الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسلك الثالث: البراهين الدالة دلالة قطعية على إبطال قضية الصلب والقتل:
زعم النصارى أن اليهود قتلوا عيسى صلى الله عليه وسلم وصلبوه، وقبر، وقام في اليوم الثالث، وصعد إلى السماء (1) وقد كذبهم الله فيما زعموا {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} [النساء: 157] (2).
ومن الحكمة القولية في دعوتهم إلى الله وإبطال مذهبهم أن يرد عليهم بالآتي:
1 -
الأدلة العقلية: (أ) بما أنكم أجمعتم أيها النصارى على القول بالاتحاد والصلب والقتل (3) فهل كان الاتحاد موجودا في حالة الصلب والقتل أم لا؟ فإن قلتم كان موجودا، لزمكم القول بأن ابن الله القديم -في زعمكم- مات وصلب؛ لأن جواز القتل كجواز الموت والحركة والسكون والافتراق، وفيه جواز موت الأب والروح، وهذا لا يقولون به.
(1) انظر. الجواب الصحيح 2/ 116، والداعي إلى الإسلام للأنباري ص 377، وإغاثة اللهفان 2/ 273، وهداية الحيارى ص 618.
(2)
سورة النساء، الآية 157.
(3)
قالوا: إن الإله اتحد مع الإنسان فصار شيئا واحدا، ويعنون بالاتحاد: اتحاد الكلمة بجسد المسيح، ولا يسمون الكلمة التي هي العلم عندهم ابنا إلا بعد تدرعها بالمسيح، فالمسيح عندهم - مع ما تدرع به - ابن. . انظر: الفصل لابن حزم 1/ 117، والداعي إلى الإسلام ص 365، والملل للشهرستاني، 1/ 222، ودقائق التفسير 2/ 346.
فإن قالوا: إن الاتحاد بطل، قيل لهم: فيجب ألا يكون المقتول مسيحا؛ لأن الجسد عند انتقاض الاتحاد ليس بمسيح، فبطل قولكم بأن المسيح قتل وصلب.
(ب) أنتم تزعمون أن المسيح قتل وصلب، والمسيح في عقيدتكم كان لاهوتا وناسوتا، فيلزم من ذلك إطلاق القول بقتل إلهكم؛ لأن المسيح عندكم إله مطلق، ومن ضرورة ذلك إطلاق القول بقتل الإله وموته، وذلك مروق عن الدين (1).
فإن قالوا: إنما قتل الناسوت دون اللاهوت. قيل لهم: هذا باطل من وجهين:
1 -
أن ناسوته لم يصلب وليس فيه لاهوتا.
2 -
ذكركم ذلك دعوى مجردة فيكفي في مقابلتها المنع (2).
(جـ) إذا كان عيسى ابن الله -تعالى- قديم الروح بزعمكم فكيف قدر اليهود على أن يقتلوا ابن الله، وهو إله عندكم، والإله لا يقتل!
فإن قالوا: إنما قتل الهيكل دون الروح، قيل لهم: قد بطل الاتحاد الذي ادعيتموه، فكان يجب أن يمنع الروح واللاهوت عن القتل وإتلاف الهيكل والناسوت، فدل ذلك على أنه كان عبدا لله ورسولا له، لا ابنا له (3).
2 -
أخبار القتل والصلب مصدرها اليهود: من المعلوم يقينا أن أخبار المسيح والصلب والقتل إنما تلقاها النصارى عن اليهود، وقد ثبت أنه لم يحضر أحد منهم، وإنما قال اليهود: قتلناه
(1) انظر: الداعي إلى الإسلام ص 378.
(2)
انظر: الجواب الصحيح 2/ 297، ودقائق التفسير 2/ 336، وإغاثة اللهفان 2/ 290.
(3)
انظر: الداعي إلى الإسلام للأنباري ص 378، والجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، 2/ 279 - 294.
وصلبناه، وهم أعظم أعدائه الذين رموه وأمه بالعظائم، وأجمعت اليهود على أن عيسى صلى الله عليه وسلم، لم يدع شيئا من الإلهية التي نسبها إليه النصارى، فحينئذ يقال للنصارى: إن صدقتم اليهود في القتل والصلب فصدقوهم في أنه ليس بإله، بل هو عبد مخلوق! (1).
ومن العجيب أن النصارى يعظمون الصليب، وكان من مقتضى العقول أن يحرقوا كل صليب وجدوه؛ لأنه قد صلب عليه إلههم ومعبودهم بزعمهم. . فبأي وجه بعد هذا يستحق الصليب التعظيم (2).
3 -
تناقض الأناجيل في قضية الصلب: وقع في قضية الصلب في الأناجيل المعتمدة عند النصارى أكثر من ثلاثين تناقضا، وحينئذ يطبق على هذه التناقضات قاعدة: كل ما تسرب إليه الاحتمال سقط به الاستدلال (3).
وهذا يدل على أن كل ما تعلق بالصلب اشتبه أمره على النصارى، وغابت عنهم الحقيقة، فهم لا يزالون مختلفين، وبهذا يسقط قولهم؛ لأنهم لا علم لهم ولا دليل يعتمدون عليه (4).
4 -
إبطال القرآن الكريم لقضية الصلب والقتل: أوضح الله في القرآن الكريم أمر الصلب وبينه وجلاه وأظهره، وأوضحه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم المؤيد بالمعجزات والبينات والدلائل الواضحات، فقال تعالى:
(1) انظر: هداية الحيارى ص637 - 639، والجواب الصحيح 2/ 283.
(2)
انظر: إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان لابن القيم 2/ 85، وهداية الحيارى من 495، والفصل لابن حزم 1/ 123 - 128.
(3)
انظر أمثلة هذه التناقضات مع إحالتها إلى الأناجيل في: المناظرة بين الإسلام والنصرانية ص 62 - 108، والإنجيل دراسة وتحليل للدكتور / محمد شلبي ص 94 - 121.
(4)
انظر: المناظرة بين الإسلام والنصرانية ص 104.
فعيسى صلى الله عليه وسلم لم يفتل ولم يصلب، بل رفعه الله إليه، ولم يمت، قال تعالى:{إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} [آل عمران: 55](2) وقال تعالى حكاية عن المسيح: {فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المائدة: 117](3).
والوفاة هنا بمعنى القبض، كما يقال: توفيت من فلان ما لي عليه، بمعنى: قبضته واستوفيته، فيكون معنى:{إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران: 55] أي: إني قابضك من الأرض ورافعك إلي (4).
وقوله عز وجل: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} [النساء: 159] يعم اليهود والنصارى، فدل ذلك على أن جميع أهل الكتاب يؤمنون بالمسيح قبل موته، وذلك إذا نزل في آخر الزمان (5).
آمنت اليهود والنصارى بأنه
(1) سورة النساء، الآيات 155 - 159.
(2)
سورة آل عمران، الآية 55.
(3)
سورة المائدة، الآية 117.
(4)
ورجح هذا القول الطبري في تفسيره 3/ 203.
وهناك أقوال أخرى في معنى الوفاة هنا، فمنهم من قال: النوم، وهم الأكثر، كما قاله ابن كثير 1/ 367، ومنهم من قال في الآية تقديم وتأخير، وتقديره. إني رافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا، ومتوفيك بعد ذلك.
انظر. تفسير الطبري 3/ 202 - 204، والبغوي 1/ 308، وزاد المسير 1/ 396، والجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 2/ 285 وتفسير ابن كثير 1/ 367، وأضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن 1/ 342.
(5)
انظر خبر نزول عيسى آخر الزمان وحكمه بالشريعة الإسلامية في البخاري مع الفتح، كتاب الأنبياء، باب نزول عيسى ابن مريم 6/ 490، ومسلم، كتاب الإيمان، باب نزول عيسى ابن مريم حاكما بشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم 1/ 135.