَرَة: 102]{وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ} ، [أي: يضرهم في دينهم، وليس له نفع يوازي ضرره] (1) ، لكنْ، هل للسحر نفع؟ الواقع أن السحر شر محض وضر خالص على الساحر في دينه وعاقبة أمره، حيث إنه تعمُّدٌ لإيقاع أذى بالمسحور، وهو ضرّ عظيم له - عياذًا بالله - لكن مع ذلك كله فإن الساحر يُفتَن بتعلم السحر، ليجني بعمله متاعًا من الدنيا قليل من تحصيل مال، أو كسب جاه، ولو كان ذلك مقابل خسرانه نصيبه من نعيم الآخرة! بالمقابل فإن المسحور مع عظم ما نزل به من ضرّ، فإنه يبتلى بذلك، وهو يجني نفعًا عظيمًا بصبره على ذلك وتعلقه بقدرة الله في كشف الضر عنه.
أما تقييد الأمر الخارق بكونه ضارًا غير نافع، فذلك ليخرج به نحو معجزةٍ لنبيٍّ أو كرامةٍ لوليّ، فإن في المعجزة إظهار الحق بالتدليل على صدق دعوى النبوة، وإثبات وجوب الإيمان بمن أتى بها، مع لزوم اتباعه، وفي ذلك ما لا يخفى من عظيم النفع في الدارين، كما أن في الكرامة للولي تصديق النبيِّ الذي سار الوليُّ بحسن اتباعه والتأسي به، وفي ذلك من النفع باستمرار اتباع الخلق للرسالة ما فيه، فضلاً عما تتضمنه الكرامة من بشرى للوليِّ ودلالةٍ على محبة الله له، ومزيد عنايته به.
(1) انظر: تفسير ابن كثير ص 129، ط - بيت الأفكار.
(عند مزاولتها قولاً أو فعلاً محرّمًا في الشرع) : أي أن من شرط تأثير السحر حصول استرضاء من الساحر لشيطانه، فإذا استرضاه بما يكون كفرًا بواحًا بنفسه كعبادة كوكب مثلاً، أو النطق بالاستعانة بغير الله، أو أطاعه باقتراف الكبائر محادّة لله ولرسوله، عندها فقط تقع معونة الشيطان لتلك النفس الشريرة فيمكنها بعدها أن تنفث شرها، محاولة إيقاع ضرّها بالمسحور. [فالسحر لا يظهر إلا على كافر أو فاسق، فهو توصل بمحظور إلى محظور. ويخرج باشتراط مزاولة قول أو فعل محرم: ما يفعله أصحاب الحِيَل بمعونة الآلات والأدوية أو ما يُريه صاحب خفة اليد، فإن ذلك - وإن سمي سحرًا - فإنه على المجاز لا على الحقيقة، لما فيه من مشابهة السحر في الدقة، لأن السحر في الأصل موضوع لما خفي سببه](1) .
(أجرى الله سبحانه سنته الكونية عنده) : [المعنى أن السحر ليس بمؤثر بذاته نفعًا ولا ضرًا، وإنما يؤثر بقضاء الله تعالى وقدره، وخلقه وتكوينه، عند مزاولة الساحر سحره، لأنه تعالى خالق الخير والشر، والسحر من الشر، ولهذا قال تعالى: [البَقَرَة: 102]{وَمَا هُمْ بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَاّ بِإِذْنِ اللَّهِ} ، فيكون التأثير بقضاء الله الكونيّ القدريّ، لا الشرعيّ، فإن الله لم يأذن بذلك شرعًا] (2) .
ويخرج بذلك - كما لا يخفى - المعجزة والكرامة، فإنهما تقعان بإذن الله الشرعي، فهما مما يختص بمرضاة الله سبحانه ومحابّه.
(ابتلاءً) : أي: امتحانًا وفتنة للساحر، قال تعالى:[البَقَرَة: 102]{وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} ، فالساحر مع علمه القاطع بشدة النهي عن تعلم السحر فإنه يتعلمه، ثم يعمل به، فيفتن بذلك عن دينه،
(1) انظر: موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم، للعلاّمة التهانوي. (1/935) السحر.
(2)
انظر: معارج القبول، للعلاّمة حافظ الحَكَمي. (2/685) .
ويمتحن في إيمانه، فيستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، ويشتري الحياة الدنيا بالآخرة، [فتحق الفتنة على المفتونين، فما أسوأ ما باعوا به أنفسهم لو كانوا يعلمون حقيقة الصَّفْقة](1)، ولعل في قول صاحب التعريف: ابتلاءً، ما يشير أيضًا إلى أن المسحور يبتلى - أي يمتحن في تَمسّكه بدينه، ويقينه بقدرة الله وحكمته - بإجراء الإذن الكوني بإيقاع تأثير السحر به؛ ليؤجر بعدها فيكون ذلك تثبيتًا له ورفعًا لمنزلته وسببًا في شفائه، والله أعلم.
***
(1) انظر: في ظلال القرآن لسيد قطب (1/96) .