الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: مصادر التربية الإسلامية
أولًا: القرآن: أثره التربوي في نفس الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة
…
الفصل الثاني: مصادر التربية الإسلامية
التربية الإسلامية هي التنظيم النفسي، والاجتماعي الذي يؤدي إلى اعتناق الإسلام، وتطبيقه كليا في حياة الفرد والجماعة.
فالتربية الإسلامية ضرورة حتمية لتحقيق الإسلام كما أراده الله أن يتحقق، وهي بهذا المعنى تهيئة النفس الإنسانية لتحمل هذه الأمانة، وهذا يعني بالضرورة أن تكون مصادر الإسلام هي نفسها مصادر التربية الإسلامية، وأهمها القرآن والسنة.
أولا: القرآن: أثره التربوي في نفس الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة:
فالقرآن قد ترك أثرًا لا شك فيه في تربية نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصحابته وقد شهدت بذلك السيدة عائشة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت في وصفه:"كان خلقه القرآن"، بل إن شهادة الحق جل جلاله قد سبقت كل شهادة قال تعالى:{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآَنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} [الفرقان: 25/ 32] .
فهما هنا إشارتان تربويتان: الأولى تثبيت الفؤاد وترسيخ الإيمان، والثانية تعليم الترتيل، في قراءة القرآن، وفيها نزلت توصيات تربوية صريحة من الحق جل جلاله إلى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك في قوله تعالى:
{لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ، إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ، فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: 75/ 16-19]1.
1 انظر الشرح التربوي لهذه الآيات في كتابنا التربية، وطرق التدريس 1/ 112، عبد الرحمن النحلاوي، عبد الكريم عثمان، محمد خير عرقسوسي، طبعة الرئاسة العامة للكليات، والمعاهد العلمية بالرياض سنة 1392هـ.
وحياة الرسول صلى الله عليه وسلم في سلمة وحربه، في حله وترحاله، في داره وبين رجاله، كلها تشهد بما شهدت به السيدة عائشة، والمسلمون جميعا من أنه "كان خلقه القرآن"، فأدعيته مستقاة من القرآن تارة باللفظ، وتارة بالمعنى.
أما أصحابه رضوان الله عليهم، فقد أخذوا أنفسهم بتطبيق القرآن مع تعلمه حتى قال قائلهم:"كنا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نجاوز السورة من القرآن حتى نحفظها ونعمل بها، فتعلمنا العلم والعمل جميعا".
وكان القرآن وقع عظيم، وأثر تربوي بالغ في نفوس المسلمين، حتى شغلهم عن الشعر، وكانوا من أشد الناس تعلقا به، وعن الحكم والكهانة، وأخبار الفروسية، وأخبار العرب في جاهليتهم.
أسلوب القرآن التربوي:
والسر في ذلك أن للقرآن أسلوبًا رائعًا، ومزايا فريدة في تربية المرء على الإيمان بوحدانية الله وباليوم الآخر، نذكر منها بعض ما ورد في كتابنا "التربية وطرق التدريس ص96-97"1.
إنه يفرض الإقناع العقلي مقترنا بإثارة العواطب، والانفعالات الإنسانية، فهو بذلك يربي العقل والعاطفة جميعا، متمشا مع فطرة الإنسان في البساطة، وعدم التكلف، وطرق باب العقل مع القلب مباشرة.
يبدأ القرآن من المحسوس المشهو المسلم به: كالمطر، والرياح، والنبات، والرعد، والبرق، ثم ينتقل إلى استلزام وجود الله، وعظمته وقدرته، وسائر صفات الكمال، مع اتخاذ أسلوب الاستفهام أحيانا، إما للتقريع، وإما للتنبيه، وإما للتحبيب والتذكير بالجميل، أو نحو ذلك، مما يثير في النفس الانفعالات الربانية: كالخضوع، والشكر، ومحبة الله، الخشوع له، ثم تأتي العبادات والسلوك المثالي تطبيقا عمليا للأخلاق الربانية.
وهذه لعمري، أفضل طريقة اهتدى إليها علم النفس لتربية العاطفة، إنها تكرار إثارة الانفعالات، مع تجارب سلوكية مشحونة بهذه الانفعالات، مصحوبة
1 تأليف عبد الرحمن نحلاوي، عبد الكريم عثمان، محمد خير عرقسوسي.
بموضوع معين، حتى يصبح عند المرء استعداد لاستيقاظ هذه الانفعالات كلما أثير هذه الموضوع، وهل العاطفة إلا ذلك الاستعداد الوجداني الانفعالي؟ فإذا ربي مع العاطفة سلوك مثالي تتطلبه تلك العاطفة، فقد بلغت التربية ذروتها في توحيد النفس، واستنفاد طاقتها لخير الإنسانية، ولعل أوضح مثال على هذا الأسلوب التربوي القرآني يتضح في "سورة الرحمن"، حيث يذكرنا الله جل جلاله بنعمة ودلائل قدرته، بادئا من الإنسان، وقدرته على التعليم، إلى ما سخر الله له من الشمس، والقمر والنجم والشجر، والفاكهة والثمر، وما خلق من السماء والأرض، وعند كل آية أو عدة آيات استفهام يضع الإنسان أمام الحس، والوجدان وصوت القلب والضمير، فلا يستطيع أن ينكر ما يحس به، ويستجيب له عقله وقلبه، وقد تكرر ذلك هذا الاستفهام:{فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 55/ 13] وما بعدها، إحدى وثلاثين مرة في هذه السورة، وفي كل مرة يثير انفعالا بحسب الآية التي تسبقه.
هذه نبذة عن أسلوب القرآن التربوي، أو منهجه التربوي المتكامل، فهذا ما سنراه في طيات البحث عن منهج الإسلام التربوي، وأسلوب الإسلام في رعاية الطفولة في جميع العصور، ومعالجة أمورها.
وحسبنا هنا أن نبين أن القرآن قد بدأ نزوله بآيات تربوية، فيها إشارة إلى أن أهم أهدافه تربية الإنسان بأسلوب حضاري فكري، عن طريق الإطلاع والقراءة والتعليم، والملاحظة العلمية لخلق الإنسان منذ كان علقة في رحم الأم.
وأن الله تعالى أقسم أحد عشر قسما ليقرر أن النفس الإنسانية قابلة للتربية1، والتزكية والتسامي.
1 انظر سورة الشمس من قوله تعالى: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} إلى قوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 91/ 1-10] .