الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«وأما الساحر فلِكَوْن عمل السحر نوعًا من الكفر، ففاعله مرتد يستحق ما يستحق المرتد» ، ثم قال بعدها:«والأرجح ما قاله الشافعي، لأن الساحر إنما يُقتل لكفره، فلا بد أن يكون ما عَمِله من السحر موجبًا للكفر» (1) .
هذا، والنُّقول عن العلماء في هذه المسألة عديدة، يصعب حصرها (2) ، أقتصر على ما أوردت منها، والله المستعان وعليه التُّكلان.
2- حكم ساحر أهل الكتاب:
وهو المتعاطي للسحر حال كونه كتابيًا معاهدًا، أي ذميًا؛ يهوديًا كان أو نصرانيًا، فعند الجمهور: مالك والشافعي وأحمد أنه يُعزَّر ولا يُقتل، واحتجوا بأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يأمر بقتل لبيد بن الأعصم، وكان يهوديًا سحر النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وعند أبي حنيفة: أنه يُقتل كما يقتل الساحر المسلم.
قال الإمام الجصّاص مبينًا مذهب أبي حنيفة في وجوب قتل الساحر الذِّمِّي ما نصُّه: (العبد المسلم والذمّي والحرُّ الذمّي؛ مَن أقرَّ منهم أنه ساحر فقد حلّ دمُه، فيُقتل ولا يُقبل منه توبته)(3) .
ويقول الإمام القرطبي - وهو مالكيُّ المذهب -: (وأما ساحر الذمة، فقيل: يُقتل، وقال مالك: لا يُقتل إلا أن يقتل بسحره ويضمن ما جنى، ويُقتل إن جاء منه ما لم يُعاهد عليه)(4) .
(1) انظر: نيل الأوطار، له (7/176) .
(2)
ما يجدر ذكره هنا أن من أهل العلم من ذهب إلى عدم قتل الساحر جملة! يقول ابن حزم رحمه الله رادًا على القائلين بقتل الساحر: (فَنَظَرُنا أن يكون لهم في الآية - أي آية السحر من سورة البقرة (102) - مُتعلَّق أصلاً، ولا في شيء من القرآن، ولا من السنن الصحاح، ولا في السنن الواهية، ولا في إجماعٍ، ولا في قول صاحب، ولا في قياس، ولا نظر، ولا رأيٍ سديد يصح، بل كل هذه الوجوه مبطلة لقولهم. انظر: المحلَّى (8/399) .
(3)
انظر: أحكام القرآن، للجصّاص (1/60) .
(4)
انظر: الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (2/49) .
أما الإمام النووي فقد بيّن مذهب الشافعية بقوله: (إن الذمي عندهم لا يُقتل، فقد «سئل الزهري أعلى مَنْ سحر من أهل العهد قتلٌ؟ فقال: بلغنا أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم صُنِع له ذلك فلم يقتل من صنعه، وكان من أهل الكتاب» (1) . أي لبيد بن الأعصم.
وقد بيّن ابن قدامة المقدسي مذهب الحنابلة بقوله: وساحر أهل الكتاب لا يقتل لسحره، إلا أن يَقتل به، ويكون - أي سِحْرُه - مما يَقتُل غالبًا، فيُقتل الساحر قصاصًا، وذلك أن لبيد بن الأعصم سحر النبيَّ صلى الله عليه وسلم فلم يقتله، ولأن الشرك أعظم من سحره فلا يُقتل به، والأخبار وردت في ساحر المسلمين، لأنه يكفر بسحره، وهذا - أي ساحر أهل الكتاب - كافر أصلي) (2) .
فائدة: قال ابن بطّال - شارح البخاري رحمه الله بعد أن ذكر قول ابن شهاب الزهري: بلغنا أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم صُنِع له ذلك
…
، قال:(لا يُقتل ساحر أهل الكتاب عند مالك، لقول ابن شهاب، ولكن يعاقب، إلا أن يقتل بسحره، فيُقتل، أو يُحدِث حدثاُ فيؤخذ منه بقدر ذلك)(3) .
هذا، وبعد الإعلام بأن الجمهور على عدم قتل ساحر أهل الكتاب، خلافًا لأبي حنيفة، فقد رجّح العلاّمة الشنقيطي رحمه الله القول بوجوب قتل ساحر أهل الذمة - كما هو مذهب أبي حنيفة رحمه الله وهاك قوله: (وأظهر الأقوال عندنا أنه لا يكون أشد حرمة من ساحر المسلمين، بل يُقتل كما يقتل ساحر المسلمين، وأما عدم قتله صلى الله عليه وسلم لابن الأعصم، فقد بينت الروايات الصحيحة أنه ترك قتله اتقاء إثارة فتنة، فدلّ على أنه لولا ذلك لقتله. وقد
(1) انظر: المجموع شرح المهذب (19/246) .
(2)
انظر: المغني مع الشرح الكبير (10/115) .
(3)
انظر: شرح صحيح البخاري، لابن بطّال (5/358) .