الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحكام التبني
2490 -
عرض على اللجنة الاستفتاء المقدَّم من السيد / رابطة الاجتماعيين بالكويت، ونصُّه:
تقدمت لنا منظمة الاجتماعيين البريطانية بخطاب (ونرفق لكم صورة منه) تستطلع الرأي حول موضوع التبني، وهذه المنظمة على ما يبدو تعلم كما جاء في خطابها بأن هذا الموضوع يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية الغراء، وأنها بصدد التشاور واستطلاع رأي المنظمات الإسلامية في بريطانيا، وعلاوة على ذلك فهي تطلب المشورة وإبداء الرأي من قبلنا باعتبارنا منظمة اجتماعية في الكويت.
والرأي لدينا أننا سنطلب إليهم التأكيد على إجراء المشاورات واستطلاع رأي المنظمات الإسلامية في بريطانيا؛ حيث ستؤكد لهم ولا شك حكم الشريعة الإسلامية الغراء في هذا الخصوص، إلّا أننا نرجو من باب الاستطلاع والمشورة إفادتنا بما قد ترونه في هذا الخصوص من حيث رأي الإسلام فيما يوفره من مختلف صور الرعاية للإنسان، سبق بها كافة التنظيمات والتشريعات التي عرفتها البشرية في كافة مجتمعاتها، مع رسم الحدود والمحرمات التي يقتضي التقيد بها من حيث النسب والإرث والزواج وسائر الأحكام التي أوجب مراعاتها وعدم المساس بها.
وما من شك أن ما سنتلقاه منكم من شرح لفلسفة الإسلام في توفير صنوف الرعاية لأمثال هذه الفئة التي هي موضع التبني في مجتمعات وتشريعات أخرى غير المجتمعات الإسلامية سيعيننا كثيراً على شرح أهداف الإسلام في تحريمه للتبني، تفادياً للمساس أو الاقتراب من الحدود التي حرَّمَها الإسلام في هذا الخصوص.
وطلبت اللجنة كتاب «أطفال بلا أسر» لعبد الله محمد عبد الله، وكتاب «الحلال والحرام» ليوسف القرضاوي، ومذكرة «حقوق الطفل» ، وكلفت اللجنة الشيخ عبد القادر العاني بصياغة الإجابة، على أن تعرض الإجابة على اللجنة.
وقد اعتمدت اللجنة الإجابة التالية:
إن التبني يطلق على معنى إلحاق الشخص بنسبه من هو أجنبي وغريب عنه، ويطلق ويراد به معنى التربية والولاية.
أ - التبني بالمعنى الأول:
إن التبني بمعنى إلحاق الشخص بنسبه مَن ليس مِن صُلْبه بنكاح معتبر شرعاً، ولا وطء بشبهة، ولا بعقد فاسد يعتبر باطلاً شرعاً؛ لأنه إذا كان الأب لا يجوز له أن ينكر نسب من ولد في فراشه، فإنه لا يحل له كذلك أن يتبنى من ليس بابن له من صلبه.
وقد كان التبني مشتهراً عند العرب في الجاهلية كغيرهم من الأمم؛ يلحقون بأنسابهم وأسرهم من شاؤوا عن طريق التبني، فللرجل أن يضيف إلى بنوته من يختاره من الفتيان، ويعلن ذلك فيصبح واحداً من أبنائه، له ما لهم وعليه ما عليهم، ولم يكن يمَنْع من هذا التبني أن يكون للفتى المتبنَّى أبٌّ معلوم ونسبٌ معروف، وقد تبنى النبي صلى الله عليه وسلم قبل الرسالة زيد بن حارثة؛ كان قد سُبِي صغيراً في بعض غارات العرب، فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة، ثم وهبته للنبي صلى الله عليه وسلم بعد زواجها منه، فأعتقه النبي صلى الله عليه وسلم وتبناه وأشهد على ذلك القوم، حتى كان يعرف بعد ذلك باسم «زيد بن محمد»
(1)
.
والتبني على هذا يجعل شخصاً غريباً عن أفراد الأسرة فرداً منها، يَرِث ويُورَث، ويخلو بنساءٍ غريباتٍ عنه على أنهن محارمُهُ، فلا زوجة المتبني أمَّه، ولا
(1)
مسلم (رقم 2425).
بنته أخته، ولا أخته عمتَه، وإنما هو أجنبي عن الجميع.
ب- أسباب تحريم التبني:
1 -
التبني كذب لا حقيقة له؛ لذلك قال الله تعالى: {ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ} [الأحزاب 4]؛ أي: قول لا حقيقة له في الوجود.
2 -
إن التبني يؤخذ في كثير من الأحيان وسيلة للكيد والإضرار بالأقارب؛ فيتخذ الرجل له ابناً تبناه حتى يرث ماله، ويَحرِم بذلك إخوته أو غيرهم أصحابَ الحق في الميراث عند الله، فكان من المعقول إهدارُه حتى لا يُتخذَ ذريعة إلى إفساد الأسرة وإثارة الأحقاد والضغائن في صفوفها، وحرمان ذوي الحقوق من الوصول إلى حقوقهم بسبب هذا النسب الزائف القائم على الكذب والتزوير.
3 -
يؤدي التبني إلى تحليل الحرام وتحريم الحلال؛ إذ يصبح هذا الدخيل فرداً من أفراد الأسرة في الظاهر ومَحْرَماً لنساء أجنبيات عنه؛ فيرى منهن ما لا يحل له، ويحرم عليه الزواج بإحداهن، وهُنَّ حلال له في الواقع.
ج- إبطال التبني:
لما كان التبني له هذا الأثر الخطير فقد أبطله الإسلام وحرمه تحريماً باتًّا، قال تعالى:{وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4) ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} [الأحزاب: 4 - 5].
وكذلك ألغى الإسلام آثار التبني كلَّها سواء في الإرث أو في غيره.
د - انتساب الولد إلى غير أبيه:
كما حرم الإسلام على الأب أن ينكر نسب ولده بغير حق حرّم على الولد
أن ينتسب لغير والده، ويُدعى إلى غير أبيه، قال عليه الصلاة والسلام:«مَن ادَّعَى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مَواليه؛ فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صَرْفاً ولا عَدْلاً» ؛ أي: توبة ولا فدية. [متفق عليه]
(1)
، وقال عليه الصلاة والسلام:«من ادعى إلى غير أبيه، وهو يعلم أنه غير أبيه؛ فالجنة عليه حرام» [متفق عليه]
(2)
.
هـ - التبني بمعنى التربية والرعاية:
هناك نوع يظنه الناس تبنيّاً وليس هو بالتبني الذي حرمه الإسلام؛ وذلك: أن يضم الرجل إليه طفلاً يتيماً أو لقيطاً، ويجعله كابنه في الحنو عليه والعناية به والتربية له، فيحضنه ويطعمه ويكسوه ويعلِّمُه كأنه ابنه مِن صُلْبِهِ، ومع هذا لم ينسبه لنفسه، ولم يثبت له أحكام البنوة المذكورة، فهذا أمر محمود في دين الله. يستحق صاحبه عليه المثوبة في الجنة، وقد قال عليه السلام:«أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وأشار بالسبابة والوسطى وفرّج بينهما» ، [أخرجه مسلم] أخرجه البخاري
(3)
، واللقيط في معنى اليتيم، وإذا لم يكن للرجل ذرية وأراد أن ينفع هذا الولد بشيء من ماله، فله أن يهبه ما شاء في حياته، وأن يوصي له في حدود الثلث من التركة قبل وفاته، وينبغي عدم تسمية هذه الرعاية بالتبني، وإنما تسمى (كفالة اليتيم). والله أعلم.
[7/ 255 / 2173]
(1)
متفق عليه، البخاري (رقم 2936)، ومسلم (رقم 2433)، واللفظ له.
(2)
سبق تخريجه.
(3)
رقم (5304).