المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحصن الأول: تحقيق الإخلاص في توحيد الله سبحانه: - الحذر من السحر

[خالد الجريسي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الفصل الأول«آية السحر» ، و «حديث السحر» ، ومباحث في فقه العلماء لهما

- ‌أ- النص الأول: آية السحر:

- ‌أولاً: تناسب مطلع الآية مع سِباقها:

- ‌ثالثًا: سبب نزول آية السحر:

- ‌رابعًا: من تفسير آية السحر:

- ‌ب- النص الثاني: حديث «السِّحْر»

- ‌أولاً: ثبوت الحديث

- ‌ثانيًا: إيراد بعض روايات الحديث

- ‌ثالثًا: بيان غريب الألفاظ:

- ‌رابعًا: ذكر جملةٍ من دعاوى منكري الحديث، وردّها:

- ‌الفصل الثانيبيان معنى السحر، وما يتعلق به من مصطلحات

- ‌بيان معنى السحر

- ‌المبحث الأول: التعريف اللغوي

- ‌المبحث الثاني: التعريف الاصطلاحي

- ‌ بيان مصطلحات متعلقة بالسحر

- ‌1- الطَّلِسْم

- ‌2- التنجيم

- ‌3- النَّفْث في العُقد:

- ‌4- التميمة:

- ‌5- الاستحضار

- ‌6- الرقى:

- ‌10- النِّيرَنْجات

- ‌11- الشعوذة

- ‌الفصل الثالثبيان أنواع السحر، وعلاقتها بما يسمى (علومًا روحانية)

- ‌تمهيد:

- ‌ مراتب السحر وأقسامه

- ‌أولاً: مراتب السحر من حيث ماهيته؛ حقيقة ومجازًا

- ‌ثانيًا: أقسام السحر، باعتبار أهله وطرائق حصوله

- ‌أ- ذكر تقسيمات لأنواع السحر سابقة لتقسيم الإمام الرازي

- ‌جـ- ذكر تقسيماتٍ للسحر بعد تقسيم الإمام الرازي

- ‌ثالثًا: أنواع السحر من حيث أثره على المسحور

- ‌ التعريف ببعض هذه العلوم، وبيان تعلُّقِها بالسحر

- ‌1- الأوفاق

- ‌3- الدوائر الشركية:

- ‌4- الأشكال السبعة

- ‌5- الطِّلَّسْمات

- ‌6- ما يدّعون أنه الاسم الأعظم:

- ‌ التحذير من مصنفات حوت هذه العلوم:

- ‌2- منبع أصول الحكمة، للبوني

- ‌الفصل الرابعالسحر؛ باعتباره ظاهرةً اجتماعية

- ‌أولاً: لمحة تأريخية عن السحر لدى الشعوب

- ‌ثانيًا: الوظيفة الاجتماعية لظاهرة السحر

- ‌ثالثًا: السحر، وشباب الأمة

- ‌رابعًا: نظرة تربوية لاستنقاذ الشباب من أوكار الانحراف

- ‌الفصل الخامسعلامات يُعرف بها كلٌ من الساحر والمسحور

- ‌أولاً: علامات يُعرَف بها الساحر

- ‌ثانيًا: في ذكر علاماتٍ يُعرف بها المسحور

- ‌الفصل السادسأحكام السحر والسّحَرة في الشريعة المطهّرة

- ‌أ- الفرق بين المعجزة والسحر:

- ‌ثالثًا: بيان أحكام السحر والسحرة:

- ‌ بيان حكم تعلم السحر، وتعليمه

- ‌ بيان الأحكام المتعلقة بالساحر

- ‌1 - حكم ساحر المسلمين

- ‌2- حكم ساحر أهل الكتاب:

- ‌3- حكم المسلمة الساحرة

- ‌4- حكم قبول توبة الساحر

- ‌5- حكم النُّشرة، وهي: حل السحر بسحر مثلِه

- ‌الفصل السابعالوقاية والعلاج

- ‌تمهيد

- ‌الحصن الأول: تحقيق الإخلاص في توحيد الله سبحانه:

- ‌الحصن الثالث: الإكثار من الاستعاذة بالله تعالى:

- ‌ بيان الرقى، وأنواعها، ومسائل مهمة متعلقة بها

- ‌ ذكر رقى مشروعة من الكتاب والسنة:

- ‌ب- رقية من السحر:

- ‌خاتمة(وقد تضمّنت خلاصةً لمهمّات نتائج البحث، وذكرًا لبعض التوصيات)

- ‌فهرس المراجع

الفصل: ‌الحصن الأول: تحقيق الإخلاص في توحيد الله سبحانه:

الباب الأول: التحصينات الواقية من السحر، بإذن الله تعالى.

إن الشريعة المطهرة لم تدع حصنًا منيعًا يقي المؤمن كل شر إلا وشرّعت أبوابه داعية أتباعها إلى ولوجه، والتحصن فيه، فمن أخذ تلك التحصينات بقوة وعض عليها بالنواجذ نجا، ومن أعرض عنها أو تساهل بشأنها عرّض نفسه إلى التهلكة، وتجاذبته أهواؤه، وعبثت به نفوس السحرة الخبيثة، وتمكنت من إعمال سحرها عليه. وسأبين فيما يلي بعضًا من هذه التحصينات الواقية، وهي بمجملها أربعة تحصينات.

‌الحصن الأول: تحقيق الإخلاص في توحيد الله سبحانه:

ويكون ذلك باليقين الجازم بعظمة الله عز وجل وقَدْره حقَّ قدره، وإفراده سبحانه بالعبادة، والاعتقاد بأنْ لا استحقاق في شيء منها لأحد غيره، وذلك بتوحيد الله في ربوبيته وإلهيته وأسمائه الحسنى وصفاته العُلى، وهو درع حصين وسلاح مكين لا يمكن لمخلوق أن يتسلل منه، أو يقارب حِماه، إذ إن صاحبه لا يستعيذ إلا بالله، ولا يستغيث إلا بالله، ولا يستعين إلا بالله، ولا يطلب نفعًا إلا من الله، ولا يستدفع ضرًا إلا بالله، ولا يتقرب إلا لله.

هذا، وإن النظر في كتاب الله تعالى وسُنَّة نبيِّه صلى الله عليه وسلم يرشد إلى حقيقة أن الإخلاص هو حقيقة الإيمان، ومبنى رفعته، وهو صفة المصطفَيْن الأخيار من عباد الله الصالحين، فتأمّل معي - أخي الحصيف - هذه النصوص المباركة:

-

قال تعالى: [الزُّمَر: 2-3]{إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ *أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَاّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ *} .

ص: 236

-

وقال سبحانه: [الزُّمَر: 14]{قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي *} .

-

وقال جلَّ ذِكره: [غَافر: 14]{فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ *} .

-

وقال تبارك اسمه: [ص: 45-46]{وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ *إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ *} .

-

وقال عز وجل: [الحِجر: 39-42]{قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأَُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ *إِلَاّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ *قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ *إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَاّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ *} .

فانظر - رعاك الله - إلى عظم شأن هذا الحصن، وإلى عجز إبليس وجنده، وضعفهم عن مجرد إغواء من اتصف بالإخلاص، فكيف لساحر بعدها - وهو خادم صاغر لشيطانه - أن يقارب مؤمنًا بضرٍّ، أو يُنزِل به شرًا؟! أما رأيت كيف تجتنب الشياطين طريقًا مرّ بها عمر رضي الله عنه كما أعلمه به المعصوم صلى الله عليه وسلم:«وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ قَطُّ سَالِكًا فَجَّاَ إِلَاّ سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ» (1) بل أضحى الشيطان يرتعد خوفًا من إخلاص عمر رضي الله عنه وقوته في الحق، كما بشّر به رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرَ بقوله:«إَنَّ الشَّيْطَانَ لَيَخَافُ مِنْكَ يَا عُمَرُ» (2) .

(1) متفق عليه من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، أخرجه البخاري كتاب: بدء الخلق، باب: صفة إبليس وجنوده، برقم (3294) . ومسلم؛ كتاب: فضائل الصحابة، باب: من فضائل عمر رضي الله عنه برقم (2396) .

(2)

أخرجه الترمذي - وصحّحه -؛ كتاب: المناقب، باب [قوله صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ الشَّيْطَانَ لَيَخَافُ مِنْكَ يَا عُمَرُ» ] ، برقم (3690) ، وابن حِبّان برقم (4371) ، وأحمد في مسنده (5/353) . عن بُرَيْدَةَ رضي الله عنه. وقد صحّح الحديثَ الألبانيُّ كما في «الصحيحة» برقم (2261) .

ص: 237

وأما الحصن الثاني - بإذن الله - فيكون في تعظيم الله بالإكثار من ذكره سبحانه:

-

ومن أعظم أنواع الذكر المُحصِّنة لقلب المؤمن، والتي ينبغي له الاشتغال بها: تلاوة القرآن الكريم، مع الاجتهاد في تدبُّره وحفظه، فهذا يوهن بل يبطل أي سلطان لشيطان أو لمن تقرّب إليه من ساحر مشعوذ، كما أخبر بذلك سبحانه:[النّحل: 99-100]{إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ *إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ *} .

ومما لا يخفى مزيد فضلِ بعض سور القرآن الكريم، كما بعض آياته، التي صحّ بمزيد فضلها النصُّ، أما السور، فمنها:

-

سورة الفاتحة، ويتلوها المؤمن سبع عشرة مرة في صلواته من اليوم والليلة، وقد قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} : هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيْتُهُ» (1) . وقال عليه الصلاة والسلام: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أُنْزِلَتْ فِي التَّوْرَاةِ، وَلَا فِي الإِْنْجِيلِ، وَلَا فِي الزَّبُورِ، وَلَا فِي الْفُرْقَانِ مِثْلُهَا، وَإِنَّهَا سَبْعٌ مِنَ الْمَثَانِي، وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُعْطِيْتُهُ» (2) .

ومن فضلها العظيم أنها رقية مشروعة، قد «أقرّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم نفرًا من الصحابة رضي الله عنهم، رقَوْا بها - مجتهدين في كونها رقية - سيدَ حيٍّ من أحياء العرب، كان قد لُدِغ، فشفي، فقال صلى الله عليه وسلم للراقي، وهو أبو سعيد

(1) أخرجه البخاري؛ كتاب: التفسير، باب: ما جاء في فاتحة الكتاب، برقم (4474) ، عن أبي سعيد بن المعلّى رضي الله عنه.

(2)

أخرجه الترمذي - وصحّحه -؛ كتاب: فضائل القرآن، باب: ما جاء في فضل فاتحة الكتاب، برقم (2875) ، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 238

الخدري رضي الله عنه: وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ» (1) .

-

سورة البقرة بتمامها في البيت، فتكون حصنًا حصينًا لأهله؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ، إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ» (2) .

وقال عليه الصلاة والسلام في فضلها أيضًا: «اقْرَؤُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ، فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ» (3) . فهي حصن حصين يبطل أعمال السَّحَرة الأشرار، وكيد أتباعهم الفجّار.

-

ومن السور الداعية لِتَنَزُّل السَّكينة على قلب المؤمن، سورة الكهف، وقد قال عليه الصلاة والسلام لمن تنزلت عليه سحابة غَشِيَتْه عند قراءته لها،:«اقْرَأْ، فَإِنَّهَا السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ لِلْقُرْآنِ» (4) .

-

ومن فُضليات السور أيضًا سورة (الكافرون) ، فإنها براءة من الشرك، وهي لا تَدَع للشيطان على الإنسان سلطانًا ألبتة، وقد أمر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم

(1) معنى حديثٍ أخرجه البخاري؛ كتاب: الإجارة، باب: ما يُعطى في الرقية على أحياء العرب بفاتحة الكتاب، برقم (2276) . ومسلم؛ كتاب: السلام، باب: جواز أخذ الأجرة على الرقية بالقرآن والأذكار، برقم (2201) ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

(2)

أخرجه مسلم؛ كتاب: صلاة المسافرين وقَصْرِها، باب: استحباب صلاة النافلة في بيته، وجوازها في المسجد، برقم (780) ، وأحمد في مسنده بلفظ «يفر» بدل «ينفر» ، في مواضع عدة منها في مسند المكثرين، برقم (7808) ، وبرقم (9030) . والترمذي بنحوه، أبواب فضائل القرآن، باب: ما جاء في سورة البقرة وآية الكرسي، برقم (2877) ، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(3)

هذا جزء من حديث أخرجه مسلم بطوله؛ كتاب: صلاة المسافرين وقَصْرِها، باب: فضل قراءة القرآن وسورة البقرة، برقم (804) ، عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه. و «البَطَلة» ، هم السحرة، كما ذكره معاوية بن سلام، (أحد رواة هذا الحديث) .

(4)

متفق عليه من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه، أخرجه البخاري؛ كتاب: المناقب، باب: علامات النبوة في الإسلام، برقم (3614)، ومسلم؛ كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: نزول السكينة لقراءة القرآن، برقم (795) .

ص: 239

نوفلَ بن معاويةَ رضي الله عنه، أن يتلوها إذا أوى إلى فراشه، بقوله صلى الله عليه وسلم «قل:{قال يا أيها الكافرون} ثُمَّ نَمْ عَلَى خَاتِمَتِهَا فَإِنَّهَا بَرَاءَةٌ مِنَ الشِّرْكِ» (1) .

-

ومن السور الكريمات المحصِّنات: سورة الإخلاص والمعوِّذتان، إذا قرئت ثلاثًا، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن خُبيب رضي الله عنه:«قل: {قل هو الله أحد} وَالْمُعوِّذَتَيْنِ حِينَ تُمْسِي وَتُصْبِحُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ تَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ» (2) .

كما أن سورة الإخلاص تعدل ثُلُثَ القرآن، فقد قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه السورة حين احتشد الناس لسماع ثلث القرآن من في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قرأها قال صلى الله عليه وسلم:«إِنِّي قُلْتُ لَكُمْ سَأَقْرَأُ عَلَيْكُمْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ، أَلَا إِنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ» (3) ، كذلك، فإن المعوذتين رقية شرعية للمريض، كما صحّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه كَانَ إِذَا اشْتَكى - أي: مَرِضَ - نَفَثَ عَلَى

(1) أخرجه أبو داود - واللفظ له - كتاب: الأدب، باب: ما يقول عند النوم، برقم (5055)، عن نوفل الأشجعي رضي الله عنه. والترمذي؛ كتاب: الدعوات، باب: ما جاء في من يقرأ من القرآن عند المنام، برقم (3403) ، عن فروة بن نوفل، وكذلك عن نوفل رضي الله عنهما. صحّحه الألباني. انظر: صحيح الترمذي برقم (3643) .

(2)

أخرجه أبو داود؛ كتاب: الأدب، باب: ما يقول إذا أصبح، برقم (5082)، والترمذي؛ كتاب: الدعوات، باب: الدعاء عند النوم، برقم (3575)، عن عبد الله بن خبيب رضي الله عنه. وقال الترمذي: حسن صحيح غريب. اهـ. قال الألباني: وهو كما قال. انظر: الكلم الطيب برقم (19) .

(3)

أخرجه البخاري؛ كتاب: فضائل القرآن، باب: فضل: {قل هو الله أحد} ، برقم (5013) بلفظ:«وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ» . وفي كتاب الأَيْمان والنذور، باب: كيف كانت يمين النبيِّ صلى الله عليه وسلم، برقم (6643) ، وفي كتاب التوحيد، باب: ما جاء في دعاء النبيِّ صلى الله عليه وسلم أمته إلى توحيد الله تبارك وتعالى: برقم (7375) ، جميعها عن أبي سعيد الخُدْري رضي الله عنه.

وأخرجه مسلم بنحوه، في مواضع من كتاب: صلاة المسافرين وقَصْرِها، باب: فضل قراءة {قل هو الله أحد} ، برقم (811) ، عن أبي الدرداء رضي الله عنه، وبرقم (812) ، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 240

نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ، فَلَمَّا اشْتَكى وَجَعَهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ صلى الله عليه وسلم جَعَلَتِ السَّيِّدَةُ عَائِشَةُ رضي الله عنها تَنْفُثُ عَلَى نَفْسِهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمُعَوِّذَاتِ، وَتَمْسَحُ بِيَدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْهُ [رَجَاءَ بَرَكَتِهَا](1) .

وأما الآيات الكريمات، التي تقي تلاوتُها - بإذن الله - من صنوف الشرور.

- فأولها: آية الكرسي، وذلك لما صحَّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم من قوله لأبيِّ بن كعبٍ رضي الله عنه، «يَا أَبَا الْمُنْذِرِ، أَتَدْرِي أَيَّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ مَعَكَ أَعْظَمُ؟» قلت: الله ورسوله أعلم، قال:«يَا أَبَا الْمُنْذِرِ، أَتَدْرِي أَيَّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ مَعَكَ أَعْظَمُ؟» ، قُلْتُ:{اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَاّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} قال: فَضَرَبَ فِي صَدْرِي وقال: «وَاللهِ لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ» (2) .

وتلاوة هذه الآية هي أعظم سبب لحفظ الله تعالى لعبده، ولحجز الشياطين كافة عمن يقرأها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: وكّلني رسول صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان فأتاني آتٍ فجعل يحثو من الطعام، فأخذتُه فقلت: لأرفعنّك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: - ذلك الشيطان اللص -: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي، فإنه لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تُصبح، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:«صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ، ذَاكَ شَيْطَانٌ» (3) .

(1) أخرجه البخاري - واللفظ له - في كتاب المغازي، باب: مرض النبيِّ صلى الله عليه وسلم ووفاتُه صلى الله عليه وسلم، برقم (4439)، ومسلم؛ كتاب: السلام، باب: رقية المريض بالمعوّذات والنفث، برقم (2192) ، عن عائشة رضي الله عنها. وما بين معقوفتين عند مسلم رحمه الله.

(2)

أخرجه مسلم؛ كتاب: صلاة المسافرين وقَصْرِها، باب: فضل سورة الكهف وآية الكرسي، برقم (810) ، عن أبيّ بن كعب رضي الله عنه.

وأخرجه أحمد في المسند، من مسند البصريين، برقم (20864) ، عن رجل من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم هو أبيٌّ رضي الله عنه.

(3)

أخرجه البخاري مطوّلاً، كتاب: الوكالة، باب: إذا وكّل رجلاً فترك الوكيلُ شيئًا فأجازه فهو جائز، برقم (2311)، وباختصار - وهو اللفظ المختار -؛ في كتاب: بدء الخلق، باب: صفة إبليس وجنوده، برقم (3275) ، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 241

- ومن ذلك أيضًا، الآيتان من خواتيم سورة البقرة، وهي قوله تعالى:[البَقَرَة: 285-286]{آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ *لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَاّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ *} .

فقد صحّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنهما تكفيان من قرأهما من غائلات الليل، قال صلى الله عليه وسلم:«الآْيَتَانِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، مَنْ قَرَأَهُمَا فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ» (1) . وقال عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ اللهَ تَعَالى كَتَبَ كِتَابًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَْرْضَ بِأَلْفَيْ عَامٍ أَنْزَلَ مِنْهُ آيَتَيْنِ خَتَمَ بِهِمَا سُورَةَ الْبَقَرَةِ، وَلَا يُقْرَآنِ فِي دَارٍ ثَلَاثَ لَيَالٍ فَيَقْرَبُها شَيْطَانٌ» (2) .

-

ومن صنوف الشرور العظمى التي يتحصن المسلم منها فتنة (المسيح الدجّال) ، ويكون ذلك التحصن بحفظ عشر آيات من أول سورة الكهف، وعشرٍ من آخرها. وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم:«مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ [مِنْ آخِرِ] سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ» (3) .

(1) متفق عليه: أخرجه البخاري؛ كتاب: فضائل القرآن، باب: فضل سورة البقرة، برقم (5009)، عن أبي مسعود البدري الأنصاري رضي الله عنه. ومسلم؛ كتاب: صلاة المسافرين وقَصْرِها، باب: فضل الفاتحة وخواتيم البقرة، برقم (807) .

(2)

أخرجه الترمذي - وحسّنه واستغربه -؛ كتاب: فضائل القرآن، باب: ما جاء في آخر سورة البقرة، برقم (2882)، عن النعمان بن بشير رضي الله عنه. صحّحه الألباني. انظر: صحيح سنن الترمذي برقم (2311) .

(3)

أخرجه مسلم؛ كتاب: صلاة المسافرين وقَصْرِها، باب: فضل سورة الكهف وآية الكرسي، برقم (809)، عن أبي الدرداء رضي الله عنه. قال مسلم رحمه الله: قال شعبة: من آخر الكهف، وقال همّام، من أول الكهف. اهـ.

ص: 242

لقد تفضّل الله تعالى على المؤمن بهدايته للإيمان، وإن تلاوة ما سبق ذكره من السور والآيات لم يكن لينفع قارئه، النفع التام، إلا إذا صدر عن قلبٍ مخلَّصٍ من شوائب الشرك، ولوثات الرياء، فاحرص على حفظ النعمة العظمى، والمنة الكبرى: نعمة الإيمان، فهي الحصن الحصين، وهي التي تُحِيل النطق بالأذكار - ومن أعظمها تلاوة آيات الله تعالى - من مجرد قولٍ لكلمات يلهج بها اللسان، إلى أنوار من الهدى تحمي القلب فيطمئن بها، وتُبصِّره بالحق فيعقله فيتدبّر عندها هوان الدنيا، وحسن ثواب الآخرة، وتزكو نفسه، فتتلبسها السكينة، ويجلّلها الفلاح، وإن نعمة الإيمان هي التي تكشف للروح معنى النفخة العلوية والخِلْقة السويّة التي أسجد اللهُ تعالى ملائكتَه الكرام بسببها لآدم عليه السلام، كما تكشف للروح شدة عداوة إبليس لبني آدم عليه السلام، وتكبُّرَه الذي حجب عنه كل خير، وأحاله رجيمًا مذؤومًا مدحورًا، ملعونًا، مُتوعَّدًا بأشد العذاب، إذا عقل القلب ذلك اتخذت الروحُ عندها الشيطانَ عدوًا، وحذِرَتْ مكايده، وحصَّنَتِ النفس من مداخله، ولا يقتصر أمرها على ذلك، بل إن هذه النعمة العظمى تلقي السرور والحبور في مناحي القلب، فيأمر القلبُ الجسدَ بحسن الامتثال للوهّاب، وبشدة الكراهية لمخالفة أمره، فتمتثل الجوارح عندها بالعبادة فيحقق العبد غاية وجوده، والحكمة من خلقه، فيعبد ربّه حق العبادة، ويتوكل عليه حق التوكل.

أخي القارئ الكريم، إذا عرفت قدر تلاوة آيات الله تعالى في مقام الأذكار المُحَصِّنة، وارْتَضْتَ في رَوْضِها، ورتَّلْتَها ترتيلاً آناء الليل وأطراف النهار، فهاك باقةً عطرة من أذكار نبوية شريفة، فاح شذاها من محبة النبيِّ صلى الله عليه وسلم لأمته، ومزيد رحمته ورأفته بهم، وإشفاقه عليهم من أن تَجَاذَبَهُمْ أهواؤهم، وتأمَّر عليهم نفوسُهم بالسوء، أو يُضِلَّهم قرناؤهم من شياطين الإنس والجن. وقد دلنا عليه الصلاة والسلام على أن الخلق جميعَهم عجَزَة لا يملكون ضرًا ولا نفعًا إلا بإذن الله، وأن الله سبحانه هو الذي يُجري -

ص: 243

إن شاء - نفعًا أو ضرًا على أيديهم، وأن القلم قد جرى في علمه تعالى بما هو لنا أو علينا، فالتعويل كله على إرادة الله وقدرته سبحانه، قال عليه الصلاة والسلام:«وَاعْلَمْ أَنَّ الأُْمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ، لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَاّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَاّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَْقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ» (1) . فإن استقر هذا المعنى في فؤادك حصل لك عندها انتفاع تام بالأذكار النبوية، وتحصنت بها بإذن الله، فلا يضرك شيء بعدها يقينًا، بل ولا يجرؤ مخلوق على ضُرِّك، فإن أهل الحصن لا ينعمون بالاطمئنان والأمان إلا إذا وقف عند أبواب أسوارهم جند أشاوس يخشى العدو من مجرد التفكير بغزوهم، هذا مَثَلُ قلب المؤمن وقد أيقن بعزة الله سبحانه، ولهج لسانه بما أرشده إليه نبيُّه صلى الله عليه وسلم.

هذا، وإن من مهمات التحصينات بالأذكار النبوية؛ الأوراد عند الإصباح والإمساء، وكذلك عند النوم.

أولاً: التحصينات بأذكار الإصباح والإمساء، وقد حفلت بإيراد ما صح منها كتبُ السنّة المطهّرة (2) ، وليس الغرض هنا استقصاءها، لكن الاختيار منها، مبينًا فضلها تفصيلاً بحسب ما يقتضيه المقام:

1-

تلاوة آية الكرسي: [البَقَرَة: جزء من الآية 255] {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ

} ، فهي أعظم آية في كتاب الله تعالى (3) ، وهي الكلمات النافعة التي لا يزال على قارئها من الله حافظ، ولا يقربه

(1) جزء من حديث أخرجه الترمذي - وصحّحه -؛ كتاب: صفة القيامة، باب: حديث حنظلة، برقم (2516) ، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.

(2)

قد جمعت - بحول الله وقوته - ما تيسر من أذكار اليوم والليلة عامة، ومن أذكار الصباح والمساء خاصة، بتوسعٍ فيها، في مؤلّف سميته:«وِرْد اليوم والليلة» فانظره، إن شئت مزيد فائدة.

(3)

كما في مسلم وغيره؛ عن أبيّ بن كعب رضي الله عنه، وقد تقدّم تخريجه ص241، بالهامش ذي الرقم (2) .

ص: 244

شيطان (1)، وإن فيها وفي قوله تعالى:[آل عِمرَان: 1-2]{الم *اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ *} ، اسم الله الأعظم (2) ، وآية الكرسي مكتوبة تحت العرش (3) ، وإن فضلها يكاد لا يحصى.

(1) كما في البخاري، - تعليقًا بصيغة الجزم - وقد مر تخريجه ص241 بالهامش ذي الرقم (3) .

قال الحافظ ابن حجر في الفتح: (4/487، 488) : هكذا أورد البخاري هذا الحديث هنا - أي: في كتاب الوكالة - ولم يصرّح فيه بالتحديث، وزعم ابن العربي أنه منقطع، وأعاده - أي البخاري - في صفة إبليس وفي فضائل القرآن، لكن باختصار -[وقد وصله النَّسائي - أي: في عمل اليوم والليلة وليس في السنن الصغرى، كما ذكره العينيُّ في عمدة القاري (10/145) -، والمَزِّي في تحفة الأشراف (10/349) ]- وأبو نُعيم من طرق إلى عثمان المذكور - أي: ابن الهيثم (أبو عمرو) -، وذكرتُه - أي الإمام ابن حجر رحمه الله في «تغليق التعليق» (3/296) ، من طريق عبد العزيز بن منيب، وعبد العزيز بن سلام، وإبراهيم بن يعقوب الجوزجاني، وهلال بن بشر الصوّاف، ومحمد بن غالب الذي يقال له: تمتام، وأقربهم لأن يكون البخاري أخذه عنه - إن كان سمعه من ابن الهيثم، هو هلال بن بشر، فإنه من شيوخه، أخرج عنه في «جزء القراءة خلف الإمام» . اهـ. كلام الحافظ رحمه الله. وقد أشار رحمه الله إلى هذه الرواية كذلك في هدي الساري ص 42. فليراجع.

فائدة: إن سبب ورود الحديث، حادثة تكررت لاثنين من الصحابة، رضي الله عنهما، أبي هريرة، وأبي أيوب الأنصاري، مفاد الأولى تعدي شيطان على مال الصدقة، وقد كان أبو هريرة حارسًا عليها، فلما أن أَسَرَه، علّمه أن يقرأ آية الكرسي، ودله على فضلها، والثانية: وهي عند الترمذي برقم (2880) ، وأحمد برقم (23990) مفادها أن غُولاً (جنس من الجن والشياطين) ، كان يسرق تمرًا لأبي أيوب كان يضعه في سَهْوة له (طاقٍ في الحائط يوضع فيه الشيء) ، فلما أَسَرَه أبو أيوب، علَّمه أن يقرأ آية الكرسي، كي لا يقربه شيطان بعد ذلك. انظر: صحيح الترمذي برقم (2309) .

(2)

هذا على القول بأن الاسم الأعظم: (الحيُّ القيُّوم) ، كما في حديث أخرجه الترمذي، وحسَّنه، برقم (3475) ، عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنهما. لكن الخلافُ في تحديد الاسم الأعظم مشتهر لا يخفى، وذلك تبعًا لما وردت به نصوص السنة على تفاوت بينها في صحة وحُسن وضعف، وقد نقل ابن حجر رحمه الله جملة ما وقف عليه في تعيين الاسم الأعظم فذكر أربعة عشر قولاً. انظر: الفتح (11/187 وما بعدها) .

(3)

كما في جزء من حديث، في مسند أحمد، (5/25) ، من حديث معقل بن يسار رضي الله عنه، وفيه: «واستُخرِجت {لا إله إلا هو الحي القيوم} من تحت العرش فوُصلت بسورة البقرة

» الحديث.

ص: 245

2-

تلاوة سورة الإخلاص، والمعوذتين.

أما الإخلاص، فهي تعدل ثلُث القرآن (1) ، ومن فَقِهَ معناها وأحبّ أن يقرأ بها أحبَّه الله عز وجل (2) ، وهي سبب موجب - برحمة الله - لدخول الجنة (3) ، ومن دعا بها فقد دعا الله عز وجل باسمه الأعظم، الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دُعي به أجاب (4) ، وهي حصن مع المعوذتين، تكفي من كل شيء (5) ، وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي رَكْعَتَيْ سُنَّةِ الْفَجْرِ {قال يا أيها الكافرون} و {قل هو الله أحد} (6) .

وأما سورتا الفلق والناس، فهما السورتان المعوِّذتان (7) ، ما تعوّذ متعوِّذٌ

(1) كما في الحديث الذي سبق تخريجه ص244 بالهامش ذي الرقم (3) .

(2)

أخرجه البخاري ومسلم، أما البخاري ففي مواضع منها: في كتاب فضائل القرآن، باب: فضل {قل هو الله أحد} برقم (5013) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. وفي كتاب: التوحيد، باب: ما جاء في دعاء النبيِّ صلى الله عليه وسلم أمتَه إلى توحيد الله تبارك وتعالى، برقم (7375)، عن عائشة رضي الله عنها. وأما مسلم؛ ففي كتاب: صلاة المسافرين وقصرِها، باب: فضل قراءة {قل هو الله أحد} برقم (813) ، عنها أيضًا.

(3)

كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه في سنن النسائي، وجامع الترمذي. أما النسائي؛ ففي كتاب الافتتاح، باب: الفضل في قراءة {قل هو الله أحد} برقم (995)، وأما الترمذي - وقد صححه -؛ ففي كتاب: فضائل القرآن، باب: ما جاء في سورة الإخلاص وسورة إذا زُلزلت، برقم (2897) . انظر: صحيح سنن الترمذي برقم (2320) .

(4)

أخرجه أبو داود؛ كتاب: الصلاة، باب ما يقول بعد التشهّد، برقم (985) ، عن محجن بن الأدرع رضي الله عنه. وكذا في سنن الترمذي - وحسّنه -؛ كتاب الدعوات، باب: ما جاء في جامع الدعوات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، برقم (3475) .

وأخرجه أحمد في مسنده، (5/349) ، مطولاً، من حديث بريدة الأسلمي رضي الله عنه.

(5)

سبق ذكر الحديث وتخريجه، ص244، بالهامش ذي الرقم (2) .

(6)

أخرجه مسلم؛ كتاب: صلاة المسافرين وقَصْرِها، باب: استحباب ركعتي سنة الفجر، برقم (726) ، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(7)

تسمية السورتين بالمعوِّذتين، ورد فيه أحاديث عديدة، منها، قوله صلى الله عليه وسلم:«قل: {قل هو الله أحد} ِ والمعوّذتين حين تمسي وحين تصبح (ثلاث مرات) تكفيك من كل شيء» ، وقد مرّ تخريجه ص240 هامش ذي رقم (2) . وقد سمى الصحابة السورتين بالمعوّذتين اقتداء

بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ منهم: عائشة، في وصفها لقراءة النبيِّ صلى الله عليه وسلم بالإخلاص وبالمعوّذتين في الركعة الثالثة من الوتر. كما أخرجه أحمد في المسند (6/227) . وأبو سعيد الخدري بقوله:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوّذ من الجانّ وعين الإنسان، حتى نزلت المعوّذتان، فلما نزلتا أخذ بهما وترك ما سواهما» ، كما في الترمذي - وحسّنه -، برقم (2058) ، والنسائي، برقم (5496) ، وابن ماجَهْ، برقم (3511) . انظر: صحيح سنن الترمذي برقم (1681) .

ص: 246

بمثلهما، ويستحب أن يقرأ بهما في صلاة الصبح (1) ، وكذلك في أدبار الصلوات (2) ، وحين الإصباح والإمساء مع سورة الإخلاص ثلاث مرارٍ - كما مرّ آنفًا -، كما يقرأ المؤمن بذلك جميعه وينفث بهما في كفيه إذا أوى إلى فراشه، ويتعوذ بهما عند شكايته المرض، ويرقي بهما نفسه عند نزول المرض، كل ذلك اقتداءً بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم (3) .

3-

قول: (لَا إِلهَ إِلاّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ، عشر مرارٍ أو مائة مرّة. فمن قالها (عشرًا) كان كمن أعتق رقبةً من ولد إسماعيل عليه السلام. ومن قالها (مائةً) كتبت له مائة

(1) وذلك لقول النبيِّ صلى الله عليه وسلم لعقبةَ بن عامر رضي الله عنه: «يا عقبةُ، تعوَّذ بهما، فما تعوّذ متعوِّذ بمثلهما» . وقال عقبةُ: وسمعته يؤمُّنا بهما في الصلاة.

والمقصود بالصلاة صلاة الصبح، كما صرّح به عقبة رضي الله عنه عند أبي داود، برقم (1462) .

(2)

كما أمر به النبيُّ صلى الله عليه وسلم عُقْبَةَ رضي الله عنه فيما أخرجه أبو داود؛ في كتاب: الصلاة، باب: في الاستغفار، برقم (1523) . والترمذي، كتاب: فضائل القرآن، باب: ما جاء في المعوِّذتين، برقم (2903) وقال: هذا حديث حسن غريب، والنسائي؛ كتاب السهو، باب: الأمر بقراءة المعوّذات بعد التسليم، برقم (1337) .

(3)

القراءة بهما وبسورة الإخلاص - عند النوم - فلفعله صلى الله عليه وسلم، عن عائشة رضي الله عنها، قالت:«كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَوى إِلَى فِرَاشِهِ، نَفَثَ فِي كَفَّيْهِ بِقُلْ هَوُ اللهُ أَحَدٌ وَبِالْمُعَوِّذَتَيْنِ جَمِيعًا، ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ، وَمَا بَلَغَتْ يَدَاهُ مِنْ جَسَدِهِ، فَلَمَّا اشْتَكَى صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْمُرُنِي أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ بِهِ» . أخرج ذلك البخاري؛ كتاب: الطب، باب: النفث في الرقية، برقم (5748)، عن عائشة رضي الله عنها. كما أخرجه مسلم؛ كتاب: السلام، باب: رقية المريض بالمعوّذات والنَّفْث، برقم (2192) عنها أيضًا.

ص: 247

حسنة، ومحي عنه مائة سيئة، ثم كانت له حِرْزًا من الشيطان في يومه ذاك حتى يمسي (1) .

4-

قول: «سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَا نَفْسِهِ، وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ» (ثلاث مرات) ، وهذه لو وزنت بما يقوله المؤمن من أذكار منذ انقضاء صلاة الفجر إلى وقت الضحى، لوزنتهن (2) .

5-

ثم يَشْرع بالصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، بقوله: اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى [إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى] آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى [إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى] آلِ إِبْرَاهِيمَ (فِي الْعَالَمِينَ) ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (3) . يكررها عشرًا، أو يكثر منها ما شاء، لقوله صلى الله عليه وسلم: مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا (4) ، كما أنه يستحب للمؤمن أن يبالغ في الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة وليلته، وذلك امتثالاً لأمره صلى الله عليه وسلم بقوله صلى الله عليه وسلم: إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ

(1) أخرجه البخاري في كتاب: الدعوات، باب: فضل التهليل، برقم (6403) ، عن أبي هريرة رضي الله عنه. وبرقم (6404)، عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه. ومسلم؛ كتاب: الذِّكر والدعاء، باب: فضل التهليل والتسبيح والدعاء، برقم (2693) ، عنه أيضًا.

(2)

كما أخبر بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، بقوله لأم المؤمنين جويرية رضي الله عنها، حين مكثت من بعد صلاة الصبح جالسة في مسجدها تذكر الله تعالى إلى أن أضحت:«لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ مُنْذُ الْيَوْمَ لَوَزَنَتْهُنَّ، سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَا نَفْسِهِ، وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ» . أخرجه مسلم؛ كتاب: الذكر والدعاء، باب: التسبيح أول النهار وعند النوم، برقم (2726) ، عن جويرية رضي الله عنها.

(3)

أخرجه البخاري؛ كتاب: أحاديث الأنبياء، بابٌ بعد باب:(يزفُّون) ، برقم (3370)، وأخرجه مسلم؛ كتاب: الصلاة، باب: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهُّد، برقم (405) ، عن كعب بن عُجْرة رضي الله عنه..

- وما بين معقوفتين [إبراهيم وعلى] في الموضعين هي في البخاري. أما زيادة (في العالمين) في التبريك، فهي عند مسلم رحمه الله.

(4)

سبق تخريجه ص5 بالهامش ذي الرقم (1) .

ص: 248

عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ، وَفِيه الصَّعْقَةُ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلاةِ فِيهِ، فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ (1) .

6-

قول أفضل الاستغفار وسيِّده، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:«اللهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَاّ أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ [لَكَ] بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَاّ أَنْتَ» (2) . وقد أَعْلَمَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بعظيم فضل هذا الاستغفار بقوله صلى الله عليه وسلم: «وَمَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا، فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِي، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ» (3) . وأنّى يكون لشيطان سلطان على من هو معدود في أهل الجنة؟! قال تعالى: [الحِجر: 42]{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَاّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ *} ، وقال سبحانه:[النّحل: 100]{إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ *} .

7-

ملازمة الاستغفار والتوبة في اليوم والليلة، ما يحبط محاولات الشيطان المتكررة لإغواء من استطاع من بني آدم وإلحاقهم بمعيته إلى مستقره الأخير وإلى مصيره البئيس، فالعبد - إذا غفر الله له وتاب عليه - أيأس شيطانه من اللحاق به، فيعاود الكرّة مرة بعد مرة عسى أن ينال مبتغاه وغاية مناه، فيلزم العبدُ عندها الاستغفارَ والتوبة، لتبدأ بعدها المحاولات

(1) جزء من حديث أخرجه أبو داود؛ باب: فضل يوم الجمعة وليلة الجمعة، برقم (1047) ، وأحمد في مسنده (4/8) ، من حديث أوس بن أوس الثقفي رضي الله عنه. وقد صحّحه الألباني كما في «الإرواء» برقم (4) .

(2)

أخرجه البخاري؛ كتاب: الدعوات، باب: أفضل الاستغفار، برقم (6302) ، عن شداد ابن أوس رضي الله عنه، وبرقم (6323) ، عنه أيضًا، لكنْ بتأخير لفظ:«أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ» . وبزيادة لفظ «لَكَ» ، في الموضع الثاني.

(3)

هذا تمام رواية - سيد الاستغفار -، بالتخريج السابق.

ص: 249

من جديد، ولعل ذلك هو سر إشفاق النبيِّ صلى الله عليه وسلم على أمته المكرمة بأمرهم بتكرار الاستغفار والتوبة سبعين أو مائة مرة، مع أن العبد قد لا تبلغ ذنوبه هذا الكمّ في اليوم، إلا أن وساوس شياطين الإنس والجن قد تبلغ ذلك، وقد تزيد، عياذًا بالله تعالى من شر وساوسهم. قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: وَاللهِ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّة (1)، وقال عليه الصلاة والسلام: إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي، وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللهَ فِي الْيَوْمِ مَائِةَ مَرَّة (2) .

فإذا كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم وشأنه دوام ذِكر الله تعالى - يفتر عن الذكر أحيانًا، فيَعُدّ ذلك صلى الله عليه وسلم خلاف الأولى في حقه، فيشرع بالاستغفار والتوبة، فما بال أحدهم وقد علا الرّان (3) قلبَه ساعات، بل ربما أيامًا، ثم يسأل بعدها مستغربًا كيف تسلّط شيطان على قلبه؟! وكيف تلبّس به وجرى في دمه؟! وكيف صرعه مسٌّ شيطاني، أو أضرّ به سحر سُفْلي، أو عانه عائن، أو أضر به شر حاسد؟! حتى إذا استعصى علاج ذلك على الخلق عرف آنذاك أن ما أصابه كان بما كسبت يداه واشتغلت به يمناه، وبما أعرض قلبه عن ذكر مولاه، فيمّم وجهه مسارعًا إلى راقٍ يرقيه، أو صالح يدعو له، وكان الأجدر به أن يعلم ابتداءً أنْ لا ملجأ ولا منجىً من الله إلا إليه، وأن الأمر كله لله، فلو تعلق بالرقية أو بصلاح عبد يرقيه وحسب، لم ينفعه ذاك، حتى يعود إلى مولاه ويطلب رضاه، عندها ينفع التحصينُ

(1) أخرجه البخاري؛ كتاب: الدعوات، باب: استغفار النبيِّ صلى الله عليه وسلم في اليوم والليلة، برقم (6307) ، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(2)

أخرجه مسلم؛ كتاب: الذّكر والدعاء، باب: استحباب الاستغفار والاستكثار منه، برقم (2702)، عن الأغرِّ المُزَني رضي الله عنه. ومعنى:«لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي» ، قال أهل اللغة: الغَيْنُ والغيمُ بمعنىً، - أي بمعنى واحد - والمراد هنا: ما يتغشى القلبَ من غفلات عن ذكر الله تعالى. انظر: المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجّاج، للإمام النووي رحمه الله. (17/26) .

(3)

الرّان، والرَّيْن سواء؛ وأصله: الطبع والتغطية، ومنه قوله تعالى:[المطفّفِين: 14]{كَلَاّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ *} ، أي طبع وختم على قلوبهم كثرة ذنوبهم. انظر: غريب الحديث والأثر لابن الأثير مادة (رين)(2/291) .

ص: 250

ويوفق الله الراقي والمسترقي، ويشفي الله عبده من كل ما يؤذيه، ويقوم كأنما نشط من عقال، كأنْ ليس به ضُرٌّ مسَّه.

8-

ومن الأذكار المُحصِّنة لقلب المؤمن في الإصباح والإمساء، أيضًا قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: أَصْبَحْنَا وَأَصْبَحَ (أَمْسَيْنَا وَأَمْسَى) الْمُلْكُ لِلّهِ، وَالْحَمْدُ لِلّهِ، لَا إِلَهَ إِلاّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، ويزيد إن شاء إذا أمسى: رَبِّ أَسْأَلُكَ خَيْرَ مَا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ، وَخَيْرَ مَا بَعْدَهَا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ، وَشَرِّ مَا بَعْدَهَا (1) ، أَصْبَحْنَا (أَمْسَيْنَا) عَلَى فِطْرَةِ الإِْسْلَامِ، وَعَلَى كَلِمَةِ الإِْخْلَاصِ، وَعَلَى دِينِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَعَلَى مِلَّةِ أَبِينَا إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (2) ، أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ ومن فضل قول ذلك أن العبد إذا نزل منزلاً فقالها لم يضره شيء؛ إنس ولا جان ولا حيوان، حتى يترك منزله ذلك (3) . كذلك قول: بِسْمِ اللهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعِ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الأَْرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ، وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (يقولها ثلاثًا)، ومن فضلها: أن قائلها لا تصيبه فَجْأَةُ بلاءٍ (4)، وقول: رَضِيتُ بِاللهِ رَبًّا، وَبِالإِْسْلَامِ دِينًا،

(1) أخرجه مسلم؛ كتاب: الذِّكر والدعاء، باب: التعوّذ من شر ما عُمِل ومن شر ما لم يُعمَل، برقم (2723) ، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

(2)

أخرجه أحمد في مسنده، (3/407) ، والنسائي في «عمل اليوم والليلة» برقم (1) ، وابن السُّنِّي برقم (34) . من حديث عبد الرحمن بن أبزى رضي الله عنه. والحديث صحّحه النووي، والعراقي، والألباني كما في «الصحيحة» برقم (2989) .

(3)

كما صحّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه مسلم؛ كتاب: الذِّكر والدعاء، باب: في التعوّذ من سوء القضاء ودَرَك الشقاء وغيره، برقم (2709) ، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(4)

أخرجه أبو داود؛ كتاب: الأدب، باب: ما يقول إذا أصبح، برقم (5088) . والترمذي، كتاب: الدعوات، باب: ما جاء في الدعاء إذا أصبح وإذا أمسى، برقم (3388) . وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب. وابن ماجَهْ، برقم (3938) ، من حديث عثمان رضي الله عنه. والحديث صحّحه الحافظ ابن حجر، والألبانيُّ. انظر: نتائج الأفكار (2/347) ، وصحيحَ ابن ماجه برقم (3134) .

ص: 251

وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيًّا يقولها ثلاثًا كذلك. فمن قال ذلك كان حقًا على الله تعالى أن يُرضيه يوم القيامة (1) .

ثانيًا: الأذكارُ المتعلقة بالنوم؛ ومن ذلك:

-

تلاوة آية الكرسي [أعظم آية في كتاب الله، وسيدة آي القرآن] . كما جاء في رواية استحفاظ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أبا هريرة لزكاة رمضان، وقد أتاه آتٍ يحثو من مال الصدقة مرات عديدة - وهو يَعِدُ بألا يعود، ثم هو يعود حتى قال لأبي هريرة رضي الله عنه: إذا أويتَ إلى فراشك، فاقرأ آية الكرسي، فأعلم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أبا هريرة عن حقيقة هذا الآتي بقوله: صَدَقَكَ، وَهُوَ كَذُوبٌ، ذَاكَ شَيْطَانٌ (2) .

-

تلاوة خواتيم سورة البقرة: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ} إلى آخر السورة الكريمة [البقرة 285-286] . وذلك لقول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: الآْيَتَانِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ؛ مَنْ قَرَأَ بِهِمَا فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ (3) .

-

تلاوة سورة (الكافرون)، لقوله عليه الصلاة والسلام: اقْرَأْ: [الكافِرون: 1]{قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ *} ، ثُمَّ نَمْ عَلَى خَاتِمَتِهَا فَإِنَّهَا بَرَاءَةٌ مِنَ الشِّرْكِ (4) .

4-

النفْث في اليدين - باطن الكفَّين -، مع قراءة سورة الإخلاص والمعوّذتين، فَقَدْ كَانَ عليه الصلاة والسلام إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ نَفَثَ فِي

(1) أخرجه أبو داود؛ كتاب: الأدب، باب: ماذا يقول إذا أصبح، برقم (5072) . وأحمد في مسنده - بزيادة (ثلاثًا) - (4/337) ، من حديث خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(2)

سبق تخريجه ص245 بالهامش ذي الرقم (3) .

(3)

سبق تخريجه ص246، بالهامش ذي الرقم (1) .

(4)

سبق تخريجه ص244، بالهامش ذي الرقم (1) .

ص: 252

يَدِهِ وَقَرَأَ بِالْمُعَوِّذَاتِ، وَمَسَحَ بِهِمَا جَسَدَهُ (1) .

-

التكبير أربعًا وثلاثين، والحمد ثلاثًا وثلاثين، والتسبيح ثلاثًا وثلاثين، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم لعلي وفاطمة رضي الله عنهما: إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا، فَكَبِّرَا اللهَ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ، وَاحْمَدَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَسَبِّحَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ (2) .

-

ومن ذلك، إِسْباغُ الوضوءِ، وَالاضْطِجاع على الشِّق الأيمن، مع قول: اللهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَوَجَّهْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَاّ إِلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ، فَإِنْ مُتَّ مُتَّ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَقُولُ (3) .

هذا، وقد اقتصرت على ما رأيتَ، سائلاً الله تعالى أن يوفقني وإياك للتحصن بذكره في جميع أحوالنا، وأن يُذهِب عنا رجز الشيطان ويُضعف كيده، ويُخزي جنده ويُعدم سلطانه، وأن يمتن الله عز وجل علينا فيوفقنا لأن نكون من عباده المخلَصين. آمين.

(1) أخرجه البخاري؛ كتاب: الدعوات، باب: التعوذ والقراءة عند المنام. برقم (5017) ، عن عائشة رضي الله عنها، وبرقم (6319) ، عنها أيضًا، والمختار لفظ الثانية.

النفث: نفخ لطيف بلا ريق. وسورة الإخلاص مع المعوّذتين، تسمى جميعًا المعوِّذات.

(2)

أخرجه البخاري؛ كتاب: فرض الخُمُس، باب: ما ذكر عن دِرع النبيِّ صلى الله عليه وسلم، برقم (3113)، عن علي رضي الله عنه. ومسلم؛ كتاب: الذِّكر والدعاء، باب: التسبيح أول النهار وعند النوم، برقم (2727) ، عن عليٍّ رضي الله عنه.

(3)

أخرجه البخاري - واللفظ له - كتاب: الدعوات، باب: ما يقول إذا نام، برقمي (6311) و (6313)، ومسلم؛ كتاب: الذكر والدعاء، باب: ما يقول عند النوم، برقم (2710) ، عن البراء بن عازبٍ رضي الله عنه..

ص: 253