الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول
أسباب استخدام القوة مع عصاة المسلمين
كما أن من الحكمة في الدعوة إلى الله استخدام القوة مع الكفار عند الحاجة إليها، فكذلك تستخدم مع من يحتاجها من المسلمين الذين لم ينتفعوا بالمواعظ من الترغيب والترهيب، ولم يستفيدوا من حكمة القول التصويرية: من ضرب الأمثال، ولفت الأنظار إلى الصور المعنوية كصفات المؤمنين وآثارها، ولفت الأنظار والقلوب إلى الآثار المحسوسة، كالأمر بالسير في الأرض، والنظر فيما حل بالمكذبين من الدمار والهلاك.
فإذا لم يؤثر ما تقدم في عصاة المؤمنين فإن استخدام القوة حينئذ من الحكمة؛ لأن القوة كالعملية الجراحية للمريض إذا لم ينفع في علاج مرضه غيرها، فتستخدم عند الحاجة إليها بشرط الالتزام بالشروط والضوابط الشرعية.
واستخدام القوة في هذه المرحلة يتنوع ويختلف باختلاف الداعية والمدعو، والأحوال والأزمان والأماكن، وإمكانية استخدام القوة مع أمن الوقوع في المفاسد؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم شرع لأمته الدعوة إلى الله - تعالى -، وإيجاب إنكار المنكر؛ ليحصل بإنكاره من المعروف ما يحبه الله ورسوله، فإذا كان إنكاره المنكر يستلزم ما هو أنكر منه، وأبغض إلى الله ورسوله؛ فإنه لا يسوغ إنكاره، وإن كان الله يبغضه ويمقت أهله، وهذا كالإنكار على الملوك والولاة بالخروج عليهم؛ فإنه أساس كل شر وفتنة إلى آخر الدهر، وقد «استأذن الصحابة رضي الله عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتال الأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها، وقالوا: أفلا نقاتلهم؟ فقال: "لا ما
أقاموا الصلاة» (1) وقال: «من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر [ولا ينزعن يدا من طاعة]» (2) ومن تأمل ما جرى على الإسلام في الفتن الكبار والصغار رآها من- إضاعة هذا الأصل، وعدم الصبر على منكر؛ فطلب إزالته، فتولد منه ما هو أكبر منه وأنكر؛ ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يترك بعض الأمور المختارة، ويصبر على بعض المفاسد خوفا من أن يترتب على ذلك مفسدة أعظم؛ ولهذا لما فتح الله مكة وصارت دار إسلام عزم على نقض بناء البيت ورده على قواعد إبراهيم، ولكن منعه من ذلك -مع قدرته عليه- خشية وقوع ما هو أعظم منه، من عدم احتمال قريش لذلك؛ لقرب عهدهم بالإسلام، وكونهم حديثي عهد بكفر، ولهذا لم يأذن في قتل عبد الله بن أبي، ولم يأذن في الإنكار على الأمراء باليد، لما يترتب على ذلك من وقوع ما هو أعظم منه (3).
(1) مسلم، كتاب الإمارة، باب خيار الأئمة وشرارهم، 3/ 1482، وأحمد بلفظه، 3/ 28 - 29.
(2)
مسلم، كتاب الإمارة، باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن، 3/ 1477، وباب خيار الأئمة وشرارهم، 3/ 1482، واللفظ من الموضعين.
(3)
انظر: إعلام الموقعين لابن القيم، 3/ 15 - 16، وشرح النووي 16/ 139.