الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ووقوعه (1). نقلا وسمعا- سقطت أقوال منكري النسخ، وأقوال من أنكر عموم رسالة النبي صلى الله عليه وسلم (2) ولله الحمد والمنة.
المسلك الثاني: الأدلة القطعية على وقوع التحريف والتبديل في التوراة:
من حكمة القول في دعوة اليهود إلى الله عز وجل أن يبين لهم بالجدال بالتي هي أحسن أن الكتب التي بأيديهم قد دخلها التحريف والتبديل والتغيير (3). .
واليهود والنصارى يقرون أن التوراة كانت طول مملكة بني إسرائيل عند الكاهن الأكبر الهاروني وحده، وتقر اليهود أن سبعين كاهنا اجتمعوا على اتفاق من جميعهم على تبديل ثلاثة عشر حرفا من التوراة، وذلك بعد المسيح صلى الله عليه وسلم في عصر القياصرة الذين كانوا تحت قهرهم، ومن رضي بتبديل موضع واحد من كتاب الله فلا يؤمن من تحريف غيره.
واليهود تقر أيضا أن السامرة حرفوا مواضع من التوراة وبدلوها تبديلا ظاهرا، وزادوا ونقضوا، والسامرة تدعي على سائر اليهود بأن التوراة التي بأيديهم محرفة مبدلة (4).
والذي يحكم بين الجميع هو كلام الله- عز وجل المنزل على محمد
(1) وهناك شبهات لمنكري النسخ قد تضمن الرد عليها الأدلة السابقة، وانظر أيضا الرد عليها في الفصل لابن حزم 1/ 181 - 200، والداعي إلى الإسلام للأنباري ص 317 - 340، ومناهل العرفان 2/ 93 - 104.
(2)
وستأتي الأدلة القطعية على إثبات رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وشمولها إن شاء الله تعالى.
(3)
لا شك أنه يجب على كل مسلم الإيمان بكل كتاب أنزله الله، وبكل نبي أرسله، وهذا هو أصل دين المسلمين، فمن كفر بنبي واحد أو كتاب واحد، فهو كافر حلال الدم عند المسلمين. انظر. الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لشيخ الإسلام ابن تيمية 1/ 33، ولكن الكلام الآن هو في بيان وقوع التحريف والتبديل في التوراة.
(4)
انظر: الفصل لابن حزم 1/ 102، 187، 197، والجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 2/ 18، وهداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى لابن القيم ص 581.
صلى الله عليه وسلم، المهيمن على ما سبقه من الكتب المصدق لها، فقد سجل التحريف وأثبته على أهل الكتاب، ونسب إليهم أنواعا من تحريفهم للتوراة، كالتالي:
النوع الأول: إلباس الحق بالباطل: كان بنو إسرائيل يخلطون الحق بالباطل، بحيث لا يتميز الحق من الباطل، وقد سجل القرآن الكريم هذا الجرم عليهم، قال سبحانه:{يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ - وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ - وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 40 - 42] الآية (1) وقال سبحانه: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ} [آل عمران: 71] الآية (2).
ومن أبلغ الصور وأقبحها في إلباس الحق ادعاء الكهنة والأحبار في التوراة التي بأيديهم أن هارون صلى الله عليه وسلم هو الذي جمع الذهب من بني إسرائيل، واشترك معهم في صناعة العجل الذهبي، ووافقهم على عبادته من دون الله تعالى، وفي الوقت نفسه يبرئون السامري.
فهارون الذي تحمل المشاق صلى الله عليه وسلم في سبيل إقرار فرعون بالتوحيد، جعلوه داعية إلى الشرك والكفر، ولكن القرآن الكريم كان لهذه الدعوى بالمرصاد، فكذبهم، وبين حقيقة الأمر (3) قال تعالى:{فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ - فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى} [طه: 87 - 88]
(1) سورة البقرة، الآيات 40 - 42.
(2)
سورة آل عمران، الآية 71.
(3)
انظر: الفصل لابن حزم 1/ 256، وهداية الحيارى لابن القيم ص 582.
إلى قوله تعالى: {وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي - قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى} [طه: 90 - 91] الآيات (1)؛ فهذا هو الصدق حقا، إنما عمل لهم العجل السامري، أما هارون فنهاهم، ولكنهم عصوه وكادوا يقتلونه (2).
النوع الثاني: كتمان الحق: لا شك أن الله حق، ولا يقول إلا حقا، والتوراة التي أنزلت على موسى كلها حق؛ لأنها كلام الله تعالى، ولكن بني إسرائيل كانوا يكتمون الحق، قاصدين بذلك إخضاع كتاب الله لأهوائهم وشهواتهم، فالآيات التي يرون فيها منفعة لهم عاجلة أو تكون في جانب حجتهم يقرونها، أما الآيات التي يرون أن فيها دليلا عليهم فيكتمونها؛ ولهذا سجل الله عليهم هذا الكتم في كتابه، فقال سبحانه:{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [آل عمران: 71](3).
ومن أعظم ما كتمه أهل الكتاب هو ما وجدوه في كتبهم من صفات محمد صلى الله عليه وسلم، واختيار الله له رسولا إلى الناس أجمعين، وقد كانوا يعرفونه في كتبهم كما يعرفون أبناءهم، ولكنهم إذا سئلوا عن ذلك كتموه (4) قال تعالى:{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 146](5){الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [الأنعام: 20](6).
(1) انظر: سورة طه، الآيات 87 - 91.
(2)
انظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم 1/ 456، وهداية الحيارى ص 582.
(3)
سورة آل عمران، الآية 71، وانظر: سورة البقرة، الآية 42.
(4)
انظر: تفسير البغوي 1/ 67، 162، 315، وابن كثير 1/ 85، 95، 374.
(5)
سورة البقرة، الآية 146.
(6)
سورة الأنعام، الآية 20.
وقد بين عز وجل صفاته صلى الله عليه وسلم الكاملة في التوراة والإنجيل، فقال عز وجل:. . . {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ - الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف: 156 - 157](1).
ومع هذه الأوصاف العظيمة التي كانوا يعرفونها مكتوبة عندهم، أنكروا نبوته صلى الله عليه وسلم، وكتموا ما علموه (2).
النوع الثالث: إخفاء الحق: الإخفاء قريب من الكتمان (3) وقد كان أهل الكتاب يخفون من أحكام التوراة الشيء الكثير، قال تعالى:{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ} [المائدة: 15](4).
(1) سورة الأعراف، الآيتان 156، 157.
(2)
انظر الأمثلة من نصوص التوراة التي بينت صفات النبي صلى الله عليه وسلم واضحة جلية، ولكن اليهود كتموا ذلك، في: الملل والأهواء والنحل لابن حزم 1/ 201 - 329، والجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 3/ 299 - 332، وهداية الحيارى لابن القيم ص 522 - 580، وإغاثة اللهفان لابن القيم 2/ 351 - 363، وإظهار الحق لرحمة الله الهندي 1/ 335 - 508.
(3)
انظر: هداية الحيارى لابن القيم ص 524، ويمكن أن يقال الفرق بين الكتمان والإخفاء: بأن الكتمان هو ما كتموه من أوصاف النبي وأمته حقدا وكراهة، والإخفاء هو إخفاء كل ما فيه خزي لهم ومخالفة، والله أعلم. انظر: التوراة دراسة وتحليل لمحمد شلبي ص 80.
(4)
سورة المائدة، الآية 15.
ومن الأحكام التي أخفاها اليهود حكم رجم الزاني المحصن، فقد «جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم برجل منهم وامرأة قد زنيا، فقال لهم: " كيف تفعلون بمن زنى منكم؟ ". قالوا: نحممهما ونضربهما. فقال: " لا تجدون في التوراة الرجم؟ ". فقالوا: لا نجد فيها شيئا. فقال لهم عبد الله بن سلام: كذبتم، فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين، فوضع مدارسها الذي يدرسها منهم كفه على آية الرجم، فطفق يقرأ ما دون يده وما وراءها، ولا يقرأ آية الرجم، فنزع يده (1) عن آية الرجم، فقال: ما هذه؟ فلما رأوا ذلك قالوا: هي آية الرجم، فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما» . . . الحديث (2).
ولهذا قال سبحانه:. . {يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا} [المائدة: 41] إلى قوله: {وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ} [المائدة: 43](3) وقال: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [آل عمران: 23](4).
فأنكر سبحانه على أهل الكتاب المتمسكين فيما يزعمون بكتابيهم: التوراة والإنجيل، وإذا دعوا إلى التحاكم إلى ما فيهما من طاعة الله فيما أمرهم به فيهما من اتباع محمد صلى الله عليه وسلم تولوا وهم معرضون عنهما، وهذا في غاية ما يكون من ذمهم (5).
(1) وفي رواية أخرى للبخاري: فقال عبد الله بن سلام: ارفع يدك، فرفع يده، فإذا فيها آية الرجم. انظر: البخاري مع الفتح 2/ 166.
(2)
البخاري مع الفتح، كتاب التفسير، سورة آل عمران، باب:" قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين ". 8/ 224، 12/ 166، 13/ 516.
(3)
سورة المائدة الآيات 41 - 43.
(4)
سورة آل عمران، الآية 23.
(5)
انظر: تفسير ابن كثير 1/ 356، وأضواء البيان للشنقيطي 2/ 57.
النوع الرابع: لي اللسان: من أنواع تحريف اليهود للتوراة: لي اللسان، فهم يلوون ألسنتهم ويعطفونها بالتحريف، ليلبسوا على السامع اللفظ المنزل بغيره، ويفتلون ألسنتهم حين يقرءون كلام الله -تعالى- لإمالته عما أنزله الله عليه إلى اللفظ الذي يريدونه (1) قال تعالى:{وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 78](2).
ومن التحريف بلي اللسان ما كان يفعله اليهود مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بقولهم: {وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ} [النساء: 46] ويقصدون معنى: اسمع لا سمعت، أي: يدعون على النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان المسلمون يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم راعنا، من المراعاة، والمعنى: فرغ سمعك لكل منا، فلما سمع اليهود هذه اللفظة اغتنموا الفرصة في التحريف؛ لأن معناها عندهم السحت والطعن بمعنى: يا أحمق (3) ولكن الله عز وجل كشف سترهم، فقال:{مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: 46](4).
(1) انظر. تفسير البغوي 1/ 320، وابن كثير 1/ 377، وهداية الحيارى ص524، وفتح القدير للشوكاني 1/ 354.
(2)
سورة آل عمران، الآية 78.
(3)
انظر: تفسير البغوي 1/ 102، 438، وابن كثير 1/ 149، 508، وفتح القدير للشوكاني 1/ 124، 474.
(4)
سورة النساء، الآية 46.
ونهى الله المؤمنين عن صفات اليهود فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: 104](1) النوع الخامس: تحريف الكلام عن مواضعه: أثبت الله عز وجل على أهل الكتاب هذا النوع من التحريف، فقال عز وجل:{مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [النساء: 46](2){فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} [المائدة: 13](3) وقال عز وجل: {وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ} [المائدة: 41](4).
وهذا النوع من التحريف له أربع صور كالتالي:
1 -
تحريف التبديل: وهو وضع كلمة مكان كلمة، أو جملة مكان جملة.
2 -
تحريف بالزيادة: ويكون بزيادة كلمة أو جملة.
3 -
تحريف بالنقص: وهو إسقاط كلمة، أو جملة من الكلام المنزل على موسى صلى الله عليه وسلم.
4 -
تحريف المعنى: تبقى الكلمة أو الجملة كما هي، ولكنهم يجعلونها محتملة لمعنيين، ثم يختارون المعنى الذي يتفق مع أهوائهم وأغراضهم (5).
(1) سورة البقرة، الآية 104.
(2)
سورة النساء، الآية 46.
(3)
سورة المائدة، الآية 13.
(4)
سورة المائدة، الآية 41.
(5)
انظر: تفسير ابن كثير 1/ 377، وإغاثة اللهفان لابن القيم 2/ 360، 361، وإظهار الحق لرحمة الله الهندي 1/ 337 - 508، والتوراة: دراسة وتحليل، للدكتور / محمد شلبي شتيوي ص 83.
وهذه الصور لها أمثلة كثيرة من التوراة لا يتسع المقام لذكرها (1).
وقد بين الله- عز وجل أن أهل الكتاب يعلمون أن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هو الحق، لما يجدونه في كتبهم من نعته صلى الله عليه وسلم وأمته، وما شرفه الله به من الشريعة الكاملة (2) قال سبحانه:{وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} [البقرة: 144](3){يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [آل عمران: 71](4).
ومن رحمة الله -تعالى- بهم وكرمه أنه عندما ذكر ما فعلوه من العظائم دعاهم إلى التوبة، فقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} [النساء: 47](5) فلو آمنوا بالله وملائكته، وجميع كتبه، ورسله لكفر عنهم سيئاتهم وأدخلهم الجنة (6) قال تعالى:{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ - وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ} [المائدة: 65 - 66](7)
(1) انظر: الأمثلة على تحريف التبديل في الفصل لابن حزم 1/ 207 - 224، وإغاثة اللهفان 2/ 342 - 344، وهداية الحيارى ص 582، والمناظرة الكبرى، ص 465 - 475، والأمثلة على تحريف الزيادة في: إظهار الحق 1/ 338 - 374، والتوراة دراسة وتحليل ص 90 - 94، وأمثلة النقص إظهار الحق 1/ 414 - 456، والتوراة دراسة وتحليل 95 - 98، وأمثلة التأويل في إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان 2/ 331، 332، 361 - 363، وهداية الحيارى ص 526 - 539.
(2)
انظر: تفسير ابن كثير 1/ 194.
(3)
سورة البقرة، الآية 144.
(4)
سورة آل عمران، الآية، 71، وانظر: آل عمران: الآيتان 98، 99.
(5)
سورة النساء، الآية 47.
(6)
انظر: تفسير السعدي 2/ 319.
(7)
سورة المائدة، الآيتان 65، 66.