المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثالثا: السحر، وشباب الأمة - الحذر من السحر

[خالد الجريسي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الفصل الأول«آية السحر» ، و «حديث السحر» ، ومباحث في فقه العلماء لهما

- ‌أ- النص الأول: آية السحر:

- ‌أولاً: تناسب مطلع الآية مع سِباقها:

- ‌ثالثًا: سبب نزول آية السحر:

- ‌رابعًا: من تفسير آية السحر:

- ‌ب- النص الثاني: حديث «السِّحْر»

- ‌أولاً: ثبوت الحديث

- ‌ثانيًا: إيراد بعض روايات الحديث

- ‌ثالثًا: بيان غريب الألفاظ:

- ‌رابعًا: ذكر جملةٍ من دعاوى منكري الحديث، وردّها:

- ‌الفصل الثانيبيان معنى السحر، وما يتعلق به من مصطلحات

- ‌بيان معنى السحر

- ‌المبحث الأول: التعريف اللغوي

- ‌المبحث الثاني: التعريف الاصطلاحي

- ‌ بيان مصطلحات متعلقة بالسحر

- ‌1- الطَّلِسْم

- ‌2- التنجيم

- ‌3- النَّفْث في العُقد:

- ‌4- التميمة:

- ‌5- الاستحضار

- ‌6- الرقى:

- ‌10- النِّيرَنْجات

- ‌11- الشعوذة

- ‌الفصل الثالثبيان أنواع السحر، وعلاقتها بما يسمى (علومًا روحانية)

- ‌تمهيد:

- ‌ مراتب السحر وأقسامه

- ‌أولاً: مراتب السحر من حيث ماهيته؛ حقيقة ومجازًا

- ‌ثانيًا: أقسام السحر، باعتبار أهله وطرائق حصوله

- ‌أ- ذكر تقسيمات لأنواع السحر سابقة لتقسيم الإمام الرازي

- ‌جـ- ذكر تقسيماتٍ للسحر بعد تقسيم الإمام الرازي

- ‌ثالثًا: أنواع السحر من حيث أثره على المسحور

- ‌ التعريف ببعض هذه العلوم، وبيان تعلُّقِها بالسحر

- ‌1- الأوفاق

- ‌3- الدوائر الشركية:

- ‌4- الأشكال السبعة

- ‌5- الطِّلَّسْمات

- ‌6- ما يدّعون أنه الاسم الأعظم:

- ‌ التحذير من مصنفات حوت هذه العلوم:

- ‌2- منبع أصول الحكمة، للبوني

- ‌الفصل الرابعالسحر؛ باعتباره ظاهرةً اجتماعية

- ‌أولاً: لمحة تأريخية عن السحر لدى الشعوب

- ‌ثانيًا: الوظيفة الاجتماعية لظاهرة السحر

- ‌ثالثًا: السحر، وشباب الأمة

- ‌رابعًا: نظرة تربوية لاستنقاذ الشباب من أوكار الانحراف

- ‌الفصل الخامسعلامات يُعرف بها كلٌ من الساحر والمسحور

- ‌أولاً: علامات يُعرَف بها الساحر

- ‌ثانيًا: في ذكر علاماتٍ يُعرف بها المسحور

- ‌الفصل السادسأحكام السحر والسّحَرة في الشريعة المطهّرة

- ‌أ- الفرق بين المعجزة والسحر:

- ‌ثالثًا: بيان أحكام السحر والسحرة:

- ‌ بيان حكم تعلم السحر، وتعليمه

- ‌ بيان الأحكام المتعلقة بالساحر

- ‌1 - حكم ساحر المسلمين

- ‌2- حكم ساحر أهل الكتاب:

- ‌3- حكم المسلمة الساحرة

- ‌4- حكم قبول توبة الساحر

- ‌5- حكم النُّشرة، وهي: حل السحر بسحر مثلِه

- ‌الفصل السابعالوقاية والعلاج

- ‌تمهيد

- ‌الحصن الأول: تحقيق الإخلاص في توحيد الله سبحانه:

- ‌الحصن الثالث: الإكثار من الاستعاذة بالله تعالى:

- ‌ بيان الرقى، وأنواعها، ومسائل مهمة متعلقة بها

- ‌ ذكر رقى مشروعة من الكتاب والسنة:

- ‌ب- رقية من السحر:

- ‌خاتمة(وقد تضمّنت خلاصةً لمهمّات نتائج البحث، وذكرًا لبعض التوصيات)

- ‌فهرس المراجع

الفصل: ‌ثالثا: السحر، وشباب الأمة

تلك هي الوظائف الاجتماعية - الحيوية والنفسية - التي تؤديها ظاهرة السحر، وهي تمثل جميع خصائص الظاهرة الاجتماعية، ما ضمن لها البقاء في المجتمعات، إما باعتبارها اعتقادات أو عادات، أو موردًا سخيًا للتكسب به، أو سبيلاً للوجاهة والسلطة عند من يمنح السحرة هالة، ويعتقد بهم قدرة فائقة.

‌ثالثًا: السحر، وشباب الأمة

.

إن من المسلّم به - في علم الاجتماع - أن الإنسان هو نتاج ثقافته، وأن التنشئة الاجتماعية هي عملية تحويل هذا الإنسان (الكائن الخام عند مولده) إلى كائن مثقف واعٍ متفاعل بإيجاب مع تلك البيئة المحيطة به. كما أن الإنسان بحكم فطرته ينزع دومًا وبإصرار إلى مزيد من الاستقلال والحرية المتنامية سعيًا إلى تحقيق ذاته والسموّ بها، وهذا النزوع هو منبع متدفق لعملية التجديد الاجتماعي، ومن غير هذا التمرد - إن صحّ التعبير - يبقى المجتمع آسنًا آيلاً إلى التحلل الذاتي، ومن ثم الاندثار.

أخي القارئ، لقد سقت إليك هذا التمهيد لنخلص معًا إلى أن نَزَعات الشباب المستمرة إلى التغيير ليست في ذاتها مذمومة، بل هي الأداة الأقوى إلى الحدّ من سطوة تلك العادات الاجتماعية، التي قد لا تكون دومًا متوافقة مع روح الدين وتعاليمه. وعلى ذلك؛ فإن الانفتاح لتقبّل كل حسن من الجديد، يزيد من كفاءة الأمة على عيش عصرها، بل واستباق كفاءته أحيانًا، وقد عاشت الأمة حِقَابًا من الزمن فاقت فيه بوعيها المتجدد أمم عصرها، فبينا كانت أوروبا تتناحر إماراتها، وتغرق في ظلمات جهالتها، كانت الأندلس تزهو حينها بمنارات معاهدها واختراعات علمائها، وكانت مثالاً يحتذى انبهر به كل من حولها!!

ص: 176

إن الثروة الهائلة في الشباب تستبق إليها مُستغرَبات من الثقافة من كل حَدَب وصوب، وتقف كثير من مجتمعاتنا - للأسف البالغ - موقف المتفرج العاجز عن التكيف مع الثقافات المستجدة، بما عطّل بشكل كبير دور الشباب في الإنتاج والرقي بالمجتمع،، ووجد كثير منهم نفسه بين خيارين أحلاهما مرّ، فبين الحَجْر على تفكيره وإلزامه العادات التي ما أنزل الله بها من سلطان، وبين دائرة الوارد عليه من سموم الأفكار وشائن السلوك، فأضحى كثير منهم فريسةَ هذا التناقض بما أوقعه في دائرة الفراغ القاتل، فتوجّه بعدها إلى ما يخطر ببالك وما لا يخطر، فتارة للخلاعة وطورًا لمخدرات، وثالثة لسحر وشعوذة، ورابعة لأفكار هدامة لبست لبوس الإسلام واحتجبت بستاره وظن أهلها أنهم يحسنون صنعًا.

إن ما يعنينا من ذلك كله أن نُشخِّص توجُّه بعض الشباب إلى مسارح الشعوذة، وخلوات السحرة، ومعابد الشياطين الفجرة، نعم لقد وجد في بعض مجتمعات المسلمين من الشباب من يقيم قداسًا أسود يتقرب فيه إلى الشيطان بفض بكارة عذراء، أو بتعذيب طفل، وشرب من دمه، أو بممارسة شتى أنواع الرذيلة، بل والاستهزاء بالأديان كافة، ثم تعدى تلك الغرفات المظلمة التي تقام فيها هذه الطقوس الفاجرة، تعداها إلى حرمة القبور، لتُنبش ويُعبث بعظام أهلها، ثم تُرتكب الفواحش عندها (1) !!

هذه الجماعات الهدّامة - التي لم يعد أمرها خافيًا - قد عظّم قوم من شأن خطرها على الدين، وادّعى بأنها ستكون معول هدم يفتّ في عضده

(1) هذه الأفعال الفاجرة، وغيرها كثير مما يقوم به من يتسمون بعبدة الشيطان، وهم جماعة ارتضوا ما ابتدعَتْ لهم يهود من طقوس، فألفت لهم كتبها وأناشيدها وموسيقاها ورموزها، ثم رصدوا أموالاً مقنطرة لنشرها في العالم. انظر: كتاب عجائب الزمان في أخبار عبادة الشيطان. د. عبد الحميد هنداوي ص 31.

ص: 177

وينال منه. ونحن نقول: إن هذه الطقوس المشينة والرموز المهينة، ليست - في اعتقادنا - إلا تسخير الساحر لبعض الشباب لأجل إتمام تقربه لشيطانه، فإن ما يفعله هؤلاء يدخل في ما يشترطه شيطان الساحر من النيل من الدين وأهله، وامتهان مقدساته، وذلك ليتم الساحر عقد الاستعانة بشيطانه.

ونحن لا ننكر هنا أن هذه الجماعة المنحرفة كانت حصيلة جهد مضن وإنفاق سخي من أعداء الأمة، لكن اختصاص إطلاق لفظ (عبدة الشيطان) على هؤلاء قد يوهم أن من عداهم من السحرة والكهان والمنجمون، وأصحاب الدعوات الشركية، والعزائم الشيطانية براء من هذه العبادة، إنهم جميعًا في ذلك سواء، وبخاصة إذا اطلعنا على صنوف التقرب للشيطان التي نص عليها أهل السحر في كتبهم، فهي تكاد تكون متطابقة مع طقوس هؤلاء، لكن غاية الفرق بينهم أن السحرة يستفيدون من هؤلاء الشباب كوسيلة لتقربهم إلى شياطينهم في حصول أعمالهم السحرية، أما الأتباع فهم أداة رخيصة وفريسة سهلة تُلتَهم على مذبح السحرة، فترى أحدهم ينهي حياته ملقيًا بنفسه من شاهق، أو قاطعًا عروق يده، أو محرقًا نفسه، عياذًا بالله تعالى من ذلك، فما الذي حدا بشاب في ريعان شبابه إلى هذه النهاية المفجعة، والخاتمة البائسة؟! إنه ذلك الضياع، فبعد أن فشل في تحقيق ذاته في مسرح الحياة، وبعد أن بقيت طاقاته منحصرة بين جنبيه، فلم تجد منفذًا إلى تثقيف واع يواكب العصر، ولم تتقن عملاً منتجًا يحقق الإبداع، ولم يلق ذلك الشاب أسرة تحيط به رعاية، وتسهم في حل مشكلاته، ولا مجتمعًا ينفض عنه باليَ عاداته، ويتمسك بعظيم عباداته،، عندها تلقفته صحبة السوء، وسحبته إلى دُور المشعوذين وخِرَب السحرة المجرمين، فغلب على ظنه أنه قد يحقق شيئًا ما بطريقهم، يحقق به ذاته ويتوصل به إلى تطلعاته، عجز فآوى إلى أوكارهم، حتى إذا استيأس من نفعهم وعلم بشاعة ما أقدم عليه، وعجزت كثير من مؤسسات المجتمع التربوية عن استيعاب معضلاته تلك، ازداد

ص: 178