الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أمدها أو ينبذ إليهم على سواء» فرجع معاوية (1).
وهذا هو عين الحكمة في دعوة من ظلم وتجبر وصد عن سبيل الله تعالى.
المسلك الخامس: مراتب قوة الجهاد وأنواعه:
الجهاد له أربع مراتب: جهاد النفس، والشيطان، والكفار والمنافقين، وأصحاب الظلم، البدع والمنكرات.
1 -
جهاد النفس له أربع مراتب: (أ) جهادها على تعلم أمور الدين والهدى الذي لا فلاح لها ولا سعادة في معاشها ومعادها إلا به.
(ب) جهادها على العمل به بعد علمه، وإلا فمجرد العلم بلا عمل إن لم يضرها لم ينفعها.
(ج) جهادها على الدعوة إليه ببصيرة، وتعليمه من لا يعلمه، وإلا كان من الذين يكتمون ما أنزل الله من الهدى والبينات، ولا ينفعه علمه ولا ينجيه من عذاب الله.
(د) جهادها على الصبر على مشاق الدعوة إلى الله، وأذى الخلق، وأن يتحمل ذلك كله لله. فمن علم وعمل، وصبر فذاك يدعى عظيما في ملكوت السماوات. قال الله تعالى:{وَالْعَصْرِ - إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ - إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: 1 - 3](2).
(1) أبو داود، كتاب الجهاد، باب في الإمام يكون بينه وبين العدو عهد فيسير إليه، 3/ 83، وانظر: صحيح سنن أبي داود، 2/ 528.
(2)
سورة العصر، الآيات 1 - 3.
2 -
جهاد الشيطان وله مرتبتان: (أ) جهاده على دفع ما يلقي إلى العبد من الشبهات والشكوك القادحة في الإيمان.
(ب) جهاده على دفع ما يلقي إليه من الشهوات والإرادات الفاسدة، فالجهاد الأول بعد اليقين، والثاني بعد الصبر. قال تعالى:{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24](1). والشيطان من أخبث الأعداء، قال تعالى:{إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} [فاطر: 6](2).
3 -
جهاد الكفار والمنافقين: وله أربع مراتب:
(أ) بالقلب. (ب) باللسان. (ج) بالمال. (د) باليد.
وجهاد الكفار أخص باليد، وجهاد المنافقين أخص باللسان.
4 -
جهاد أصحاب الظلم والعدوان، والبدع والمنكرات: وله ثلاث مراتب:
(أ) باليد إذا قدر المجاهد على ذلك.
(ب) فإن عجز انتقل إلى اللسان.
(ج) فإن عجز جاهد بالقلب. قال صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» (3).
(1) سورة السجدة، الآية 24.
(2)
سورة فاطر، الآية 6.
(3)
مسلم كتاب الإيمان، باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان 1/ 69.
فهذه ثلاثة عشر مرتبة من الجهاد وأكمل الناس عند الله من كمل مراتب الجهاد كلها، والخلق متفاوتون في منازلهم عند الله تفاوتهم في مراتب الجهاد، ولهذا كان أكمل الخلق وأكرمهم على الله محمد خاتم أنبيائه ورسله؛ فإنه كفل مراتب الجهاد وجاهد في الله حق جهاده (1) فصلوات الله وسلامه عليه ما تتابع الليل والنهار.
ولما كان جهاد أعداء الله في الخارج فرعا على جهاد العبد نفسه في ذات الله كما قال صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بالمؤمن؟ من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم، والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده، والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله، والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب» (2). كان جهاد النفس مقدما على جهاد العدو في الخارج وأصلا له، فإنه ما لم يجاهد نفسه أولا لتفعل ما أمرها الله به وتترك ما نهاها الله عنه، ويحاربها في الله، لم يمكنه جهاد عدوه في الخارج، فكيف يمكنه جهاد عدوه والانتصار عليه، وعدوه الذي بين جنبيه غالب له وقاهر له؛ ولا يمكنه الخروج إلى عدوه حتى يجاهد نفسه على الخروج. فهذان عدوان (3) وبينهما عدو ثالث لا يمكن للعبد أن يجاهدهما إلا بجهاده، وهو واقف بينهما يثبط الإنسان عن جهادهما ويخوفه ويخذله، ولا يزال يخوفه ما في جهادهما من المشاق، وفوات اللذات، والشهوات، فلا يمكنه أن يجاهد هذين العدوين إلا بجهاد هذا العدو الثالث وهو الأصل لجهادهما وهو الشيطان (4).
ويتضح مما تقدم أن ميادين أو أنواع القتال في الجهاد كالآتي:
(1) انظر: زاد المعاد 3/ 10، 12.
(2)
أحمد بسند جيد، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي 1/ 11.
(3)
النفس والعدو في خارجها.
(4)
انظر. زاد المعاد 3/ 6.
1 -
جهاد الكفار، والمنافقين، والمرتدين (1).
2 -
جهاد البغاة المعتدين.
3 -
جهاد الدفاع عن: الدين، والنفس، والأهل، والمال. ويدخل في هذا النوع جهاد قطاع الطرق أو المحاربين. قال صلى الله عليه وسلم:«من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد» (2).
(1) انظر "التفصيل في ذلك، زاد المعاد 3/ 100، 6 - 11، والمغني لابن قدامة 12/ 264، والقتال في الإسلام لمحمد الجعوان ص 113.
(2)
أبو داود، كتاب الأدب، باب في قتال اللصوص، 4/ 246 والترمذي، كتاب الديات، باب ما جاء فيمن قتل دون ماله فهو شهيد، 4/ 28 والنسائي، كتاب تحريم الدم، باب من قتل دون ماله، 7/ 194، وأحمد برقم 1652 - 1653.