الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تمهيد
مراتب الدعوة إلى الله تعالى قد دل كتاب الله على أن مراتب الدعوة - بحسب مراتب البشر- قال الله - تعالى-: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125](1) وقال تعالى: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} [العنكبوت: 46](2) فاتضح بذلك أن مراتب الدعوة إلى الله أربع مراتب كالتالي:
المرتبة الأولى: الحكمة.
المرتبة الثانية: الموعظة الحسنة.
المرتبة الثالثة: الجدال بالتي هي أحسن.
المرتبة الرابعة: استخدام القوة.
ولا بد أن تكون مرتبة الحكمة ملازمة لجميع المراتب التي بعدها، فالموعظة لا بد أن توضع في موضعها، والجدال في موضعه، واستخدام القوة في موضعه مع بيان الحق بدليله والإصابة في الأقوال والأفعال، وكل ذلك بإحكام وإتقان.
وبهذا تكون مراتب المدعوين بحسب هذه المراتب كالتالي:
(1) سورة النحل، الآية 125.
(2)
سورة العنكبوت، الآية 46.
1 -
المستجيب الذكي، القابل للحق، الذي لا يعاند ولا يأباه، وهذا يبين له الحق علما وعملا واعتقادا، فيقبله ويعمل به.
2 -
القابل للحق المعترف به؛ لكن عنده نوع غفلة وتأخر، وله أهواء وشهوات تصده عن اتباع الحق، فهذا يدعى بالموعظة الحسنة المشتملة على الترغيب في الحق والترغيب من الباطل.
3 -
المعاند الجاحد، فهذا يجادل بالتي هي أحسن (1).
4 -
فإن ظلم المعاند ولم يرجع إلى الحق انتقل معه إلى مرتبة استخدام القوة إن أمكن.
واستخدام القوة يكون بالكلام، وبالتأديب لمن له سلطة وقوة، وبالجهاد في سبيل الله -تعالى- تحت لواء ولي أمر المسلمين بالشروط التي دل عليها الكتاب والسنة (2) وهذا ما يقتضيه مفهوم الحكمة الصحيح؛ لأنها وضع الشيء في موضعه اللائق به بإحكام وإتقان وإصابة.
ويزيد ذلك وضوحا وبيانا ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي أعطاه ربه من الحكمة ما لم يعط أحدا من العالمين، فقد كان يضع العلم والتعليم
(1) انظر: فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 2/ 44، 45، 15/ 243، 19/ 164، ومفتاح دار السعادة لابن القيم 1/ 194، 195، والتفسير القيم لابن القيم ص 344، ومعالم الدعوة في القصص القرآني للديلمي 1/ 53.
(2)
انظر: تفسير ابن كثير 3/ 416، 4/ 315، وفتح المجيد شرح كتاب التوحيد لمحمد بن عبد الوهاب ص 89، وفتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، 1/ 90، وزاد الداعية إلى الله، لفضيلة العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، ص 15، وأضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، للشيخ محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي، 2/ 174 - 175.
والتربية في مواضعها، والموعظة في موضعها، والمجادلة بالتي هي أحسن في موضعها، والقوة والغلظة والسيف في مواضعها، وهذا من أحكم الحكم، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [التحريم: 9](1) وهذا عين الحكمة في الدعوة إلى الله تعالى (2).
وقد تقدمت حكمة القول مع المراتب الثلاث الأولى من مراتب البشر السابقة، أما المرتبة الرابعة: وهم المعاندون الظالمون الذين لم يرجعوا إلى الحق، فهؤلاء من الحكمة في دعوتهم إلى الله -تعالى- استخدام القوة الفعلية معهم في المباحث التالية:
المبحث الأول: حكمة القوة الفعلية مع جميع الكفار الظالمين.
المبحث الثاني. حكمة القوة الفعلية مع عصاة المسلمين.
(1) سورة التحريم، الآية 9.
(2)
انظر: تعليق الشيخ محمد حامد الفقي على التفسير القيم لابن القيم ص 344.