الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب السابع
الشفاعة المثبتة والمنفية
الشفاعة لغة: يقال: شفع الشيء: ضم مثله إليه، فجعل الوتر شفعا (1).
واصطلاحا: التوسط للغير بجلب منفعة أو دفع مضرة (2).
من الحكمة القولية في دعوة من يتعلق بغير الله -تعالى- ويطلب الشفاعة منه أن يبين له أن الشفاعة ملك لله وحده {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [الزمر: 44](3).
ويمكن أن يرد على من طلب الشفاعة من غير الله- تعالى- بالأقوال الحكيمة الآتية:
أولا: ليس المخلوق كالخالق، فكل من قال: إن الأنبياء، والصالحين، والملائكة أو غيرهم من المخلوقين لهم عند الله جاه عظيم، ومقامات عالية، فهم يشفعون لنا عنده كما يتقرب إلى الوجهاء والوزراء عند الملوك والسلاطين، ليجعلوهم وسائط لقضاء حاجاتهم، فهذا القول من أبطل الباطل؛ لأنه شبه الله العظيم ملك الملوك بالملوك الفقراء، المحتاجين للوزراء والوجهاء في تكميل ملكهم ونفوذ قوتهم، فإن الوسائط بين الملوك وبين الناس على أحد وجوه ثلاثة:
1 -
إما لإخبارهم عن أحوال الناس بما لا يعرفونه.
2 -
أو يكون الملك عاجزا عن تدبير رعيته، فلابد له من أعوان؛ لذله وعجزه.
(1) انظر: القاموس المحيط، باب العين، فصل الشين ص 947، والنهاية في غريب الحديث 2/ 485، والمعجم الوسيط 1/ 487.
(2)
انظر: شرح لمعة الاعتقاد للشيخ محمد صالح العثيمين ص 80.
(3)
سورة الزمر، الآية 44.
3 -
أو يكون الملك لا يريد نفع رعيته والإحسان إليهم، فإذا خاطبه من ينصحه ويعظه تحركت إرادته وهمته في قضاء حوائج رعيته.
والله عز وجل ليس كخلقه الضعفاء، فهو تعالى لا تخفى عليه خافية، وغني عن كل ما سواه، وأرحم بعباده من الوالدة بولدها، ومعلوم أن الشافع عند ملوك الدنيا قد يكون له ملك مستقل، وقد يكون شريكا لهم، وقد يكون معاونا لهم، فالملوك يقبلون شفاعته لأحد ثلاثة أمور:
(أ) تارة لحاجتهم إليه.
(ب) وتارة لخوفهم منه.
(ج) وتارة لجزاء إحسانه إليهم.
وشفاعة العباد بعضهم عند بعض من هذا الجنس، فلا يقبل أحد شفاعة أحد إلا لرغبة أو رهبة، والله- عز وجل لا يرجو أحدا ولا يخافه، ولا يحتاج إليه (1)؛ ولهذا قطع الله جميع أنواع التعلقات بغيره، وبين بطلانها، فقال تعالى:{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ - وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} [سبأ: 22 - 23](2).
فقد سدت هذه الآية على المشركين جميع الطرق التي دخلوا منها إلى الشرك أبلغ سد وأحكمه، فإن العابد إنما يتعلق بالمعبود لما يرجو من نفعه، وحينئذ فلا بد أن يكون المعبود مالكا للأسباب التي ينتفع بها عابده، أو يكون شريكا لمالكها، أو ظهيرا، أو وزيرا، أو معاونا له، أو وجيها ذا حرمة وقدر يشفع عنده، فإذا انتفت هذه الأمور الأربعة من كل وجه انتفت أسباب الشرك، وانقطعت مواده (3).
(1) انظر: فتاوى ابن تيمية 1/ 126 - 129.
(2)
سورة سبأ، الآيتان 22، 23.
(3)
انظر: التفسير القيم، لابن القيم ص 408.
ثانيا: الشفاعة شفاعتان:
(أ) شفاعة مثبتة: وهي التي تطلب من الله ولها شرطان:
الشرط الأول: إذن الله للشافع أن يشفع، لقوله تعالى:. . {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255](1).
الشرط الثاني: رضا الله عن الشافع والمشفوع له؛ لقوله تعالى. . . . {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: 28](2){يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا} [طه: 109](3).
(ب) الشفاعة المنفية: وهي التي تطلب من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، والشفاعة بغير إذنه ورضاه، والشفاعة للكفار:{فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر: 48](4) ويستثنى شفاعته صلى الله عليه وسلم في تخفيف عذاب أبي طالب (5).
ثالثا: الاحتجاج على من طلب الشفاعة من غير الله بالنص والإجماع، فلم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ولا الأنبياء من قبله شرعوا للناس أن يدعوا الملائكة، أو الأنبياء، أو الصالحين، ولا يطلبوا منهم الشفاعة، ولم يفعل ذلك أحد من الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان، ولم يستحب ذلك أحد من أئمة المسلمين، لا الأئمة الأربعة ولا غيرهم، ولا مجتهد يعتمد على قوله في الدين، ولا من يعتبر قوله في مسائل الإجماع، فالحمد لله رب العالمين (6).
(1) سورة البقرة، الآية 255.
(2)
سورة الأنبياء، الآية 28.
(3)
سورة طه، الآية 109.
(4)
سورة المدثر، الآية 48.
(5)
انظر: البخاري مع الفتح، مناقب الأنصار، باب قصة أبي طالب 7/ 173، ومسلم، كتاب الإيمان، باب أهون أهل النار عذابا، برقم 211، 1/ 195.
(6)
انظر: فتاوى ابن تيمية 1/ 112، 158، 14/ 399 - 414، 1/ 108 - 165، 14/ 380، 409، 1/ 160 - 166، 195، 228، 229، 241، ودرء تعارض العقل والنقل 5/ 147، وأضواء البيان 1/ 137.