الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أو أن تأثيره يتعدى ذلك وقد ينتهي إلى الإحالة بحيث يصيّر الجماد حيوانًا مثلاً وعكسه؟
وقد ذهب جمهور القائلين بحقيقة السحر إلى أن تأثيره لا يتعدى تغيير المزاج أو التفريق بين متحابّين ونحوه، وذهبت طائفة قليلة منهم إلى قدرة الساحر على قلب عين أو إحالة طبع ونحوه. والواقع لا يشهد بما ذهب إليه هؤلاء، حيث إن كثيرًا من السحرة الذين يدّعون قدرة على تغيير الأشياء لا يستطيعون إقامة البرهان على ذلك] (1) . هذا، وقد [أجمع المسلمون على أنه ليس في السحر ما يفعل الله عنده إنزال الجراد والقُمّل والضفادع وفلق البحر وقلب العصا وإحياء الموتى وإنطاق العجماء، وأمثال ذلك من عظيم آيات الرسل عليهم السلام. فهذا ونحوه مما يجب القطع بأنه لا يكون ولا يفعله الله عند إرادة الساحر](2) .
الثاني: في إظهار فروق بين السحر وكلٍّ من المعجزة والكرامة (3) .
أ- الفرق بين المعجزة والسحر:
يتبين هذا الفرق من وجوه عديدة، منها ما يختص بماهية كل منهما، أو بالقرائن المصاحبة لهما، أو باعتبار القصد منهما، ويمكن إدراج ذلك في ثمانية فروق كالآتي:
(1) انظر: فتح الباري (10/233) . هذا، وقد أطال ابن حزم في تقرير أن السحر لا يحيل الأعيان ولا يقلب الطبائع بما يستحسن مراجعته. انظر: الفصل في الملل والأهواء والنّحل، جـ5، ص 2 وما بعدها.
(2)
انظر: تفسير القرطبي (2/47) .
(3)
انظر: في هذا المبحث: الفروق للإمام القرافي (4/168) ، وفتح الباري لابن حجر (10/233) ، وزاد المسلم للشنقيطي (4/228) ، والمُعلِم بفوائد مسلم للمازري (3/94) ، وتفسير القرطبي (2/47) ، ومقدمة ابن خلدون ص 502، فقد اجتمعت عندي هذه الفروق من ذلك كله، لكني أثبتها بنقاط محددة تيسيرًا على أخي القارئ.
المعجزة
…
السحر
1-
…
مقترنة دومًا بدعوى النبوة، وبالتحدي لإثبات صدقها.
…
1- ليس فيه دعوى للنبوة، أو تحدٍّ لإثباتها.
2-
لا توجد إلا من نبي، ولا يُمكِّن الله أحدًا أن يأتي بمثلها، أو بمعارضتها.
…
2- يوجد من الساحر وغيره، فيمكن معارضته، بل إبطاله. كما يمكن لجماعة الإتيان به في وقت واحد.
3-
لا تكون إلا بما يُعجِز الخلقَ الإتيانُ بمثله.
…
3- لا يبلغ - إجماعًا - ما تبلغه المعجزة من مثل: فلق البحر أو قلب عصا حيةً، أو إحياء موتى ونحوه.
4-
دالّة على فضل وشرف من ظهرت على يديه، ولا يكون المتحدّي بها إلا أفضل الناس خَلْقًا وخُلُقًا، محبّب لأصحابه معظم عندهم.
…
4- دالّ على كفر صاحبه وفسقه، فأثر السحر لا يجري على المسحور، إلا حال كون الساحر مفتونًا في دينه خاسرًا لآخرته، ممقوت محتقر بين الناس.
5-
خارق للعادة اتفاقًا، ليست مسبَّبة عن أمر عادي.
…
5- ليس خارقًا للعادة - على قول بعض أهل العلم - بل هو علم بأمر عادي يجري الله بمشيئته الكونية أثرًا في نفس المسحور عند تعلق نفس الساحر بذلك، أو قيامه بما يوجب السحر. والسحر إن اعتبر خرقًا للعادة - وهو قول الأكثر - فإنه يبقى أنه ليس موجبًا لحدوث أثره، ولا علة مطّردة لوقوعه، ولا سببًا مولّدًا لذلك. بل قد يقع الأثر وقد لا يقع، فهو من جملة ما يُحدِثه الله تعالى ابتلاءً وفتنة عند وجود السحر.
المعجزة
…
السحر
6-
يكون أثرها على كافة الخلق.
…
6- مختص أثره بمن عُمِل له لا يتعداه.
7-
القصد منها: نصرة الدين ووجوب اتباع المرسلين.
…
7- القصد منه: إيقاع الضر والأذى، مع الإفساد والإضلال.
8-
يكون وقوعها بمحض المنة من الله تعالى على عبده بقصد تأييد دعوى نبوته، لهداية قومه.
…
8- يكون وقوعه من الساحر بعد أشياء يفعلها وقوى يمازج بينها، ومعاناة يتكبدها، وعلوم يتقنها بمشقة، ورياضات وخلوات.
هذه وجوه ثمانية يتبين بها الفرق بين المعجزة والسحر جليًا، وقد يكون ثَم غيرها، لكن في ذلك القدر كفاية لبيان خِسّة السحر وأهله، وافتراقهم ظاهرًا وباطنًا عما جاء به المرسلون عليهم السلام.
ب- الفرق بين الكرامة (1) والسحر.
يتبين الفرق بينهما من وجوه، منها:
الكرامة
…
السحر
1-
حدوثها يكون ابتداءً من الله تعالى محبة بعبده الولي وإظهارًا لصدق نبوة من اتبعه ذلك الولي.
…
1- حدوثه يكون - كما سبق - بأشياء يفعلها الساحر ومعاناة يعانيها.
(1) الكرامة: «ظهور أمر خارق للعادة من قبل شخص غير مقارن لدعوى النبوة» . انظر: تعريفات الجرجاني، ص 235.
…
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (من أصول أهل السنة والجماعة التصديق بكرامات الأولياء، وما يُجْري الله على أيديهم من خوارق العادات في أنواع العلوم والمكاشفات، وأنواع القدرة والتأثيرات، كالمأثور عن سالف الأمم في سورة الكهف وغيرها، وعن صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين، وسائر قرون الأمة، وهي موجودة فيها إلى يوم القيامة) . انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام (3/156) .