الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول
الحجج العقلية القطعية على إثبات ألوهية الله تعالى
من البراهين القطعية التي ينبغي للدعاة إلى الله تبيينها وتوضيحها لمن اتّخذ من دون الله آلهة أخرى، قوله تعالى:{أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ - لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ - لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 21 - 23](1).
فقد أنكر -سبحانه- على من اتخذ من دونه آلهة من الأرض، سواء كانت أحجارًا أو خشبًا، أو غير ذلك من الأوثان التي تعبد من دون الله! فهل هم يحيون الأموات ويبعثونهم؟ والجواب: كلا، لا يقدرون على شيء؟ من ذلك" ولو كان في السماوات والأرض آلهة تستحق العبادة غير الله لفسدتا وفسد ما فيهما من المخلوقات؟ لأن تعدد الآلهة يقتضي التمانع والتنازع والاختلاف، فيحدث بسببه الهلاك، فلو فرض وجود إلهين، وأراد أحدهما أن يخلق شيئًا والآخر لا يريد ذلك، أو أراد أن يُعطي والآخر أراد أن يمنع، أو أراد أحدهما تحريك جسم والآخر يريد تسكينه، فحينئذ يختل نظام العالم، وتفسد الحياة!؛ وذلك:
لأنه يستحيل وجود مرادهما معًا، وهو من أبطل الباطل، فإنه لو وجد مرادهما جميعًا للزم اجتماع الضدين، وأن يكون الشيء الواحد حيًّا ميتًا، متحركًا ساكتًا.
وإذا لم يحصل مراد واحد منهما لزم عجز كل منهما، وذلك يناقض الربوبية.
وإن وُجِد مراد أحدهما ونفذ دون مراد الآخر، كان النافذ مراده هو الإله القادر والآخر عاجز ضعيف مخذول.
(1) سورة الأنبياء، الآيات 21 - 23.
واتفاقهما على مراد واحد في جميع الأمور غير ممكن.
وحينئذ يتعين أن القاهر الغالب على أمره هو الذي يوجد مراده وحده من غير مُمانع ولا مُدافع، ولا مُنازع ولا مُخالف ولا شريك، وهو الله الخالق الإله الواحد، لا إله إلا هو، ولا رب سواه؛ ولهذا ذكر -سبحانه- دليل التمانع في قوله عز وجل:{مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ - عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [المؤمنون: 91 - 92](1).
وإتقان العالم العلوي والسفلي، وانتظامه منذ خلقه، واتساقه، وارتباط بعضه ببعض في غاية الدقة والكمال:{مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ} [الملك: 3](2). وكل ذلك مسخر ومدبر بالحكمة لمصالح الخلق كلهم -يدل على أن مدبره واحد، وربه واحد، وإلهه واحد، لا معبود غيره، ولا خالق سواه (3).
(1) سورة المؤمنون، الآية 91، 92.
(2)
سورة الملك، الآية 3.
(3)
انظر درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية 9/ 352، 354، 337 - 382، 1/ 35 - 37، وتفسير البغوي 3/ 241، 316، وابن كثير 3/ 255، 176، وفتح القدير للشوكاني 3/ 402، 496، وتفسير عبد الرحمن السعدي 5/ 220، 374، وأيسر التفاسير لأبي بكر جابر الجزائري 3/ 99، ومناهج الجدل في القرآن الكريم للدكتور زاهر بن عواض الألمعي ص158 - 161.