المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسلك الأول: إبطال عقيدة التثليث وإثبات الوحدانية لله تعالى - الحكمة في الدعوة إلى الله تعالى - جـ ٢

[سعيد بن وهف القحطاني]

فهرس الكتاب

- ‌المطلب الرابع الأدلة الشرعية

- ‌المبحث الثانيحكمة القول مع الوثنيين

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأولالحجج العقلية القطعية على إثبات ألوهية الله تعالى

- ‌المطلب الثانيضعف جميع المعبودات من دون الله من كل الوجوه

- ‌المطلب الثالثضرب الأمثال الحكيمة

- ‌المطلب الرابعالكمال المطلق للإله الحق المستحق للعبادة وحده

- ‌المطلب الخامسالتوحيد دعوة جميع الرسل عليهم الصلاة والسلام

- ‌المطلب السادسالغلو في الصالحين سبب شرك البشر

- ‌المطلب السابعالشفاعة المثبتة والمنفية

- ‌المطلب الثامنالإله الحق سخر جميع ما في الكون لعباده

- ‌المطلب التاسع البعث بعد الموت

- ‌المسلك الأول: الأدلة العقلية

- ‌المسلك الثاني: الأدلة الحسية:

- ‌المسلك الثالث: الأدلة الشرعية:

- ‌المبحث الثالثحكمة القول مع أهل الكتاب

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأولحكمة القول مع اليهود

- ‌المسلك الأول: الأدلة العقلية والنقلية على نسخ الإسلام لجميع الشرائع

- ‌المسلك الثاني: الأدلة القطعية على وقوع التحريف والتبديل في التوراة:

- ‌المسلك الثالث: إثبات اعتراف المنصفين من علماء اليهود:

- ‌المسلك الرابع: الأدلة على إثبات رسالة عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام:

- ‌المطلب الثانيحكمة القول مع النصارى

- ‌المسلك الأول: إبطال عقيدة التثليث وإثبات الوحدانية لله تعالى

- ‌المسلك الثاني: الأدلة والبراهين القاطعة على بشرية عيسى وعبوديته لله:

- ‌المسلك الثالث: البراهين الدالة دلالة قطعية على إبطال قضية الصلب والقتل:

- ‌المسلك الرابع: البينات الواضحات على وقوع النسخ والتحريف في الأناجيل:

- ‌المسلك الخامس: إثبات اعتراف المنصفين من علماء النصارى:

- ‌المطلب الثالثالبراهين على إثبات الرسالة المحمدية وعمومها

- ‌المسلك الأول: معجزات القرآن العظيم:

- ‌المسلك الثاني: معجزات النبي صلى الله عليه وسلم الحسية:

- ‌المسلك الثالث: عموم رسالته صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الرابعحكمة القول مع المسلمين

- ‌توطئة

- ‌المطلب الأول الموعظة الحسنة وأنواعها

- ‌المطلب الثاني الترغيب والترهيب

- ‌المسلك الأول: الترغيب والتبشير

- ‌المسلك الثاني: الترهيب والإنذار:

- ‌المطلب الثالث حكمة القول التصويرية

- ‌المسلك الأول: القصص الحكيم:

- ‌المسلك الثاني: التشبيه وضرب الأمثال:

- ‌المسلك الثالث: لفت الأنظار والقلوب إلى الصور المعنوية وآثارها:

- ‌المسلك الرابع: لفت الأنظار والقلوب إلى الآثار المحسوسة:

- ‌الفصل الرابعحكمة القوة الفعلية مع المدعوين

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأولحكمة القوة الفعلية مع الكفار

- ‌المطلب الأولأسباب استخدام القوة الفعلية مع الكفار

- ‌المطلب الثانيقوة الجهاد في سبيل الله تعالى

- ‌المسلك الأول: أهداف الجهاد وغايته:

- ‌المسلك الثاني: أطوار قوة الجهاد:

- ‌المسلك الثالث: الإعداد لقوة الجهاد:

- ‌المسلك الرابع: ضوابط قوة الجهاد:

- ‌المسلك الخامس: مراتب قوة الجهاد وأنواعه:

- ‌المطلب الثالث أسباب النصر

- ‌المسلك الأول: الإيمان والعمل الصالح:

- ‌المسلك الثاني: نصر دين الله تعالى:

- ‌المسلك الثالث: التوكل على الله والأخذ بالأسباب:

- ‌المسلك الرابع: المشاورة بين المسئولين:

- ‌المسلك الخامس: الثبات عند لقاء العدو:

- ‌المسلك السادس: الشجاعة والبطولة والتضحية:

- ‌المسلك السابع: الدعاء وكثرة الذكر:

- ‌المسلك الثامن: طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم:

- ‌المسلك التاسع: الاجتماع وعدم النزاع:

- ‌المسلك العاشر: الصبر والمصابرة:

- ‌المسلك الحادي عشر: الإخلاص لله تعالى:

- ‌المسلك الثاني عشر: الرغبة فيما عند الله تعالى:

- ‌المسلك الثالث عشر: إسناد القيادة لأهل الإيمان:

- ‌المسلك الرابع عشر: التحصن بالدعائم المنجيات:

- ‌المبحث الثانيحكمة القوة الفعلية مع عصاة المسلمين

- ‌المطلب الأولأسباب استخدام القوة مع عصاة المسلمين

- ‌المطلب الثانيالكلمة القوية والفعل الحكيم

- ‌المطلب الثالثالتهديد الحكيم والوعيد بالعقوبة

- ‌المطلب الرابعحكمة القوة بالعقوبات الشرعية

- ‌توطئة:

- ‌المسلك الأول: عقوبة الهجر الحكيم:

- ‌المسلك الثاني: عقوبة التعزير:

- ‌المسلك الثالث: القصاص:

- ‌المسلك الرابع: حد الزنا واللواط:

- ‌المسلك الخامس: حد القذف:

- ‌المسلك السادس: حد شرب الخمر:

- ‌المسلك السابع: حد السرقة:

- ‌المسلك الثامن: حد المحاربين قطاع الطريق:

- ‌المسلك التاسع: عقوبة المرتد:

- ‌المسلك العاشر: قتال أهل البغي:

- ‌الخاتمة

- ‌ أهم النتائج

- ‌ التوصيات والمقترحات

الفصل: ‌المسلك الأول: إبطال عقيدة التثليث وإثبات الوحدانية لله تعالى

‌المطلب الثاني

حكمة القول مع النصارى

من حكمة القول مع النصارى في دعويهم إلى الله- تعالى- أن يسلك معهم الداعية المسلم المسالك الحكيمة الآتية:

‌المسلك الأول: إبطال عقيدة التثليث وإثبات الوحدانية لله تعالى

.

المسلك الثاني: البراهين على إثبات بشرية عيسى وعبوديته لله تعالى.

المسلك الثالث: البراهين على إبطال قضية الصلب والقتل.

المسلك الرابع: البينات على إثبات وقوع النسخ والتحريف.

المسلك الخامس: إثبات اعتراف المنصفين من علماء النصارى.

المسلك الأول: إبطال عقيدة التثليث وإثبات الوحدانية لله تعالى: المقصود بالتثليث عند النصارى ثلاثة أسماء: الآب، والابن، وروح القدس.

وقالوا: الآب هو الذات، والابن هو الكلمة، وروح القدس هو الحياة (1) ويعبرون عن ذلك بأن الله- تعالى عن كفرهم- ثلاثة أقانيم،

(1) اختلف النصارى في تفسير هذا الكلام على أقوال:

1 -

فكثير منهم يقول: الآب هو الوجود، والابن هو الكلمة، وروح القدس هو الحياة.

2 -

ومنهم من يقول: الآب هو الوجود، والابن هو الكلمة، وروح القدس هو القدرة.

3 -

وقيل: الأقانيم ثلاثة: جواد، حكيم، قادر، فقالوا: الجواد الآب، والحكيم الابن، والقادر: روح القدس.

4 -

وقيل: الذات الأب، والنطق الابن، والحياة روح القدس.

5 -

ومنهم من يعبر عن الكلمة بالعلم، فيقول: موجود، حي، عالم، أو موجود، عالم، قادر.

6 -

ومنهم من يقول: موجود، حي، حكيم.

7 -

ومنهم من يقول. قائم بنفسه، حي، حكيم.

وكلهم متفقون على أن المتجسد في المسيح -على زعمهم- والحال فيه هو أقنوم الكلمة، وهو الذي يسمونه الابن دون الآب، تعالى الله عن قولهم. = = انظر: الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 2/ 90، 94، والملل والخل للشهرستاني 1/ 222 - 228.

وفرق النصارى الثلاث: الملكانية، والنسطورية، واليعقوبية متفقون على أن معبودهم ثلاثة، ولكنهم اختلفوا في تفسير الأقانيم الثلاثة، وفي الحلول والاتحاد. انظر: الجواب الصحيح 2/ 95، والفصل لابن حزم 1/ 110 - 112، وإظهار الحق 1/ 576، والملل والنحل للشهرستاني 1/ 221 - 228، والبداية والنهاية 2/ 150، ودقائق التفسير 3/ 30، وإغاثة اللهفان 2/ 273.

قال ابن حزم في الفصل 1/ 112: ولولا أن الله وصف قولهم في كتابه. . . لما انطلق لسان مؤمن بحكاية هذا القول العظيم الشنيع السمج السخيف، وتالله لولا أنا شاهدنا النصارى ما صدقنا أن في العالم عقلا يسع هذا الجنون، ونعوذ بالله من الخذلان.

ص: 427

والأقنوم في لغتهم هو الأصل (1) والثلاثة أسماء إله واحد (2) في زعمهم الباطل عقلا وشرعا.

والرد على عقيدة التثليث وإبطالها (3) ودعوة أصحابها إلى الله بالقول الحكيم يتلخص في الأمور الآتية:

1 -

التوحيد دين الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام- وأتباعهم: إن عقيدة التثليث لم تكن في أمة من الأمم السابقة من عهد آدم عليه الصلاة والسلام، إلى رفع عيسى صلى الله عليه وسلم.

وعقيدة التوحيد هي دين الأنبياء وأتباعهم، كما أن كتب العهد القديم عند أهل الكتاب ناطقة بأن الله واحد، أزلي، أبدي، حي لا يموت، قادر يفعل ما يشاء، ليس كمثله شيء، لا في الذات ولا في الصفات، وعبادة غير الله حرام، وحرمتها مصرحة في مواضع شتى، وهذا الأمر لشهرته وكثرته في تلك الكتب غير محتاج إلى نقل الشواهد (4).

(1) انظر: الجواب الصحيح 2/ 100، 112، والداعي إلى الإسلام للأنباري ص 359، والفصل لابن حزم 1/ 119.

(2)

انظر: الداعي إلى الإسلام ص 363، 364، والجواب الصحيح 2/ 112.

(3)

انظر: اليهودية والمسيحية، للدكتور محمد ضياء الرحمن الأعظمي، ص 411 - 439.

(4)

انظر: إظهار الحق، لرحمة الله الهندي 1/ 543، 577.

ص: 428

2 -

النصارى تلقوا عقيدة التثليث عن أصحاب المجامع: إن المصادر النصرانية الموثوق فيها لا تملك سوى الإقرار بأن دعوة عيسى صلى الله عليه وسلم كانت توحيد الله الخالص من الشرك، إلى بداية القرن الرابع الميلادي (1) وذلك أن الله عز وجل بعث عبده ورسوله عيسى ابن مريم إلى بني إسرائيل، فجدد لهم الدين، وصدق لما بين يديه من التوراة، وأحل لهم بعض الذي حرم عليهم، ودعاهم إلى عبادة الله وحده، فعادوه وكذبوه، ورموه وأمه بالعظائم، وأرادوا قتله، فطهره الله - تعالى- منهم، ورفعه إليه، ولم يصلوا إليه بسوء، وأقام الله- تعالى- للمسيح أنصارا دعوا إلى دينه وشريعته حتى ظهر دينه على من خالفه، ودخل فيه الملوك، واستقام الأمر على السداد بعده نحو ثلاثمائة سنة، ثم أخذ دين المسيح في التبديل والتغيير، ولم يبق بأيدي النصارى منه إلا بقايا: كالختان، والاغتسال من الجنابة، وتعظيم السبت، وتحريم الخنزير، وتحريم ما حرمته التوراة إلا ما أحلت لهم بنصها، ثم استحلوا الخنزير، وأحلوا السبت، وعوضوا منه يوم الأحد، وتركوا الختان، والاغتسال من الجنابة، وكان المسيح يصلي إلى بيت المقدس فصلوا إلى المشرق، وعظموا الصليب وعبدوه، وعندما أخذ دين المسيح صلى الله عليه وسلم في التغير والفساد اجتمعت النصارى عدة مجامع، ثم يفترقون على الاختلاف والتلاعن، ومن أهم هذه المجامع: مجمع نيقية عام 325 م، فقد جمع الملك قسطنطين -باني القسطنطينية- ألفين وثمانية وأربعين أسقفا (2048) من جميع بلدان العالم، وكانوا مختلفي الآراء والأديان، واتفق منهم ثلاثمائة وثمانية عشر أسقفا (318) على أن المسيح ابن الله -تعالى عن كفرهم- وأنه مساو له في

(1) انظر: إغاثة اللهفان لابن القيم 2/ 270، وهداية الحيارى ص 622، والمناظرة بين الإسلام والنصرانية ص 164.

ص: 429

الجوهر، وأنه نزل من السماء وتجسد من روح القدس، وصار إنسانا، وحمل به، ثم ولد من مريم، وقتل وصلب، ودفن، وقام في اليوم الثالث، وصعد إلى السماء، وجلس عن يمين أبيه، وهو مستعد للمجيء مرة أخرى للقضاء بين الأموات والأحياء، وقالوا: نؤمن بروح القدس، وأجبر الملك الناس على هذه العقيدة التي أسسها هؤلاء الأساقفة.

ثم عقد مجمع آخر عام 381 م، وحضره مائة وخمسون أسققا (150)، وأجمعوا على أن روح القدس خالق غير مخلوق، وبهذا المجمع تم لهم التثليث، وقالوا: بأن الآب والابن وروح القدس ثلاثة أقانيم، وفرض ملوك النصارى هذه العقيدة على الناس.

ثم عقد مجمع سنة 431 م، وحضره نحو مائتي أسقف (200)، وقرروا أن مريم ولدت إلها. . .!

واستمرت المجامع تعقد بعد ذلك، وأشهرها المجامع العشرة التي عقدت على مر العصور، وكلهم يكفر بعضهم بعضا، ويلعن بعضهم بعضا، فدينهم الذي ابتدعوا قائم على اللعنة (1).

فثبت بهذا الاستعراض أن دين المسيح صلى الله عليه وسلم هو التوحيد إلى نهاية القرن الثالث الميلادي، وأن المجامع النصرانية هي التي فرضت عقيدة التثليث، وألزم الملوك الناس بذلك بالسيف والعطاء (2).

فعلم قطعا بأن عقيدة التثليث عقيدة وثنية مصدرها المجامع النصرانية، بدءا بمجمع نيقية سنة 325 م، وهذا من أعظم ما يرد به على النصارى، ولكن بالقول الحكيم، وبالرفق واللين، والجدال بالتي هي أحسن.

(1) انظر: الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 1/ 115، 2/ 90 - 135، 3/ 22 - 45، وإغاثة اللهفان 2/ 270 - 281، وهداية الحيارى ص 646 - 658، والبداية والنهاية لابن كثير 2/ 150، 151، والمناظرة بين الإسلام والنصرانية ص 202 - 216.

(2)

انظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم 2/ 228.

ص: 430

3 -

بطلان كون الثلاثة إله واحد: قال المثلثة: الآب، والابن، وروح القدس: الثلاثة أسماء إله واحد، ورب واحد، وخالق واحد، ومسمى واحد، لم يزل ولا يزال شيئا- ناطقا: أي الذات والنطق والحياة (1) ويعبرون عن ذلك بأن الله - تعالى عن كفرهم- ثلاثة أقانيم، وحينئذ يرد عليهم بالقول الحكيم بالآتي:

أولا: لم خصصتم الأقانيم بالثلاثة؟ فإنه قد ثبت أنه: موجود، حي، عليم، قادر، سميع، بصير، كريم، خالق، رازق. . . فيلزمكم على قولكم هذا أن تثبتوا أقنوما رابعا، وهو القدرة، وخامسا وهو: السمع، وسادسا وهو: البصر، وسابعا وهو: الكرم، وثامنا وهو: الخلق، وتاسعا وهو: الكلام. . . وسائر الصفات الثابتة، فإن أسماء الله -تعالى- وصفات متعددة كثيرة، ومنها تسعة وتسعون اسما من أحصاها دخل الجنة (2).

فإذا كانت أسماء الله كثيرة فالاقتصار على ثلاثة أسماء أو ثلاث صفات باطل مردود (3).

ثانيا: قولكم: الآب الذي هو ابتداء الاثنين، والابن النطق الذي هو مولود منه كولادة النطق من العقل: كلام باطل؛ لأن صفات الكمال لازمة لذات الله -تعالى- أولا وآخرا، فهو لم يزل ولا يزال حيا، عالما، قادرا، فلم يصر حيا بعد أن لم يكن حيا، ولا عالما بعد أن لم يكن عالما!

(1) فالذات عندهم: الأب الذي هو ابتداء الاثنين، والنطق: الابن الذي هو مولود منه كولادة النطق من العقل، والحياة: هي روح القدس، ثم يعبرون عن ذلك بأن الله- تعالى- ثلاثة أقانيم - تعالى الله عن ذلك- والأقنوم في لغتهم: هو الأصل انظر: الجواب الصحيح 2/ 100، 112، والداعي إلى الإسلام ص 359، والفصل لابن حزم 1/ 119.

(2)

البخاري مع الفتح، كتاب الشروط، باب ما يجوز من الاشتراط والثنيا في الإقرار 5/ 354، 11/ 214، ومسلم، كتاب الذكر، باب أسماء الله تعالى. . . 4/ 2063.

(3)

انظر: الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 2/ 113.

ص: 431

ثالثا: قولكم في النطق: إنه الابن، وإنه مولود من الله -تعالى-: إن أردتم به أنه صفة لازمة له، فكذلك الحياة صفة لازمة له، فيكون روح القدس أيضا ابنا ثانيا، وإن أردتم أنه حصل منه بعد أن لم يكن لزم أن يكون عالما بعد أن لم يكن، وهذا مع كونه باطلا وكفرا فيلزم مثله في الحياة وأنه صار حيا بعد أن لم يكن حيا، تعالى الله وتقدس عن ذلك!

رابعا: إن تسمية حياة الله: روح القدس، لم ينطق به شيء من كتب الله المنزلة، فإطلاق روح القدس على حياة الله من التبديل والتحريف للكلم عن مواضعه.

خامسا: إنكم تدعون أن المتجسد بالمسيح هو الكلمة، الذي هو العلم، وهذا إن أردتم به نفس الذات العالمة الناطقة كان المسيح هو الآب، وهو الابن، وهو روح القدس، وهذا عندكم وعند جميع الناس باطل.

سادسا: العلم صفة، والصفة لا تخلق ولا ترزق، والمسيح نفسه ليس هو صفة قائمة بغيرها باتفاق العقلاء، وأيضا هو عند المثلثة خالق للسموات والأرض، فامتنع أن يكون المتحد به صفة، فإن الإله المعبود هو الإله الحي العليم القدير، وليس هو نفس الحياة ولا نفس العلم والكلام، فلو قال قائل: يا حياة الله، أو يا علم الله، أو يا كلام الله اغفر لي وارحمني. . . كان هذا باطلا في صريح العقل؛ ولهذا لم يجوز أحد من أهل الأديان السماوية أن يقال للتوراة أو الإنجيل وغير ذلك من كلام الله: اغفر لي وارحمني، وإنما يقال للإله المتكلم بهذا الكلام -وهو الله وحده-: اغفر لنا وارحمني.

والمسيح عند المثلثة هو الإله الخالق الذي يقال له: اغفر لنا وارحمنا، فلو كان هو نفس علم الله وكلامه لم يجز أن يكون إلها معبودا، فكيف إذا

ص: 432

لم يكن هو نفس علم الله وكلامه، بل هو مخلوق بكلامه حيث قال:(كن)، فكان، فتبين بذلك أن كلمات الله كثيرة لا نهاية لها، ومعلوم أن المسيح ليس هو كلمات كثيرة بل غايته أن يكون كلمة واحدة، إذ هو المخلوق بكلمة من كلمات الله عز وجل (1).

سابعا: مما لا يشك في صحته عاقل أن عقيدة التثليث باطلة مردودة بصريح النقل وصحيح العقل، ومن المعلوم عند سائر أهل الملل أن الله موجود، حي، عليم، متكلم، قدير، لا تختص صفاته بثلاثة، ولا يعبر عن ثلاثة منها بعبارة لا تدل على ذلك، وهو: لفظ الآب، والابن، وروح القدس، فإن هذه الألفاظ لا تدل على ما فسروها به في لغة أحد من الأمم، ولا يوجد في كلام أحد من الأنبياء أنه عبر بهذه الألفاظ عما ذكروه من المعاني، بل ذلك مما ابتدعه النصارى، ولم يدل عليه شرع ولا عقل (2).

فتبين أن جميع كتب الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- تبطل مذهب النصارى، فهم بين أمرين:

1 -

الإيمان بكلام الأنبياء وبطلان دينهم (عقيدة التثليث).

2 -

تصحيح دينهم وتكذيب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام (3).

4 -

إبطال عقيدة التثليث بما في كتب النصارى: من الأدلة التي تلزم أصحاب التثليث أن يبين لهم بالقول الحكيم ما في كتبهم التي يعترفون بها، فإن فيها ما يبطل قولهم وعقيدتهم في التثليث، ومن ذلك على سبيل المثال ما يلي:

(1) انظر: الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 2/ 112 - 116، بتصرف.

(2)

انظر: المرجع السابق 2/ 91.

(3)

انظر: المرجع السابق 2/ 213.

ص: 433

(أ) جاء في إنجيل يوحنا، أن المسيح صلى الله عليه وسلم قال في دعائه:" إن الحياة الدائمة إنما تجب للناس بأن يشهدوا أنك أنت الله الواحد الحق، وأنك أرسلت اليسوع المسيح "(1).

وهذه حقيقة شهادة أن لا إله إلا الله، ولا معبود بحق سواه.

(ب) وقال: " إن الله عز وجل ما أكل ولا يأكل، وما شرب ولا يشرب، ولم ينم ولا ينام، ولا ولد له ولا يلد ولا يولد، ولا رآه أحد ولا يراه أحد (2) إلا مات "(3).

وبهذا يظهر سر قوله تعالى: {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ} [المائدة: 75](4).

وغير ذلك من الأمثلة كثير لا يتسع المقام لذكرها (5).

5 -

إبطال القرآن الكريم لعقيدة التثليث: القرآن الكريم هو الأصل في تصحيح العقائد، وما سبق من القول الحكيم مع النصارى إنما هو مخاطبتهم على قدر عقولهم بالأدلة العقلية، وبالواقع من تاريخهم، وما جاء في كتبهم، مما يبطل عقيدة التثليث، يثبت أن عقيدة التوحيد هي دين الأنبياء جميعا، عليهم الصلاة والسلام.

والقرآن الكريم - المحفوظ من الله عن التبديل والتحريف- يتولى الرد

(1) هداية الحيارى لابن القيم ص 620.

(2)

المقصود بنفي الرؤية هنا في الدنيا، أما في الآخرة فإن المؤمنين يرون ربهم في الجنة، وهو أعظم نعيم أهل الجنة، جعلنا الله منهم.

(3)

انظر: هداية الحيارى ص 621.

(4)

سورة المائدة، الآية 75.

(5)

انظر كثير من الأمثلة على ذلك في: هداية الحيارى ص 620 - 622، وإظهار الحق 2/ 25 - 39.

ص: 434

على هذه القضية بأوجز عبارة وأوضحها، قال تعالى:{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 171](1){لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [المائدة: 17](2).

وقال عز وجل مبينا حقيقة عيسى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ - لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ - أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ - مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [المائدة: 72 - 75](3).

وأخبر الله عن المسيح أنه لم يأمر الناس إلا بما أمره الله به، فقال سبحانه:

(1) سورة النساء، الآية 171.

(2)

سورة المائدة، الآية 17.

(3)

سورة المائدة، الآيات 72 - 75.

ص: 435

{وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ - مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المائدة: 116 - 117](1){وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا - لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا - تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا - أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا - وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا - إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم: 88 - 93](2){وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [التوبة: 30](3).

* فهل بعد هذا القول بيان؟ وهل بعد هذه الحجج من حجج؟ (4).

وأما قوله تعالى: {وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ} [النساء: 171](5) فقد بينها الله تعالى أعظم بيان وأكمله وأبلغه.

(أ) فالكلمة التي ألقاها الله إلى مريم هي: (كن)، فكان عيسى بـ " كن "، وليس عيسى هو الكن، ولكن بالكن كان عيسى، فالكن من الله قوله:(كن)، وليس الكن مخلوقا (6) قال تعالى:

(1) سورة المائدة، الآيتان 116، 117.

(2)

سورة مريم، الآيات 88 - 93.

(3)

سورة التوبة، الآية 30.

(4)

انظر: الجواب الصحيح 2/ 279 - 281، ودقائق التفسير 3/ 28، 29.

(5)

سورة النساء، الآية 171.

(6)

فتاوى ابن تيمية 20/ 493، ودقائق التفسير 3/ 31، وتفسير ابن كثير 1/ 951.

ص: 436

{إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ - وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ - قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [آل عمران: 45 - 47](1).

ففي هذا الكلام وجوه تبين أنه مخلوق وليس كما يقول النصارى، وذلك:

1 -

قوله تعالى: {بِكَلِمَةٍ مِنْهُ} [آل عمران: 45] وهي نكرة في سياق الإثبات يقتضي أنه كلمة من كلمات الله، وليس هو كلامه كله كما يقول النصارى.

2 -

ومنها أنه بين مراده بقوله: {بِكَلِمَةٍ مِنْهُ} [آل عمران: 45] وأنه مخلوق حيث قال: {كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [آل عمران: 47] كما قال تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [آل عمران: 59](2) وقوله تعالى: {ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ - مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [مريم: 34 - 35](3).

فهذه ثلاث آيات في القرآن تبين أن الله قال له: {كُنْ} [مريم: 35] وهذا تفسير كونه كلمة منه.

3 -

وقال: اسمه المسيح عيسى ابن مريم.

4 -

وأخبر أنه وجيه في الدنيا والآخرة.

(1) سورة آل عمران، الآيات 45 - 47.

(2)

سورة آل عمران، الآية 59.

(3)

سورة مريم، الآيتان 34، 35.

ص: 437

5 -

وأنه من المقربين.

وهذه كلها صفة مخلوق، والله- تعالى- وكلامه الذي هو صفته لا يقال فيه شيء من ذلك.

6 -

وقالت مريم: {أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ} [آل عمران: 47] فبين أن المسيح الذي هو الكلمة ولد مريم لا ولد الله سبحانه وتعالى (1).

(ب) أما الروح التي قال تعالى فيها: {وَرُوحٌ مِنْهُ} [النساء: 171] فلا يجب أن يكون منفصلا من ذات الله، كما قال تعالى:{وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} [الجاثية: 13](2). {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل: 53](3). {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النساء: 79](4). .

فهذه الأشياء كلها من الله وهي مخلوقة.

وأبلغ من ذلك روح الله التي أرسلها إلى مريم، وهي مخلوقة {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا - قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا - قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا} [مريم: 17 - 19] (5). {وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 91](6) وقال تعالى: {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا} [التحريم: 12](7).

(1) انظر: الجواب الصحيح 2/ 99 - 300، 2/ 140، 227.

(2)

سورة الجاثية، الآية 13.

(3)

سورة النحل، الآية 53.

(4)

سورة النساء، الآية 79.

(5)

سورة مريم، الآيات 17 - 19.

(6)

سورة الأنبياء، الآية 91.

(7)

سورة التحريم، الآية 12.

ص: 438

فعلم بذلك أن الروح الذي أرسله الله إلى مريم هو روح القدس، وهو الملك جبريل، عليه السلام، وهو مخلوق، وهو الذي خلق المسيح من نفخه ومن مريم، فإذا كان الأصل مخلوقا فكيف الفرع الذي حصل به؟

أما قوله عن المسيح: وروح منه فخص بذلك؛ لأنه نفخ في أمه من الروح، فحملت به من ذلك النفخ، وذلك غير روحه التي يشاركه فيها سائر البشر، فامتاز بأن حملت به من نفخ الروح؛ فلهذا سمي روحا منه (1).

أما إضافة الروح إلى الله في قوله: {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا} [مريم: 17] فهي إضافة مخلوق إلى خالقه، كقوله تعالى:{نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} [الشمس: 13](2). {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} [الإنسان: 6](3) والمضاف إلى الله -تعالى- نوعان:

(أ) إن كان صفة مضافة إلى الله لم تقم بمخلوق: كعلم الله، وقدرة الله، والقرآن كلام الله، وحياة الله، كان صفة لله تعالى.

(ب) وإن كان المضاف عينا قائمة بنفسها أو صفة فيها، أو صفة لغير الله: كالبيت، والناقة، والعبد، والروح كان مخلوقا مضافا إلى خالقه ومالكه.

لكن هذه الإضافة (ناقة الله)، (بيت الله)، (عباد الله)، (روح الله)، إضافة مخلوق إلى خالقه تقتضي التشريف، وبهذا يتبين أنه لا يوجد للنصارى حجة إطلاقا، فسقط قولهم بحمد الله تعالى (4).

(1) انظر: الجواب الصحيح 2/ 127، 128، 133، 302، 303، ودقائق التفسير 2/ 341، 3/ 32، والبغوي 1/ 501، وابن كثير 1/ 591، 4/ 395، وفتح القدير 1/ 540.

(2)

سورة الشمس، الآية 13.

(3)

سورة الإنسان، الآية 6.

(4)

انظر: الجواب الصحيح 2/ 115، 127، 128، 132، 138 - 140، 142، ودقائق التفسير 2/ 343.

ص: 439