الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رسول الله، ليس كاذبا كما يقول اليهود، ولا هو الله كما يقول النصارى (1) ثم بعد أن يحكم بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم يموت كما يموت البشر قبل يوم القيامة.
فاتضح بذلك -بحمد الله- أن عيسى لم يقتل، ولم يصلب، ولم يمت حتى الآن، فبطل قول النصارى وما قتلوه وما صلبوه والله المستعان.
المسلك الرابع: البينات الواضحات على وقوع النسخ والتحريف في الأناجيل:
من حكمة القول في دعوة النصارى إلى الله -تعالى- أن يبين لهم بالأدلة العقلية والنقلية أن دين الإسلام قد نسخ جميع الشرائع السابقة، وأن ما وجد من الكتب السابقة فهو بين أمرين. إما حق قد نسخته الشريعة الإسلامية، وإما كلام محرف أو خلط فيه الحق بالباطل (2).
ومن المعلوم أن النصارى يقسمون الكتب إلى قسمين: 1 - كتب العهد القديم (3).
2 -
كتب العهد الجديد (4).
(1) انظر: فتح الباري 6/ 491، 492، 4/ 414، 5/ 121، وشرح النووي 2/ 190.
(2)
أما إثبات نسخ الشريعة الإسلامية لجميع الشرائع السابقة، فقد قدمت عليه الأدلة العقلية والنقلية في المطلب الأول من حكمة القول مع اليهود، فأغنى ذلك عن إعادته هنا. انظر: ص 404.
(3)
كتب العهد القديم هي ما يدعي النصارى أنه وصل إليهم بواسطة الأنبياء الذين كانوا قبل عيسى، وأشهر هذه الكتب خمسة: 1 - سفر التكوين 2 - سفر الخروج 3 - سفر الأخبار 4 - سفر العدد. 5 - سفر الاستثناء.
ومجموع هذه الكتب يسمى بالتوراة، انظر إظهار الحق، لرحمة الله الهندي 1/ 95 - 98، واليهودية والمسيحية، محمد ضياء الرحمن الأعظمي، ص 99 - 183.
(4)
كتب العهد الجديد هي ما يدعي النصارى أنها كتبت بالإلهام بعد عيسى صلى الله عليه وسلم، وأشهرها الأناجيل الأربعة: 1 - إنجيل متى 2 - إنجيل مرقس 3 - إنجيل لوقا 4 - إنجيل يوحنا. انظر: إظهار الحق 1/ 95 - 98، واليهودية والمسيحية، ص 313 - 352.
أما كتب العهد القديم فقد تقدم إثبات وقوع التحريف فيها بالأدلة العقلية والنقلية (1).
وأما كتب العهد الجديد فلا شك أن القول بالتحريف في كتب العهد الجديد عند النصارى أيسر عليهم من القول بالتحريف في العهد القديم؛ لأنهم لا يدعون أن الأناجيل منزلة من عند الله -تعالى- على المسيح، ولا أن المسيح صلى الله عليه وسلم أتاهم بها، بل كلهم مجمعون على أنها أربعة تواريخ ألفها أربعة رجال في أزمان مختلفة (2)؛ ولهذا قال ابن تيمية -رحمه الله تعالى-:" الإنجيل بمنزلة ما ينقل من أقوال الأنبياء وسيرهم، ويقع في ذلك الصح والخطأ "(3).
ولسعة هذا الموضوع سأقتصر على ما يثبت وقوع التحريف في الأناجيل بالأمثلة التالية:
1 -
النتيجة التي لا مفر من التسليم بها أن الأناجيل القانونية الموجودة الآن ما هي إلا كتب مؤلفة، وهي تبعا لذلك معرضة للخطأ والصواب، ولا يمكن الادعاء ولو لحظة أنها كتبت بإلهام؛ فلقد كتبها أناس مجهولون، في أماكن غير معلومة، وفي تواريخ غير مؤكدة، والشيء المؤكد أن هذه الأناجيل مختلفة غير متآلفة، بل إنها متناقضة مع نفسها، ومع حقائق العالم الخارجي؛ لأنها فشلت في تنبؤات كثيرة، كالقول بنهاية العالم، وهذا القول قد يضايق النصراني العادي، بل قد يصدمه، ولكن بالنسبة للعالم النصراني
(1) انظر حكمة القول مع اليهود: المسلك الثاني من المطلب الأول، ص 411.
(2)
انظر: الفصل لابن حزم 2/ 13، والجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 2/ 19، والمناظرة بين الإسلام والنصرانية ص 47.
(3)
انظر: الجواب الصحيح 2/ 19.
فقد أصبح ذلك عنده حقيقة مسلم بها (1) لما أجراه من أبحاث، ولما علمه من واقع الأناجيل.
2 -
الشواهد على التحريف من الأناجيل:
(1)
جاء في إنجيل مرقس: أن المسيح قال لتلاميذه: " اذهبوا إلى العالم أجمع، واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها، من آمن واعتمد خلص، ومن لم يؤمن يدن، وهذه الآيات تتبع المؤمنين يخرجون الشياطين باسمي، ويتكلمون بألسنة جديدة، يحملون حيات، وإن شربوا شيئا مميتا لا يضرهم، ويضعون أيديهم على المرضى فيبرءون "(2).
ففي هذا النص حجة على النصارى من وجهين:
الوجه الأول: قولهم عن عيسى: إنه أمرهم أن يبشروا بالإنجيل، فدل ذلك على أن إنجيلا أتاهم به وليس هو عندهم الآن، وإنما عندهم أربعة أناجيل متغايرة، وليس منها إنجيل ألف إلا بعد رفع عيسى صلى الله عليه وسلم بأعوام كثيرة، فصح أن ذلك الإنجيل الذي أخبر المسيح أنه أتاهم به وأمرهم بالتبشير به ذهب عنهم؛ لأنهم لا يعرفون له أصلا، وهذا ما لا يمكن سواه.
الوجه الثاني: قولهم: إنه وعد كل من آمن بدعوة التلاميذ أنهم يتكلمون بلغات لا يعرفونها، وينفون الجن عن المجانين، ويضعون أيديهم على المرضى فيبرءون، ويحملون الحيات، وإن شربوا شربة قتالة لا تضرهم، وهذا وعد ظاهر الكذب؛ فإن ما من النصارى أحد يتكلم بلغة لم يتعلمها، ولا منهم أحد ينفي جنيا، ولا من يحمل حية فلا تضره، ولا
(1) انظر: المناظرة بين الإسلام والنصرانية ص 35 - 50 فهناك تجد كثيرا من الأمثلة على هذه التناقضات.
(2)
انظر: الفصل لابن حزم 2/ 139، وعزاه المحقق إلى إنجيل مرقس، الإصحاح 16/ 15 - 18.
من يضع يده على مريض فيشفى، ولا منهم أحد يسقى السم فلا يضره، وهم معترفون بأن يوحنا - صاحب الإنجيل- قتل بالسم وحاشا لله أن يأتي نبي بمواعيد كاذبة، وهذا دليل على تحريف النصارى وتناقضهم وتكذيبهم أنفسهم " (1).
(ب) ومن ذلك ما جاء في إنجيل متى أن عيسى صلى الله عليه وسلم دعا على شجرة تين خضراء، فيبست التينة في الحال، فتعجب التلاميذ من ذلك، فقال لهم عيسى:" الحق أقول لكم إن كان لكم إيمان، ولا تشكوا أمر التينة فقط، بل إن قلتم أيضا لهذا الجبل انتقل وانطرح في البحر فيكون "(2).
وهذا فيه حجة على النصارى، وذلك أن الأمر لا يخلو من أن يكون النصارى مؤمنين بالمسيح صلى الله عليه وسلم، أو غير مؤمنين، فإن كانوا مؤمنين، فقد كذبوا المسيح فيما نسبوه إليه في هذه المقالة- وحاشا له من الكذب- فليس منهم أحد قدر على أن يأمر حبة من خردل بالانتقال فتنتقل، فكيف على قلع جبل وإلقائه في البحر!
وإن كانوا غير مؤمنين به فهم بإقرارهم هذا كفار، ولا يجوز أن يصدق كافر (3).
وبهذا يتبين أن الأناجيل وقع فيها تحريف عظيم، ولا يعتمد عليها، ولا مخرج من هذا التيه إلا بالدخول في الإسلام.
(1) انظر: الفصل لابن حزم 2/ 139.
(2)
انظر: الفصل لابن حزم 2/ 139، وعزاه المحقق إلى إنجيل متى، الإصحاح 21/ 18 - 22.
(3)
الفصل في الملل والأهواء والنحل، لأبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم، الإمام الحافظ، ولد سنة 384 هـ، وتوفى سنة 456 هـ، 2/ 98.
وانظر: الفصل لابن حزم 2/ 14 - 200، والمناظرة بين الإسلام والنصرانية ص 32 - 452.