الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سارق ما، أو تعيين مكان لمسروق، وذلك محرّم لاشتماله على اعتقاد ما لا يصح في حق الملائكة عليهم السلام من معصية الله تعالى، ولتضمنه استعانة صريحة بهم أو بالجن، وهم يسمون الملائكة هنا (الموكّلون) ، والجن المتعاون معهم خُدّام العزائم، والعزائم: علم يُتعرّف منه كيفية تسخير الأرواح واستخدامها كتسخير المَلَك والجن، فالعزيمة كلام - يكون غالبًا غير مفهوم - يتوافق عليه الساحر وشيطانه، بحيث يلتزم الشيطان معونة الساحر كلما نطق بالعزيمة، فيكون مسخرًا لذلك، ويكون الساحر قد تقرّب مسبقًا من شيطانه بأنواع القُرَب المحرمة، وكلما بالغ الساحر في طاعة شيطانِه، فلم يتورع عن ارتكاب الشركيات والمحرمات القبيحة، كلما تعهد شيطانه بمزيد معونته له. [واعلم - رحمك الله - أن تسخير الجن أو المَلَك من غير تجسّدها وحضورها يسمى علم العزائم، بشرط تحصيل المقاصد بواسطتها. وأما حضور الجن وتجسدها فإنه يسمى علم الاستحضار، ولا يشترط تحصيل المقاصد بها](1) .
6- الرقى:
وقصدت بها هنا معنى خاصًا، وهو الرقى الممنوعة كرقى الجاهلية ورقى الهند والفارسية، وغيرهم، التي ربما احتوت على طلاسم، واستعانة بمخلوقين، وربما كانت كفرًا (2)، [وعلم الرقى: علم باحث عن مباشرة أفعال مخصوصة تترتب عليها بالخاصية آثار مخصوصة، كعقود الخيط والشعر وأمثالهما، وإنما سميت رقية لأنها كلمات رقيت من صدر الراقي، زعموا أنها كُشِفت من الجن أو سُمِعت في المنام] (3) . ووجه تعلق هذا العلم بالسحر ظاهر، حيث احتوى على عُقَدٍ ورقيٍ عليها بألفاظٍ تكون في غالبها محتوية لكلمات كفرية، أو استعانة بمخلوق، بما يسخِّر شيطانَ الساحر لخدمته في إيقاع أذى بمن رُقِي له.
(1) انظر: موسوعة مصطلحات مفتاح السعادة ومصباح السيادة، للعلاّمة طاش كبرى زاده ص 162.
(2)
انظر: الإعلام بقواطع الإسلام، لابن حجر - الهيتمي الفقيه - (2/182) .
(3)
انظر: موسوعة مصطلحات مفتاح السعادة، للعلامة طاش كبرى زاده. علم الرقى. ص 478.
7-
8-9 العيافة والطَّرْق والخطّ؛ أما العيافة فالمقصود بها: [زجر الطير والتفاؤل بأسمائها وأصواتها وممرّها، وهو من فعل أهل الجاهلية](1)، وفي الأثر:«العيافة والطِّيَرة، والطَّرْق من الجبْت» (2) ، أي من السحر (3)، أما الطِّيَرة:[فهي التشاؤم بالشيء، وأصلها التطيّر بالسوانح والبوارح (4) من الطير والظّباء وغيرهما، وكان ذلك يصدّهم عن مقاصدهم، فنفاه الشرع وأبطله ونهى عنه، وأخبر أن ليس له تأثير في جلب نفع أو دفع ضرّ](5) ومن صور الطيرة أيضًا التشاؤم بالأسماء والأماكن والأشخاص، وهو داء دبّ في سائر الأمم إلى
(1) انظر: النهاية لابن الأثير (3/330)(عيف) .
(2)
أخرجه أبو داود في سننه؛ كتاب: الكهانة والتطيّر، باب: في الخطّ وزجر الطير، برقم (3907) ، وأحمد في مسنده، (3/477) ، من حديث قَبِيصَةَ بنِ مُخَارِقٍ رضي الله عنه.
والحديث: ضعيف لا يثبت؛ وذلك لاختلاف الرواة في إسناده عن عوف - وهو ابن أبي جميلة الأعرابي - فقد اضطربوا في تحديد اسم من روى عنه عوف، فقال بعضهم حيّان بغير نسبة له، وقال بعضهم حيّان أبي العلاء، أو حيّان بن عمير أو ابن مخارق، ما يشير إلى عدم الضبط، وهو موجب لضعف الحديث. انظر: غاية المرام برقم (301) .
(3)
[هذا ما يؤثر عن عمر رضي الله عنه، في معنى الجبت، وقال العلاّمة الجوهري في الصحاح: «الجبت» : كلمة تقع على الصنم والكاهن والسّاحر، ونحو ذلك، وهذا ليس من محض العربية، لاجتماع الجيم والتاء في كلمة واحدة من غير حرف ذَوْلَقِيّ] . انظر: تفسير ابن كثير ص 434، ط - بيت الأفكار. وحروف الإذلاق - كما هو معلوم - مجموعة في قولك:[فِرْ مِنْ لُبّ] .
…
[وهذه المعاني للجبت لا منافاه بينها، لأن العيافة والطّرق من عمل الكهان، والكاهن عامل بالسحر، والسحر من عمل الشيطان، كما أن عبادة الصنم هي شرك من عمل الشيطان] . انظر: معارج القبول للعلاّمة الحكمي (2/706) .
(4)
البوارح، جمع بارح، وهو الطير أو الظباء الذي يتشاءم به إذا ظهر وبرز، يقال: هو كبارح الأروى، وهو مثل يضرب للمشؤوم، وذلك أن الأروى مساكنها الجبال، فلا تكاد تُرى إلا نادرًا فإذا ظهرت عَظُم التشاؤم بها. أما السوانح: جمع سانح، وهو الطير أو الظباء الذي يتشاءم بعدم ظهوره، ومنه قول الراجز:
وهنّ يَبْرَحْنَ له بُرُوحًا
…
وتارة يأتِينَه سُنُوحًا
انظر: معجم المقاييس لابن فارس (1/126)[مادة: برح] .
(5)
انظر: النهاية لابن الأثير (3/152) .
عصرنا هذا، فترى أحدهم يمقت رقمًا بعينه. وإنْ تعجبْ بعدها فاعجبْ لتشاؤم قوم برسلهم! قال تعالى:[يس: 18]{إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} ، وقال سبحانه:[النِّسَاء: 78]{وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ} . وقد نفى الإسلام الطيرة وبيّن فساد التشاؤم من الشيء المرئي أو المسموع؛ وأعلم الناسَ ألاّ علامة بذلك على ما يحذرون ألبتة، وأن أثره إنما يكون في نفس المتطيِّر لا بالمتطيَّر به، فقال عليه الصلاة والسلام:«لا طِيَرة، وخيرها الفأل، قالوا: وما الفأل؟ قال: الكلمة الصالحة، يسمعها أحدكم» (1) . [فأين الطيرة من الفأل الصالح السارّ للقلوب المؤيّد للآمال الفاتح باب الرجاء المسكّن للخوف الرابط للجأش الباعث على الاستعانة والتوكل عليه، فهذا ضدّ الطيرة، فالفأل يفضي بصاحبه إلى الطاعة والتوحيد، والطيرة تفضي بصاحبها إلى المعصية والشرك](2) .
أما الطَّرْق، فمعناه:[الضرب بالحصا الذي يفعله النساء، وقيل: هو الخطّ بالرمل](3)، فعلى الأول يكون الطرق: رمي عدد من الحصيات غير محدد، أو من الوَدَع (صدف لحلزونات بحرية) ، يرميها العرّاف في زاوية، ثم يشرع باستعادتها حصاتين حصاتين، أو ثلاثًا ثلاثًا، ثم ينظر ما تبقى منها، فإن كان شفعًا (عددًا مزدوجًا) استدل بذلك على حسن الطالع، وإن كان وترًا (مفردًا) دلّه على سوء الطالع! فإن كان استدلال الرامي بالحصى كان عرّافًا وحسب، وإن كان بإخبار شيطانه له، فهو كاهن (4) .
(1) متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أخرجه البخاري؛ كتاب: الطب، باب: الطيرة، برقم (5754)، ومسلم؛ كتاب: السلام، باب: الطيرة والفأل، برقم (2223) . وعندهما، عن أنس رضي الله عنه:«ويعجبني الفأل الصالح» .
(2)
انظر: مفتاح دار السعادة، للإمام ابن القيم (2/569) .
(3)
انظر: النهاية لابن الأثير (3/121)(طرق) .
(4)
انظر: القول المعين لأسامة المعاني ص 313، ينقله عن نص فتوى للعلامة ابن جبرين حفظه الله.
وأما الخطّ بالرمل: [وهو المسمى بالخط، والضرب، فطريقته: أن يقوم الخاطّ برسم خطوط كثيرة متفرقة على أرضٍ ليّنة، يرسمها بخفة بالغة وعجَلة متعمَّدة، فلا يُعرف عند ذلك عددها، ثم يمحوها خطين خطين، فإن بقي خطان مثلاً كان علامة عنده على النجاح، وإن بقي خط واحد فهو بزعمه دليل على الخيبة والحرمان](1) .
وقد يسأل المرء بعدها - على فرض ثبوت الحديث - عن إعلام النبيِّ صلى الله عليه وسلم بكون العيافة والطرق من جملة السحر، مع أن ظاهر معناهما العرافة أو الكهانة على أبعد تقدير؟ والجواب:[أن المتأمل في حال العائف والخاطّ، يجد أنهما مشتركان مع الساحر في أمور منها: انتكاس الفطرة بالاعتقاد بدعوى مشاركة الله باختصاصه بعلم الغيب، وأن أفعالهما تتم غالبًا - كما السحر - بأنواع التقرب لشياطينهم بأنواع الشرك والمحرمات، واعتقادهما إمكان نزول ضر بعبدٍ بغير إذن الله بذلك، وخوفهما - كما الساحر - من مخالفة أوامر شياطينهما، وفي ذلك كله عبادة صريحة لغير الله، وشك ظاهر بحكمة الله في قضائه وتقديره](2) .
فصلاة ربي وسلامه على من أوتي جوامع الكلم، وحاز أقطار العلم، وحوى مجامع الفهم، ولم يدع بابًا للخير إلا أرشد أمته إليه، ولا بابًا للشرّ إلا حذرها منه.
مسألة: الخطّ بالرمل علم معروف مشتهر، فهل هو الضرب على الرمل بعينه، أم أنهما متغايران؟
الظاهر، والله أعلم، أنهما متغايران، فالخط بالرمل، هو الرسم ثم الإزالة على ما سبق بيانه، - وهو المسمى بالطَّرْق - أما الضرب على
(1) انظر: معالم السنن للخطّابي ص 374.
(2)
انظر: الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد. د. صالح الفوزان ص 84.
الرمل، فهو رسم مجموعات من خطوطٍ يحيط بها نقاط يدل كلٌّ منها على طبع من الطبائع الأربعة - النار والهواء والماء والتراب - فالنارية مثلاً هي: والهوائية هي:، والمائية هي:، والترابية هي:، فيقوم الضارب باستخراج طبيعة المضروب له من خلال معرفة اسمه واسم أمه، وهم يزعمون أن عدد حروف ذلك كلِّه يخرج منه جملة بحساب الجُمّل (1) ، تدل على برج صاحبها، وبالتالي سعده أو نحوسه، ذلك أن الضارب يقرأ في جداول لديه فينظر في الجدول المختص بذلك البرج، فيسرد على الشخص أمورًا تتعلق به، وواضح أن هذا الضرب على الرمل هو من علم التنجيم المحرم، الموقع بالشرك، وذلك لاعتقاد كلٍّ من المنجّم، والمصدّق له، بتأثير الأحوال الفلكية بالتسبب في مجريات الحوادث الأرضية، واعتقادهما بتحكم العالم العلوي - على ما يزعمون - بالعالم السفلي، ومن ذلك عموم ما يجري على الخلق من نعمة أو شقوة، ومن توفيق أو خيبة، مضاهئين بذلك قول الصابئة عبدة النجوم، والعياذ بالله تعالى.
فائدة: جاء في صحيح مسلم رحمه الله، سؤال معاويةَ بن الحَكَم السُّلَمي رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمور منها: الخط، فقال رضي الله عنه: ومنا رجال يخطُّون، فقال صلى الله عليه وسلم:«كَانَ نَبِيٌّ مِنَ الأَْنْبِيَاءِ يَخُطُّ، فَمَنْ وَافَقَ خَطَّهُ فَذَاكَ» (2) .
(1) حساب الجُمّل، أو حساب الأبجد، هو اسم لحساب مخصوص تكون الأرقام فيه تبعًا لحروف الأبجد، وسيأتي تفصيل له - إن شاء الله - عند مبحث الأوفاق، انظر: ص148 وما بعدها.
(2)
جزء من حديث، أخرجه مسلم، كتاب المساجد، باب: تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من إباحته، برقم (537) ، وفي كتاب السلام، أول باب: تحريم الكهانة وإتيان الكهان عن معاوية بن الحكم رضي الله عنه.