الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الرابع
حكمة القوة بالعقوبات الشرعية
توطئة:
قرر الإسلام العقوبات الشرعية على ارتكاب الجرائم؛ ليستوفي المجرم جزاءه، ويطهر من هذه الجريمة، ويرتدع أمثاله من ناحية أخرى، وهذا من أبلغ الحكم، ومن أعدل الأحكام، ومن أعظم وسائل حفظ الأمن والاستقرار، وبهذا حفظ الإسلام لأهله: الدين، والنفس، والنسب، والعرض، والعقل، والمال (1).
والدعوة إلى الله - تعالى- والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يتم ذلك كله إلا بتطبيق وتنفيذ العقوبات الشرعية، فإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، وذلك واجب على ولاة الأمور، وذلك يحصل بالعقوبات على ترك الواجبات وفعل المحرمات، ولا يجوز لهم التهاون في تنفيذها؛ لأنها من شرع الله، وتعطيلها يؤدي إلى سخط الله كما يؤدي إلى فساد المجتمع، فإذا أقيمت الحدود ظهرت طاعة الله، ونقصت معصيته، وحصل الخير والنصر والتمكين (2) وتطبيق هذه العقوبات كما أمر الله من حكمة القوة في الدعوة إلى الله ونصر دينه. وسأذكر معظم هذه العقوبات الشرعية الحكيمة في عشرة مسالك بإيجاز كالتالي:
المسلك الأول: عقوبة الهجر الحكيم:
من حكمة القوة في الدعوة إلى الله هجر من يظهر المنكرات على وجه التأديب حتى يتوب، كما هجر النبي صلى الله عليه وسلم الثلاثة الذين خلفوا حتى أنزل الله توبتهم.
(1) وهذا يعرف عند أهل الأصول بالضروريات. انظر: أضواء البيان 3/ 448.
(2)
انظر: الحسبة في الإسلام، لابن تيمية، ص 50، وأصول الدعوة، لعبد الكريم زيدان، ص 272، وعناصر القوة في الإسلام، ص 51.
وهذا الهجر يختلف باختلاف الهاجرين في قوتهم وضعفهم، وقلتهم وكثرتهم؛ فإن المقصود به زجر المهجور وتأديبه، ورجوع العامة عن مثل حاله، فإن كان هجره يضعف الشر كان مشروعا، وإن كان المهجور لا يرتدع بذلك ولا يرتدع به غيره، بل يزيد الشر والهاجر ضعيف وتكون مفسدة الهجر راجحة على مصلحته لم يشرع الهجر بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر، كما كان الهجر لبعض الناس أنفع من التأليف، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتألف قوما ويهجر آخرين (1) وينبغي أن يفرق بين الهجر لحق الله وبين الهجر لحق النفس، فالهجر لحق الله- تعالى- مأمور به والثاني منهي عنه.
ولا شك أن الهجر لحق الله من العقوبات الشرعية، فهو من جنس الجهاد في سبيل الله (2) وهذا يفعل؛ لتكون كلمة الله هي العليا ويكون الدين كله لله. وهذا يدل على أن حكمة القوة لها الأثر الكبير عند وضعها في موضعها.
ولهذا يجب على ولي أمر المسلمين- وهو الذي ينبغي أن ينصر الدعوة بعد النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلم بأن إقامة الحدود والعقوبات الشرعية رحمة من الله بعباده، وأن يكون قويا في إقامة الحد لا تأخذه في الله لومة لائم، ويكون قصده رحمة الخلق بكف الناس عن المنكرات، ويكون بمنزلة الطبيب الذي يسقي المريض الدواء الكريه، فيدخل المريض على نفسه المشقة ويشرب الدواء لينال به الراحة والشفاء (3).
(1) انظر: فتاوى ابن تيمية 28/ 204 - 207.
(2)
انظر: المرجع السابق، 28/ 208.
(3)
انظر: فتاوى ابن تيمية 28/ 329.