الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 -
ودعاؤه صلى الله عليه وسلم على بعض أعدائه، فلم تتخلف الإجابة، كأبي جهل، وأمته، وعقبة، وعتبة. . (1).
5 -
ودعاؤه يوم بدر، ويوم حنين، وعلى سراقة بن مالك رضي الله عنه وغيره كثير (2).
والحقيقة أن العاقل المنصف يقف أمام هذه الدلائل والبينات مذعورا، ولا يسعه إلا أن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
المسلك الثالث: عموم رسالته صلى الله عليه وسلم
إن أصل الأصول هو تحقيق الإيمان بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه رسول الله إلى جميع الخلق: إنسهم وجنهم، عربهم وعجمهم، كتابيهم ومجوسيهم، رئيسهم ومرءوسهم، وأنه لا طريق إلى الله عز وجل لأحد من الخلق إلا بمتابعته صلى الله عليه وسلم باطنا وظاهرا، حتى لو أدركه موسى وعيسى، وغيرهما من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؛ لوجب عليهم اتباعه، كما قال تعالى:{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ - فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [آل عمران: 81 - 82](3).
قال ابن عباس رضي الله عنهما: " ما بعث الله نبيا إلا أخذ عليه
(1) انظر: البخاري مع الفتح 1/ 349، ومسلم 3/ 1418، وتقدم تخريجه ص 149.
(2)
انظر: دعاءه يوم بدر في صحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب الإمداد بالملائكة في غزوة بدر، 3/ 1384، ويوم حنين في مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب غزوة حنين، 3/ 1402، وقصة سراقة في البخاري مع الفتح، كتاب مناقب الأنصار، باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة، 7/ 238، وانظر: ص 175 و 179.
(3)
سورة آل عمران، الآيتان 81، 82.
الميثاق: لئن بعث محمد وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه، وأمره أن يأخذ على أمته الميثاق لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه " (1).
ولهذا جاء في الحديث: «لو كان موسى حيا بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعني» (2).
ومن خالف عموم رسالة النبي صلى الله عليه وسلم لا يخلو من أحد أمرين:
1 -
إما أن يكون المخالف مؤمنا بأنه مرسل من عند الله؛ ولكنه يقول: رسالته خاصة بالعرب.
2 -
وإما أن يكون المخالف منكرا للرسالة جملة وتفصيلا.
فأما المعترف له بالرسالة ولكنه يجعلها خاصة بالعرب، فإنه يلزمه أن يصدقه في كل ما جاء به عن الله تعالى ومن ذلك عموم رسالته، ونسخها للشرائع قبلها، فقد بين صلى الله عليه وسلم أنه رسول الله إلى الناس أجمعين، وأرسل رسله، وبعث كتبه في أقطار الأرض إلى كسرى، وقيصر، والنجاشي، وسائر ملوك الأرض، يدعوهم إلى الإسلام، ثم قاتل من لم يدخل في الإسلام من المشركين، وقاتل أهل الكتاب، وسبى ذراريهم، وضرب الجزية عليهم، وذلك كله بعد امتناعهم عن الدخول في الإسلام، أما كونه يؤمن برسول ولا يصدقه في جميع ما جاء به، فهذا تناقض ومكابرة.
(1) انظر: الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان لابن تيمية ص 77، 191 - 200، وفتاوى ابن تيمية 19/ 9 - 65، بعنوان: إيضاح الدلالة في عموم الرسالة للثقلين، والجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 1/ 31 - 176، وتفسير ابن كثير 1/ 378، وأضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن 2/ 334، ومعالم الدعوة للديلمي 1/ 454 - 456، والمناظرة بين الإسلام والنصرانية ص 303 - 309.
(2)
أخرجه الإمام أحمد في مسنده 3/ 338، وله شواهد وطرق كثيرة ذكرها الهيثمي في مجمع الزوائد، 1/ 173 - 174، وانظر: مشكاة المصابيح بتحقيق الألباني، 1/ 63، 68.
وأما المنكر لرسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مطلقا، فقد قام البرهان القاطع على صدق صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم، ولا تزال معجزات القرآن تتحدى الإنس والجن، فإما أن يأتي بما يناقض المعجزة القائمة، وإلا لزمه الاعتراف بمدلولها، فإن اعترف بالرسالة لزمه التصديق بكل ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم، وإن ذهب يكابر ويعاند ليأتي بقرآن مثل ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وقع في العجز، وفضح نفسه لا محالة؛ لأن أصحاب الفصاحة والبلاغة قد عجزوا عن ذلك، ولا شك أن غيرهم أعجز عن هذا؛ لأن القرآن معجزة قائمة مستمرة خالدة (1).
وحينئذ يلزم جميع الخلق العمل بما فيه والتحاكم إليه.
وقد صرح القرآن الكريم بأن محمدا صلى الله عليه وسلم رسول إلى جميع الناس، وخاتم النبيين، قال تعالى:{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف: 158](2) وقال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان: 1](3){وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: 19](4).
وهذا تصريح بعموم رسالته لكل من بلغه القرآن.
(1) انظر: الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 1/ 144، 166، ومناهج الجدل في القرآن الكريم ص 303، والإرشاد إلى صحيح الاعتقاد للدكتور / صالح بن فوزان 2/ 182.
(2)
سورة الأعراف، الآية 158.
(3)
سورة الفرقان، الآية 1.
(4)
سورة الأنعام، الآية 19.
وصرح تعالى بشمول رسالة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الكتاب، فقال:{وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران: 20](1){مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40](2){وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107](3). {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [سبأ: 28](4).
وبلغ صلى الله عليه وسلم الناس جميعا أنه خاتم الأنبياء، وأن رسالته عامة، قال صلى الله عليه وسلم:«أعطيت خمس لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي "، وذكر منها: " وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس كافة» . . . الحديث (5).
وقال صلى الله عليه وسلم: «مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا، فأحسنه وأجمله، إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له، ويقولون: هلا وضعت هذا اللبنة؟ " قال: " فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين» (6). وعموم رسالته صلى الله عليه وسلم لجميع الإنس والجن في كل زمان ومكان من بعثته إلى يوم القيامة، وكونها خاتمة الرسالات، يقضي ويدل دلالة قاطعة على أن النبوة قد انقطعت بانقطاع الوحي بعده، وأنه لا مصدر للتشريع والتعبد
(1) سورة آل عمران، الآية 20.
(2)
سورة الأحزاب، الآية 40.
(3)
سورة الأنبياء، الآية 107.
(4)
سورة سبأ، الآية 28.
(5)
البخاري مع الفتح، كتاب الصلاة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا 1/ 533، ومسلم، كتاب المساجد، 1/ 370، برقم 521.
(6)
البخاري مع الفتح، كتاب المناقب، باب خاتم النبيين 6/ 558، ومسلم، كتاب الفضائل، باب ذكر كونه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين 4/ 1790.
إلا كتاب الله- تعالى- وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا يقتضي وجوب الإيمان بعموم رسالته، واتباع ما جاء به، فقد قال صلى الله عليه وسلم:«والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار» (1).
وبعون الله - تعالى- ثم بهذه المسالك الثلاثة الآنفة الذكر- تقوم الحجة، وتثبت رسالة النبي صلى الله عليه وسلم وعمومها وشمولها لجميع الثقلين: الإنس والجن، في كل زمان ومكان إلى قيام الساعة:{قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ} [الأنعام: 104](2){وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29] الآية (3).
(1) مسلم، كتاب الإيمان، باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى جميع الناس، ونسخ الملل بملته 1/ 134.
(2)
سورة الأنعام، الآية 104.
(3)
سورة الكهف، الآية 29.