الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الرابع الأدلة الشرعية
طريق الهداية الكاملة هو ما جاء عن الله -تعالى-، أو عن رسله عليهم الصلاة والسلام، وهي تجمع بين الأدلة النقلية والعقلية، وهي من أعظم الأدلة التي تهدي لمعرفة الله -تعالى- والإيمان به عز وجل، وتبعث المهتدي بها إلى العمل المزكي للنفس، والمهيئ له إلى سعادة الدارين، بخلاف الهداية العقلية وحدها، فإنها -وإن أنقذت صاحبها من القلق النفسي والحيرة الفكرية- لا تزكّي نفسه، ولا تُقوّم أخلاقه، ولا تهيئه لسعادة الدّارين، ولا تخرجه من دائرة الكفر حتى يؤمن بالأدلة الشرعية ويعمل بمقتضاها (1).
والكتب السماوية كلها تنطق بأن الله هو الخالق لكل شيء، المستحق للعبادة، وما جاءت به من الأحكام المتضمنة لمصالح العباد، دليل على أنها من ربّ حكيم عليم بمصالح خلقه، وما جاءت به من الأخبار الكونية التي شهد الواقع بصدقها، دليل على أنها من رب قادر على إيجاد ما أخبر به (2).
ودلالة القرآن الكريم نوعان: (أ) خبر الله الصادق، فما أخبر الله -تعالى- به، أو أخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم فهو حق وصدق (3) ولا يمكن أن يكون في ذلك شيء مُناقضٌ لدليل عقلي ولا سمعي (4) لأن ما أثبته السمع الصحيح لم ينفه العقل الصريح (5) والمعقول الصريح يوافق ما جاءت به الرسل ولا يناقضه (6) وكل ما عارض
(1) انظر: عقيدة المؤمن، لأبي بكر جابر الجزائري ص39، 49، 63.
(2)
انظر: شرح أصول الإيمان، لمحمد بن صالح العثيمين ص17.
(3)
انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية 6/ 71.
(4)
انظر: درء تعارض العقل والنقل (موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول) 1/ 172 - 180.
(5)
انظر: درء تعارض العقل والنقل 7/ 39.
(6)
انظر: المرجع السابق 6/ 5.
الشرع من العقليات ليس دليلًا صحيحًا (1).
(ب) دلالة القرآن بضرب الأمثال، وبيان الأدلة العقلية الدالة على المطلوب، فهذه دلالة شرعية عقلية، فهي شرعية؛ لأن الشرع دل عليها وأرشد إليها وأثبتها، وعقلية لأنها تعلم صحتها بالعقل (2) كقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ - الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 21 - 22](3).
ويمكن أن أقتصر في الأدلة الشرعية التي تثبت وجود الله -تعالى-، وأنه رب كل شيء ومليكه ومدبّره، ويستلزم ذلك أنه المستحق للعبادة وحده دون ما سواه على ذكر طريقين (4).
الطريق الأول: توجيه الله -تعالى- الأنظار والقلوب إلى ما في هذا الكون من مخلوقات عجيبة تبهر العقول، فقد بيّن -سبحانه- في كتابه الآيات الكونية الباهرة الدالة على وجوده -سبحانه- وكمال قدرته، وعظيم تدبيره، وإتقان صنعه، ومن ذلك عجائب خلق الإنسان وعناية الله به، وبيانه - سبحانه- ما في عالم الحيوان من خلقه وتكوينه، وأجهزته، وتنويعه، وعالم النبات، وما فيه من غرائب وعجائب وسُنن تُحار فيها العقول، والرياح السيارة، وأعظم من ذلك كله توجيه الأنظار إلى خلق السماوات والأرض، والليل والنهار، وما في ذلك من آيات تدل على عظمة
(1) انظر: درء تعارض العقل والنقل، 5/ 279.
(2)
انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 6/ 71، 72.
(3)
سورة البقرة، الآيتان 21، 22.
(4)
انظر: درء تعارض العقل والنقل 8/ 354، 7/ 302، 307، 9/ 40، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 11/ 377 - 380، وعقيدة المؤمن لأبي بكر الجزائري ص63، والرياض الناضرة للسعدي ص253 - 267.
والقرآن الكريم يزخر بالأدلة على هذا النوع.
الطريق الثاني: معجزات الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، فقد أيد الله الرسل -عليهم الصلاة والسلام- بالمعجزات الباهرة للعقول، والخارقة لسنن الكون وقوانين الحياة، ليستدلوا بها على صدق نبوتهم، وإثبات رسالتهم، فإذا ثبتت نبوة الرسل بقيام المعجزات علم أن هناك مرسلًا أرسلهم؛ لأن ثبوت الرسالة يستلزم ثبوت الْمُرسِل، والعلم بالإضافة يستلزم العلم بالمضاف إليه، فالمعجزات نفسها يعلم بها صدق الرسول المتضمن لإثبات من أرسله، والآيات الباهرات التي يستدل بها على إثبات الخالق تدل المعجزة كدلالتها وأعظم (3).
(1) انظر: معالم الدعوة في القصص القرآني للدكتور عبد الوهاب بن لطف الديلمي 1/ 251، ومناهج الجدل ص148.
(2)
سورة البقرة، الآية 164.
(3)
انظر: درء تعارض العقل والنقل 9/ 40، 41، 43، 7/ 302 - 307، وفتاوى شيخ الإسلام 11/ 377.
وخلاصة ما ذكر ابن تيمية في إثبات وجود الله -تعالى- كالتالي:
1 -
الاستدلال بآيات الله في الكون.
2 -
أدلة الفطرة، فإن الخلق مفطورون على الإقرار بالخالق.
3 -
الاستدلال على الله بالله، فإنه عرفنا نفسه فعرفناه.
4 -
الاستدلال بمعجزات الرسل.
5 -
إجماع الأمم وأصحاب العقول والفطر السليمة.
6 -
المقاييس العقلية.
انظر: فتاوى شيخ الإسلام 36/ 21 - 23، وستجد جميع الإحالات إلى المواضع التي ذكرها ابن تيمية في فتاواه.