الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صلى الله عليه وسلم: «الحرب خدعة» (1) ومعناه أن الخصم قد يدرك من خصمه بالمكر والخديعة في الحرب ما لا تدركه بالقوة والعدد، وذلك مجرب ومعروف (2).
المسلك الرابع: ضوابط قوة الجهاد:
ومع أن ما تقدم هو مفهوم القوة الصحيح في الدعوة إلى الله -تعالى-، فإن قوة الجهاد في سبيل الله لها ضوابط ينبغي أن يلتزم بها المجاهدون في سبيل الله- تعالى- ومن ذلك قوله تعالى:{وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190] فيدخل في ذلك ارتكاب المناهي: من المثلة والغلول، وقتل النساء، والصبيان، والشيوخ الذين لا رأي لهم ولا قتال، والرهبان، والمرضى، والعمي، وأصحاب الصوامع؛ لكن من قاتل من هؤلاء أو استعان الكفار برأيه قتل (3).
ويدخل في ذلك قتل الحيوان لغير مصلحة، وتحريق الأشجار، وإفساد الزروع والثمار، والمياه، وتلويث الآبار، وهدم البيوت (4) ولهذا كان صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا، ثم قال: اغزوا بسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدا وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال. . . " (5) ثم بينها صلى الله عليه وسلم كالآتي:
(أ) الإسلام والهجرة، أو إلى الإسلام دون الهجرة، ويكونون كأعراب المسلمين.
(1) مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب جواز الخداع في الحرب، 3/ 1361، وانظر: شرح النووي، 21/ 15.
(2)
فضل الجهاد والمجاهدين ص 28، وفتاوى ابن تيمية 28/ 253.
(3)
انظر: المغني لابن قدامة 13/ 175 - 179.
(4)
انظر: تفسير ابن كثير 1/ 227 وعناصر القوة في الإسلام ص 212.
(5)
مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب تفسير الإمام الأمراء على البعوث، 3/ 1357.
(ب) فإن أبوا الإسلام دعاهم إلى بذل الجزية.
(ج) فإن امتنعوا عن ذلك كله استعان بالله وقاتلهم (1).
ومن هذه الضوابط قوله تعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} [الأنفال: 58](2).
فإذا كان بين المسلمين والكفار عهد أو أمان فلا يجوز للمسلمين الغدر حتى ينقضي الأمد، فإن خاف المسلمون من أعدائهم خيانة، بأن ظهر من قرائن أحوالهم ما يدل على خيانتهم من غير تصريح منهم بالخيانة، فحينئذ يخبرهم المسلمون أنه لا عهد بيننا وبينكم حتى يستوي علم المسلمين وعلم أعدائهم بذلك.
ودلت الآية على أنه إذا وجدت الخيانة المحققة من الأعداء لم يحتج أن ينبذ إليهم عهدهم؛ لأنه لم يخف منهم بل علم ذلك.
ودل مفهوم الآية أيضا أنه إذا لم يخف منهم خيانة؛ بأن لم يوجد منهم ما يدل على ذلك، أنه لا يجوز نبذ العهد إليهم، بل يجب الوفاء إلى أن تتم مدته (3).
ولهذا قال سليم بن عامر: كان بين معاوية وبين الروم عهد وكان يسير نحو بلادهم حتى إذا انقضى عهدهم غزاهم، فجاء رجل على فرس أو برذون وهو يقول: الله أكبر، وفاء لا غدر فنظروا فإذا عمرو بن عبسة، فأرسل إليه معاوية رضي الله عنه فسأله، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول. «من كان بينه وبين قوم عهد فلا يشد عقدة ولا يحلها حتى ينقضي
(1) انظر المرجع السابق 3/ 1357، وزاد المعاد 3/ 100.
(2)
سورة الأنفال، الآية 58.
(3)
تفسير ابن كثير، 2/ 321، وتفسير السعدي، 3/ 183 - 184.