الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} [آل عمران: 110](1).
المسلك الثالث: إثبات اعتراف المنصفين من علماء اليهود:
لا شك أن من حكمة القول مع أهل الكتاب في دعوتهم إلى الله عز وجل الاستشهاد عليهم بشهادة علماء أهل الكتاب المنصفين، الذين وفقهم الله -تعالى- وقبلوا الحق، وبينوه ولم يكتموه، وهذا من باب قوله تعالى:{وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا} [يوسف: 26](2).
وأذكر على سبيل المثال من هؤلاء العلماء الذين يعترف اليهود بأنهم كانوا منهم فأقروا بالإسلام وأنه الدين الحق ما يلي:
1 -
عبد الله بن سلام رضي الله عنه وأرضاه: لو لم يسلم من اليهود في زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلا سيد اليهود على الإطلاق وابن سيدهم، وعالمهم وابن عالمهم، وخيرهم وابن خيرهم، باعترافهم وشهادتهم، لكان في مقابلة كل يهودي على وجه الأرض، فكيف وقد تابعه من الأحبار والرهبان من لا يحصي عددهم إلا الله (3).
وقد آمن هذا الرجل بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم، فعن أنس رضي الله عنه قال: «بلغ عبد الله بن سلام مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، فأتاه فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي. قال: ما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام
(1) سورة آل عمران، الآية 110.
(2)
سورة يوسف، الآية 26.
(3)
انظر: هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى ص 514، 525.
يأكله أهل الجنة؟ وما بال الولد ينزع إلى أبيه أو إلى أمه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خبرني بهن آنفا جبريل " قال ابن سلام: ذلك عدو اليهود من الملائكة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أما أول أشراط الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد الحوت، وأما الشبه في الولد، فإن الرجل إذا غشي المرأة فسبقها ماؤه كان الشبه له، وإذا سبق ماؤها كان الشبه لها، [قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله] قال: يا رسول الله، إن اليهود قوم بهت، إن علموا بإسلامي قبل أن تسألهم بهتوني عندك، فادعهم [فاسألهم عني قبل أن يعلموا بإسلامي]، [فأرسل نبي الله صلى الله عليه وسلم فأقبلوا]، فدخلوا عليه، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا معشر اليهود، ويلكم اتقوا الله، فوالذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أني رسول الله حقا، وأني جئتكم بحق فأسلموا " قالوا: ما نعلمه- قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم، قالها ثلاث مرار - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" فأي رجل فيكم عبد الله بن سلام؟ " قالوا: ذاك سيدنا وابن سيدنا، وأعلمنا وابن أعلمنا، وأخبرنا وابن أخبرنا، [خيرنا وابن خيرنا، وأفضلنا وابن أفضلنا]، قال:" أفرأيتم إن أسلم؟ " قالوا: أعاذه الله من ذلك، حاشا لله، ما كان ليسلم. قال:" أفرأيتم إن أسلم؟ " قالوا: حاشا لله، ما كان ليسلم. قال:" أفرأيتم إن أسلتم؟ ". قالوا: حاشا لله ما كان ليسلم. قال: " يا ابن سلام، اخرج عليهم "[فخرج عليهم عبد الله فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله]، [يا معشر اليهود اتقوا الله، فوالذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أنه رسول الله، وأنه جاء بحق، فقالوا: كذبت، أشرنا وابن شرنا، ووقعوا فيه]، [فأخرجهم رسول الله صلى الله عليه وسلم]» (1).
(1) البخاري مع الفتح، كتاب الأنبياء، باب خلق آدم وذريته 6/ 362، ومناقب الأنصار، باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة 7/ 250، وباب حدثني حامد بن عمر، عن بشر بن المفضل 7/ 272، وكتاب التفسير، سورة البقرة، باب قوله:" من كان عدوا لجبريل " 8/ 165، وألفاظ الحديث من المواضع الأربعة، وانظر: البداية والنهاية لابن كثير 3/ 210.
وعن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: «لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس قبله، وقيل: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا، فجئت في الناس لأنظر، فلما تبينت وجهه، عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، فكان أول شيء سمعته تكلم به أن قال: " يا أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام» (1).
وقد أثنى الله على هذا العالم الرباني، فعن سعد بن أبي وقاص قال: ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأحد يمشي (2) على الأرض إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام، قال: وفيه نزلت هذه الآية (3){وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ} [الأحقاف: 10](4).
2 -
زيد بن سعنة، أحد أحبار اليهود، رضي الله عنه: قال رضي الله عنه: ما من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفتها في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نظرت إليه إلا اثنتين لم أخبرهما منه: يسبق حلمه جهله، ولا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلما، وقد اختبرتهما، فأشهدك يا عمر أني قد رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا، وأشهدك
(1) ابن ماجه في كتاب الأطعمة، باب إطعام الطعام، 2/ 1083 بلفظه، والترمذي في صفة القيامة، باب حدثنا محمد بن بشار 4/ 652، وأحمد في المسند 4/ 451، وانظر صحيح ابن ماجه 2/ 222.
(2)
قد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه شهد لأناس كثير بالجنة، ومنهم العشرة المبشرون بالجنة، فقيل بأن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه يعني من الأحياء؛ لأن عبد الله بن سلام رضي الله عنه عاش بعد موتهم، ولم يتأخر معه من العشرة غير سعد وسعيد، ويؤخذ هذا من قول سعد رضي الله عنه: يمشي على الأرض. انظر: فتح الباري 7/ 129، 130.
(3)
البخاري مع الفتح، كتاب مناقب الأنصار، باب مناقب عبد الله بن سلام 7/ 128، ومسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل عبد الله بن سلام 4/ 1930.
(4)
سورة الأحقاف، الآية 10.
أن شطر مالي -فإني أكثرها مالا- صدقة على أمة محمد صلى الله عليه وسلم. قال عمر: أو على بعضهم، فإنك لا تسعهم. قلت: أو على بعضهم. فخرج عمر وزيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال زيد: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله "، وآمن به، وصدقه، وبايعه، وشهد معه مشاهد كثيرة، ثم توفي في غزوة تبوك مقبلا غير مدبرا (1) رضي الله عنه ورحمه.
3 -
هذه ثلاثة أمثلة لاعترافات أحبار اليهود بأن محمدا صلى الله عليه وسلم حق، وأن صفته موجودة في التوراة، ويعرفه اليهود كما يعرفون أبناءهم {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29] (3).
(1) ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد، وعزاه إلى الطبراني، وقال: رجاله ثقات 8/ 240، وتقدم تخريجه كاملا مطولا في مواقف النبي صلى الله عليه وسلم الفردية، والقصة هنا مختصرة، فارجع إليها في المجمع 8/ 239، 240.
(2)
أحمد في المسند 5/ 411، وقال ابن كثير: هذا حديث جيد قوي، له شواهد في الصحيح عن أنس رضي الله عنه. انظر: تفسير ابن كثير 2/ 252، ومجمع الزوائد 8/ 234.
(3)
سورة الكهف، الآية 29.