الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تمهيد
إن من حكمة القول في دعوة أهل الكتاب إلى الله- تعالى- أن يجادلوا بالتي هي أحسن، بحسن خلق ولطف ولين كلام، ودعوة إلى الحق، وتحسينه بالأدلة العقلية والنقلية، ورد الباطل بأقرب طريق وأنسب عبارة، وأن لا يكون القصد من ذلك مجرد المجادلة والمغالبة وحب العلو، بل أن يكون القصد بيان الحق، وهداية الخلق، كما قال عز وجل (1) {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [العنكبوت: 46] (2) وقال عز وجل: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64](3).
ونظير ذلك من الدعوة بالقول الحكيم قوله عز وجل لموسى وهارون: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى - فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 43 - 44](4).
ومن ذلك القول اللين كقوله تعالى لموسى:
(1) انظر: تفسير ابن كثير 1/ 372، 3/ 416، وفتح القدير للشوكاني 1/ 348، والسعدي 1/ 389، 6/ 92، وأضواء البيان 3/ 385.
(2)
سورة العنكبوت، الآية 46.
(3)
سورة آل عمران، الآية 64.
(4)
سورة طه، الآيتان 43، 44.
{اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى - فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى - وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى} [النازعات: 17 - 19](1).
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستخدم القول الحكيم في دعوته إلى الله عز وجل ومن ذلك ما روته عائشة رضي الله عنها قالت: «دخل رهط من اليهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: السام (2) عليك. قالت عائشة: ففهمتها، فقلت: وعليكم السام واللعنة! قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مهلا يا عائشة، إن الله يحب الرفق في الأمر كله ". فقلت: يا رسول الله! أولم تسمع ما قالوا؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قد قلت: وعليكم» (3).
وكان صلى الله عليه وسلم يستخدم ذلك حتى في رسائله، ففي كتابه إلى هرقل:
«بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد رسول الله، إلى هرقل عظيم الروم.
سلام على من اتبع الهدى. أما بعد:
فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين (4) و {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ} [آل عمران: 64] إلى قوله:. . {اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64]» (5).
(1) سورة النازعات، الآيات 17 - 19.
(2)
السام: الموت، وقيل: الموت العاجل، وقيل: تسأمون دينكم. انظر: الفتح 11/ 42، 43، 10/ 135.
(3)
البخاري مع الفتح، كتاب الأدب، باب الرفق في الأمر كله 10/ 135، 449، 11/ 42، ومسلم، كتاب السلام، باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام وكيف الرد عليهم 4/ 1706.
(4)
الأريسيين: أي إثم الفلاحين، والمعنى: فإن لم تدخل في الإسلام فإن عليك إثمك وإثمهم إذا لم يسلموا تقليدا لك. انظر فتح الباري 1/ 39.
(5)
البخاري مع الفتح واللفظ له، كتاب التفسير، باب: قل يا أهل الكتاب. . . 8/ 215، وكتاب بدء الوحي، باب حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع 1/ 32، ومسلم في كتاب الجهاد، باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام 3/ 1396.
وعلى أساس دعوة أهل الكتاب بالجدال بالتي هي أحسن والقول الحكيم، فسأتحدث عن ذلك بإذن الله- تعالى- في المطالب الآتية:
المطلب الأول: حكمة القول مع اليهود.
المطلب الثاني: حكمة القول مع النصارى.
المطلب الثالث: البراهين على إثبات الرسالة المحمدية وعمومها.