المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌2- منبع أصول الحكمة، للبوني - الحذر من السحر

[خالد الجريسي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الفصل الأول«آية السحر» ، و «حديث السحر» ، ومباحث في فقه العلماء لهما

- ‌أ- النص الأول: آية السحر:

- ‌أولاً: تناسب مطلع الآية مع سِباقها:

- ‌ثالثًا: سبب نزول آية السحر:

- ‌رابعًا: من تفسير آية السحر:

- ‌ب- النص الثاني: حديث «السِّحْر»

- ‌أولاً: ثبوت الحديث

- ‌ثانيًا: إيراد بعض روايات الحديث

- ‌ثالثًا: بيان غريب الألفاظ:

- ‌رابعًا: ذكر جملةٍ من دعاوى منكري الحديث، وردّها:

- ‌الفصل الثانيبيان معنى السحر، وما يتعلق به من مصطلحات

- ‌بيان معنى السحر

- ‌المبحث الأول: التعريف اللغوي

- ‌المبحث الثاني: التعريف الاصطلاحي

- ‌ بيان مصطلحات متعلقة بالسحر

- ‌1- الطَّلِسْم

- ‌2- التنجيم

- ‌3- النَّفْث في العُقد:

- ‌4- التميمة:

- ‌5- الاستحضار

- ‌6- الرقى:

- ‌10- النِّيرَنْجات

- ‌11- الشعوذة

- ‌الفصل الثالثبيان أنواع السحر، وعلاقتها بما يسمى (علومًا روحانية)

- ‌تمهيد:

- ‌ مراتب السحر وأقسامه

- ‌أولاً: مراتب السحر من حيث ماهيته؛ حقيقة ومجازًا

- ‌ثانيًا: أقسام السحر، باعتبار أهله وطرائق حصوله

- ‌أ- ذكر تقسيمات لأنواع السحر سابقة لتقسيم الإمام الرازي

- ‌جـ- ذكر تقسيماتٍ للسحر بعد تقسيم الإمام الرازي

- ‌ثالثًا: أنواع السحر من حيث أثره على المسحور

- ‌ التعريف ببعض هذه العلوم، وبيان تعلُّقِها بالسحر

- ‌1- الأوفاق

- ‌3- الدوائر الشركية:

- ‌4- الأشكال السبعة

- ‌5- الطِّلَّسْمات

- ‌6- ما يدّعون أنه الاسم الأعظم:

- ‌ التحذير من مصنفات حوت هذه العلوم:

- ‌2- منبع أصول الحكمة، للبوني

- ‌الفصل الرابعالسحر؛ باعتباره ظاهرةً اجتماعية

- ‌أولاً: لمحة تأريخية عن السحر لدى الشعوب

- ‌ثانيًا: الوظيفة الاجتماعية لظاهرة السحر

- ‌ثالثًا: السحر، وشباب الأمة

- ‌رابعًا: نظرة تربوية لاستنقاذ الشباب من أوكار الانحراف

- ‌الفصل الخامسعلامات يُعرف بها كلٌ من الساحر والمسحور

- ‌أولاً: علامات يُعرَف بها الساحر

- ‌ثانيًا: في ذكر علاماتٍ يُعرف بها المسحور

- ‌الفصل السادسأحكام السحر والسّحَرة في الشريعة المطهّرة

- ‌أ- الفرق بين المعجزة والسحر:

- ‌ثالثًا: بيان أحكام السحر والسحرة:

- ‌ بيان حكم تعلم السحر، وتعليمه

- ‌ بيان الأحكام المتعلقة بالساحر

- ‌1 - حكم ساحر المسلمين

- ‌2- حكم ساحر أهل الكتاب:

- ‌3- حكم المسلمة الساحرة

- ‌4- حكم قبول توبة الساحر

- ‌5- حكم النُّشرة، وهي: حل السحر بسحر مثلِه

- ‌الفصل السابعالوقاية والعلاج

- ‌تمهيد

- ‌الحصن الأول: تحقيق الإخلاص في توحيد الله سبحانه:

- ‌الحصن الثالث: الإكثار من الاستعاذة بالله تعالى:

- ‌ بيان الرقى، وأنواعها، ومسائل مهمة متعلقة بها

- ‌ ذكر رقى مشروعة من الكتاب والسنة:

- ‌ب- رقية من السحر:

- ‌خاتمة(وقد تضمّنت خلاصةً لمهمّات نتائج البحث، وذكرًا لبعض التوصيات)

- ‌فهرس المراجع

الفصل: ‌2- منبع أصول الحكمة، للبوني

خسرانه عند إرباح العالمين ونُسِخ اسمه من لوح المقربين

] . انظر - رحمني الله وإياك - هل بعد هذه العبارات من تجرؤ على دين الله؟! فكتاب البوني موصوف عنده بوصف القرآن العظيم، ومعظَّم لديه تعظيمَ بيت الله العتيق، ومن لا يقرّ بذلك يتولى البوني الحكم عليه بنفسه يوم الدين بالخسران المبين، ونسخ اسمه من لوح الأبرار في علّيين!!! كما وطرده من ملأ المقربين!!

‌2- منبع أصول الحكمة، للبوني

نفسه، وهو مختصر مشابه في كثير من محتواه لسابقه، لكن البونيَّ ضمَّنه شرحين لدعوتين اشتُهرتا بين أهل هذه الأسرار؛ الأولى بمسمّى (الدعوة البِرْهَتِيَّة) ، والثانية المدعوّة (الدعوة الجلجوتية الكبرى) ، أما الأولى فهي - بزعمه [قسم عظيم لا يتخلف عنه ملك ولا يعصيه جن ولا عفريت ولا مارد ولا شيطان، وهي تغني عن جميع ما عداها من العزائم والأقسام وتتصرف في جميع الأعمال من استنزال أملاك واستحضار أعوان وجلبٍ ودفع وصرع وقهر وإخفاء وإظهار، وغير ذلك من كل ما يريده الإنسان من خير أو شر](1) . والبرهتية نسبة إلى بِرْهَتِيْهٍ بالعِبْريّة ومعناه - بزعمهم - بالعربية قُدُّوس أو سُبُّوح، وهي قصيدة حوت ثمانية وعشرين اسمًا من الأسماء المعجمة ادَّعَوا أنها أسماء الله تعالى، وهي غريبة في لفظها غاية الغرابة، وهي - في حقيقتها من العهود والاستحضارات الشيطانية، والتوكيلات السفلية، والاستغاثات الشركية، كما هو مصرح به في كيفية القسم بهذه الأسماء (2) .

أما الدعوة الثانية، فهي المسماة بالجلجوتية الكبرى، وقد ذكر لها طريقتين صغرى وكبرى، فكانت الصغرى قصيدة بستين بيتًا حوت وصف الأشكال السبعة التي سبق بيانها، وكانت الكبرى في أربعة وستين وثلاثمائة

(1) انظر: ص 69، من المصنَّف المذكور.

(2)

هذا مصوّر من «منبع أصول الحكمة» يدلك أخي القارئ على مدى الإغراب والعجمة في هذه الأسماء، مع خلطها باستحضار، واستغاثات، ونسبة ذلك كلِّه إلى نبيِّ الله سليمان عليه السلام، فإن لم يكن ذلك من اتباع ما تتقوله الشياطين وتكذب به على ملك سليمان، فما هو إذًا؟! =

ص: 157

بيتًا، وقد سماها مباركة مع كونها حوت بنص قوله إعمالاً للسحر، ففيها:

وبالطلسمات الساحرات وسحرِها

سحرت عيون العالمين بما حوت

طلاسم أسماء وسحر طلاسم

سحرت بها كل العيون فأسحرت

كما أن القصيدة حوت استغاثة بمخلوقات، ومن ذلك قوله:

بعزة خُوطير له المجد والثنا

ويا قَلْنَهُودٍ قاهرَ الجن إذ عصَتْ

بسطوة بَرْشانٍ قوي وقاهر

له الملك والأملاك جمعًا تواضعَتْ

ويا كَظُهَير، يا إلهي بجاهه

بعز نَمو شَلَخٍ به السعد أقبلَتْ

ويا فَزْمَز أسرع بنَجْج مقاصدي

بقزٍّ بمزٍّ فالملوك تسارعَتْ

إلى ما هنالك من طامات أطّت بها القصيدة وحُقّ لها أن تئطَّ، فما نوعُ شركٍ إلا وله قد حَوَتْ!! مع هذا كله، فإن البوني يبارك هذه القصيدة، ويذكر أن خواصها لا تحصى وتصاريفها لا تستقصى!! ثم يأمر طالبَ السحر بقراءة هذه الدعوة - وهي 360 بيتًا كما سبق - سبع مرات، وأحيانًا ثمان وعشرين مرة في جلسة واحدة، لا يفصل بينها سوى تأدية الفرائض من الصلاة!! ونحن نقول لهؤلاء: أما كان كتاب الله تعالى هو الأحق بالتلاوة والحفظ والتدبر من جلجوتيتكم هذه؟! أما كانت أسماء الله الحسنى أحق بأن يدعى بها من هذه الألفاظ المعجمة التي في بِرْهتيتكم تلك؟! فيا من اقتنى مثل هذه الكتب هلاّ بادرت إلى إتلافها، فإن العمر فرصة ثمينة لإعماره بطاعة الله تعالى، وهو

ص: 159

القائل سبحانه: [البَقَرَة: 186]{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ *} ، وإن التلفّت لمثل هذا السراب، أو السعي في ولوج هذا الباب، مضيعة للأعمار مجلبة للدمار، أعاذنا الله والمسلمين من ذلك.

3-

مصنفات عبد الفتاح الطوخي: أغرق هذا الرجل أسواق المكتبات العامَّة، بل أرصفة المارَّة - ردهة من الزمن - بطوفان من تصانيفه التي ما تركت سبيلاً إلى إفساد عقول الناشئة بخاصة والناس بعامة إلا سلكته، وقد هالني حقًا هذا الكمُّ الهائل من هذه الكتب، وقد بلغت عندي نيفًا وخمسين كتابًا، لن أعمد في هذا المقام إلى سرد أسمائها فإن شأنها عندي أهون من ذلك بكثير، لكنْ سأذكر واحدًا منها هو دالٌّ بمضمونه على منهج التأليف والقصد منه، وذلك ضنًّا مني بوقت القارئ من الانشغال بمثل ذلك.

أ - البداية والنهاية في علوم الحرف والأوفاق والأرصاد والروحاني: هذا كتاب وضعه مؤلفه بجزءين جمع فيهما ستة ومائة مما سماه دروسًا قدّم لها بدعوى تعظيم الله لأمر السحر من دون سائر الموجودات، واحتج بقوله تعالى:[الأعرَاف: 116]{وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} ، ألم يقرأ الطوخي قوله تعالى في توعد الله تعالى الكفرة بتعذيبهم في الآخرة وتعظيم ذلك بقوله سبحانه:[البَقَرَة: 7]{خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ *} . وقولَه تعالى في وصف سوء العذاب على بني إسرائيل بأنه بلاء عظيم: [البَقَرَة: 49]{وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيْسَتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ *} . وقولَه تعالى في توعُّد المنافقين المحادِّين لله ورسوله بخزي عظيم: [التّوبَة: 63]{أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ *} .

ص: 160

ألم يدرك الطوخي - وهو من بزّ أقرانه وسبق سابقيه وأعجز لاحقيه عن مقاربته، فضلاً عن اللحاق به أو التفوق عليه - أن الوصف تابع للموصوف، فقُبح السحر جرّ إلى وصف التعظيم للسحر مبالغة في تقبيح شأنه وأمر أهله، لا للثناء عليه كما توهّم صاحب المصنفات الخمسين. وإني قد سقت هذا الرد عليه قاصدًا أن لا يغترّ القارئ بكثرة المصنفات والعبقرية الحسابية الفذة، التي تظهر في أشكال جداول هذه الكتب، وإنما جميع ذلك هو من واسع المعرفة بعلوم الشر، ويحضرني هنا قول الشاعر:

إذا لم يكن عونٌ من الله للفتى

فأوَّلُ ما يجني عليه اجتهادُه

ولنعد بعدها إلى ذكر شيء مما حواه كتابه «البداية والنهاية» ، فمن ذلك:

-

اعتقاد أن الحروف تتبع عناصر الموجودات، فمنها نارية وترابية وهوائية ومائية (1) .

-

اعتقاد أن لكل عدد خواص وأسرار، وأن بعضها يتحابُّ وبعضها يتنافر (2) .

-

اعتقاد تقسيم جهات العالم بحسب كلمات أبجد هوز، وأنها منقوشة كذلك عند العرش، لكنها نُقِشت نقشًا معنويًا لا ماديًا، ولا يعقلها إلا العالِمون (3) !

-

يدل في كتابه على أمور تستعمل كلها في أعمال السحر: منها الأوفاق، حيث يفصّل في صفة تخطيطها من المثلث منها إلى المعشر، ومنها الأرصاد مع شروط كتابة ذلك من إطلاق بخور كوكب الساعة، والكتابة على معدن مناسب لعنصر الكوكب، في مكان خال عن الناس

(1) انظر: "البداية والنهاية" للطوخي (1/38) .

(2)

انظر: المرجع السابق (1/206) .

(3)

انظر: كذلك "البداية والنهاية" للطوخي (1/119) .

ص: 161

والحيوانات، وبرسم شعباذ (1) يمثل هيئة العمل المراد من تباغض أو تنافر، وصورة الكتابة في الخير في الوفق، كما صورة الكتابة في الشر (2) . ومما دل عليه الكتاب أيضًا في جزئه الثاني: مظاهر الكواكب واتصالاتها وما تدل عليه، واعتقاده وجوب اتباع الناس لهيئات الكواكب، فيقول: حيثما رأيت السُّعود فقُلِ الخيرَ، وحيثما رأيت النُّحوس فقل الشر!

والسعود فاضلة كريمة، والنحوس جاهلة لئيمة، والسعد يعطي، والنحس يسترجع (3) ! ويعتقد الطوخي بتحكم الطوالع بمصير الإنسان، فيقول: ومن كان له المريخ والزُّهرة في السادس - أي في الطالع السادس عند مولده -: كان طبيبًا حاذقًا في الطب، ومن كان عطارد راجعًا في مولده والزهرة تتلقاه بنورها كان غنيًا محسنًا، ومن كان عطارد في مولده في الثاني عشر من الطالع كان ذكيًا حليمًا عليمًا، كما أن الزهرة - باعتقاده - تَحُلّ ما يعقده المرّيخ والمشتري يحلّ ما يعقده زحل، فما أعظم قوة الزهرة إذا كان في الربع الشرقي، وإن كانت في الجنوب دلت على عطايا جزيلة، كذلك إن كان المشتري في الشمال (4) !! ثم يستخرج بعدها أسماء الملوك العلوية والملوك الأرضية (خدام الأيام والليالي) ، حيث يرفض ما قرره غيره من أن ملك يوم الأحد مُذْهَب، ومن بعده الاثنين مُرّة ثم الأحمر وبرقان وشمهورش والأبيض وميمون، ويذهب إلى طريقة في الاستخراج ليكون اسم الملك مخالفًا لما تقرر عندهم فيكون عينيائيل مثلاً أو شحنمنيائيل!! ولو ذهبنا نتتبع ما في هذا الكتاب لطال بنا المقال، لكن ما سبق قد دل بوضوح على مدى إغراق الرجل في تعليم صنوف السحر

(1) الشِّعْباذ: ما كان في السحر من تصوير الصورة على هيئة المسحور، والعياذ بالله.

(2)

انظر: "البداية والنهاية" للطوخي (1/170) .

(3)

انظر: المرجع السابق (2/34-36) .

(4)

انظر: كذلك "البداية والنهاية" للطوخي (2/37) .

ص: 162

بالتنجيم والطلاسم والأوفاق، ولم يُخفِ ذلك في مطلع كتابه حيث قال: كتاب به جميع الطلاسم وحلُّ الرموز السحرية والروحانية، العُلْوية والسُّفْلية من عهد آدم عليه السلام حتى عهدنا الحاضر، جمعنا فيه السحر القديم والحديث من سحرة الفراعنة، وسحرة الهنود، وسحرة المغاربة، وسحرة السودان، والسحرة المصريين والأجانب في جميع العصور والأزمان، ثم يقول بعد تعمُّده جَمْع هذه الموبقات: أسأل الله أن ينفع به المطيعين لله رب العالمين وأن يجازيني به خيرًا يوم الدين، إنه سميع مجيب الدعوات، آمين (1) ، وعلى هذا المنوال جميع مصنفاته الخمسين، فيها تعليم الاستحضار والتسخير والاستخراج، والدعوات الشركية، والتوكيلات الشيطانية، والسحر؛ الأحمر منه

والأسود، وعلم الرمل، وعلم النّجامة، وطب الحروف، وضرب المندل، وأعمال: إرسال الهواتف والفرقة والطلاق، وعقد اللسان وسلب العقل والعقد عن الزواج، وغيرها مما يصعب حصره، وكأني به قد أوتي علم الأولين والآخرين، فلم تفته فائتة، ولم تند عنه واردة ولا شاردة إلا وغاص في مكنونها وعرفها كُنْه المعرفة!!

4-

المصنف المسمى (فتح الملك المجيد المُؤلَّف لنفع العبيد، وقمعِ كلِّ جبارٍ عنيد) ، والمشتهر بمُجرّبات الدَّيْرَبي الكبير، لأحمد الدَّيْرَبي، وهو ستة وثلاثين بابًا في خواص الآيات والسور، وفي ذكر حجب مجرّبة تنفع - بزعمه - لكثير مما عجز عنه الطب الحديث، وفي رقى مشهورة النفع للحيات والعقارب، وطرد البق والبرغوث وجلب الحمام والسمك، وختامه شعوذة بحيل لإمساك النار وإدخال بيضة في قمقم، وإشعال النار في شمعة طين، ثم فيه فائدة للمقامرين ليتعرفوا على البيضة التي تكسر جميع البيض!! إلى آخر ما فيه من مجربات يحث عليها أهلها،

(1) انظر: "البداية والنهاية" للطوخي (2/2) .

ص: 163

والحق يقال: إن التساهل في أمر هذه المجربات قد فتح باب الفتنة على مصراعية لأعمال السحر، فقد احتج قوم بالتجريب لحصول المنفعة، فجرّوا على الأمة ما لا حصر له من المجرّباب، لكن الفيصل في ذلك - كما لا يخفى -[أن الأفعال إنما يثبت استحبابها واتخاذها دينًا، إذا وافقت كتاب الله تعالى وسنة نبيِّه صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه السابقون الأولون، وما سوى ذلك من الأمور المحدثة فلا يستحب، وإن اشتملت أحيانًا على فوائد، لأن مفاسدها تكون راجحة على فوائدها](1) .

ولنعد بعدها إلى هذه المجربات والفوائد لنجد أن عامة ما ذكر فيها من خصائص الآيات والسور لم تصح، ثم إن التصرفات بها بكتابتها على هيئات مخصوصة، ككتابة في إناء زجاج ثم محوها بماء ورد، أو على شقفة طين نيئة لم تحرق، ثم سحق الطين، وخلطه مع تراب من مقبرة قديمة وتراب آخر من دار خربة، ثم رش ذلك في موضع دار عدوٍّ لخرابه يوم السبت، كل ذلك مما يُستشف منه نوع استهزاء بآيات الله تعالى، وإن لم يكن ذلك فالبدع المُضِلَّة، وإلا فهل تستعمل آيات القرآن من قوله تعالى:[هُود]{فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ *مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ *} . هل يعقل أن تكون سببًا في إصابة امرئ بحمى، إن رسمت في قدر باسم شخص مع شيء من أثره، ويجعل القدر على نار حتى يغلي فالمعمول له تأخذه الحمى من حينه ووقته، هذا ما قاله الديربي فهل من نفعٍ يفوق هذا النفع من مجرباته؟! كما حوى كتابه تلك الأشكال السبعة - المذكورة آنفًا - وأنها مجربة النفع أيضًا، وهكذا فهو كتاب غلب عليه الدلالة على أعمال سحرية مجربة، لا شأن لها ألبتة بالرقى الشرعية أو بخصائص السور وفضائل

(1) انظر: اقتضاء الصراط المستقيم، لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ص 322.

ص: 164

الآيات، وعلم الطب والكيمياء، مما ادُّعي - زورًا - أن الكتاب قد حَفَل به.

أخي القارئ، هذه نماذج لما قد يقع تحت يدك من أمثال هذه المصنفات المسماة روحانية، فاحذرها كل الحذر، ولا تغتر بعناوينها الطنانة وألفاظها الرنانة، ولا بثناءٍ عليها، فإن المؤمن كيّس فطن، واعلم - رحمك الله - أن الكتب من أمثالها قد بلغت مئات، كلها يسميها أهلها: علاجًا روحانيًا، وأسرارًا مكتومة مخفية، وكواكب درّية، وعلومًا لدنّية، ودعوات مباركات عليّة، ومجرّبات نافعة جليّة، وشموس أنوار، وكنوز أسرار، ومفاتيح غيبيّة، وطوالع فلكيّة، وقُرْعات (1) مباركات، وشموس معارف، ومنابع حكمة،

(1) المقصود بالقُرعة: ما يستخرج به الفأل، وما يستنطق به ما في الضمير، من نية مقصودة في فعل أمر أو تركه، وطريقتها - اختصارًا - أن يعمد أحدهم إلى صحيفة جهّزها أصحابها، حوت جدولاً على هيئة مستطيل حوى ستة عشر حرفًا في طوله، وعشرة في عرضه، وقد عُنوِنِ بطلب معين، نحو: عقد النكاح خير أم لا؟ هذه المرأة تتزوج أم لا؟ عاقبة هذا الأمر خير أم لا؟ وهكذا، ووضع بجانب الجدول خمس آيات كريمات، ثم يغمض مريد القرعة عينيه ويضع إصبعه السبابة على حرف، ثم يسير منه أربعة حروف فيحفظ هذا الحرف، ثم يسير منه أربعة حروف، فيحفظه وهكذا إلى أن يعود إلى حرفه الأول الذي اختاره مغمضًا عينيه، فيخرج - بزعمهم - من مجموع الحروف المأخوذة آية من الآيات الخمس التي كتبت على جانب هذه الصحيفة، ترشد بمضمونها المستخير بهذه القرعة على ما يجب عليه فعله من إقدام أو إحجام، أو خيرية لأمر أو عدمها، وهكذا.

ومن أشهر هذه الصحائف ما ينسب - زورًا - إلى الإمام جعفر الصادق عليه السلام، ولابن العربي وغيرهما. انظر: قرعة الإمام جعفر الصادق. لعبد الفتاح الطوخي. وقرعة ابن العربي (مخطوط) . بعنوان: قرعة شريفة.

هذا، وأنواع القرعة لا تقتصر على الاستخارة بالآيات القرآنية، فمنها أيضًا ما يسمونه:(قرعة الأنبياء) ، وحاصلها جدول مرسوم في بيوته أسماء الأنبياء وأسماء الطيور! الجدول فيه تراجم، لكل اسم ترجمة خاصة به، يُذكر فيها أمور من المنافع والمضارّ، يقال للشخص غمّض عينيك وضع إصبعك في الجدول؛ فإذا وضعها على اسم قرئت له ترجمته ليعتقد أنه يكون له ذلك المذكور منها، وقد عدّ العلماء القرعة من باب الاستقسام بالأزلام الذي كان في الجاهلية. انظر: أضواء البيان للعلاّمة محمد الأمين الشنقيطي (4/493) .

ص: 165

وأصولاً جَفْرية (1) ، وحروفًا نورانية، وطبًا روحانيًا وحكمة علية، وهي في حقيقتها أبعد ما تكون عن الروح والعلم والحكمة والبركة والنفع، بل هي متسمة بأضداد ذلك، وقد اتصف أهلها كذلك بالزيغ والإفساد فكانوا ممن ألقت شياطينهم إليهم زخرف القول غرورًا، وأزّتهم على الإضلال أزًّا، ومنّتهم بقدرة فائقة على التحكم بمصائر الناس، بطريق أوحت به إليهم: أنْ راقبوا أوضاع الأفلاك، وناسبوا ذلك بأحرف وأعداد، واستجلبوا روحانية تلك الكواكب وخدامها من الجن والأملاك، فإنهم يسبغون عليكم من سحائب فضلهم كما يغيثونكم بوابل بركتهم، إن أنتم استدعيتموهم بأبخرة يحبونها، وبإقسامات وعهود يلتزمونها، لا يستطيعون فكاكًا منها ولا تحويلاً عنها!! هكذا صدّق إبليس عليهم ظنه، فاستخفّ عقولهم وعلّق قلوبهم بسراب يحسبه الظمآن ماءً، فهم يسعون إليه بكليتهم، يتعلمون منه فنون السحر بمشقة بالغة، وبرياضات وخلوات قاهرة، ولو شاء شيطانهم لوفّر عليهم ذلك العناء المضني والتعلم المفني، فعاونهم

(1) علم الجَفر: علم يُبحث فيه عن الحروف من حيث هي بناء مستقل بالدلالة، ويُعرف من هذا العلم - بزعمهم - حوادثُ العالم إلى انقراضه، ويُنسب فيه إلى علي رضي الله عنه كتابان: الجفر والجامعة، قد ذكر فيهما على طريقة علم الحروف الحوادث التي تحدث إلى انقراض العالم. انظر: موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم، للعلاّمة التهانوي (1/568) .

هذا وقد توسع قوم في الخوض بهذا، ثم نسبوا كل ما بدا لهم إلى علي رضي الله عنه؛ وصنفوا في ذلك مصنفات حوت أوفاقًا وحروزًا، ودوائر سمَّوها عروش الحروف وأبراج النجوم وحروفها وأملاكها وجداول تضمنت منازل القمر، حتى إنهم وصلوا إلى استنطاق جداول الحروف لمعرفة الغيب، مما هو من عمل المنجمين السحرة، وقد ادعوا أن ذلك كله من القواعد الجفرية، وقد عظموا شأن هذه القواعد حتى قال قائلهم: من علم هذه القواعد الجفرية لم تخف عليه ذرة من الوجود! ومن كتب الجفر وحمله معه أطاعته جميع المخلوقات ولم يعاده أحد، ومن عاداه انقاد له، ومن صحبه في سفر حصل مراده.

انظر: «الكواكب الدرية في الأصول الجفرية» لعثمان العمري، وانظر: كذلك: «قواعد الجفر» لحسن الأخلاطي.

ص: 166

ابتداءً، لكنه - نعوذ بالله من شياطين الإنس والجن - قصد إذلالهم، فاستعبدهم وأراق ماء وجوههم، كما أخسرهم إيمانهم، فخسروا باتباعه دنياهم مع أخراهم.

أعاذنا الله من شر الشيطان وشِرْكه وشَرَكه، ومن شر أتباعه وفجورهم، وردَّ كيدَهم في نحورهم، وحفظ على الأمة دينها، وزادها إيمانًا مع إيمانها، آمين.

***

ص: 167